لا تزال المعركة التي اندلعت خلال هذا الأسبوع محتدمة، بين الصحف اليومية الأردنية، وفي مقدمتها صحيفة الغد المستقلة، بالإضافة إلى صحيفة الرأي، وعدد من المواقع الالكترونية الكبرى، وكانت الشرارة التي أججت هذه المعركة إحالة حكومة سمير الرفاعي لملف مصفاة البترول إلى القضاء، حيث أيدت الصحف اليومية قرار الحكومة، بينما عارضته المواقع الالكترونية، وسرعان ما تحول السجال إلى معركة كسر عظم بكل معنى الكلمة، حيث اتهم رئيس تحرير صحيفة الغد، موسى برهومة مسئولين سابقين بتقديم رشاوى لبعض صحافيي المواقع الالكترونية. كما وصف برهومة المواقع الالكترونية بأنها "جيوب انفصالية" ضد الوطن، يقف ورائها مسئولون حكوميون سابقون، وتمولها جهات خارجية، وردت عليه صحيفة جراسا الالكترونية متهمة صحيفة الغد بأن لها علاقات مريبة مع صحف وأحزاب خارجية، هدفها تحسين صورة الولاياتالمتحدة في المنطقة، وهي اتهامات لم يسبق أن طرحت بهذا الوضوح في الصحافة الأردنية، كما أن الألفاظ والتعابير المستخدمة وصلت حدا غير مسبوق من التجريح، والتركيز على النواحي الشخصية بدلا من الاهتمام بالجوانب الموضوعية.
فلتان إعلامي
في حديث لإذاعتنا يقول موسى برهومة رئيس تحرير صحيفة الغد، إن لهذه المعركة أسباب عديدة، وإن الجميع في الأردن يتأذى من بعض المواقع التي لا تلتزم بالقيم المهنية، والأعراف الصحفية، كما يقول برهومة أنهم استثمروا عزم الحكومة على تنظيم الإعلامي الالكتروني مضيفا "وبعد أن فاض الكيل بنا كان علينا أن نخوض هذه المعركة من أجل ضبط الفلتان الإعلامي من بعض المواقع الالكترونية في الأردن". وينفي برهومة الاتهامات القائلة بأن سبب حملة صحيفة الغد هو أن المواقع الالكترونية سطت على قراء الصحف الورقية، قائلا "نحن نتمتع بقاعدة قراء واسعة جدا، ولدينا موقع الكتروني يستقبل في اليوم أكثر من عشرة ملايين زائر، ونحن لا ننافس الصحافة الالكترونية بل أننا نعتبر أن المستقبل لها، ولكن أي صحافة الكترونية؟ أتمنى أن تكون هناك صحافة الكترونية محترمة تجاري الصحافة الورقية، ولكن يتعين على هذه الصحافة أن تكون مبنية على قواعد أخلاقية، تحترم المجتمع، وتحترم حرية الأشخاص، ولا تغتال الرموز الوطنية، وتتمتع بالمصداقية والموضوعية والنزاهة".
معركة مفتعلة
من جهته لا يرى سمير الحياري، رئيس تحرير موقع عمون الالكتروني، أكبر المواقع في البلاد أن هناك أسبابا مبررة لهذه المعركة، ويرى أن المعركة مفتعلة من قبل صحيفة الغد، هدفها تأديب المواقع الالكترونية، ووضعها في إطار قانوني، وفي إطار أخلاقي، ويضيف الحياري لإذاعتنا قائلا "كثير من المواقع الالكترونية تنافس الصحف اليومية، وهي تعلم المهنية للكثير من الصحافة الورقية، التي الآن بدأت تفقد الكثير من القراء، وبدأ الناس هنا في عمان يتجهون نحو الصحافة الالكترونية، وهو ما دعا الغد أن تقوم لوحدها بحملة ضد الصحافة الالكترونية، ومحاولة تأطيرها ضمن القانون، بالرغم أن اليوم هو اليوم العالمي لمكافحة الرقابة الالكترونية، وبكل أسف تجد صحيفة من القطاع الخاص تقوم بحملة رقابة على الصحافة الالكترونية، وتطالب أن توضع الضوابط عليها، وأن يتم تقييدها". أما لماذا تقود صحيفة الغد هذه الحملة، فيقول الحياري "هناك أهداف متعلقة برئاسة تحريرها وبناشريها وأصحابها، وما وراء تأسيس تلك الصحيفة، وأعتقد أن هناك قضايا متعلقة بأولئك الذين أطلقوا هذه المعركة، ولا أظن أن هناك عاقلا يقبل بطروحات تلك الصحيفة لتقييد الحريات في الأردن، ومن المفروض أن تكون الصحافة رديفة لبعضها البعض، وأن تدافع عن الحريات، لا أن تطالب بالتقييد".
الليبراليون والمحافظون
ويؤكد موسى برهومة ما ذهب إليه بعض المحللين، من أن بعض المواقع الالكترونية نشأت وتغذت في ظل الصراع القديم بين المحافظين والليبراليين، ويضيف برهومة قائلا "ولربما كان أنصار الطرفين يغذونها بالأخبار وبالدعم اللوجستي والمالي، وبما أن المعركة انتهت بين ما كان يسمى بالليبراليين والمحافظين ينبغي أن يعاد النظر في هذه المواقع، التي اتخذت لها وجهات جديدة. الآن أصبحوا يستهدفون المواطن والمسئولين، ويستهدفون المؤسسات الاقتصادية والمالية، من أجل ابتزازهم وتهديدهم، ومن أجل إرغامهم على دفع إعلانات غير مقتنعة بها هذه المؤسسات، ونشأت لدينا ظاهرة الثراء السريع لدى أصحاب هذه المواقع، وكأننا نشاهد مافيات تبتز الناس، وتروج الإشاعة والافتراءات ضد الناس، وتغتال شخصياتهم يوميا".
قانون جديد
وفقا لسمير الحياري فإن المواقع الالكترونية ملزمة الآن بتطبيق قرار محكمة التمييز عليها، والقاضي اعتبارها وسائل إعلام ينطبق عليها قانون المطبوعات والنشر، ويرى "أن هذا الأمر ليس دقيقا، ولا يمكن إخضاع تلك المواقع الالكترونية لقانون المطبوعات، لأنه بامكان أي مدون أن ينشر ما يريد ولا يجوز محاسبته إلا إذا تعدى خطوط اللياقة والأدب، والتعدي على الأديان والأمن الوطني". بينما يرى موسى برهومة أن صدور قانون جديد ينظم الصحافة الالكترونية كفيل بإنهاء هذه الظاهرة قائلا "نحن في صحيفة الغد بالتعاون مع جريدة الرأي نخوض هذه المعركة، التي نريدها أن تتكلل بتشريع قانوني يضبط هذا الفلتان الإعلامي الرهيب، وفي الوقت نفسه لا يحد من سقف الحريات، ولا يفرض قيودا على حرية التعبير". تقرير: عمر الكدي/