وزير الخارجية يؤكد التزام تونس المتواصل بالمساهمة الفاعلة في عمليات حفظ السلام الأممية    باجة: ضخ كميات من المواد الاساسية المدعمة بالأسواق    روسيا وإثيوبيا توقعان على خطة عمل لبناء محطة نووية    ترامب يهدد شركات الأدوية    صورة مزيفة تثير الجدل: النجم ديمبلي لم يهدِ والدته سيارة فاخرة    طقس اليوم: سحب أحيانا كثيفة بهذه المناطق مع أمطار مؤقتا رعدية    طقس الجمعة: أمطار رعدية ودرجات حرارة تصل إلى 38 درجة    أطعمة لا ينبغي تناولها أثناء المرض    الزمن يتباطأ في جسدها... حكاية أطول النساء عمرًا    حفل تكريم الجمعيات الرياضة المدنية والمدرسية بولاية تونس بقصر المؤتمرات بالعاصمة    سفير تونس بالصين يلتقي وفدا رفيع المستوى من مقاطعة هوبي بهدف تعزيز التعاون و الدبلوماسية الاقتصادية    بنزرت: تجديد عقود كراء لاراضي فلاحية لفائدة 32مستغل لعقارات فلاحية    تنظيم الصالون الجهوي لنوادي الفنون التشكيلية و البصرية بدور الثقافة بولاية منوبة يوما السبت والاحد    وزارة الثقافة: لقاء إعلامي خاص بقطاع التراث يوم 2 اكتوبر القادم    ترامب: لن نسمح لإسرائيل بضم الضفة الغربية    突尼斯驻华大使会见湖北省高级代表团 共促经济外交与地方合作    السعودية تعلن تأسيس تحالف دولي لتمويل السلطة الفلسطينية وتدعمه ب 90 مليون دولار    عاجل/ رسميا: الترفيع في المنح للمديرين والمدرسين والقيمين..وهذه التفاصيل..    قضيّة حجز 12 مليون قرص مخدر : الاحتفاظ بوكيل شركة وموظّف ديواني    إنجاح موسم جني التمور    اليوم «دربي» كرة اليد ..صراع الصدارة بين الإفريقي والترجي    ندوة لتقديم كتاب «المقاوم الغائب الحاضر»    خطبة الجمعة...الظلم ظلمات    هل أغلق الإسلام باب الاجتهاد؟    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    بطولة العالم للتجديف .. الكريمي والذوادي تُحرزان الميدالية الفضية    تطوير العلاقة مع الأمم المتحدة    يزهق روح والدته بوحشية في حي التضامن    عاجل: الجامعة التونسية لكرة القدم تكشف عن مزوّدها الجديد    بطولة العالم للتايكوندو: تونس تشارك ب 11 رياضيا    منوبة.. العثور على جثة أستاذ محروقة داخل منزله    الرابطة 2 : تعيينات حكام الجولة الثانية    هيئة السلامة الصحية تحجز أكثر من 3 أطنان من المواد الغذائية الفاسدة بخمس ولايات    عاجل: سامي الفهري يُعلن عن مسلسل رمضان    عاجل: تحويل جزئي لحركة المرور قرب مستشفى الحروق ببن عروس    أزمة الصيادلة في تونس تهدد توفر الدواء: الموزّعون بالجملة يطلقون تحذيراً عاجلاً    مجموعة توحيدة بالشيخ تدعو إلى التعامل مع الإجهاض ووسائل منع الحمل كحق أساسي بغض النظر عن نسب الخصوبة المنخفضة    النادي الصفاقسي: الإدارة تمدد عقد أيمن دحمان .. وهذا موعد إلتحاق حمزة المثلوثي بالمجموعة    هاشمي الوزير.. يجب تطوير لقاحات مضادة للأمراض المستجدة الناتجة عن التغيرات المناخية    ساركوزي يعلق على حكم السجن الصادر بحقه..    تركيا تكشف تفاصيل الأنشطة التي تجريها في البحر المتوسط بالتعاون مع مصر وليبيا..#خبر_عاجل    عاجل: 13 ولاية تونسية ستنضمّ إلى برنامج توزيع الدواجن بأسعار معقولة    رئيس غرفة وكلاء ومصنعي السيارات يكشف هذه المعطيات للتونسيين    المشاركة التونسية في الصالون الدولي للسياحة "Top Résa" ... خيار استراتيجي يعكس رؤية متكاملة لتعزيز مكانة تونس كوجهة سياحية متجددة ومنافسة    عاجل/ إيقاف رجل أعمال معروف..وهذه التفاصيل..    عاجل/ الخارجية الاسرائيلية توجه رسالة جديدة لمنظمي "أسطول الصمود" وتتوعد..    الدورة ال20 لمهرجان أيام السينما المتوسطية بشنني تحت شعار 'الحق في المستقبل' من 15 الى 19 اكتوبر 2025    عاجل/ أعلنوا حالة الإنذار والطوارئ: لجنة أسطول الصمود تتخذ هذا القرار..    عاجل/ تقلبات جوية جديدة ستتواصل حتى الأسبوع القادم وستشمل هذه الولايات..    لأول مرة: سر طول عمر أكبر معمّرة في العالم... !    عاجل/ تلميذ يعتدي على زميله بآلة حادّة في سيدي حسين..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    رئيس الجمهورية: مشروع قانون المالية يجب أن يعكس الدّور الاجتماعي للدّولة    وزيرة الثقافة تدعو الى إطلاق حملة تنظيف واسعة للمناطق الأثرية تنطلق من تونس الكبرى    ولدت في تونس وتوفيت في فرنسا...رحيل أيقونة السينما الإيطالية كلاوديا كاردينال    تيك توك يكشف سر قاعدة الأصدقاء السبعة: كيف تبني صداقات متوازنة؟    عاجل: الموت يغيّب كلوديا كاردينال عن عمر ناهز 87 عاماً    يا توانسة.. هلّ هلال ربيع الثاني 1447، شوفوا معانا دعاء الخير والبركة الى تدعيوا بيه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حظر النقاب.. والثقافة الفرنسية : عبد الباقي خليفة
نشر في الفجر نيوز يوم 23 - 05 - 2010

مَن الذي يشكل الثقافة؟ التاريخ أم الواقع؟ أم الاثنان من خلال الاحتفاظ والإضافة؟ وإذا تناقض الواقعُ مع التاريخ هل يُحكم للتاريخ أم للواقع، وأيهما يحكم على الآخر؟ وما علاقة الثقافة بالحريات، وهل يتوجب القضاء على الحريات من أجل المحافظة على الثقافة التاريخية؟ وأين موقع العلمانية (المحايدة) في هذه القضايا؟
محاكم تفتيش
أسئلةٌ كثيرة يطرحها المثقفون الجادُّون هذه الأيام في أوروبا، ولا سيما في فرنسا، بعد السقطة السياسية لحكومة ساركوزي، وتراجع مساحة الحريات الدينية في ظلّ نمو ثقافة يمينية مغرقة في التطرف، ونفي الآخر الثقافي، في تحالف نكد بين التطرف العلماني والتطرف اليميني الذي يستوحي أدبياته من ظلمات القرون الوسطى، فلم يكن القرار الفرنسي بمنع النقاب وفرض عقوبات على مَن ترتديه مخالفًا لحرية المعتقد والضمير والحريات الشخصية فقط، بل مخالفًا لرأي المجلس الدستوري في فرنسا، أعلى هيئة قضائية في البلاد، رغم تحذيرِه من اتخاذ خطوة من ذلك القبيل، وتهديده بعدم المصادقة عليه.
فقد أقرَّت الحكومة الفرنسية يوم الأربعاء 5 جمادى الآخرة 1431 هجرية الموافق ل 19 مايو 2010م على مشروع قرار يحظر النقاب في الأماكن العامة، رغم تحفظات حقوقيين، فضلًا عن رفض المسلمين في فرنسا، وهم 10% من عدد السكان، على هذا الإجراء الذي يُذكِّر العالم بمحاكم التفتيش، والتي وقفت جيوش نابليون بونابرت على بعض فظائعها بعد دخولها إسبانيا.
وبالطبع قام الرئيس الفرنسي -الذي تعود أصولُه إلى بولندا التي توجد في ربوعها أغرب كنيسة في العالم، حيث يتكوَّن ديكورها من عظام أكثر من 40 ألف من المسلمين، بتبرير ذلك الإجراء المصادِم لأهم حقوق الإنسان، وهي الحريَّة الدينية، وقال في معرض ذلك: "إن الحكومة تسلُك في هذه القضية طريقًا صارمًا، ولكنه عادل "على حسب قوله، وإضافة كلمة "عادل" يدل على أنه غير ذلك، فغالبًا ما يغلّف الطغاة سكاكينهم الحادة قبل أن يطعنوا بها الضحايا.
وإن كان ساركوزي ومن معه قد أخفوا العدوان، فإنهم لم يخفوا فرضهم لتصور منمَّط عن المرأة وكرامة المرأة "نحن أمة عريقة مجتمعة حول فكرة معينة عن كرامة الإنسان، ولا سيما كرامة المرأة وحول نظرة معينة بشأن الحياة المشتركة" وأن "النقاب الذي يخفي الوجه تمامًا يطال تلك القِيم التي نعتبرها أساسية وجوهرية في ميثاق الجمهورية".. إذن هو فرض نمط معيَّن على حياة متعددة، ونظرة واحدة على نظرات مختلفة حول طبيعة الكرامة الإنسانية، وما يتعلق بالمرأة.
سرير أسطوري
إذن هو ذلك السرير الأسطوري، الذي يمطّط من كان دونه في الطول وتبتر أقدام من كان أطول منه!! وماذا عن الذين يعتبرون النقاب حرية شخصية، والتزامًا دينيًّا وفق فهم خاص؟ وماذا لو أجبر القساوسة على الزواج، وأجبرت الراهبات على الإنجاب لأن ذلك مخالف للطبيعة الإنسانية مثلًا؟ أو تحت أي تبرير، مثل وقف الاعتداءات الجنسية على الأطفال، ومن سيكونون قساوسة وكرادلة وباباوات الغد؟
إن القانون الفرنسي العار، والذي يمنع ارتداء النقاب في الأماكن العامة، ويغرِّم مَن ترتديه ب 150 يورو تصل إلى حد السجن لا يمكن تبريره أمنيًّا، كما لا يمكن تبريره ثقافيًّا، فالذي يريد أن يقدِم على عملية جنائية كالسرقة أو غير ذلك لا يلبس برقعًا منذ أن يخرج من بيته أو غيره للمكان الذي يقصدُه، بل يفعل ذلك حال شروعه في الجريمة، كما أنه لم يسبق أن شخصًا ما في فرنسا أو بلجيكا التي قامت هي الأخرى بحظر النقاب، استخدم البرقع لارتكاب جريمة أو الشروع في ارتكابها، مما يسقط كافة الدعاوى المتهاوية، لا سيما أن المنتقبات غالبًا ما يخرجن مع أزواجهن وأبنائهن وصديقاتهن وهن في الغالب غير منتقبات.
ولهذه الأسباب رأى مجلس الدولة الفرنسي في 12 مايو 2010م أن "حظر النقاب ليس دستوريًّا" وقالت صحيفة لوفيجارو في عددها الصادر يوم الجمعة 14 مايو 2010م: إن أعضاء المجلس الذين عقدوا جمعية عامة يوم الأربعاء 12 مايو 2010 م ذكروا أن "حظر النقاب ليس له أساس قانوني صريح".
إن الحرب على النقاب ليست سوى مقدمة لخطوات أخرى في إطار الهجمة الشرسة على الإسلام والمسلمين في العالم، وضرب في الصميم لحاضر ومستقبل التعايش بين الثقافات في إطار الحضارة الإنسانية الواحدة، ونشر العداء والضغينة بين السكان على مختلف انتماءاتهم السياسية والدينية والحزبية والمجتمعية، وقد أفرزت الساركوزية نمطها المعادي للتعايش مع الاختلاف، عندما أقدمت (محامية) فرنسية على نزع حجاب امرأة مسلمة، وكان حريًّا بها أن تكون من موقعها الحقوقي أول المدافعات عن حقِّها في الاختيار، وفي مقدمته اختيار اللباس الذي ترغب فيه، ولكن الثقافة الأحادية التي جعلت تاريخ أوروبا سلسلةً من الحروب الدامية، كانت أكبر من كل (القِيم) التي استقتها تلك المتعصبة من مقاعد الدراسة ودراسة القانون، فقط كان الطبع أكبر من التطبع، وعبّرت عن أحلك الفترات التاريخية التي مرت بها أوروبا، وفرنسا خاصة.
لم تكنْ مبادئ الثورة الفرنسية، ولا القانون المدني الفرنسي، هو مَن أملى على تلك الوضيعة المنحطة سلوكها البربري والمتوحش، فهي لا تشرف سلك المحاماة ولا المرأة، فضلًا عن أي قيمة أخرى، وإنما التعصب الديني في فرنسا، تعصبها الديني هو الذي يقود من يسنون القوانين في فرنسا وبلجيكا وغيرها، وليس (مبادئ الجمهورية) ولا أي شيء آخر.
فتلك (المحامية) لم تجدْ في قواميس القانون، ولا الجمهورية الفرنسية، ما تخاطب به تلك المرأة المسلمة المنقبة، سوى عبارات سوقية وكلمات قروسطية، وألفاظ دينية مأزومة، طالما تراشق بها رءوس الكنائس فيما بينهم، فقد وصفت تلك المسلمة المنقبة بأنها "سفيرة جهنم في فرنسا"، لم تكن المسلمة المنقبة قادمة من المملكة العربية السعودية، أو الكويت، أو الإمارات، أو الجزائر أو المغرب أو غيرها من الدول الإسلامية، وإنما فرنسية اعتنقت الإسلام، واختارت النقاب لباسًا، فرنسية عمرها 26 سنة، ولدت في فرنسا وتشبعت بقيم المجتمع الفرنسي، ولم يرُقْها نمط حياتها التقليدية، فلماذا تجبر، وتقهر وفق تنميط معين للكرامة، وقد فرت من تلك (الكرامة) الكاذبة، لما رأته كرامة حقيقية، فمن هذا الذي يصادر حقها؟!
إلى أين؟
إن الفرنسية الشابة والتي اعتنقت الإسلام، هي التي (يجب أن تحكم) على تلك العجوز الشمطاء المتدثرة نفاقًا بلحاف المحاماة والتي عمرها ستون سنة، فماذا يريد ساركوزي وأمثاله من خلال وضع الناس في قوالب، والتدخل في شئونهم الشخصية؟! هل يريد ساركوزي أن تُثار حرب أهلية في بلاده والغرب؟! أو عودة محاكم التفتيش مجددًا؟! أو حرب خاسرة ضد وقف تقدم الإسلام؟! أين حياد العلمانية الذي يتحدثون عنه وفرنسا مثال في هذا المجال؟! أين حياد العلمانية مع سكان الضواحي؟! وأين حيادها في بناء مآذن المساجد بسويسرا؟! وأين حيادها في قضية حجاب الفتيات في المدارس؟! وأين حيادها عند التشغيل فيُبعد المسلمون بسبب أسمائهم ودينهم؟! هل تفقد العلمانية حيادها عندما يتعلق الأمر بالإسلام فقط؟!
يُذكِّرنا هذا بقضية طرد معلمة مسلمة لأنها محجبة وقيل لها إنها "قدوة في الصف" والفتيات اللاتي يرينها سيتخذنها قدوة، ويعتقدن أن الحجاب هو ما يجب أن يلبسنه، وهو تبرير متهافت جدًّا، فماذا عن أبناء وبنات المسلمين الذين يتلقون تعليمهم على يد مدرسات غير محجبات، وغير مسلمات، هل من حقهم أن يطالبوا بمحجبات لتدريسهم لأن المعلمة قدوة؟! ولو طبق هذا المعيار على كل شيء فيعني ذلك إعدام كل المسلمين في العالم، حتى يصفو الجو للمرتعبين من الآخر ومن فقدوا الثقة في ثقافتهم، حتى أصبحوا يخشون عليها من حجاب ونقاب ولحية ومنارة ومسجد ومدرسة؟! بل من لون لا يكون أبيض فاقعًا؟!
الاسلام اليوم
الاحد 09 جمادى الآخرة 1431 الموافق 23 مايو 2010


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.