في السابع عشر من إبريل احتفل العالم بيوم الأسير، والدلالة واضحة، وهي التذكير بضرورة تطبيق قواعد المعاملة الإنسانية على الأشخاص الذين وقعوا في الأسر أثناء الصراعات المسلحة، والذين يتمتعون بحماية قانونية خاصة، وبشكل أخصّ الفئات الضعيفة منهم، وهم المرضى والجرحى والأطفال والنساء، خاصة الحوامل والأمهات، وذوي الاحتياجات الخاصة، ويحظر حظرًا مطلقًا إنكار هذه الحقوق عليهم، كما يحظر من باب أولى تعذيبهم أو تعريضهم لمعاملة لا تليق بأحوالهم وكرامتهم وظروفهم. هذه الأحكام تتعلق بالأسر العادي الذي تم في ظروف الصراع المسلح في صراعات الدول، ولكن هذا اليوم كان له مدلول خاص في الساحة الفلسطينية وبشكلٍ خاص؛ لأن إسرائيل تصِرُّ على أن يكون أسيرها الوحيد جلعاد شاليط على قمة الأجندة الدبلوماسية الدولية، بل إن والده قد دُعِي للحديث أمام مجلس الأممالمتحدة لحقوق الإنسان ليتحدث عن مأساة أسرة شاليط التي أضناها بعده عنها، رغم أن شاليط يُعامَل معاملة الأسير المتميز عند المقاومة الفلسطينية على أساس الشريعة الإسلامية التي سبقت التشريعات الوضعية المعاصرة بأكثر من ألف عام، والتي وضعها الله في هذه الفئة من الضعفاء، وهم الأسرى في الحروب، وحظر الإسلام الأسرى في غيرها، وألزم الآسر المسلم أن يعامِل الأسير أيًّا كانت ديانته معاملة إنسانية راقية. يقابل شاليط أكثر من عشرة آلاف فلسطيني في السجون الإسرائيلية تم خطفهم بطرق مختلفة، وتم الزج بهم في السجون الإسرائيلية بذرائع متعددة، وتتم معاملتهم بكل أصناف القسوة التي تؤدي عمدًا إلى الهلاك. والحق أن هذه المناسبة يجب التركيز فيها على عدة حقائق بديهية: الحقيقة الأولى، هي أن الشعب الفلسطيني كله في داخل فلسطين وخارجها قد صار تحت الأسر الإسرائيلي ويعاني من سياسة الإذلال والمطاردة، لا لأنه ارتكب جرمًا يحاسب عليه القانون الوضعي، وإنما لمجرد أنه فلسطيني. الحقيقة الثانية، هي أن ربع الشعب الفلسطيني منذ عام 1948م وحتى الآن قد ذاق مرارة الأسر الإسرائيلي في سجون أقرب إلى المقابر؛ ولذلك فإن الشعب الفلسطيني قد ألِف الإذلال والأسر من جانب العدو كلما تمزَّقت الساحة الفلسطينية وتباعد العون العربي. ولعلَّ هذه المرحلة هي التي يتوفر فيها الحد الأقصى لإسرائيل لإهلاك مَن يقعون في يديها، وهناك آلاف القصص التي يرويها فلسطينيون يتمتعون بجنسيات أوروبية، فكانت هي وحدها -أي الجنسية الأوروبية- العاصم له من مواجهة هذا المصير. الحقيقة الثالثة، هي أن إسرائيل، رأس المشروع الصهيوني، وقاعدته، تريد كل فلسطين؛ ولذلك ابتدعت كل فنون الإبادة كطرد السكان من بيوتهم والتضييق على وسائل حياتهم وهدم البيوت على رءوسهم وإهلاك الزرع والضرع والشجر والماء، بالإضافة إلى الهلوكوست في غزة والمجازر التي يحفل بها التاريخ الصهيوني لإرهابهم ودفعهم إلى ترك أراضيهم. ولم يلحظ المجتمع الدولي أن مدير الموساد الإسرائيلي السابق كان رجل العام في إسرائيل عام 2009م؛ لأنه برع في تقطيع رقاب الفلسطينيين بنفسه بالسكين، وكان هذا المشهد يسعد شارون ويرضيه. ومعنى ذلك أن الأسر هو طريق من طرق الإبادة؛ لأنه نادرًا ما يتم تحرير الأسير، ولأن المحاكم الإسرائيلية جزءٌ من المشروع الصهيوني وتصدر أحكامها ضد المخطوفين لمجرد أنهم فلسطينيون، ناهيك عمَّن تخضبت أيديهم بدم المحتلين الغاصبين. فالثابت أن إسرائيل ليست دولة محتلة عادية، وإنما هو احتلال إحلالي استيطاني يريد التخلص من السكان ويستولي على الأرض؛ ولذلك اعتمد الخطف والأسر طريقًا للقضاء على السكان. فالقضية بالنسبة للأسرى الفلسطينيين لا تقتصر على التعذيب أو فساد العدالة الإسرائيلية، وإنما يتعلق الأمر ببرنامج إسرائيلي شامل متعدد الأوجه. الحقيقة الرابعة، هي أن شاليط جندي في الجيش الإسرائيلي المحتل، وتَمَّ خطفُه بطريقة مشروعة ومعاملته معاملة حسنة، والهدف من الخطف هو مبادلته بأكبر عددٍ من الأسرى الفلسطينيين، علمًا بأنه يصعب خطف جندي إسرائيلي بينما يسهل على إسرائيل أن تخطف مَن تشاء من الوزراء والنواب والمواطنين، فضلًا عن أن هذا الخطف الإسرائيلي يتعرَّض له كل مَن تقع عليه يد إسرائيل من المدنيين، والهدف من هذا الخطف الإسرائيلي هو إهلاك المخطوف. وفي ضوء هذه الحقيقة، كان يتعين على المجتمع الدولي أن يهتم بوقف المشروع الإجرامي الإسرائيلي وتحرير الأسرى، وليس التركيز على جندي أسير بكى من أجله الأمين العام للأمم المتحدة وزار أسرته وواسى ذويه، بينما أغفلت الأممالمتحدة تمامًا قضية الأسرى الفلسطينيين، وسرقة فلسطين بأكملها أمام ناظريها.