الذين تابعوا الفضائيات ونشرات الأخبار مساء أمس الأول (الثلاثاء 6 أبريل) لاحظوا أن أحداث القاهرة كانت خبرا رئيسيا جرى بثه مصحوبا بصور لا تشرّف البلد أو نظامه، أو حتى الجهاز الأمني فيه. إذ لم ير القاصي والداني في تلك الصور إلا حشود الأمن المركزي وميليشيات الشرطة المدنية والبلطجية، وهي تنقض على الشبان والفتيات الذين خرجوا في مظاهرة سلمية بمناسبة حلول السادس من شهر أبريل. وكانت جريمة أولئك الشبان أنهم طالبوا ب«الحرية والتغيير.. وتعديل بعض مواد الدستور ووضع حد أقصى لفترة الرئاسة، كما طالبوا بتعديل قانون مباشرة الحقوق السياسية الذي يتحكم في العملية الانتخابية وإلغاء قانون الطوارئ ومشاركة المصريين الموجودين بالخارج في التصويت.. إلخ».. وهذه الفقرة الأخيرة نقلتها نصا من عدد جريدة الأهرام الصادر أمس (7 أبريل)، الذي وصف المتظاهرين بأنهم من «مثيري الشغب». هذه القائمة من الطلبات التي نشرتها «الأهرام» على الصفحة الأولى، بحسبانها «جرائم» استوجبت قمع المتظاهرين وسحلهم وكسر أعضاء بعضهم وملاحقتهم بالعصي المكهربة، لا يختلف عليها أحد من الوطنين والشرفاء في مصر، وهي مطالب عادية للغاية، ولكن أمن «الفكر الجديد» لم يحتملها، وقرر أن يتصدى للمطالبين بها بذلك الأسلوب الوحشي الذي جرى تعميمه على أنحاء الكرة الأرضية أمس الأول، وتحول إلى فضيحة سياسية وإعلامية من الطراز الأول. المدهش في الأمر أن الصحف القومية حرصت على إبراز محدودية المظاهرات التي خرجت، وغياب قوى المعارضة عنها، وفشلها في اجتذاب المواطنين سواء في القاهرة أو في بقية المحافظات. وذهبت «الأهرام» في تخفيف الصورة إلى القول بأن القيادات الأمنية في العاصمة تواجدت منذ وقت مبكر في ميدان التحرير، وأن التعليمات التي وجهت إلى الضباط الذين تم حشدهم دعتهم إلى التعامل مع المتظاهرين ب«لباقة»، وهي خلفية تثير سؤالين، أولهما هو: إذا كانت المظاهرات محدودة وغابت عنها قوى المعارضة الفاعلة، فما الذي أزعج أجهزة الأمن إذن؟ وإذا كانت قد فشلت في جذب المواطنين، فلماذا لم تترك لحالها مادامت المعارضة رفضتها والجماهير قاطعتها؟ السؤال الثاني هو: إذا صح أن التعليمات صدرت للضباط باستخدام «اللباقة» مع المتظاهرين، الأمر الذي أدى إلى ضربهم بالعصي المكهربة وسحلهم وتمزيق ثيابهم وكسر ذراع واحدة منهم، فما الذي كان يمكن أن يحدث لو أن التعليمات دعتهم إلى استخدام الشدة والحزم معهم؟ وهل ما جرى هو مفهوم «اللباقة» لدى أمن الفكر الجديد؟ لقد كان مفهوما أن التعليمات صريحة في حظر أي خروج احتجاجي إلى الشارع، خصوصا في الظروف الراهنة، سواء بسبب تصاعد الغضب الجماهيري الذي تلقف دعوة د.البرادعي إلى التغيير، أو بسبب التحضير للانتخابات التي ستجري خلال المرحلة المقبلة (التجديد النصفي لأعضاء مجلس الشورى، ثم انتخابات مجلس الشعب، وبعدها الانتخابات الرئاسية).. ولا أستبعد أن تكون الأجهزة الأمنية قد أرادت أن توصل رسالة إلى الجميع مفادها أن «تسامحها» النسبي مع مجموعة د.البرادعي لا يعني سماحها بالخروج إلى الشارع، ذلك أن للرجل وضعه الدولي الخاص الذي يضع تلك الأجهزة في موقف حرج، لا يسمح لها بأن تتعامل معه بنفس الدرجة من «اللباقة» سابقة الذكر، علما بأنها لم تغمض أعينها عن تحركاته، ولم تتوقف عن التضييق على رجاله، وهو ما بدا واضحا في الاحتياطات التي فرضت أثناء زيارته للمنصورة وتعقيد دخول مرافقيه إلى مركز د.محمد غنيم، إضافة إلى المضايقات التي تعرض لها مؤيدوه من بين أساتذة الجامعات. لم يتغير شيء في «عقلية المطرقة» التي لا تجيد سوى استخدام الهراوات والبلطجية، وهذه الموجة مرشحة للتصاعد خلال الأشهر المقبلة، بعدما تبين أن جعبة رجال «الفكر الجديد» لا تعرف كيف تواجه زيادة الحراك الشعبي إلا من خلال الهراوات والعصي المكهربة والبلطجية. ليس هذا أغرب ما في الأمر، لأن الأغرب هو ادعاء بعض الذين نصَّبوا أنفسهم متحدثين باسم النظام أن مصر بالخطوات التي تتخذها تتجه لأن تصبح دولة معاصرة «وطبيعية». وهو ما لا ينبغي أن نستغربه بعد الذي شاهدناه أمس الأول على شاشات التلفزيون وقدم لنا بحسبانه ضربا من «اللباقة»! الرؤية الخميس, 8 أبريل 2010