أكّد فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة (المشرف العام على مؤسسة "الإسلام اليوم") على أنَّ الشعوب العربية والإسلامية يجب ألا تَرْضَخ للضغوط الخارجية التي تهدف إلى تغيير المناهج الدراسية، مشيرًا إلى أنّ هذا لا يعني أن نتجاهل المتغيرات الدولية التي تُوجِب علينا أن نطوِّع هذه المناهج وعقول الشباب لفهم العصر ومواكبته. مطالبًا من يصف مناهجنا بالكراهية بقراءة المناهج الأمريكية والصهيونية التي تَمْتَلِئ بالكراهية للعرب وتتهكم عليهم وتصفهم بكل الصفات البذيئة والمُتَدَنِّية. وقال الشيخ سلمان- في حلقة أمس الجمعة من برنامج "الحياة كلمة"، والذي يُبَث على فضائية mbc" "، والتي جاءت تحت عنوان "المناهج"-: إنه بعد أحداث سبتمبر ارتفع سقف قضية "تغيير المناهج"؛ لأنها أصبحت داخل دهاليز السياسة، كما أصبحت حديث وسائل الإعلام من فضائيات أو صحف أو كتب أو مجالس أو مواقع إلكترونية، فضلًا عن أن الحوار الوطني في السعودية خصّص دورةً كاملةً لمناقشة المناهج الدراسية؛ حيث أصبحت قضية المناهج ذات سُخُونة عالية بسبب الأحداث كردّ فعل، مشيرًا إلى أنّه الآن ذهب ردّ الفعل وبقي الفعل، وأصبح السؤال الذي يطرح نفسه: ماذا يجب علينا أن نفعل تجاه هذه المناهج؟ تجنيد.. واستقطاب وأوضح الدكتور العودة: أنّه من الخطأ الكبير تحويل قضية تعديل المناهج سواء في السابق أو الآن إلى استقطاب وتجنيد ومحاولة الزجّ بأناسٍ ليسوا من أهل العلم ولا من أهل الحكمة في هذه القضايا، فيتحدث كل أحد فنجد أن هذا يتهم وثانٍ يَسُبُّ وثالث يَشْتُم، مشيرًا إلى أن فضيلته رأى في فترة من الفترات بعض ما كتب واستهدف أشخاصًا مخلصين لدينهم ولأُمَّتهم في المملكة، والبحرين، والمغرب، والمشرق. لافتًا إلى أن هؤلاء الأشخاص لديهم وجهات معينة، وقد تكون هذه الوجهات صحيحة لكن لم يتم استيعابها أو فُهمت في ظل ظروف معينة. ودعا فضيلته إلى ضرورة توقف التجنيد والاستقطاب فيما يتعلق بالمناهج؛ وذلك لأن هذا التجنيد والاستقطاب هو عبارة عن تَلْغِيم لأي عملية إصلاح؛ حيث يكون الإنسان مطالبًا في هذه الحالة بأن يكون إمَّا مع أو ضد، وهذا يؤثّر كثيرًا على عملية التغيير. ضغوط.. ولكن وفيما يتعلق بالضغوط الخارجية من أجل تغيير المناهج قال الشيخ سلمان: إنني أؤمن بأن كل شعب حيّ يُفترَض أن يكون عنده مناعة ضد الضغوط الخارجية بقدر مستطاع، مشيرًا إلى أنه يجب على الإنسان احتواء القَدْر غير المستطاع من الضغوط بما يحفظ له هويته ووحدته وخصوصياته"، مؤكدًا أنّه لا يجب على أي شعب الخضوع أبدًا للضغوط الخارجية التي هي ضغوط سياسية في الأساس. ووجه فضيلته رسالة إلى أولئك الذين يتهمون المناهج العربية والإسلامية بالكراهية، مفادها: اقرؤوا المناهج الأمريكية والصهيونية التي تثير الكراهية للعرب والتي تصفهم بالأغبياء، والجبناء، والخونة، والقذرين. وعلى سبيل المثال فإنه يوجد في بعض مفردات المناهج أن إسرائيليًا أعطى صديقه العربي صابونة بمناسبة الزواج، فأكل بعضها وأعطى زوجته الباقي!، وهذا نموذج للجهل والقذارة، لافتًا إلى أن المناهج الأمريكية والإسرائيلية هي التي تمتلئ بالكراهية واستحلال الدم العربي، موضحًا أننا بحاجة إلى وقفة ولو لبعض الوقت أمام وصف المناهج العربية والإسلامية بهذا الوصف (الكراهية) دون تبصُّر. التغيير مطلوب وذكر الشيخ سلمان أنّ الإصلاح والتغيير ضرورة؛ وذلك لأنّ هذا المنهج الذي يتم تدريسه هو كتاب ألّفه شخص يمكن أن نغيِّره بكتاب ألّفه شخص آخر، أو نضيف أو نحذف شيئًا معينًا، بل يجب أن يكون هناك إصلاح وتطوير وتحديث للمناهج، مشيرًا إلى أننا بقدر ما يجب أن نرفض الضغوط السياسية من الخارج، وهذا أمر متفق عليه عند معظم المخلصين لأديانهم وأوطانهم، إلا أنّنا يجب ألا نفهم من رفض الضغوط الخارجية أننا نتجاهل المتغيرات الدولية التي توجب علينا أن نبدأ، وليس بضغط من الخارج، أن نطوّع هذه المناهج، بل ونطوّع عقول الشباب الذين نُرَبِّيهم لفهم العصر ومواكبته. وأضاف فضيلته: إنه ليس من الصواب أن يفهم الشاب الذي يدرس في مدارسنا من التاريخ أكثر مما يفهم من الواقع الذي يعيشه، فتَجِده يعيش في التاريخ أكثر مما يعيش في الواقع، ولذلك فإننا يجب أن نتجاوب ونتفهّم ونعي المتغيرات الواقعية والدولية ونعي الحاجات الواقعية التي توجد من داخلنا، وألا تتحول قضية المناهج إلى مسألة تصنيف أو استقطاب وتراشق. تغيير.. وتحديث وتعقيبًا على أنّ هناك مَن يرى أن التغيير الجِذْري في المناهج بالسعودية لم يمسّ إلا المناهج الدينية، قال الشيخ سلمان: إنّ أُولَى المناهج بالتغيير والتطوير والتحديث هي مناهج الرياضيات والعلوم الطبيعية، بحيث توجد عند الشباب القدرة والكفاءة وتواكب أحدث المتغيرات في هذا العالم الذي يضجّ بالتطوير. وأضاف فضيلته: إنّ العلوم الدينية واللغوية بحاجة أيضًا إلى تطوير مستمر، سواء من الجانب اللغوي؛ من اختيار لغة سهلة، والأمثلة، واستبعاد الأشياء التي لا علاقة لها بواقع الناس اليوم. وعلى سبيل المثال فقد تكون قضايا تاريخية انتهت مثل الرقّ أو بعض القضايا التي رُبَّما كانت تاريخية، كما يجب أن تكون الأمثلة التي يتم ضربها تساعد الشاب على أن يعيش وقته وعصره. المناهج الدينية وفيما يتعلّق بالمناهج الدينية، قال الشيخ سلمان: إنّ المناهج الدينية بحاجة إلى منهج في الحوار، بحيث يتعلم الشاب الحوار داخل الأسرة أو خارجها، إضافة إلى منهج الأخلاق والتهذيب، وأن يتعلم الإنسان كيف يحافظ على أخلاقه، جمالياته، وحاجات المجتمع، والمرافق العامة، والتعامل مع الآخرين بحيث يضبط سلوكه ويصنع الثقافة التي يتعامل بها مع الآخرين. وأكّد فضيلته على ضرورة أن يكون عندنا مقرَّر في السيرة النبوية يُبرز أن السيرة لم تكن مغازي أو حروبًا فحسب، وإنَّما هي عبارة عن نموذج متكامل الجوانب الإنسانية، والأخلاقية، والمعرفية، والتعبدية. مشيرًا إلى أن هناك العديد من الأشياء التي ينبغي أن ينحاز إليها المنهج ويسعى لإبرازها بشكل جيد وضروري. دراسات مطلوبة وتساءل الدكتور العودة عن المناهج الدينية قائلًا: هل هذه المناهج الموجودة مسئولة عن العنف أو عن الإرهاب؟ مشيرًا إلى أنّ كل الآراء التي قيلت للإجابة على هذا السؤال إجابات عاطفية، وليست علمية أو معرفية؛ وذلك لأنها ليست مبنية على استقراء أو إحصاء أو أدوات معرفية دقيقة ومحددة مثلما نَجِده في الغرب. ولفت فضيلته إلَى أنّه على الرغم من وجود بعض أعمال العنف والإرهاب في بلاد عربية وإسلامية، مثل السعودية، ومصر، والصومال، أو اليمن، مما يوحي بأن ثَمَّت مشكلة عندنا نحن المسلمين أكثر من غيرنا على الأقل في هذه المرحلة، إلا أنه لا يوجد مراكز علمية، أو مراكز دراسات وبحوث دقيقة تحاول أن تصل إلى نتيجة حول أسباب هذا العنف، وما هو السبيل إلى علاجه. نتائج مبتسرة وذكر الشيخ سلمان أنّه دائمًا ما توجد نتائج مبتسرة؛ حيث نجد أن هناك من يرمي التبعة على المناهج الدينية دون أن يقدّم دليلاً صحيحًا ودقيقًا، كما أن هناك مَن يحاول أن يُبرّأ المناهج الدينية دون أن يمتلك أيضًا معلومات صحيحة ودقيقة، فتسمع بعضهم يقول: إنّ الدليل على أن المناهج الدينية غير مسئولة أن كبار المسئولين عن العنف أمثال ابن لادن والظواهري ليسوا خَرِّيجي مدارس شرعية. وأوضح فضيلته أن مثل هذا الكلام صحيح وليس بصحيح؛ لأن هناك آخرين كثيرين أيضًا هم خَرِّيجو مدارس شرعية وتعليم شرعي وكليات شرعيّة، وربما هؤلاء وغيرهم قد يرجعون إليهم، وهم عدد لا يُسْتهان به، ولكن هذا لا يوجب علينا أن نَتّهم المناهج الدينية، ولكن يجب أن ننظر إلى الموضوع بهدوء بعيدًا عن الانفعال والغضب والتخنُّدق الذي بدأ بعد أحداث سبتمبر عام 2001، والشعور بأنّ هناك ضغوطًا أمريكية على دول الخليج- مثلاً- السعودية، والكويت، والأردن. تسامح.. وتعايش ونبّه الدكتور العودة إلى أننا أصبح بأيدينا الآن أن نُشيع في المناهج التعليمة روح التسامح والتعايش والأخلاق والمسئولية عن الدم، ومحاربة أفكار التكفير والقتل والعنف، حتى لو لم تكن مسئولة مسئولية كاملة، لكن هي جزء من المسئولية بدون شكّ، حيث يجب ألا نُبَرِّأ هذه المناهج، مؤكدًا على ضرورة أن تكون المناهج مسئولة عن الإصلاح. وأضاف فضيلته: أنّه عندما يتم ربط هذا التغيير بأمر ضد المصالح الوطنية فإنّ هذا يُعَدّ إساءة للتغيير نفسه، مشيرًا إلى أنه في بعض الدول كان التغيير متفقًا ومتسقًا مع ما يسمى ب"عملية التطبيع مع الكيان الصهيوني"، ومن ثَمَّ تَمّ حذف بعض الآيات القرآنية من المناهج الدراسية. الانتقائية مرفوضة وأكّد الشيخ سلمان أنّ الانتقائية في المناهج الشرعية خطر استراتيجي ومعرفي كبير؛ لأن هذه المعلومات موجودة خارج المناهج، ولكن عندما يمارس الإنسان لونًا من الانتقائية فإنّ هذا يشير إلى أنه ليست هناك مصداقية، مشيرًا إلى أنه يجب أن يكون هناك تعامل ذو مصداقية عالية مع هذه المناهج، وذلك من خلال طرح واضح وشفاف ومُتَّزن يبرز القيم الأخلاقية والإنسانية بدون أن يرتبط ب"التطبيع". وأوضح فضيلته أننا يمكنا الحديث عن السلام كقيمة إيمانية، فالله تعالى هو السلام، والتحية بيننا سلام، والإسلام دين السلام، لكن هذا لا يعني أبدًا الخَوَر والهزيمة والاستسلام، أو أن نربط نشر قيم التسامح والأخلاق الكريمة بمبدأ التطبيع مع الكيان الصهيوني الذي سوف يُفجّر هذه الأفكار الجميلة والإنسانية الأصلية التي يجب أن ننحاز إليها. الإسلام اليوم