لا خلاف على أن خطأ ، بل ربما خطيئة قد وقعت خلال الحلقة الأخيرة من الاتجاه المعاكس ، وبالطبع عندما أمعنت واحدة من أسوأ إفرازات المحافظين الجدد في الولاياتالمتحدة شتماً في مقدسات المسلمين ، الأمر الذي أثار غضب كل من تابع الحلقة أو سمع عنها ، لا سيما أن المشارك الآخر لم يكن مناسباً لهذا اللون من الحوار الذي يتداخل فيه الديني بالسياسي. لم تكن هذه المرة هي الأولى التي يستضيف فيها فيصل القاسم (وفاء سلطان) ، لكنها خرجت في المرات السابقة بصورة بائسة أمام الطرف الآخر ، وبالطبع تبعاً لعبثية الأفكار التي تتبناها بالنسبة للمشاهدين العرب ، هذا على الأقل ما كنا نسمعه من الناس العاديين الذين يحرصون على مشاهدة البرنامج. ما ينبغي أن يقال ابتداءً هو أنه ، وبصرف النظر عما جرى في الحلقة المذكورة ، فإن فيصل القاسم لم يكن يتمنى ما جرى. وللأمانة ، وبصرف النظر عن رأينا في طريقة تقديمه ، فإنه في أكثر مواقفه كان أقرب إلى نبض الجماهير منه إلى مواقف الفئات المعزولة ، لا سيما متطرفي العلمانية ودعاة الأمركة والانبطاح. لبرنامج الاتجاه المعاكس طبيعة خاصة جعلته الأكثر مشاهدة بين برامج الفضائيات العربية ، ربما لأنه أقرب إلى برنامج المصارعة منه إلى الحوار الفكري الهاديء ، إذ يميل الجمهور في الغالب إلى جانب ضيف معين متمنياً أن يتغلب على خصمه من دون مواربة ، لا سيما حين تطرح الحلقة رؤيتان لا ينحاز إلى احداهما سوى نسبة ضئيلة ، بينما تنحاز الغالبية إلى الفكرة الأخرى ، ويظهر ذلك من التصويت الأولي الذي يراوح في معظم الأحيان بين أكثر من تسعين وأقل من عشرة في المئة. شخصياً شاركت في البرنامج عدة مرات ، وفي كل مرة كان هناك من يأخذ عليّ هدوئي في مواجهة خصم يستحق برأيه غير ذلك ، وعندما وقع سباب متبادل في المرة الأخيرة ، كانت ردة فعل الناس منقسمة بين من رحّب وشكر بحرارة ، وبين من اعتبر أنني فعلت ما لا يليق بمثلي. مع العلم أن بعض المواقف تبدو مستفزة بالفعل ، ليس للجمهور فقط ، بل للضيف أيضاً ، وصولاً إلى دفعه نحو مواقف انفعالية قد لا يحبها. كل ذلك لا يعني الغياب الكامل للرؤى الفكرية في البرنامج ، فقد استضاف كبار المفكرين والسياسيين ، لكن ذلك لم يخرجه عن طبيعته المشاكسة التي يريدها المقدم من أجل التميز ومن أجل الخروج من دائرة الرتابة الحوارية التي لا تبدد الجمهور. الآن ، يريد البعض استغلال الخطأ الذي وقع ليصفي حساباته مع الجزيرة ، ليس جزيرة الاتجاه المعاكس فقط ، وإنما ، وهو الأهم ، جزيرة التغطية الصحفية الأقرب إلى روح الأمة وضميرها ووعيها. جزيرة الوقوف إلى جانب المقاومة في فلسطين والعراق. جزيرة الانحياز إلى هموم المواطن العربي الداخلية والخارجية. هناك بالتأكيد طيبون مخلصون أساءهم ما سمعوا ، وهؤلاء استجابت لهم الجزيرة بالاعتذار ، وبعدم نشر حلقتي الإعادة من البرنامج وبإزاحته كاملاً من على موقعها ، أما المتربصون فلن يكفيهم شطب برنامج الاتجاه المعاكس ، لأن طموحهم الحقيقي هو شطب المحطة برمتها ، وقد أدرك الجميع أن وثيقة تنظيم البث الفضائي العربية إنما قصدت الجزيرة أكثر من أية فضائية أخرى. من اللافت أن بعض من كانوا يصنفون الجزيرة بأنها صوت التطرف والإرهاب هم أنفسهم الذين خرجوا منتصرين للإسلام الذي تعرض للهجوم على شاشتها ، وهم أنفسهم الذين اتهموها مرة بأنها موساد وأخرى بأنها سي آي إيه ، إلى غير ذلك من التهم. بقي القول إن الوعي الجمعي للأمة هو البوصلة الصحيحة وليس كلام النخب المعزولة ، وهو وعي ينحاز إلى الجزيرة ، من دون أن يعني ذلك غياب الملاحظات على أدائها في هذه الجانب أو ذاك. التاريخ : 11-03-2008