تشهد الجزائر هذه الأيام معركة بين الإسلاميين والعلمانيين، حول عقوبة الإعدام، وقانون الأسرة. يتشبث الإسلاميون بالقانونين، بينما يسعى العلمانيون إلى تعديلهما، وفي آخر جولات هذه المعركة اتهم رئيس المجلس الإسلامي الأعلى، الدكتور أبو عمران الشيخ، زعيمة حزب العمال الجزائري، لويزا حنون "بمعاداة الإسلام"، بعد مطالبتها بإلغاء قانون الأسرة، المستمد من الشريعة الإسلامية، ودعا أبو عمران الذي يتولى أيضا مهام مفتي البلاد حنون إلى التوبة، وعدم التدخل في شئون لا تفقهها. الوحشيون الرجعيون! وكانت حنون قد اتهمت أنصار الإبقاء على عقوبة الإعدام ب "الوحشيين والرجعيين"، كما نسبت لها الصحف قولها إن "زمن تطبيق الشريعة الإسلامية قد ولى". وفي بيان صادر عن أبو عمران ردا على تصريحات حنون، جاء فيه "الوحشيون هم الذين يزهقون النفس البريئة التي حرمها الله، لا الذين يدافعون عن الضحايا وذويهم". وفقا لجلول جودي نائب رئيس حزب العمال فإن الصحف لم تنقل بدقة ما قالته حنون، ويقول إنها "قالت إنه ذهب الزمن الذي يرجم فيه المذنب وتقطع اليد، وإنما هناك قوانين يجب الاحتكام إليها. وبخصوص الإعدام قالت إن الإعدام قد ينفذ في شخص تظهر براءته وبعدها لا يمكن إعادته للحياة". ورفض جلول جودي اتهامات بوعمران قائلا أنه ليس ممثل الإسلام في الجزائر. وكان الإسلاميون قد واجهوا بقوة محاولات رئيس اللجنة الاستشارية لحقوق الإنسان التابعة للرئاسة الجزائرية، المحامي فاروق قسنطيني، الذي نقل إلى مؤتمر دولي عقد في جنيف أواخر فبراير الماضي، لإلغاء عقوبة الإعدام، الموافقة المبدئية للحكومة الجزائرية لإلغاء هذه العقوبة، ويبدو أن هذه المشاركة فجرت المعركة بين الطرفين، حيث تتكون جبهة الإسلاميين من"حركة مجتمع السلم، حركة النهضة، المجلس الإسلامي الأعلى وجمعية علماء المسلمين"، بينما تتكون جبهة العلمانيين من "حزب العمال" التروتسكي بقيادة حنون، حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية بقيادة سعيد سعدي، بالإضافة إلى اللجنة الاستشارية لحقوق الإنسان. وبالرغم من أن عقوبة الإعدام لم تطبق في البلاد منذ عام 1992، وكان آخر من تم إعدامه المدانون بتفجير مطار الجزائر، إلا أن المطالبة بإلغائها من نصوص القانون، فجرت عداوة قديمة بين الطرفين، والتي ظهرت بوضوح خلال الحرب الأهلية، إلا أن المعركة خلت هذه المرة من استخدام الأسلحة، واقتصر الفرقاء على استخدام سلاح الكلمة، والقيام بحملات إعلامية لكسب مساندة الرأي العام.
التمييز ضد المرأة
وفي حديث لإذاعتنا قال جلول جودي، نائب رئيس حزب العمال، والناطق الرسمي باسمه، إن مطالبتهم ليست تعديل قانون الأسرة، وإنما إلغاء هذا القانون بالكامل. وبرر هذا المطلب بحجة أن هذا القانون أجازه البرلمان عام 1984، في ظل نظام الحزب الواحد، كما أن القانون يلغي المساواة في الحقوق بين الجنسين، ويضيف جودي قائلا "نحن نحبذ تطبيق القوانين المدنية التي تفرض مبدأ المساواة في الحقوق بين الرجل والمرأة أمام العدالة، فإذا شرعنا قانونا ضد المرأة فهذا يخلق تمييزا ضدها، فلابد أن يكون جميع الناس سواسية أمام القانون، كما أن الدستور الجزائري يكرس مبدأ المساواة، وبالتالي لا جدوى من وجود قانون الأسرة". أما حول موقف الحزب من عقوبة الإعدام فيقول جودي، إنهم لاحظوا على المستوى العالمي وجود العديد من الناس الذين نفذت في حقهم هذه العقوبة، ثم أتضح أنهم أبرياء متسائلا "هل يمكن بعد تنفيذ عقوبة الإعدام في شخص، ثم تتضح براءته أن نعيده إلى الحياة؟ بالطبع هذا غير ممكن، لكن نحن نرى أن هناك عقوبات يمكن أن نسلطها على المذنبين بدون الحاجة إلى اللجوء إلى الإعدام".
لا وجود للصراعات
ولا يرى جودي أن هناك صراعا بين الأحزاب العلمانية والإسلامية في هذه المعركة، ولكن من حق كل حزب أن يبدي رأيه في أي قضية من القضايا في إطار التعددية، و يؤكد أنهم في حزب العمال يحترمون آراء الآخرين، كما يطالب الآخرين بأن يحترموا رأي حزبه.
الاستعمار الاجتماعي من جهته صرح لإذاعتنا عبد الله جاب الله، زعيم حزب حركة الإصلاح، الإسلامي المعتدل، قائلا إن التعديلات التي أجريت على قانون الأسرة عام 2005 مجحفة في بعض جوانبها، وأنهم عارضوا هذه التعديلات في حينه، وخاصة موضوع الولي مضيفا "القانون يعطي للمرأة حق تزويج نفسها بنفسها، وبعد الانتقادات والملاحظات تراجعوا ولكن التراجع به تحايل بين، حيث أعطت التعديلات للمرأة حق تعيين ولي لها، فهي من تختار، قد تختار أباها، أو أخاها، أو حتى عشيقها أو أي شخص آخر". ويقول جاب الله إن العلمانيين يريدون أن تكون الجزائر صورة طبق الأصل من المجتمع الفرنسي خاصة، والمجتمع الغربي بشكل عام، متجاهلين ما يميز المجتمع الجزائري من دين، وعادات وتقاليد، وأحوال اجتماعية، فهم يريدون تكريس ما يسمى بالاستعمار الاجتماعي.
العلمانيون في السلطة كما يقول جاب الله إن أغلبية الإسلاميين لجأوا إلى الحوار والكلمة، وإن الأقلية هم من لجأوا إلى السلاح مضيفا "نريد لمنهج الحوار أن يقوى ولكن للآسف لا نلحظه ولا نعيشه اليوم، بل في ظل النظام الحالي تم تكميم الأفواه، بصورة لم تكن موجودة حتى في ظل الحزب الواحد، والبلاد تعيش انسدادا سياسيا واضحا منذ سنوات طويلة". ويرى جاب الله أنه لا مجال للمقارنة بين التيارين، فالتيار الإسلامي له حضور شعبي، ولكن ليس هناك من يسنده على مستوى اتخاذ القرار، بحيث تترجم رؤاه في صورة قرارات وسياسات، أما التيار العلماني فهو في السلطة، وله أجندته السياسية والنقابية، وضمن ما يسمى بالمجتمع المدني، بالرغم من أنه على مستوى الشارع الجزائري محدود وغريب. تقرير: عمر الكدي- إذاعة هولندا العالمية