الأطباء الشبان يعلنون إضرابًا وطنيًا بيوم واحد في كليات الطب والمؤسسات الصحية يوم 19 نوفمبر    قابس: تأجيل النظر في القضية الاستعجالية ضد المجمّع الكيميائي    تونس: قافلة في المدارس باش تعلّم صغارنا كيفاش يستهلكوا بعقل    العجز التجاري لتونس يبلغ 18,4 مليار دينار مع موفى أكتوبر 2025    عاجل/ انقلاب قارب "حرقة".. وهذه حصيلة الضحايا..    التاكسي الطائر يبدأ التجارب في سماء الإمارات!    تونس تتألّق في الكراتي: إسراء بالطيب ذهبية ووفاء محجوب فضية    كأس أوروبا 2028: الافتتاح في كارديف والنهائي في ويمبلي    جريمة مروعة: مقتل عروس على يد زوجها بعد 25 يوما فقط من زفافها..!    الإتحاد المنستيري: المدير الفني للشبان ينسحب من مهامه    الرابطة الأولى: الترجي الجرجيسي يجدد ثقته في التحكيم التونسي    النادي الإفريقي: فوزي البنزرتي يُنصف "ميلاد" .. ويحرج "الثابتي" .. ويعكس الهجوم على هؤلاء    الحماية المدنية: 590 تدخلا منها 169 للنجدة والإسعاف على الطرقات خلال ال24 ساعة الماضية    التجهيز تتحرّك قبل الشتاء: جهر وديان وتنظيف الأحواض باش ما نغرقوش    من ضحايا مجمع قابس..نقل تلميذ أُصيب بشلل إلى مستشفى بالعاصمة..#خبر_عاجل    بعد أكثر من 200 عام..أمريكا تتوقف عن إصدار العملة المعدنية من فئة السنت    اغتيال مهندس نووي مصري ب13 طلقة وسط الشارع في الإسكندرية    انتقال رئاسة النجم الساحلي الى فؤاد قاسم بعد استقالة زبير بية    هام/ ترويج وتمويل صادرات زيت الزيتون والتمور محور اجتماع تحت إشراف وزير التجارة..    العاصمة: السجن لموظف بقباضة مالية استولى على أموال عمومية    طقس اليوم: ضباب محلي والحرارة بين 21 و27 درجة    لافروف: أوروبا تتأهب لحرب كبرى ضد روسيا    عاجل/ 4 فتيات يعتدين على تلميذة..وهذا ما قرره القضاء في حقهن..    سوسة: طفل العاشرة يحيل شيخ إلى غرفة الإنعاش    ترامب يوقّع قانونا ينهي أطول إغلاق حكومي في تاريخ أمريكا    ترامب يخرج على البروتوكول ويسأل الشرع عن عدد زوجاته لتقديم الهدايا لهن    وزير الفلاحة يؤكّد الالتزام بمزيد دعم قطاع الغابات وإرساء منظومة حماية متكاملة    وزيرة المالية: عودة الانتداب في سنة 2026 وتسوية آلاف الوضعيات الوظيفية    عاجل: ألعاب التضامن الإسلامي بالرياض: وفاء محجوب تهدي تونس ميدالية فضية في الكاراتي    توقيع برنامج تعاون ثنائي بين وزارة الشؤون الثقافية ووزارة الثقافة الرومانية    في ذكرى وفاة عبد القادر بن الحاج عامر الخبو    أولا وأخيرا .. على أكل الحشيش نعيش    في بيت الرواية بمدينة الثقافة .. .جلسة أدبية حول «تعالق الشعر بالسرد»    بنزرت: يوم إعلامي حول السّجل الوطني للمؤسسات    المهدية: مواد خطيرة وحملة وطنية لمنع استعمالها: طلاء الأظافر الاصطناعية و«الكيراتين» مسرطنة    أنس بن سعيد تتألّق في "ذو فويس" وتعيد للأغنية التونسية بريقها    الليلة: سحب قليلة والحرارة بين 10 درجات و15 درجة    العجز التجاري لتونس يبلغ 18,435.8 مليون دينار مع موفى أكتوبر 2025    مشروع السدّ يتحرّك: مفاوضات جديدة لإنهاء ملف انتزاع الأراضي بجندوبة!    مجلس الجهات والأقاليم ينتدب في هذه الخطط الإدارية..#خبر_عاجل    سليانة: انطلاق مهرجان "نظرة ما" في دورتها الثانية    مباراة تونس وموريتانيا الودية : وقتاش و القناة الناقلة ؟    مدير المركز الوطني لنقل الدم: هدفنا بلوغ 290 ألف تبرّع سنوي لتلبية حاجيات البلاد من الدم ومشتقاته دون ضغوط    عاجل/ انشاء هيكل جديد لتنظيم قطاع القهوة في تونس    عاجل: 8 سنين حبس لفتاة تروّج في المخدّرات قدّام مدرسة في الجبل الأحمر!    "ضعي روحك على يدك وامشي" فيلم وثائقي للمخرجة زبيدة فارسي يفتتح الدورة العاشرة للمهرجان الدولي لأفلام حقوق الإنسان بتونس    تحطم طائرة شحن تركية يودي بحياة 20 جندياً...شنيا الحكاية؟    ليوما الفجر.. قمر التربيع الأخير ضوي السما!...شوفوا حكايتوا    تعاون ثقافي جديد بين المملكة المتحدة وتونس في شنني    معهد باستور بتونس العاصمة ينظم يوما علميا تحسيسيا حول مرض السكري يوم الجمعة 14 نوفمبر 2025    اسباب ''الشرقة'' المتكررة..حاجات ماكش باش تتوقعها    خطير: تقارير تكشف عن آثار جانبية لهذا العصير..يضر النساء    تحذير عاجل: الولايات المتحدة تسحب حليب أطفال بعد رصد بكتيريا خطيرة في المنتج    تقديرا لإسهاماته في تطوير البحث العلمي العربي : تكريم المؤرخ التونسي عبد الجليل التميمي في الإمارات بحضور كوكبة من أهل الفكر والثقافة    تصريحات صادمة لمؤثرة عربية حول زواجها بداعية مصري    الدكتور صالح باجية (نفطة) .. باحث ومفكر حمل مشعل الفكر والمعرفة    صدور العدد الجديد لنشرية "فتاوي تونسية" عن ديوان الإفتاء    شنيا الحاجات الي لازمك تعملهم بعد ال 40    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المهجّرون..بداية الإقلاع : الطاهر العبيدي
نشر في الفجر نيوز يوم 13 - 05 - 2010

الطاهر العبيدي/ صحفي وكاتب تونسي / مقيم بباريس
إن محاولة استقراء التفاف المجتمع المدني التونسي في الداخل بكل أطيافه الحقوقية والسياسية، حول حق عودة المهجّرين عودة كريمة وآمنة وشاملة. وعند الوقوف أمام هذه اللحظة التاريخية، التي تعتبر نقلة ذات معاني ودلالات ضوئية تجاه قضية ما عادت تحتمل التغييب أو التأجيل، أو عضّ الشفاه أو إحالتها على رفوف الذاكرة المنسيّة، فقد اجتمعت حول هذا المطلب عشر جمعيات حقوقية من مختلف التوجهات، وسبع أحزاب سياسية متنوعة الرؤى والإيديولوجيات، تعكس وعيا متقدّما في التقاط صدى المهجّرين المبثوث على ذبذبات أعوام القحط السياسي، والموزّع على تردّدات المحن الوطنية، والانتباه إلى وجود شريحة من المهجّرين التونسيين وقع القبض عليهم متشبّثين بحق المواطنة، ومتلبّسين بعشق البلد، فباتوا مواطنين مع وقف التنفيذ، ولاجئين على أبواب الوطن. كما تجذر فعلا حقوقيا وسياسيا، يرتقي إلى المسؤولية الأخلاقية والوطنية أمام حالة العطب والركود في معالجة ملف أصبح تجاهله يمثل انخفاضا في الوعي الوطني، والسكوت عن مخلفاته يحيل على الضيم السياسي. فقد انتفضت هذه الفعاليات في العلن وعبر تصريح مشترك، اخترق حواجز الصمت، وواقع التأجيل، وملوحة الحلول المقضومة، ومبادرات النفخ في الحطب المبتل، وضدّ مزاجية سلطة القرار في التعامل مع هذا الملف وفق الفرز الأمني، وعبر الأظافر العسكرية، دون اعتبار أن الملف ذو منطلقات سياسية، وعملية توريقه تستدعي الإنصات إلى صوت العقل والحكمة والضمير.

رواسب سنوات الإسهال السياسي
إن هذه الحركة النبيلة من فصائل المجتمع المدني حول مشترك أخلاقي، وهذا الإسناد دون تأخر ولا تردّد، لمحاولة تضميد نزيف ظل يسيل بصمت طيلة سنوات، دون الإدلاء بعمق الجروح في العلن، وتصويرها تحت الأشعّة ما فوق البنفسجية، لاستبيان ما خلفته سنوات القحط السياسي. حيث آثر المهجّرون إخفاء ضمائد هذه الحروق لفائدة وجع المساجين، الذين كانوا أولى بالاهتمام، والتدثر بالفعل الأخلاقي لصالح الأكثر تضرّرا من محنة السجون، التي افترست الأعمار ونهبت أحلى سنوات الشباب. فما كان ممكنا أن يتقدم ملف العودة على حساب المرابطين في الزنزانات والمعتقلات. كما كان الجهد منصبّا حول إبراز قضيّة من حرموا لأعوام طويلة من الحرية والمواطنة في أبسط مدلولاتها، والانخراط في معركة الكرامة على مختلف الجبهات، من أجل استعادة حرية المئات الذين نهشتهم الآلة الحديدية.
ثنائية التناقض
إن هذه المبادرة التي اشتركت فيها الضمائر الحيّة، ترسم ملامح ملحمة وطنية، وانتفاضة على الراكد من الهموم المهجرية، وشكلا من أشكال تصدير التضامن الوطني التلقائي لصالح المهجّرين. لتبرز للعلن قضية ارتهان جوازات السفر لهؤلاء المهجّرين، الذين تحوّلت أبسط حقوقهم المدنية في الحصول على الوثائق الإدارية إلى نوع من البضاعة المعروضة في المزاد. حيث صار جواز السفر يخضع لمختلف أنواع الشعوذة القانونية، " والعلاوات " الإدارية، وبات مفهوم المواطنة مصلوبا بين ثنائية التناقض الصارخ بين النصوص القانونية والقرصنة الدستورية، التي تمارس بين مكاتب القنصليات التونسية بالخارج، التي تقوم بعملية استنزاف لما بقي من ملامح المواطنة، عبر سنّ تشريعات تخالف المنطق والمعقول، وتشوّه وجه البلاد.
المهجّرون قضية كل شركاء الوطن
حين نتأمل واقع قضية المهجّرين التي صارت مشتركا حقوقيا وسياسيا، ومطلبا تسعى للتكاتف من أجله كل مكوّنات الساحة الوطنية، عبر لفيف من التضامن الرمزي والمعنوي، الذي نعتقد أنه لن يكون ظرفيا. كما لا نظن أنه ليس مجرّد إمضاء على عريضة، أو توقيع على بيان، بل سيكون وعيا تراكميا، وانطلاقا لفعل مستمر للنبش على هذا الحق المتواري تحت أتربة المقايضة والمبادلة، التي أضحت إحدى عناوين مواطنة منزوعة الكرامة والحقوق. كما أن هذا التضامن وهذا الاستنصار المتنوّع الرؤى، هو بمثابة هزّة ارتدادية داخل أسوار من جعلوا من حقوق دستورية مغانم حربية، وميراث الأجداد والأوّلين. ما ينعش الجسم المهجري، ويعيد له حيوية الوقوف على ساقين، بدل الانتصاب على رجل واحدة. فتصبح بذلك قضية المهجّرين قضية شراكة وطنية، وبالتالي فإن عملية تجميد الجوازات وتجميد حق العودة الكريمة، لا يمكن أن تظل ورقة يناصيب في بورصة الاستثمار الأمني.
تأخرت العودة ولم يتأخر الفعل
ولكي لا نغوص في استنطاق بصمات تواقيع ما تحت السطور، نعود للقول أن المهجّرين طيلة كل هذه السنين، كانوا رغم الوجع الذي يسكنهم ما بين الصمت والسكون، رغم ملوحة الغربة وصفعات الحنين، كانوا مرابطين على حدود تماس البلد، من أجل الاستنصار لحرية الرأي والتعبير، والتموقع في الخطوط الخلفية، ليكونوا الرئة التي يتنفس عبرها الداخل المختنق بفعل تلوّث المناخ، ونقص الأكسجين السياسي، وانسداد شرايين التعبير، من خلال المنابر الالكترونية المختلفة والمتنوعة، التي ساهمت في اختراق الجدران العازلة، لإسعاف الداخل التونسي الذي بفضل الانجاز المهجري صار تحت أشعّة الشمس. وأضحى مسنودا من الخارج، الذي سارع إلى نجدته، وساهم في فكّ الحصار عبر جملة من التحركات الحقوقية والسياسية والإعلامية الميدانية العلنية والخفية، التي قاربت العشرين سنة. ممّا ولد ارتباطا تكامليا بين الداخل والخارج، وساهم في خلق علاقة حميمية، ارتكزت على جدلية الوعي بالممكن المشترك، والاصطفاف حول قضايا /الحرية - المواطنة- الديمقراطية والعدل. كما أن المهجّرين طيلة هذه السنوات كانوا رقما غير مختزلا في الجغرافيا الوطنية، وذلك من خلال المشاركة في الحراك الحقوقي والسياسي، عبر بعث منظمات وجمعيات حقوقية، ومنابر إعلامية، ومنتديات سياسية. إلى جانب الانخراط في مراكز علمية، أو الانضمام إلى أحزاب سياسية أروبية معتبرة، أو الالتحاق بمؤسسات إعلامية عربية وأجنبية متميّزة، أو المشاركة في منظمات دولية ذات مصداقية، أو إصدار كتب أدبية وفكرية ذات قيمة إنسانية، وكل هذه الإضافات ساهمت تصريحا أو تلميحا أو تعريجا، في جعل قضايا الحريّات السياسية وحقوق المواطنة تحت المجهر، إلى جانب الإشعاع المعنوي والأدبي لصالح بلد لم يختزل من الذاكرة.
لنصل إلى القول الفصل أن المهجّرين الذين تأخرت كثيرا عودتهم، ظلوا منذ عشرين سنة يزورون البلد دون جوازات مرور، عبر العرائض والبيانات، والتحركات والتظاهرات، والنداءات والمؤتمرات، واللقاءات والتجمعات، والندوات والمنتديات والمظاهرات.. ذلك لأن هؤلاء المهجّرين في أغلبهم هم أصحاب قضايا، وليسوا مهاجري رغيف، أو مهاجري قطع القماش والأواني والصحون، وترصيص البضائع.

الوطن لم يسقط بالتقادم
لئن كانت الفعاليات الحقوقية السياسية في الداخل التونسي قد سارعت في إعطاء جرعة تحصينية لفائدة ملف المهجّرين، عبر التضامن الرمزي سواء الحقوقي أو السياسي أو الإعلامي، والتأهّب لجعل هذه القضية أولوية كل النشطاء، من أجل طيّ سنوات الملح، وإعادة الفرحة لبعض من بقوا أحياء من أهالي المهجّرين، وتبني عودة المنفيين عودة كريمة وآمنة وشاملة دون مقايضات، لتتصالح تونس مع أبنائها، بعيدا عن منطق الربح والخسارة، ذلك لأن ملفا بهذا الشكل لا يمكن أن يخضع لمثل هذه المقاييس، التي تعفّن الأجواء بدل تنقيتها. هذا ورغم هذه الخطوة المتقدمة التي حضي بها المهجّرون من طرف الأحزاب السياسية والجمعيات الحقوقية في تبني قضيتهم، إلا أنهم ما زالوا يتطلعون إلى أن يصبح ملفهم عنوانا بارزا عند باقي القطاعات المهنية الأخرى، من مثل الاتحاد العام التونسي للشغل - اللجنة التونسية لحماية الصحفيين - عمادة المحامين - جمعية القضاة - نقابة الصحفيين- نقابة التعليم - عمادة المهندسين - عمادة الأطباء - اتحاد الكتاب - عمادة الصيادلة...فلكل هذه القطاعات زملاء لهم مهجّرون يحلمون مثلهم بالكرامة وبرؤية الوطن، الذي لم يسقط بالتقادم من ذاكرتهم، ولا من وجدانهم، ولا من عقولهم كما سقطت من سجلات البعض منهم الأحكام بالتقادم.
----------------------
هوامش
* انظر العريضة الوطنية بعنوان
" مساندة لحق العودة للمهجرين التونسيين "، التي أمضت عليها 10 منظمات حقوقية من داخل تونس، المنشورة بتاريخ 11 نيسان (أبريل) 2010، في العديد من المنابر العربية، والمواقع التونسية المعارضة.

* راجع وثيقة الأحزاب التونسية المعارضة تحت عنوان
" أحزاب سياسية تتبنى قضية حق عود المهجرين "، الصادرة في 6 أيار (مايو) 2010، ومنشورة في الكثير من الصحف والمواقع العربية والتونسية.
الطاهر العبيدي/ صحفي وكاتب تونسي / مقيم بباريس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.