تظاهر قرابة 5 آلاف شخص بحضور زعيم الحزب الاجتماعي الديمقراطي الألماني سيغمار غبريال وعمدة مدينة دويسبورغ (غرب ألمانيا) المحافظ أدولف شاورلند مؤخراً ضد حركة «من أجل ولاية شمال الراين فيستفاليا» اليمينية المتطرفة المناهضة للإسلام المعروفة ب «برو.أن.آر.وي». هذه الأخيرة ومثيلاتها كثَّفت من نشاطها المعادي للجالية المسلمة، خاصة مع اقتراب الانتخابات الإقليمية في 9 مايو المقبل في مقاطعة رينانيا الشمالية وستفاليا، حيث توجد مدينة دويسبورغ. ولئن كان استفتاء سويسرا الذي أقر حظر المآذن، قد شجَّع اليمين المتطرف وأغراه بالسير في الخطوة نفسها في أكثر من دولة أوروبية بشكل يتماشى وصعوده على المسرح السياسي، وجعل ممَّا يسميه محاربة أو منع «أسلمة أوروبا» ودرء «الخطر الإسلامي القادم لأوروبا» موضوع حملاته الانتخابية ووقوده السياسي الرئيس إذا صح التعبير، فإن مجموع المعطيات عن تحرك اليمين المتطرف في ألمانيا بشكل عام، يشير إلى أن العداء للجالية المسلمة والرموز الإسلامية سواء تعلق الأمر بالمآذن أو المساجد نفسها والحجاب على سبيل المثال أكبر ربما من باقي الدول الأوروبية، وأن مشروعه أوسع؛ حيث تمارس في ألمانيا الضغوط الكبيرة ضد بناء المساجد وليس المآذن فقط باعتراف عمدة برلين. لكن دعم قوى اليسار وكثير من الألمان المتحررين من عقد اليمين المتطرف قاوم هذه الضغوط في عدد من المرات كما حصل في مدينة كولون الألمانية، عندما تمت مجابهة حملة اليمين المتطرف المدعوم ببرلمانيين من الحزب المسيحي الديمقراطي لمنع بناء مسجد المدينة، وتم بناؤه في نهاية المطاف. للأسف هناك إعلام مساند لليمين المتطرف ينشر أكاذيبه وترهيبه للمواطنين ضد الجالية المسلمة، ويسعى لخلق مناخ مُعادٍ لها وربما مطالب بمغادرتها، ولن يكون هذا مستغربا إذا واصل اليمين المتطرف تقدمه السياسي وعزَّز وجوده في الانتخابات المحلية في عدد من الدول الأوروبية؛ لأن ذلك سيخدم مخطط تعميم ما وُصف ب «الوصفة السويسرية» لمنع بناء المآذن وربما يتم تطوير الوصفة لأشياء أكبر ربما منع بناء المساجد نفسها ولبس الحجاب وكل سلوك يحيل على التدين بالنسبة للمسلمين. صحيح أن هناك آراء أوروبية مناهضة لهذا التوجه العنصري المتطرف، فهذا مثلاً زيغمار غابريل رئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني، يعارض الحملة المعادية للإسلام، وقال يوم الجمعة الماضي قبل جولته بين 5 مساجد بمنطقة الرور الصناعية: «من يرِد حظر المآذن والتسوية بين الإسلام والإرهاب يتبنَّ في الحقيقة أهدافاً معادية للأجانب»، معلناً وقوفه إلى جانب الجالية المسلمة. وصحيح كذلك أن هناك رفضاً وتحذيراً من اعتماد الاستفتاءات الشعبية حول قضايا سياسية حساسة، لما لها من آثار سلبية على مبدأ الفصل بين السلطات ومن ثَمَّ إضعاف دور الأحزاب السياسية ودور المنتخبين والمؤسسة التشريعية والحكومات كذلك لصالح الشعبوية من جهة، ولها من جهة أخرى آثار سلبية على الأمن الداخلي والانسجام والتكامل داخل المجتمع. لكن هذا لا يمنع حقيقة أن اليمين المتطرف يشتغل بقوة ويتقدم، فمنظمة «برو.أن.آر.وي» سالفة الذكر -والتي يعتبر زعيمها ماركوس فينر أن بناء المساجد رمز عدواني وقوي للفتح الإسلامي- تعمل على مشروع منع المآذن والمساجد في كل أوروبا بالتنسيق مع المجموعات والأحزاب اليمينية المتطرفة في كل دولة وعلى رأسهم حزب الشعب السويسري، وذلك عبر إجراء استفتاء في كل دول الاتحاد الأوروبي استناداً لمعاهدة لشبونة التي نصت على إمكانية إجراء استفتاء بشأن مطلب أو تشريع معيَّن في حال جمع منظمو وداعمو ذلك المطلب مليون توقيع لصالحه. بكل تأكيد، في الموضوع بُعد سياسي انتخابي، لكنه يلعب في الوقت نفسه على وتر التخويف من الإسلام والمسلمين، وتصويرهم كخطر محدق بأوروبا والسعي لعزلهم والتضييق عليهم، وهو ما نبهت إليه دراسة أصدرها حديثاً «المعهد البريطاني لبحوث الانفتاح المجتمعي» عندما أوضحت أن «إحساس الأقلية المسلمة في ألمانيا بالرفض والعزل المجتمعي المفروض عليهم، يمثل ظاهرة عامة ينبغي على المؤسسات المعنية مواجهتها». ولا يمكن أن ينكر المتابع إعلان الكنائس الألمانية تبرؤها من مطالب اليمين المتطرف، لكن الأمر في الحقيقة يحتاج أكثر من التبرؤ وإلى حملة ميدانية تطالب بعكس شعارات التسامح والتعايش في السلوك والمعاملة. شخصياً أعتقد أن تصرف اليمين يحرص على شحن الأجواء؛ لأنه يعرف أن جوّ الحرية والاطمئنان والتسامح يعطي فرصة أكثر للناس للتعرف على الإسلام، ويسمح للمسلمين المعتدلين بالتعبير عن سماحة الإسلام ورحمته وإنسانيته، ويريد بالمقابل كهربة العلاقات لخلق ردود فعل متشنجة تصرف الأنظار عن حقيقة الإسلام لصالح أباطيله ومزاعمه عن المسلمين ودينهم. وعندنا مثال حي في الدنمارك؛ حيث حاولت الرسوم المسيئة للرسول عليه الصلاة والسلام خلق فتنة في المجتمع و «شيطنة» المسلمين، لكن الذي حدث هو عكس ما خطط له المتطرفون باسم حرية التعبير؛ إذ ارتفعت نسبة الراغبين في التعرف على الإسلام من %10 إلى %90 حسب ما قاله رئيس المجلس الإسلامي الدنماركي الشيخ عبدالحميد الحمدي، مشيراً في حوار صحافي إلى أن أكثر من 2800 دنماركي أسلموا بعد أزمة الرسوم، وهذا ما يخيف اليمين المتطرف العنصري الذي لا ينتعش إلا بالأزمات والتشنجات والصدامات، ويندحر في أجواء التسامح والحوار. لذلك يبقى الحوار والحوار وحده والهدوء والتعقل والتمثل السليم لمبادئ الإسلام هو الرد الصواب على كل حركات اليمين المتطرف، وذلك بالتعاون مع القوى الأوروبية الاجتماعية والسياسية والحقوقية والمدنية الرافضة للعنصرية، والمناهضة للأطروحات اليمينية المتطرفة. العرب 2010-03-30