مَن كان يتوقّع, بعد الانتخابات التشريعية في العراق المحتل, حصول تغيير ولو بسيط جدا فليمسح بوزه بالحايط كما يُقال. فالأمور ستبقى كما هي, ومجموعة الدمى المتحرّكة في المنطقة الخضراء سوف تستمر في أداء نفس الدور الذي رسمه لها المحتل الأمريكي والايراني, رغم سوء الأداء والتمثيل والجودة. وإن المشكلة لا تكمن فقط بكون"قادة" العراق الجديد لا يتمتعون بصفات وخصال القادة وتنقصهم الخبرة والكفاءة والشعور بالمسؤولية في إدارة شؤون البلاد والعباد, وإنما في العملية السياسية ذاتها. فهي بناء ديكوري مبني على رمال طائفية عنصرية متحرّكة, هدفها الأول هو مسح الهوية الوطنية للعراقيين وتفكيك أواصر الأخوة والتآلف والمحبّة بينهم. وكعادته, لم يخلُ عراقهم الجديد من عجائب ديمقراطية وغرائب انتخابية يوم توجّه الناخبون الى صناديق الاقتراع. فقد أبلى عملاء أمريكا وإيران بلاءا حسنا بعد أن قاموا بتوظيف وإستغلال كلّ دوائر الحكومة ومؤسسات الدولة, بما فيها الجيش والطائرات المروحية التي ألقت منشورات "إنتخابية" تهديدية على بعض مناطق بغداد. ناهيك عن التدخل الشخصي الفض والمصحوب بالعنف والتهديد بالسلاح الذي مارسه ديمقراطيو حكومة نوري المالكي العميل, والذي حصل خارج وداخل الكثير من المراكز الانتخابية. ولم تكن عملية وضع العراقيل الطويلةأمام آلاف المواطنين لمنعهم من المشاركة, لأن أصواتهم لم تكن مؤكدة لصالح أحزاب السلطة, الاّ التعبير الصادق عن زيف وبشاعة وبؤس العملية السياسية في العراق المحتل. ولو قامت ما تُسمى بالمفوضية العليا "المستقلّة" للانتخابات بممارسة عملها بشكل نزيه وشريف ومحايد, وهو أمر مشكوك فيها كثيرا, لأكتشفت آلاف الخروقات والتجاوزات والانتهاكات التي قام بها الباحثون عن موطيء قدم, ولو على أرض رخوة, تحت قبّة برلمان المنطقة الخضراء. وما يلفت النظر, وبعد إغلاق صناديق الاقتراع بدقائق معدودة,, هو أن الجميع من شمال العراق الى جنوبه أعلنوا عن فوزهم وبشّروا بانتصارهم. وقد شاهدت وسمعت من أحدى الفضائيات إن القائمة الفلانية فازت في التصويت الخاص بعراقيي الخارج حتى قبل أن تبدأ الانتخابات في العراق يوم السابع من آذار. وكمثال على عجائب وغرائب"الديمقراطية" في عراق اليوم, هو أن ألافا من أنصار جميع الأحزاب الكردية في شمال الوطن خرجوا معبّرين عن فرحهم العارم بالفوز. على مَن فازوا يا ترى؟ بالتأكيد على العراقيين. بدليل أنهم كانوا يرفعون علما كرديا, بدل العلم العراقي الرسمي, مع أن الانتخابات عراقية وتخصّ برلمان العراق "الفيدرالي" كلّه. ورغم أن التعبير عن الفرح حقّ طبيعي لكل إنسان الاّ أن الأمر بدأ لي, وأنا أشاهد آلاف الأكراد بعلمهم الخاص وليس بعلم العراق, وكأن الموضوع يتعلّق باستفتاء جماهيري حول بقاء أو إنفصال ما يُسمى باقايم كردستنان عن بقية العراق. وبلغ الانحطاط "الديمقراطي" والنفاق الشخصي وزيف الشعارات مستوى غير مسبوق عندما خاطب صاحب الفخامة الجسدية"الرئيس" جلال الطلباني قومه في السليمانية قائلا: "إن الذين يتحالفون مع مَن يعتبرون مدينة أربيل تركمانبة ودهوك مسيحية وكركوك ضمن المناطق العربية يتجهون نحو الخيانة الوطنية". وبديهي إن هذا الخراء المقزّز, والمعذرة للقاريء الكريم, لا يخرج من فم رئيس دولة مهما كان مستواه السياسي والثقافي والأخلاقي متدنّيا وهابطا. وواضح إن الوطن المقصود في كلام ثور المنطقة الخضراء جلال الطلباني ليس العراق, الذي هو رئيسه الفيدرالي ويُفترض به أن يكون الضامن للجميع وصمام الأمام لوحدة الشعب بكل مكوّناته, بل إمارة طرزانستان"كردستان سابقا" التي تتصرّف وتتعامل مع العراق والعراقيين من منطلق كونها دولة أجنبية معادية. وليست إقليما مكوّنا من ثلاث محافظات فقط. كما أن شاهناشاه زمانه مسعود البرزاني, وفي خطاب إنتحابي له أمام جميع غفير من عصابات البيشمركة الكردية, حذّر مستمعيه من"أوائك المتطرفين والشوفينيين المتعطّشين لدماء الأكراد".
ومعلوم إن المتعطّش للدماء لا يميّزون بين دم كردي أو عربي أو هندي أو تركي. لكن عنصرية البرزاني وضيق أفقه وقصر نظره جعلاه على ما يبدو يتناسى إن الدماء الزكية لأكثر من مليون عراقي سفكت وسالت بلا ذنب بسبب عمالته وخيانته ومشاركة الفعّالة في غزو وتدمير العراق. ومن أجل الحصول على مقعد أو مقعدين في برلمان بغداد, وتعزيز موقعهم وموقفهم من أجل مصالحهم الحزبية والعائلية الخاصة, رفع القادة الأكراد الغطاء عن بئر سمومهم العدائية ومشاعرهم الحاقدة على كل ما هو عراقي. ولقد شاهدنا على شاشة أكثر من فضائية ممارسات الأكراد الصبيانية والعنصرية في بريطانيا والسويد وغيرها, وتمزيقهم للعلم العراقي أمام مراكز الاقتراع وتجوالهم في الشوارع وهم يحملون علم "كردستان" التي ستكون في يوم ما, لا سامح الله, إسرائيل الكردية في شمال العراق الحبيب. يُضاف الى ذلك التصرفات الهيستيرية التي قاموا بها في دول إحتضنتهم وقدّمت لهم العون والمساعدة ومنحتهم جنسيتهاأملا منها في أن يتحرّر هؤلاء من تخلفهم وأحقادهم ومشاعرهم العدوانية ضد الشعوب الأخرى. وإذا كانت تصرفاتهم الهمجية والسوقية في الدول المتحضرة ذات المؤسسات الديمقراطية العريقة بدت على هذا الشكل المخزي ,فما عساهم يفعلون في محافظة كركوك وبعض مناطق الموصل؟ خصوصا وأن لديهم هناك ميليشيات مسلّحة مشحونة بكم هائل من الأحقاد والضغائن على كلّ مَن لا يخضع لهيمنتهم وسلطتهم العشائرية المتخلّفة. ولا ندري أي منحط وتافه وميّت ضمير, من ساسة عراق اليوم, لديه إستعداد للمشاركة او للتحالف مع بشر كهؤلاء أمثال العميل مسعود البرزاني وحليفه جلال الطلباني ومّن هم على نفس الشاكلة؟