بسم الله الرحمان الرحيم تسع وعشرون سنة من العطاء السخي بذلتها حركة النهضة من أجل عزة بلادنا وكرامة شعبنا لم تقابلها السلطة إلا بمزيد من الظلم والقهر تسع وعشرون سنة من المطالبة بالحق في حرية التعبير والتنظم لم تقابلها السلطة إلا بمزيد من التكميم والكبت تسع وعشرون سنة وثلاث طلبات لتأشيرة العمل القانوني لم تقابلها السلطة إلا بثلاث حملات تصفية رهيبة تسع وعشرون سنة ومشاركة ناجحة في انتخابات تشريعية لم تقابلها السلطة إلا بالإنقلاب على النتائج وإحالة الفائزين على المعتقلات والسجون والقبور عوضا عن قبة البرلمان تسع وعشرون سنة من الإصلاح القيمي والثقافي والإجتماعي والأخلاقي لم تقابله السلطة إلا بمزيد من الإفساد وتجفيف منابع التدين الخلاق تسع وعشرون سنة من سياسة التدمير لتصفية خصم سياسي لا يريد إلا المشاركة في الحياة السياسية في إطار مقتضيات القانون واحترام أسس الديمقراطية الأرض المحروقة لقد اتبعت السلطات التونسية سياسة الأرض المحروقة في هجومها على حركة النهضة بهدف استئصالها من الوجود المجتمعي والسياسي، فأحرقت الأجسام بألوان التعذيب البدني والنفسي في مخافر الداخلية ثم بآلة الموت البطيئ في زنازين السجون، كما أشعلت النيران في كل ما يمت بالإسلام بصلة وفي كل مناحي الحياة المجتمعية من خلال خطة تجفيف منابع التدين، كما لم يفتها محاولة اللحاق بالحركة بنيرانها في الخارج بهدف النيل من فكرها السلمي الإعتدالي محاولة إلصاق تهم التطرف والعنف والإرهاب بها. لقد شهدت بلادنا تحولات إيجابية في ميادين الإجتماع والثقافة وخاصة في ثمانينات القرن الماضي حين أصبحت خطة الحركة في إعادة بناء الشخصية الإسلامية وروح التدين بمفهومها الواعي والشامل تؤتي أكلها في مجتمعنا، تواصلا إجتماعيا وعمقا ثقافيا ورفعة أخلاقية وروحا جماعية واهتماما بالشأن العام، حتى جاءت هذه الحرب الشعواء على الإسلام والحركة لتأتي على الأخضر واليابس و"لتثمر" ظواهر ما كان يعرفها مجتمعنا من شيوع الفردانية والأنانية والمادية والإستهلاك المفرط وانحطاط الأخلاق وانتشار الفساد والجريمة والإنحلال الأسري والعائلي واستشراء الفساد الإداري والرشوة والمحسوبية
وخرجت النهضة سالمة إن كل هذه الخطط التدميرية وكل الأدوات الحربية التي استعملت في تنفيذها وما حققته من دمار وتخريب في المجتمع لم تفلح في اجتثاث الحركة ولا قتل روح المقاومة في أبناءها ولا حرق مشروعها بل على العكس من ذلك خرجت الحركة من تحت ركام خراب الحرب الناسفة ورماد الحرائق التدميرية أكثر قوة وعزيمة، ففي الداخل اصبحت الحركة رقما معتبرا لا ينكره أحد ويقر جميع الوطنيين أن لا مستقبل لتونس في الحرية والتنمية بدون حركة النهضة وبعد أن كانت النهضة تعيش عزلة شبه تامة في بداية التسعينات أصبحت اليوم جزءا مهما من المعارضة الوطنية في حين بدأت المعادلة في الإنقلاب وأصبحت السلطة تعيش مزيدا من العزلة يوما بعد يوم من جراء الإمعان في سياسة الإنغلاق والتفرد والهروب إلى الأمام، أما في الخارج فقد استثمرت الحركة وجودها في التطور العلمي والإعلامي والإستفادة من التجارب وكسب الخبرات، ورغم ما شاب أداء الحركة في الخارج من قصور وتقصير فإن المحصلة معتبرة وما الفضل إلا لله ولا نحمد إلا إياه لقد فشلت سياسة الإجتثاث فشلا ذريعا فالإسلام اليوم يشهد انتعاشا منقطع النظير، فمظاهره تعم الشوارع وشعاعه ينير القلوب والإيمان به كحل لمشاكل المجتمع يمتد في داخل الحصون المنيعة، أما عن الحركة فقد خرج أبناءها من السجون مرفوعي الرأس وهم الآن رغم التنكيل والحصار والتهميش يحاولون المساهمة مع غيرهم في البذل والعطاء من أجل أن تسود الحرية كبوابة للتنمية الحقيقة، وأما ابناؤها المهجرون فهم يحتسبون غربتهم عند الله عز وجل ورغم حرقتهم وحنينهم لوطنهم فهم على استعداد لمزيد من العطاء والصبر من أجل أن تكون غربتهم لحساب الوطن وأن لا تكون عودتهم على حساب الوطن
أمام فشل الإحراق لم يبق إلا الإختراق لقد أتبتت الحركة صلابة في فكرها الوسطي الإعتدالي وثباتا على نهجها الوطني السلمي وأبهر أبناءها الجميع بصمودهم وعضهم بالنواذج على دينهم وحركتهم ومصلحة بلادهم، فما أفلحت كل أدوات التدمير من خارج الجسم في النيل منه، مما أدى بالسلطة إلى تغيير نهجها في محاولة للتدمير من داخل الجسم بزعزعة صف الحركة وذلك ابتداء بالضغط على المساجين للإمضاء على صك الإدانة والغفران، فأبى الأسود إلا أن يتبعوا سنة نبي الله يوسف عليه السلام "قال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن إن ربي بكيدهن عليم" مرورا بالتغرير بالبعض من أبناء المهجر باستعمال طعم الجوازات والعودة عبر البوابة الإستخباراتية وانتهاء بمحاولة استمالة البعض من نخبة الحركة وقياداتها بفتح باب العودة الإنتقائية التي لا تهدف السلطة من ورائها إلا شق الصف والتخذيل، كل ذلك في ظل حملة إعلامية تحركها أيادي استخباراتية لمزيد من البلبلة والتشويش ولكن كما نجح أسود الداخل في الخروج من السجن معززين مكرمين سيعود أسود المهجر بإذن الله معززين مكرمين عودة كريمة آمنة وشاملة، وكما خرج أسود الداخل من سجنهم على نهج يوسف عليه السلام متشبثين ببراءتهم رافضين العفو المزيف سيعود أسود المهجر من غربتهم على طريقة موسى عليه السلام داعين إلى الحق نابذين الظلم وناصرين المستظعفين
ويفشل الإختراق ويقيننا في التحاق خطة الإختراق بأختها التي سبقتها في الإحراق، فشلا أكبر وبؤسا أكثر وسقوطا أسرع، ويقيننا هذا ينبع من ثقتنا في إخواننا وقناعتنا في عقم سياسة السلطة وفقدانها لما تعطيه في ظل سياسة الإنغلاق والتفرد، والأهم من ذلك ما نشهده من التفاف عام لأبناء الحركة حول خطها العام ومؤسساتها الشرعية وإن كانت سياسة الإختراق هذه قد فعلت شيئا فهي لم تفعل سوى ايقاظ من كان نائما من أبناء الحركة وحركت سواكن من دب فيهم السكون لشعور الجميع بواجب الدفاع من الحركة وصون مشروعها والحرص على وحدتها وتماسك صفها فأخذ الجسم يستجمع كل قوى المناعة فيه ويتأهب لخوض معركة الشهود بعد إن نجح في معركة الوجود
تحية إكبار وإجلال إلى شيخنا الصابر وعنوان صمودنا سجين الحرية والإنتماء الدكتور الصادق شورو، تحية إكبار وإجلال إلى شيخنا الفاضل عنوان وحدتنا ورئيس حركتنا الأستاذ راشد الغنوشي، تحية إكبار وإجلال إلى المرابطين الصامدين في الداخل المحاصر وتحية إكبار وإجلال إلى المرابطين الصامدين في الخارج المهجر "من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا"