عاجل/ برمجة 1770 انتداب بهذه الوزارة سنة 2026..    استعمال'' الدرون'' في تونس : وزارة الدفاع تكشف مستجدات المشروع الجديد    محاولة سطو ثانية على لاعب تشلسي... واللاعب وأطفاله ينجون بأعجوبة    عاجل : مداخيل'' البروموسبور'' تحقق قفزة وقانون جديد على قريب    فحوصات مجانية للعموم: معهد باستور يوضح كل شيء عن السكري    تطاوين : السفير البريطاني بتونس يزور قصر "زناتة" ويتعرف على أعمال ترميمه باشراف باحثين تونسيين بالشراكة مع خبراء بريطانيين    انطلاق معرض الموبيليا بمركز المعارض بالشرقية الجمعة 14 نوفمبر 2025    يوم مفتوح لتقصي مرض الانسداد الرئوي المزمن يوم الجمعة 14 نوفمبر بمركز الوسيط المطار بصفاقس    تونس تشارك في بطولة العالم للكاراتي بمصر من 27 الى 30 نوفمبر بخمسة عناصر    قفصة: وفاة مساعد سائق في حادث جنوح قطار لنقل الفسفاط بالمتلوي    "ضعي روحك على يدك وامشي" فيلم وثائقي للمخرجة زبيدة فارسي يفتتح الدورة العاشرة للمهرجان الدولي لأفلام حقوق الإنسان بتونس    ليوما الفجر.. قمر التربيع الأخير ضوي السما!...شوفوا حكايتوا    تحطم طائرة شحن تركية يودي بحياة 20 جندياً...شنيا الحكاية؟    النجم الساحلي: زبير بية يكشف عن أسباب الإستقالة.. ويتوجه برسالة إلى الأحباء    عاجل/ هذه حقيقة الأرقام المتداولة حول نسبة الزيادة في الأجور…    سباق التسّلح يعود مجددًا: العالم على أعتاب حرب عالمية اقتصادية نووية..    تحب تسهّل معاملاتك مع الديوانة؟ شوف الحل    المنتخب الجزائري: لاعب الترجي الرياضي لن يشارك في وديتي الزيمباوبوي والسعودية    مباراة ودية: المنتخب الوطني يواجه اليوم نظيره الموريتاني    اسباب ''الشرقة'' المتكررة..حاجات ماكش باش تتوقعها    خطير: تقارير تكشف عن آثار جانبية لهذا العصير..يضر النساء    قطاع القهوة في تونس في خطر: احتكار، نقص، شنوا الحكاية ؟!    عاجل/ بعد وفاة مساعد السائق: فتح تحقيق في حادث انقلاب قطار تابع لفسفاط قفصة..    بش تغيّر العمليات الديوانية: شنوّا هي منظومة ''سندة2''    أحكام بالسجن والإعدام في قضية الهجوم الإرهابي بأكودة استشهد خلالها عون حرس    الأداء على الثروة ومنظومة "ليكوبا" لمتابعة الحسابات البنكية: قراءة نقدية لأستاذ الاقتصاد رضا الشكندالي    الجبل الأحمر: 8 سنوات سجن وغرامة ب10 آلاف دينار لفتاة روّجت المخدرات بالوسط المدرسي    حادث مؤلم أمام مدرسة.. تلميذ يفارق الحياة في لحظة    سلوفاكيا.. سخرية من قانون يحدد سرعة المشاة على الأرصفة    تصرف صادم لفتاة في المتحف المصري الكبير... ووزارة الآثار تتحرك!    عاجل: امكانية وقوع أزمة في القهوة في تونس..هذه الأسباب    فريق تونسي آخر يحتج رسميًا على التحكيم ويطالب بفتح تحقيق عاجل    بعدما خدعت 128 ألف شخص.. القضاء يقرر عقوبة "ملكة الكريبتو"    مجموعة السبع تبحث في كندا ملفات عدة أبرزها "اتفاق غزة"    طقس الاربعاء كيفاش باش يكون؟    تقديرا لإسهاماته في تطوير البحث العلمي العربي : تكريم المؤرخ التونسي عبد الجليل التميمي في الإمارات بحضور كوكبة من أهل الفكر والثقافة    الشرع يجيب على سؤال: ماذا تقول لمن يتساءل عن كيفية رفع العقوبات عنك وأنت قاتلت ضد أمريكا؟    محمد علي النفطي يوضّح التوجهات الكبرى لسياسة تونس الخارجية: دبلوماسية اقتصادية وانفتاح متعدد المحاور    الديوانة تُحبط محاولتين لتهريب العملة بأكثر من 5 ملايين دينار    الكتاب تحت وطأة العشوائية والإقصاء    عاجل/ الرصد الجوي يصدر نشرة استثنائية..    المنتخب التونسي: سيبستيان توناكتي يتخلف عن التربص لاسباب صحية    3 آلاف قضية    الحمامات وجهة السياحة البديلة ... موسم استثنائي ونموّ في المؤشرات ب5 %    وزارة الثقافة تنعى الأديب والمفكر الشاذلي الساكر    عاجل/ غلق هذه الطريق بالعاصمة لمدّة 6 أشهر    عاجل/ تونس تُبرم إتفاقا جديدا مع البنك الدولي (تفاصيل)    فريق من المعهد الوطني للتراث يستكشف مسار "الكابل البحري للاتصالات ميدوزا"    بعد انقطاع دام أكثر من 5 سنوات.. عودة تقنية العلاج بالليزر إلى معهد صالح عزيز    تصريحات صادمة لمؤثرة عربية حول زواجها بداعية مصري    عاجل : تحرك أمني بعد تلاوة آيات قرآنية عن فرعون بالمتحف الكبير بمصر    عاجل/ وزارة الصناعة والمناجم والطاقة تنتدب..    مؤلم: وفاة توأم يبلغان 34 سنة في حادث مرور    عاجل/ وزير الداخلية يفجرها ويكشف عن عملية أمنية هامة..    الدكتور صالح باجية (نفطة) .. باحث ومفكر حمل مشعل الفكر والمعرفة    صدور العدد الجديد لنشرية "فتاوي تونسية" عن ديوان الإفتاء    شنيا الحاجات الي لازمك تعملهم بعد ال 40    رحيل رائد ''الإعجاز العلمي'' في القرآن الشيخ زغلول النجار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"ظاهرة التكفير في المجتمع الإسلامي، من منظور العلوم الاجتماعية للأديان"
نشر في الفجر نيوز يوم 13 - 05 - 2010

تقديم:محسن المزليني من تونس
صدر في بيروت منذ أيام كتاب جديد للباحث التونسي الدكتور عبد اللطيف الهرماسي تحت عنوان "ظاهرة التكفير في المجتمع الإسلامي". ويعتبر الهرماسي، رئيس قسم علم الاجتماع بجامعة "9 أفريل" التونسيّة، وهو أحد أهم المختصين في علم اجتماع الأديان وسبق له نشر عديد البحوث والكتابات حول التيارات الإسلامية بتونس والحركة الإصلاحية بالمغرب العربي. ويبقى كتابه "الحركة الإسلامية بتونس" الصادر أواسط الثمانينات أحد المراجع المهمة التي لا غنى عنها لمن أراد الإطلاع على جذور النشأة وتحولات الظاهرة الدينية بالبلاد التونسية.
ويعتبر الكتاب الجديد الذي صدر مؤخرا عن "مركز دراسات الجزيرة" و "الدار العربية للعلوم ناشرون"، ضمن سلسلة "أوراق الجزيرة" إضافة أخرى مهمة للدراسات الاجتماعية بتونس و بالوطن العربي نظرا لحساسية الموضوع ودقّة التناول. فرغم ان عدد صفحات الكتاب لم تتجاوز 76 صفحة من الحجم المتوسط، إلا أنها جاءت مكثفة في إشاراتها، دقيقة في تناولها لظاهرة باتت تشغل أهل العلم ورجال السياسة والمواطنين البسطاء نظرا لانتشارها في المجتمعات العربية انتشار النار في الهشيم، ألا وهي ظاهرة التكفير الديني.
وبعيدا عن التفسيرات السطحيّة التي تهدف إلى اختزال هذه الظاهرة في جملة من القوالب الإيديولوجية خدمة لمصلحة المتكلم، استطاع الأستاذ عبد اللطيف الهرماسي أن يسبر أغوار هذه الظاهرة من خلال الحفر في الإيديولوجيا التكفيرية كاشفا عن جذورها العقائدية والاجتماعية، سلاحه في ذلك آخر ما استجدّ في العلوم الإنسانية من مناهج ومفاهيم وبراديغمات، إضافة إلى خبرة طويلة في التعامل مع هذه الظواهر المستعصية على البحث.
تناول الهرماسي ظاهرة التكفير باعتبارها ممارسة وإيديولوجيا في الإطار الإسلامي وأيضا بوصفها ظاهرة تاريخيّة، مستندا إلى مقاربات علم اجتماع الأديان. ولأنّ "التكفير" ليس نبتا خاصا ب"دار الإسلام"، انطلق الباحث بوضع الظاهرة في سياقها الإنساني العام ثمّ ركّز البحث على تجلياتها وآثارها في الدائرة الإسلامية متتبعا المسارات والتحولات التي خضعت لها.
ولتشخيص الظاهرة استهل البحث بجملة من المقدمات أهمها ما عدّه نزوع للإنسان إلى إضفاء المعنى على العالم الذي يعيش فيه باعتبار ذلك أحد شروط تكوّن المجتمعات البشرية، فمن ماكس فيبر إلى كوسترياديس حاول علم الاجتماع التأكيد على أنّ الإنسان وهو يبني ذاته ككائن اجتماعي مضطرّ إلى إنتاج شبكة من الدلالات تحدّد معالم التوجّه وتنظم الكون. وليس البديل عن ذلك إلا السقوط فيما سمّاه الهرماسي اللامعنى أو العمى.
كما أنّ إنتاج المقدّس يُعتبر الصيغة الأمثل لوضع حياة البشر في نظام الكون. فلا يمكن أن يولد عالم في "عماء" التجانس، وبالتالي فإنّ ظهور "الإلهي" هو الكفيل بولادة نظام الكون نظرا لما يحدثه من انقطاع بين ما هو قداسي وما هو ليس كذلك. واعتمادا على المقدّس وبظهوره أمكن للإنسان أن يؤسّس العالم ويسكنه. وفي هذا الإطار صار للشأن الديني أثرين متناقضين إذ بقدر ما يستطيع تخفيف العنف من خلال السيطرة عليه وتنظيم تصريفه، بقدر ما بإمكانه إشعال الحروب والعنف المنفلت من أي عقال في لحظات أخرى.
أمّا ثالث هذه المقدمات فتتعلق بالثورة التي أحدثتها الديانات التوحيديّة بتنزيهها المطلق للإله المفارق. وقد ساهم كلّ ذلك في إمكان عقلنة ولو نسبية للأخلاق، كما أنّ التعالي الجذري لديانات الوحي قدّم حلاّ حاسما هو الخضوع إلى من لا يُسأل أو يُجرّم. اعتمد الباحث في مغامرته البحثية على مفهوم الهيمنة وعلاقته ببنى المصداقيّة، والذي مؤدّاه أنّ النّظام الاجتماعي لابدّ أن يشكّل بنية لمصداقيّة العالم الديني وأنّ ذلك يبقى ضرورة لبقاء النسق الديني فاعلا كما يعطي فرصة إلى الجماعة، أي جماعة، كي تهيمن على فضائها الجغرافي والإجتماعي أيضا انطلاقا من هذه المطابقة بين النّسقين، وكلّ ارتباك في هذه العلاقة لابدّ أن يؤثّر على نمط الشخصية وبالتالي على ردود فعلها. و خلافا للديانات الطقوسية (كالوثنية مثلا)، اعتبر الباحث، أنّ الديانات التوحيدية الموجّهة نحو الخلاص هي التي أعطت قيمة كبرى للمصائر النّهائيّة. و"لكن داخل هذه الدائرة ذاتها، فإنّ الصّراع بشأن الحقيقة المطلقة يبلغ أشدّه بين ديانات الوحي وداخل كلّ واحدة منها، ويتعلّق الأمر خاصّة بالديانتين الحاملتين لنزوع كوني توسعي: أي المسيحية والإسلام" (ص6/7).
التكفير في الموروث الإسلامي
كشف الهرماسي انطلاقا من هذه المقدّمات عن الدلالات واستراتيجيات التكفير في الحالة الإسلاميّة مع التنبيه على أنّ الإسلام الذي يقصده هو الإسلام التاريخي ولا يحيل إلى أي تصوّر جوهري أو معياري. وأكّد أنّ هذه القضيّة شهدت تحوّلات بتغيّر وضع المجتمع الإسلامي من المدافعة وإثبات الوجود إلى المواجهة وفعل التوسّع، ملاحظا أنّ القرآن الكريم قدّم نفسه باعتباره القول الفصل في تحديد علاقة الله بالكون وبالإنسان، و باعتباره أيضا خاتم القول والمصحّح لما سبقه، ومن هنا شكّل الإسلام نقطة تباين ومكوّنا أساسيا من مقوّمات الاستبعاد بين الديانات، مثلما يشير إلى ذلك محمد أركون. وعرض الباحث إلى الاستعمالات القرآنية للجذر "ك ف ر" مبيّنا كيف تطوّرت دلالته من فعل الحجب والتغطية إلى نعت للوثنيين قبل إطلاقها على من رفض التصديق بالرسالة المحمدية من أهل الكتاب، ثم ليُصبح في النهاية دالا على نقيض الإيمان.
أمّا على مستوى حالة الجماعة المسلمة فأشار الباحث إلى التأكيد القرآني على الصّبر على الحقيقة في صدر الإسلام ثمّ على تأسيس سلطتها والقتال من أجلها، قبل أن تتحوّل مع الخلفاء الراشدين إلى حالة تداخلت فيها هيمنة الديانة بالإستراتيجيات والمغانم الاقتصادية. وبناء على ذلك تعدّدت وظائف التكفير وغاياته بحسب حال المجتمع الإسلامي، من الدفاع عن هويّة عبر رسم التمايز عن مثيلاتها إلى النزعة إلى الهيمنة مثلما وقع في حروب الردّة.. يمكن القول إذن، حسب الهرماسي، أنّ رهانات التكفير في الإسلام الأوّل لم تخرج عن دائرة التأسيس لفكرة تفوّق الرّسالة، بينما فتحت حادثة الردّة أفقا آخر فتحوّل المفهوم من وسيلة للتمييز بين الديانات إلى التقييم داخل الجماعة ذاتها، ليلتبس منذ ذلك الوقت الصّراع على الحقيقة بالصّراع على السّلطة، خاصّة بعد أن سيطر الإسلام بشكل كامل وفي وقت قصير على فضاء واسع وأرسى نظاما متكاملا أطّر كلّ العلاقات وفرض على الثقافات القديمة أن تتكيّف مع حقيقته. وبذلك بلغ المقدّس الديني غاية توسّعه مبتلعا كلّ مجالات الدّنيا.
لحظة الارتباك
وتساءل الباحث إن كان لظاهرة الحداثة أثر على نسق المصداقية في المنظومة الدينية وهل يمكن بالتالي رسم علاقة بينها وبين تفاقم ظاهرة التكفير؟
إجابة عن ذلك، اعتبر أنّ الحداثة ظاهرة صادمة ومفكّكة لكلّ الثقافات التي لم تشارك في صنعها. لقد وُلدت الظاهرة في الغرب المسيحي ودخلت إلى ديار الإسلام من خلال الحركة الاستعمارية لتُدشّن بذلك لحظة صراع ستتفاقم مع تسارع تفكيك البنى القديمة سواء كانت مؤسسات أو أفكار. لقد اخترقت القيم الحديثة كلّ فضاءات العالم الديني بشكل أرسى نوعا من الشكّ المقلق في مصداقيّة هذه المنظومة، وهو الشكّ الذي سيكون مثيرا لمزيد من التوترات خلقت بؤرا للسلوك التكفيري، زادت المؤسسات الفقهيّة التقليديّة في تأجيجه بعد أن عجزت عن الخروج من هذه الحلقة القاتلة بإبداع ذاتي يوائم بين القيم الحديثة ذات البعد العالمي والرأسمال الرمزي المتجذّر في الذّاكرة الجماعيّة.
وبعد رحلة مضنية في دروب الفكر الإسلامي ومنعرجاته أكّد الباحث أن "الايديولوجية التكفيرية التي بدأ بصياغتها أبو الأعلى المودودي و برزت لاحقا مع التيار القطبي وتيار السلفية الجهادية، تمثل في المقام الأول ردّة فعل على تصدّع الأطر الرمزية و الاجتماعية الموروثة تحت ضغط الحداثة ونتيجة لاستنبات أطرها ومؤسساتها وفكرها". كما انّ "خيبات" الدول القطرية وعجزها عن تحقيق أي من الطموحات التي بشّرت بها يمكن النظر إليها أيضا باعتبارها أحد الروافد التي تغذي الإيديولوجية التكفيرية، إضافة إلى رافد المخيال الديني والنصوص الفقهية والاجتهادية التي كثيرا ما يُنظر إليها خارج سياقاتها التاريخية والاجتماعية.
لكن هذا التوصيف القاسي للواقع ليس مدعاة للتشاؤم، حسب الباحث، فهو يعتقد أن الرؤية الشاملة والمعمقة "تجعلنا نأمل في أن يفضي تراكم التجارب ودروس التاريخ إلى تنامي وترسّخ الوعي بضرورة الانتقال من مرحلة الانفعال إلى مرحلة الفعل والبناء الهادئ، وإلى اجتراح طريق أو طرق إسلامية خصوصية في استيعاب منظومة الحداثة وتبيئتها. فإذا كان صحيحا أنّ الحداثة حداثات فيما يتعلّق بالغرب فلماذا لا يكون للمجتمعات الإسلامية سبلها الخاصّة إليها؟ ورغم العقبات العديدة، فإن ثمّة حاجة ملحّة للمضي قدما في إصلاح التفكير الديني وربطه بالإصلاحات التربوية والاجتماعية والسياسية المطلوبة".
إيلاف
الخميس 13 مايو 2010


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.