لم يجد المجرم بوش الصغير, في الذكرى الخامسة لغزو العراق, شيئا آخرفي هذا اليوم المشؤوم, غيرتكرار نفس الكلمات المملّة التي سبق وأن سمعناها عشرات المرات. دون أن يعي إن العالم أجمع, بما فيه أقرب حلفائه وأصدقائه, ما عاد يؤمن بما يتفوّه به من أكاذيب وإفتراءات وأباطيل,أو يرسم صورا وردية لعراق إنقلب فيه كلّ شيء رأسا على عقب وتحوّل من بلد آمن مستقر قبل الغزو الى ساحة حرب مفتوحة للجميع. وصارالمواطن العراقي يعيش يومه بين مطرقة الاحتلال الأمريكي الغاشم وسندان التغلغل الايراني بكلّ تبعاته السيئة. وسقط العراق, أرضا وشعبا, فريسة تنهشها ذئاب وضباع وكلاب ضالّة جاءت من كلّ حدب وصوب, تحت مسمّيات مختلفة وبمباركة ودعم القوات الأمريكية الغازية. وظلّت طاحونة الموت تدور بلا توقّف على مدار خمس سنوات وإستمرالجرح العراقي بالنزيف حتى صار الموت في عراق اليوم هو القاعدة وما عداه الاستثناء. ومع ذلك, مع كل هذه الجرائم والفضائع وملايين الضحايا والمصابين والمشردين والخراب الروحي قبل المادي الذي حلّ بالعراقيين, لا يشعربوش الصغير بأي حرج, لأنه مجرم متعطّش للدماء, عندما يعيد ويكرّرالقول بانه غيرنادم على غزوه للعراق ويتباهى بنجاحات مزعومة, لا توجد حتى على الورق. طبعا, وكالعادة لم يتجرأ الرئيس الأمريكي,الذي حدّثنا عن"إنتصار إستراتيجي" أن يذكر لنا بعض محاسن غزوه للعراق, ولو من وجهة نظرأمريكية..وأي إنتصارهذا وقد بلغ عدد قتلى الجيش الأمريكي, حسب الأرقام الرسمية المشكوك فيها, أربعة آلاف قتيل وأكثر من ثلاثين ألف مصاب ومُعاق, وأضعاف أضعاف هذا العدد, حسب مصادرأمريكية موثوقة, من الجنود الذين يعانون من أمراض نفسية وإضطرابات مختلفة, كفقدان القدرة على الانسجام مع عوائلهم ومجتمعهم بعد عودتهم من الجحيم العراقي الذي قادهم اليه رئيسهم بوش الصغير. ناهيك عن مليارات الدولارات التي تمّ حرقها في جهنم العراق, 12 مليار دولار شهريا, دون أن يجني دافع الضرائب الأمريكي أي شيء من حرب وقف ضدها العالم أجمع الاّ حفنة من القتلة وتجارالسلاح وسارقي خيرات وثروات الشعوب. لا يمكن لجورج بوش أن يستمر, بعد خمسة أعوام من إرتكابه لأكبر جريمة في هذا العصر, في إخفاء رأسه تحت الرمال كالنعامة. وإن يعزف لنا نفس الاسطوانة التي سأم العالم أجمع من سماعها, وما عادت تطرب الاّ آذان جلال الطلباني وزمرته. كأن يقول أنه خلّص العالم من نظام ديكتاتوري إستبدادي كان يضطهد الملايين من شعبه ويهدّد جيرانه. فواقع الحال وحسب تقارير ودراسات وإحصائيات محلية ودولية وأمريكية تقول عكس ما يصرّح به بوش الأبله, بل أن الكثير من تلك التقارير يحذّر من حدوث كارثة إنسانية في العراق جراء نقص أو عدم توفّرالخدمات الاساسية لحياة المواطن. ولعلّ الرئيس الأمريكي لم يسمع لحد اليوم بوجود أربعة ملايين عراقي مشرد ولاجيء ومطارد من قبل حاملي لواء الديمقراطية الطائفية - العنصرية في العراق الجديد, ولا بوجود خمسة ملايين أرملة ويتيم خلّفتهم حرب أمريكا العدوانية على العراق. وبالمناسبة إن الأرقام الأخيرة صادرة عن وزارات ومؤسسات عراقية, ولم تصدرعن جهات معادية لما يسمى بالعراق الجديد والعملية السياسية التي يتخانق ويتعارك من أجلها سكنة المنطقة الخضراء. أمريكا بقيادة جورج بوش أرتكبت من الجرائم والانتهاكات والفضائع ما فاق كل جرائم النازية الهتلرية. وقد يكون هتلرمعذورا, بشكل من الأشكال, لأنه كان يخوض حربا عالمية تقف خلفها دول عظمى وجيوش جرارة ومؤسسات إقتصادية وإعلامية ضخمة. أما جورج بوش المجرم فقد شنّ حربا عدوانية, لا أخلاقية ولا شرعية ضد دولة بعيدة جدا عن أمريكا وشعب مسالم لم يلحق الأذي بامريكي واحد ولم تكن لو مطامع من أي نوع كان باحتلال سنتيمتر واحد من الأراضي الأمريكية. وقد ثبتت الأيام كذب جميع المزاعم والحجج التي شنّت الولاياتالمتحدةالأمريكية حربها العدوانية على العراق. ولو توفّرت ذرّة واحدة من العدالة في هذا العالم لكان جورج بوش اليوم يقف في قفص الاتهام ويُحاكم بسبب إرتكابه جرائم حرب بشعة ضد الانسانية في العراق وأفغانستان....وحتى في أمريكا نفسها. من المؤسف حقا إن بوش الصغير سوف يغادرالبيت الأبيض, بعد بضعة أشهر, دون أن يتحمّل المسؤولية المباشرة حتى عن قطرة دم واحدة من أنهارالدماء التي سفكها وإدارته الفاشية في العراق وإفغانستان وفلسطين والصومال وباكستان وغيرها من ديارالعرب والمسلمين. كما أنه ليس من العدل وألانصاف أن تنتهي ولاية بوش الصغير, بعد كل هذه الجرائم والفضائح والانتهاكات, ليعود بعدها الى مزرعته في تكساس "وكأن شيئا لم يكن - وبراءة الأطفال في عينيهِ".ليقضي بقية عمره مرتاحا هاديء البال, بينما تبقى نيران الحروب والنزاعات الدموية التي أشعلها هنا وهناك مستعرة في أوطاننا لسنوات طويلة. [email protected]