19/10/2006 تم تجديده بتاريخ 13/5/2007 نقلت بعض وسائل الإعلام أن الملك الأردني يدرس مسألة فك الارتباط بين الضفتين الشرقيةوالغربية، ويشتم من الأخبار أن النوايا تتجه نحو إلغاء هذا الفك الذي تقرر عام 1988. لا توجد أخبار مؤكدة حول هذا الموضوع، ومن المحتمل أن يتم نفي علني من قبل المسؤولين الأردنيين إن هم سئلوا عنه إعلاميا أو سياسيا.
ما يهمنا هنا هو توضيح مسألة الارتباط وفكه. من المعروف أن فلسطينيين اجتمعوا في مدينة أريحا بعيد اغتصاب فلسطين بقيادة الشيخ محمد علي الجعبري، وقرروا التوجه بطلب للملك الأردني بضم الوسط الشرقي المتبقي من فلسطين والذي أصبح يعرف بالضفة الغربية للمملكة الهاشمية الأردنية. وافق الملك على الطلب، واتخذ قرارا بتشكيل مجلس تمثيلي (برلمان) للضفتين بعدد متساو من الأعضاء. اجتمع المجلس المنتخب في نيسان/إبريل، 1950 وأعلن الوحدة التامة بين الضفتين والتساوي في الحقوق والواجبات بين كل مواطني المملكة، وأكد على "المحافظة على كامل الحقوق العربية في فلسطين والدفاع عن تلك الحقوق بكل الوسائل المشروعة وبملء الحق وعدم مس التسوية النهائية لقضيتها العادلة في نطاق الأماني القومية والتعاون العربي والعدالة الدولية."
كانت الوحدة الأردنية الفلسطينية ناجحة على المستوى الشعبي، أما من الناحية السياسية لم تكن صافية النجاح. بالنسبة لبعضهم، وأنا كاتب هذا المقال منهم، وجود وحدة عربية مهما كانت عرجاء أفضل من عدم وجودها. تعرضت هذه الوحدة سلبيا مع إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية عام 1965 بسبب مزاحمة المنظمة لرغبة الملك الأردني في تمثيل الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية عموما. تميزت العلاقات بين المنظمة والمملكة بالتوتر، وأخذ كل طرف موقعه في الصراعات والخصومات العربية التي كانت سائدة حينئذ.
كانت هزيمة عام 1967 قاسية على فكرة الوحدة العربية، وعززت شعور الفلسطينيين بأن الأنظمة العربية لا يعتمد عليها، وأن عليهم أن يشقوا طريقهم بأنفسهم. تأثرت الوحدة الفلسطينية الأردنية سلبا، وتعمقت مشاعر الانفصال بعد حرب أيلول/1970 بين الجيش الأردني والمقاومة الفلسطينية. ازدادت رغبة منظمة التحرير الفلسطينية بالانفصال بعد حرب تشرين/1973، وتكللت مساعيها باعتراف مؤتمر القمة العربي لعام 1974 بالمنظمة ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني. وقد كانت كلمة وحيدا موجهة لملك الأردن، ولكي ينفض يديه من القضية الفلسطينية ويخرج من لعبة البحث عن حل.
لم يكن الملك مرتاحا لما جرى، لكن توازن القوى العربي عندئذ لم يكن يميل لصالحه، وقبل القرار، لكنه استمر في تسيير الشؤون الإدارية للسكان في الضفة الغربية، واستمر في التعامل معهم على أنهم مواطنون أردنيون. كان الناس إجمالا مرتاحين لوجود منفذ إداري واقتصادي لهم غير الاحتلال، لكن أصحاب الوعي السياسي لم يكونوا مرتاحين بسبب العلاقات التطبيعية بين النظام الأردني وإسرائيل. بالرغم من مشاعر الشك والريبة بين القيادات السياسة، استمرت المجاملات السياسية إلى أن بلغت الأمور حدها الأقصى أثناء انتفاضة عام 1987. قرر الملك الأردني أن يفرط العقد عام 1988، ووقع قانونا يلغي قانون الارتباط لعام 1950، وصدرت التعليمات للتعامل مع فلسطينيي الضفة الغربية بصفتهم غير الأردنية. لم يكسر الملك الجرة دفعة واحدة، وراعى ظروف السكان، وعمل على إخراجهم من دائرته القانونية تدريجيا، ولم يكتمل فك الارتباط إلا بعد قيام السلطة الفلسطينية.
أتى حديث مطول حول مراجعة فك الارتباط، ولا أظنه ينفصل عن رغبات العديد من الفلسطينيين. هناك فلسطينيون يرون بأن إدارة الأردن أفضل بكثير من إدارة السلطة الفلسطينية، وأن عودة الإدارة الأردنية إلى الضفة الغربية بالذات يشكل مخرجا من الأزمة الإدارية الحالية في فلسطين. تفاقمت الأوضاع في فلسطين إلى درجة أن الزعران والقبضايات والجهلة والساقطين أصبحوا قادة في البلاد، وأخذوا يدمرون مؤسساتها وبناها الاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية. إنهم ينفذون رسالة الاتفاقيات مع إسرائيل، والتي تم التحذير من أخطارها مرارا وتكرارا عبر سنوات السلطة منذ عام 1994. الآن تضيق الأرض وتجف البدائل، ويجد الناس أنفسهم محشورين بقوى عربية وفلسطينية وضغوط دولية.
الآن يأتي دور مراجعة مسألة الارتباط الفلسطيني الأردني، وحتى تنجح فكرة إعادة الارتباط، أرى أن عددا من الأمور لا بد من توفرها، لكن قبل سرده أريد أن أوكد عدم رغبتي بتفتيت العرب، وبإصراري على وحدة الشعوب العربية، بخاصة وحدة الفلسطينيين والأردنيين ووحدة كل أهل سوريا من شمالها إلى جنوبها. أنا لا أريد أن أكون في دولة وأخي وصديقي سليمان الطراونة في دولة أخرى، ولا أريد أن أهجر أخي مازن غرايبة، أو أبناء زميلي العزيز محمد الهياجنة، ولا أهل مدينة الفحيص الذين عشت معهم وأكلت من زادهم وعاملوني كابن لهم. أنا مع الوحدة مهما كانت عرجاء أو عجفاء لأنها أفضل من التفتيت. إنما من المهم أن تراعي القيادات السياسية التالي:
أولا: من الضروري عمل تعديل دستوري جوهري في الأردن بحيث تصبح الحكومة صاحبة سيادة وصاحبة قرار سياسي. لا بد من تقليص صلاحيات التفويض الملكي ليصبح الملك رمزا بدل وجوده كحاكم الآن. لا أعتقد أن الفلسطينيين يمكن أن يقبلوا بنظام سياسي بدائي بعد ما خبروه من تجارب في ظل الاحتلال وظل السلطة الفلسطينية.
ثانيا: من المهم أن يعترف الملك بأن المملكة الأردنية الهاشمية هي التي هزمت عام 1967، وهي التي فقدت الضفة الغربية، وهي تتحمل مسؤولية التحرير قبل غيرها.
ثالثا: اعتراف الملك بحق الشعب الفلسطيني والأردني (الشعب الموحد) بالمقاومة بكافة الوسائل والأساليب الممكنة، وأن يعترف أيضا بأن مسؤولية المقاومة لا تقع فقط على الفلسطينيين في الضفة وغزة، وإنما على العرب في الضفة الشرقية وعلى الحكومة الأردنية. لا يمكن لأي فكرة وحدوية أن تنجح بدون التزاوج مع فكرة التحرير، ولا يمكن أيضا أن يقتنع كل الشعب الفلسطيني بفكرة النضال السياسي، والعمل من خلال ما يسمى بالشرعية الدولية.
رابعا: أن تمتنع المقاومة عن التدخل في الإدارة وسير الحياة اليومية في الدولة، وأن تقوم بعملها وفق معايير السرية الأمنية، وعليها أن تحترم القوانين المعمول بها، وأن تحترم الناس وقيمهم، وأن تبتعد تماما عن مجرى الحياة المدنية.
ليس من السهل العودة إلى الوحدة الفلسطينية الأردنية في ظل الظروف القائمة ليس لأن الشعبين لا يريدان ذلك، وإنما لأن القيادات السياسية لها برامج لا تصب في فكرة التحرير، ولأن الأولوية لدى هذه القيادات مرتبطة بالظروف والقوى الخارجية أكثر بكثير مما هي مرتبطة بالمصالح الوطنية أو بترتيب الأوضاع الداخلية للناس. القيادات السياسية لا تمتلك إرادة سياسية حرة، والشعوب مغلوبة على أمرها. هناك عدد متزايد من الفلسطينيين يطلبون الآن بديلا للسلطة الفلسطينية، ومنهم يرى في الأردن بديلا، ومنهم من يرى ضرورة التخلص من النظام الأردني لصالح نظام يقوم على أسس سياسية حديثة، الخ، لكن الأمور ليست بتلك البساطة التي قد يأمل بها شخص الشارع العادي. المصدر بريبد الفجرنيوز