استلمت رسالة من السيدة هنكامة حاج حسن التي تعيش مع الف أمرأة مجاهدة ضمن 3400 عضو في مجاهدي خلق الإيرانية في مخيم أشرف بمحافظة ديالى العراقية. وقد شرحت في هذه الرسالة محاولة فاشلة لخطفها من قبل القوات المسلحة العراقية. وذكرتني هذه الرسالة بكتاب كنت قد قرأته قبل سنوات بقلمها وعنوانه ”مواجهة الغول!” وتحكي الكاتبة فيه فترة ثلاثة سنوان قضتها في سجون النظام الإيراني في بداية ثمانينيات القرن الماضي. وما أثارني هو اهداء الكتاب حيث أُهدي الكتاب إلى «”شَكَر” وسائر الأخوات المجاهدات من أمثالها، حاملات راية الحرية، المجهولات اللواتي نهضن لمواجهة الغول الحاكم في إيران المعادي للمرأة والإنسانية وجها لوجه وحافظن على حرمة الإنسان وجوهر الحرية». وهذه السطور البسيطة كانت حافزة لي لأقرأ الكتاب واعرف ”شَكَر”. و”شكر” اسم للمرضة التي اعتقلت في مسشتفى بطهران بسبب معالجتها جرحى ومصابين بطلقات نارية في مظاهرة لمجاهدي خلق الإيرانية يوم 20 يونيو 1981 شاركت فيها جموع نصف مليون شخص في العاصمة وهي نفس المظاهرة التي أمر فيها الخميني باطلاق النار على المتظاهرين المسالمين وكانت ”شكر” كما كتبت ”هنكامه”، ممرضة مؤيدة لمجاهدي خلق معجبة ب مسعود رجوي وكانت عاشقة ومتحمسة جدًا على النضال ضد الملالي المسيطرين في وطنها. وورد إسم ”شكر” في كتاب ”هنكامه حاج حسن” اكثر من مرة وكأن الكتاب حول ”شكر” بدلا أن يكون مذكرات لفترة سجنها. وتتحدث الكاتبة في مذكراتها عن السجن وشوقها لزيارة ”شكر” كثيرًا وتقول منذ آذار سنة 1983، نقلوا عددا من النساء السجينات المقاومات من أمثال ”شكر” للتأديب إلى مكان مجهول ومنعوهن من الزيارة ولم يكن مكانهن معروفا وفيما بعد أصبح واضحا أنهم قد نُقلوا إلى أماكن التعذيب الخاصة وهي سجن سري رهيب وتعرف باسم ”واحد مسكوني”. وتحكي ”هنكامة” أول زيارة ل ”شكر” في السجن بعد عودتها من ”واحد مسكوني” قائلة: ”كنت أنظر إليها، فكانت تبدو لي حزينة ومتعبة وقد أصبحت نحيفة جداً وسرحت شعرها على شكل (ذيل الحصان) نفس الشعر الذي كنت أصففه لها ثم أعكشه فكنت أثير حفيظتها، كذلك مازال مرتباً ونظيفاً، رفعت يدي وعكشت شعرها وسألتها ثانية هل وضعك جيد؟ وبينما كانت تنظر إلي بعيونها الباكية كانت في حالة عدم تصديق، ابتسمت وهزت رأسها، حينما كانت تمر من أمامنا إحدى السجينات نظرت ألينا وابتسمت بمحبة ومضت، تعقبتها شَكَر بنظراتها وفي نفس الوقت قالت لي بصوت خافت، هنكامة! لا تثقي بهن! لا تثقي بأي شخص قط! ثم قالت ثانية وبصوت خليط بنشيج البكاء متعب ومنتحب، ويبدو أنها تذكرت شيئاً لإثبات كلامها إذ قالت: (إنهم كانوا يريدون أن يقتادوا والدتي إلى هنا، ليفعلوا ما يحلو لهم، أمي المسكينة، هنا..إلهي..! جرت دموعها وبينما كنت أهدئ من روعها وأمسح دموعها، قلت شكر ما الذي حدث، ماذا فعلوا بك؟ من يريد أن يقتاد أمك إلى هنا؟ قالت: هؤلاء بالذات! أدركت أن وضعها غير طبيعي وقد أصيبت باضطراب وحزن شديدين”. نعم هي أيضا قد فقدت توازنها النفسي ولكن ما زالو لم يتمكنوا من تحويلها إلى جثة هامدة”. وعلى الرغم من كل التعذيب الذي تعرضت له شكر مازالت لم تنسى مسعود [رجوي] ومجاهدي خلق وبقيت تعايشهم في ذهنها وقلبها. وبالرغم من أن ”شكر” كانت تمضي فترة حكمها في السجن تم اعدامها شنقا في عنفوان شبابها في مجزرة ثلاثين الف سجين سياسي اعضاء مجاهدي خلق في صيف عام 1998. ويطلق سراح هنكامة بعد تحمل 3 سنوان من السجن والتعذيب وتنضم إلى مجاهدي خلق وهي الآن في ”أشرف” المكان الذي حضره الآن ومنذ شهرين و نصف عملاء مخابرات حكام إيران وقوة ”القدس” الإرهابية المرابطين في مدخل مخيم أشرف ويقوم هؤلاء العملاء وبدعم وإسناد شاملين من الفوج العراقي المكلف بحماية أشرف!!، وسفارة النظام الإيراني في بغداد بالتعذيب النفسي لسكان أشرف ويمنعوننا من النوم والراحة ويوجهون إلينا تهديدات سافرة ب ”إحراق” و”إغلاق” المخيم و”قتل” المجاهدين و”اقتلاع ألسنتهم من حلوقهم”. وإن هذه السيدة وعدد من المقيمين في المخيم الذين يقع مكان تمركزهم بالقرب من الباب الرئيسي كانو يقومون ببث قطع موسيقية لكي يمنعوا من ايصال شتائم هؤلاء إليهم. وفي فجر الجمعة 16 من أبريل يحدث تطور خطير في الموقف: وتكتب هنكامة في رسالتها: ”شاهدت ضباط عراقيين دخلوا وهم يأمرون بإخماد مكبرات الصوت التي كانت تبث أشرطة من على مبانينا داخل أشرف لكي يفسحوا المجال أمام العملاء لإيصال صوتهم بمكبراتهم إلى كل أنحاء المخيم.. تقدمت وقلت إن واجبكم هو حمايتنا وليس حماية العملاء الذين استقدمتهم ”الاطلاعات” الإيرانية. وفجأة رأيت نفسي محاصرة من قبل العناصر المسلحة العراقية. حاولت الهروب وتمكنت فعلا ولكنه وبعد ثواني هاجمني عدد آخر من عناصر القوات المسلحة العراقية واقتادوني وكانوا يريدون أختطافي وأخذي كرهينة وفي هذه اللحظة وصل عدد من الأخوة المجاهدين وقاموا باحتجاج وتمكنت من الهروب من أيدي الاشخاص الذين واجبهم حمايتنا!!. ثم اقتحمت القوات العراقية صفوف سكان مخيم أشرف وانهالت عليهم بالضرب بالهراوات الكهربائية والقضبان الحديدية وهم يكيلون شتائم لنا ونتيجة هذه الضربات أصيب خمسة من إخواني. وفي هذه الأثناء كان العملاء يستمرون ببث الشتائم عن طريق مكبرات الصوت.” وبقراءة رسالة هنكامة تذكرت مرة أخرى ”شكر”، هذه الممرضة بتلك الملابس البيضاء والقبعة الجميلة كالملائكة ذات الأجنحة البيضاء التي كانت ترفع حمل الألم الثقيل من على أكتاف المرضى وتضع المرهم على جروحهم، وهي التي ضحت بنفسها من أجل حرية وطنها وشعبها. ولكن ”هنكامه” التي تمكنت من الهروب من مخالب الحرس الإيراني وتنقذ نفسها وتلجىء إلى العراق في جمع مجاهدي خلق، تتم محاولة لخطفها من قبل عناصر في القوات المسلحة العراقية وتتعرض حياتها هي وسائر النساء والرجال المقيمين في أشرف للخطر. وما على الضمائر الحية الا أن تستيقظ و ترفع اصواتها وتضع الحكومة العراقية أمام مسئولياتها لتفادي حدوث كارثة أخرى انسانية.. ورسالتي انا ايضا للاخرين بان يتركوا شيئا جميلا للتاريخ ليذكره الاخرين ورائهم والانسان إما أن يكون له دين ويخاف الله أو يكون حرا نبيلا في دنياه. * كاتب سياسي إيراني