الدكتور/(أبومحمد) أحمد بن محمد المزعنن أعاد يوم الثلاثاء 31 آب أغسطس عام 1993م ذكرى الثلاثاء الأسود الموافق 17 حزيران ( يونيه ) 1930م عندما خرجت جنازة الشهداء الثلاثة:عطا الزير ومحمد جمجوم وفؤاد حجازي من سجن عكا،وذلك بعد أن أعدمهم المستعمرون الإنجليز بسبب أعمالهم البطولية،وكانت شهادة استشهادهم الثانية في اتفاقية إعلان المباديء التي اعترف فيها )الثوار الأبطال،أبوات الكفاح !) اعترفوا باليهود ملاَّكًا لبلادنا،في سابقة لم يجرؤ عليها أحد من البشر،فكانت مرثية وطن هذه تسجيلاً لرفضٍ نفسي وفكري وأخلاقي وبراءةً من كل من ساهم في هذا العمل المشين المهين، بدأت كتابتها يوم الأربعاء الأول من سبتمبر 1993 م بعد أن اعترف رئيس السلطة علنًا باليهود الغزاة ملاَّكًا لبلادنا في مؤتمر صحفي عقد في الإسكندرية،ومن وقتها والأمور تسير من سىءٍ إلى أسوأ. بالإسكندرية كان الأمس نهارًا أسودْ كان الأمس ثلاثاء أسودَ آخر يوم آخرُ من أيام الحزن الدائم حزن آخر في سلسلة الأحزان الحزن الأول مجدٌ ممهور بالدم مجدٌ يعلو فوق جبال الهَم مجدٌ أعلى من كل جبال الأرض مجدٌ يعلو فوق النجم مجد صنعته الأقدار وباركه الأحرار مجدٌ باركه الله بدمٍ ينزف ليل نهار ***** في هذا الحزن الآخر رائحة العار رائحة المكر وسيماء الغدر في عرس العار أقاموا الزينة في هذا العرس بُعٍثَتْ أشياءُ دفينة العطر بقايا أعواد البخور أضواء المسرح تزهو بالصلبان كان الحفل فريدا لم تشهده الدنيا منذ عصور يوم صمتت فيه الأحياء وسكن البحر يوم أسودُ ممسوخٌ في زمن القهر يوم جلل فيه وجهَ الشمس سواد يوم سكتت فيه الأشياء ونام الموج يوم فيه انهد الجرح وصار رماد دخل (عريس الحفل) دخل (عريف الحفل) وقف عريس الحفل (عريس الفتح) إنسان تاه بداخله الإنسان وقف يلملم أهداب ستار مهتريء الأهداب وقف وصارت تتفلت منه الكلمات دخل ليعطي إذن الرقص لأهل الحفل ولتعلو هاماتِ الأوطان جبالُ الوحل ***** كان الأمس ثلاثاء أسود آخر كان الرقص حزينا كان الرقص ثعابين تنفث غسلينا كان الرقص يندب وطنا دمره شمشون سمًا أصفر يسري في زهر الليمون ويسمم حتى ورق الزعتر ويشل يدا تقذف حجرا يدمي صهيون كان الرقص رقص دليلة كان الرقص على جثة أرض ماتت غيلة اغتالوا فرحتها في ثوب العرس فذوى عبق الريحان وضاع الأنس تبخر ينبوع النور بعينيها وسرى برد الموت إليها ***** بالأمس وفي نفس الثلاثاء الأسود كانت زينة كانت أشياء حزينة الزينة أشواك الغرقد الزينة خفافيشٌ هائمة في الكهف الأسود الزينة أعلام الوطن المغدور رُسمت فيها نجمة صهيون يا رايتنا يا ذات الأربعة الألوان يا رمز العز وعنوان النصر على الطغيان في عرس الحزن تحاصرك الصلبان الزينة لون النهرين على راية صهيون الزينة كف مرسوم بدماء الشهداء على الجدران الزينة لوحات خطتها ريشة ناجي كلمات كُتبت بالنور الأسود في زمن الذهب الأسود في زمن الذل الأسود تصرخ في جسد فارقه الروح قدماه على جبل الزيتون ويداه تلوح جسد مترهل مقطوع الرأس ذبيح الزينة نثار دماء تلهو فيها الريح الزينة وشم الذل على جبل الجرمق ( 1 ) الزينة بركان حمم تتدفق الزينة نار الزينة وصمة عار منها صنعوا تاجا للمخدوعين وقالوا : تاج الغار ! أنتم ثوار ! انتم صناع قرار ! ***** كان البخور قتاما منبعثا من شجر الغرقد(2) ينفثه صدر سجين يتلوى في أقبية التعذيب يرفع عينيه المثقلتين إلى كوة سجنه يلمح خيطًا ضوئيًا فيظن الفرجَ قريب يصيح ينادي : يا ثوار الفتح ! يظن الفتح يجيب ! يسمع أحذية الجلادين تدق الأرض فيَدْمى الجرح فينادى:جاء نشامى الفتح ! جاء رفاق الخندق عادوا منتصرين ...! تغدو وتروح كتائبهم ها قد عادوا لفلسطين...! للحلم الأبدي للحلم الوردي ***** في أغرب عرس دموي بفلسطين أهدى (الثوارُ) فتاتَهم الحرةََ (رابين) (3) زفوها قسرا ترسف في قيد الذل عجنوا الكحل بدمع العين ومساحيقُ التجميل تراب عظام الشهداء خاطوا ثوب زفاف عروستهم من مزق الرايات رايات الأمل الضائع..... رايات النصر الضائع ..... ***** في نفس الثلاثاء الأسود كان العرس عرس ضجت فيه الموسيقى والألحان عرس سهرت فيه الحانات ودار الكأس وتعالت صيحات النشوة من كل(الإخوان) عرس حافل ضم (الأبواتِ) ( 4) وعُبَّادَ الصلبان عرس (الفتح الظافر) في عيد الأحزان ! الموسيقى .......... قهقهةٌ عبرت حُجَبَ الأزمان ! والألحان ...... أنَّاتُ ثكالى في زمن النصر الضائع !
_______ ( 1 ) الجرمق : أعلى جبل في فلسطين . ( 2 ) الغرقد : شجر اليهود ، وهو الوحيد من نبات الأرض الذي لا يرشد المسلمين إلى مكانهم أثناء الملحمة الكبرى التي يقتل فيها المسلمون اليهود كما أخبر بذلك الصادق المصدوق محمد صلى الله عليه وسلم . ( 3 ) رابين:هو اسحاق رابين الذي وقع مع ياسر عرفات اتفاق المباديء وبيان واشنطن ، واشترك معه في تقاسم جائزة نوبل ، واغتاله أحد المتعصبين اليهود . ( 4 ) الأبوات:هم زعماء المنظمات الفلسطينية الذين تكنوا بها واتخذوها أسماء حركية بدعوى السرية أثناءالعمل الفدائي في الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين الماضي ، وغلبت على أسمائهم الحقيقية.