كل ما يدور حولنا يشير بوضوح إلى اتساع آفاق الجبهة القانونية أمامنا كعرب ومسلمين وأحرار على امتداد العالم. فتقرير غولدستون الشهير والخاص بجرائم الحرب الصهيونية في “محرقة” غزة يمكن أن يستخدم كإطار لملاحقة كل مجرمي الحرب من سياسيين وعسكريين صهاينة أصدروا أوامر ونفذوها بحق قطاع غزة المحاصر والصامد بشموخ منذ عقود. وجريمة الشهيد محمود المبحوح في دبي تتوالى فصولها انكشافاً، وينضم منفذوها إلى لائحة المطلوبين دولياً، خصوصاً مع إصرار شجاع من قائد شرطة دبي الفريق ضاحي خلفان تميم الذي لا ينفك يلاحق ويتابع ويتهم كل ضالع في هذه الجريمة التي لم تستهدف مقاوماً فلسطينياً بارزاً فقط، ولا سيادة دولة عربية فحسب، بل استهدفت دولاً لم يتورع العدو عن تزوير جوازات سفرها وهو مطمئن إلى أن دعمها للكيان الصهيوني يتقدم على احترامها لقوانينها وسيادتها ولسمعة مواطنيها في منطقتنا والعالم. استجواب لجنة التحقيق البريطانية المستقلة للمسؤولين البريطانيين، وفي مقدمهم توني بلير شريك جورج بوش في الحرب المدمرة على العراق، ومثول هذا السياسي المتعجرف مرتبكاً ومتلعثماً أمام أسئلة أعضاء اللجنة على مدى ساعات طويلة (لم تنفعه معها نجدة رئيس الوزراء الحالي غوردون براون الذي أكد شراكته في تلك الحرب التي أشرف على تمويلها مكلفاً خزينة بلاده ما يزيد على عشرات المليارات ناهيك عن مئات القتلى)، يمكن أن يكون مقدمة لفتح تحقيق دولي في واحدة من أبشع جرائم الحرب في عالمنا المعاصر التي تحمل انتهاكاً لكل المبادئ والمواد التي ينص عليها القانون الدولي الإنساني من إبادة جماعية وقتل الملايين من العراقيين بالحصار أو الحرب، تعذيب عشرات الآلاف من الأسرى والمعتقلين، والمحاكمات غير الشرعية وغير القانونية، ناهيك عن تدمير مقومات بلد مستقل كامل العضوية، بل ومؤسس، في الأممالمتحدة التي أعلن أمينها السابق كوفي أنان أن “الحرب على العراق لم تكن قانونية ولم تكن شرعية”. وأوضاع آلاف الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين والعرب في سجون الاحتلال “الإسرائيلي”، وبينهم مئات الأطفال والنساء ومن تم اعتقاله منذ عقود، بالإضافة إلى أوضاع عشرات الآلاف في سجون الاحتلال الأمريكي في العراق، ناهيك عن سجناء معتقل غوانتانامو الشهير، و66 سجناً سرياً أمريكياً على امتداد العالم، يجب أن تتحول إلى ملفات قانونية أمام المحاكم الجنائية الدولية لشمولها كل أنواع الانتهاكات الموصوفة ضد شرعة حقوق الإنسان والمواثيق الدولية. والحصار المستمر على قطاع غزة والذي فرض على أكثر من مليون ونصف المليون إنسان حياة تتنافى مع أبسط الشروط الإنسانية وأودى بحياة الآلاف من البشر المحرومين من الدواء والغذاء والماء، هو أيضاً جريمة ضد الإنسانية ينبغي ألا يفلت أصحابها من العقاب. والمجازر الصهيونية والأمريكية والأطلسية المتواصلة في فلسطين والعراق ولبنان وأفغانستان، ناهيك عن تلك التي طالت في عقود سابقة دولاً كمصر وتونس والسودان والصومال وغيرها ينبغي أن تشكل مدخلاً لمقاضاة كل من شارك فيها، أو تستّر عليها، أو شجع في استمرارها من خلال ملاحقة مرتكبيها. وملف جدار الضم والقضم والتهجير العنصري الصهيوني الذي يمتد كالأفعى في أحشاء الأرض الفلسطينية، مترافقاً مع مستعمرات استيطانية ومخططات سطو ديني وتراثي وثقافي على القدس والخليل وبيت لحم، مؤهل لأن يكون محل متابعة قانونية لإزالته، خصوصاً أن هناك استشارة قانونية صادرة بالإجماع من محكمة العدل الدولية في لاهاي تعتبر “الجدار غير قانوني وغير شرعي وتدعو إلى إزالته”. فهل يمتلك القادة العرب الذين سيجتمعون بعد أسبوعين ونيف الجرأة اللازمة لإطلاق آليات قانونية إقليمية ودولية لملاحقة كل هذه الجرائم ومقاضاة مرتكبيها؟ وإذا كان المسؤولون العرب يعجزون عن اتخاذ قرارات بالمواجهة العسكرية للعدوان والاحتلال، وإذا كانوا لا يريدون مراجعة استراتيجياتهم الفاشلة السابقة تجاه الاحتلال في فلسطين والعراق، وإذا كانوا خائفين من استخدام السلاح الاقتصادي الذي يملكونه، من مقاطعة اقتصادية للعدو والمتعاملين معه ومن نفط وأرصدة نقدية، (وقد اعترف وزير خارجية أمريكا الأسبق هنري كيسنجر في مذكراته بأنها كادت تخنق الكيان الصهيوني)، فلماذا لا يتحرك هؤلاء لفتح جبهة قانونية مع المحتلين ومجرمي الحرب خصوصاً أن الأبواب باتت مفتوحة أمامهم من خلال هيئات ومؤسسات وأحرار على مدى العالم؟ إن ائتلافاً قانونياً انطلق من جنيف خلال الحرب على غزة وضم المئات من الهيئات الحقوقية والمعنية بحقوق الإنسان نجح في فتح ثغرة في جدار الملاحقة القانونية لمجرمي الحرب الصهاينة أدى إلى تقرير غولدستون، فما الذي يحول دون قيام ائتلافات قانونية مماثلة حول العديد من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المرتكبة في بلادنا وعلى امتداد عقود، خصوصاً أن مثل هذه الجرائم لا تسقط بالتقادم ومرور الزمن؟ بل ما الذي يحول دون أن تقوم حكومتنا اللبنانية بالذات بفتح ملف الملاحقة، خصوصاً أن إدانته في بعضها، كمجزرة قانا الأولى، موثقة في أدراج الأممالمتحدة، وما الذي يمنع المطالبة بالتعويضات اللازمة للبنان ولكل لبناني متضرر من هذه الجرائم؟ لهذه الأسباب جميعها، يبدو مهماً انعقاد اجتماعين تحضيريين في بيروت أولهما في الأول من إبريل/ نيسان المقبل من أجل عقد ملتقى عربي دولي لنصرة الأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال الصهيوني والأمريكي، وثانيهما من أجل عقد منتدى حقوقي متخصص، عربي ودولي، لفتح ملف جرائم الحرب والاحتلال في العراق. فهل تنتصر القمة العربية لمثل هذه المبادرات الأهلية، إذا كان أهل هذه القمة عاجزين عن أخذ المبادرة الرسمية بهذا الاتجاه؟ الخليج:الخميس ,18/03/2010