عاجل : هجوم إسرائيلي على أهداف في العمق الإيراني    فرنسا: إصابة فتاتين في عملية طعن أمام مدرسة شرقي البلاد    الأندية المتأهلة إلى نصف نهائي الدوري الأوروبي    سلطنة عمان: ارتفاع عدد الوفيات جراء الطقس السيء إلى 21 حالة    اللجان الدائمة بالبرلمان العربي تناقش جملة من المواضيع تحضيرا للجلسة العامة الثالثة للبرلمان    منبر الجمعة .. الطفولة في الإسلام    خطبة الجمعة..الإسلام دين الرحمة والسماحة.. خيركم خيركم لأهله !    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    تم جلبها من الموقع الأثري بسبيطلة: عرض قطع أثرية لأول مرّة في متحف الجهة    خلال الثلاثي الأول من 2024 .. ارتفاع عدد المشاريع الاستثمارية المصرّح بها    دعوة إلى مراجعة اليات التمويل    جوهر لعذار يؤكدّ : النادي الصفاقسي يستأنف قرار الرابطة بخصوص الويكلو    ضروري ان نكسر حلقة العنف والكره…الفة يوسف    عاجل/ بعد "أمير كتيبة أجناد الخلافة": القبض على إرهابي ثاني بجبال القصرين    عاجل/ هيئة الدفاع عن الموقوفين السياسيين: اللّيلة تنقضي مدّة الإيقاف التحفّظي    وزير الدّاخليّة يشرف على موكب إحياء الذكرى 68 لعيد قوّات الأمن الدّاخلي    ارتفاع عائدات صادرات زيت الزيتون بنسبة 82.7 بالمائة    وزير الصحة يشدّد على ضرورة التسريع في تركيز الوكالة الوطنية للصحة العموميّة    توزر.. افتتاح الاحتفال الجهوي لشهر التراث بدار الثقافة حامة الجريد    سوسة: الاستعداد لتنظيم الدورة 61 لمهرجان استعراض أوسو    تخصيص حافلة لتأمين النقل إلى معرض الكتاب: توقيت السفرات والتعريفة    أنس جابر خارج دورة شتوتغارت للتنس    طبربة: إيقاف 3 أشخاص يشتبه في ترويجهم لمواد مخدرة في صفوف الشباب والتلاميذ    نقابة الصحفيين التونسيين تُدين الحكم بالسجن في حق بُوغلاب    سيدي بوزيد.. تتويج اعدادية المزونة في الملتقى الجهوي للمسرح    الرصد الجوّي يُحذّر من رياح قويّة    عاجل/ محاولة تلميذ طعن أستاذه داخل القسم: وزارة الطفولة تتدخّل    محمود قصيعة لإدارة مباراة الكأس بين النادي الصفاقسي ومستقبل المرسى    بعد حلقة "الوحش بروماكس": مختار التليلي يواجه القضاء    عاجل : هجوم بسكين على تلميذتين في فرنسا    كأس تونس لكرة القدم: تعيينات حكام مقابلات الدور السادس عشر    حملات توعوية بالمؤسسات التربوية حول الاقتصاد في الماء    جلسة عمل مع وفد من البنك الإفريقي    شاهدت رئيس الجمهورية…يضحك    انخفاض متوسط في هطول الأمطار في تونس بنسبة 20 بالمئة في هذه الفترة    حيرة الاصحاب من دعوات معرض الكتاب    عاجل/ فاجعة جديدة تهز هذه المنطقة: يحيل زوجته على الانعاش ثم ينتحر..    أبطال أوروبا: تعيينات مواجهات الدور نصف النهائي    عاجل/ تلميذ يطعن أستاذه من خلف أثناء الدرس..    بوركينا فاسو تطرد 3 دبلوماسيين فرنسيين لهذه الأسباب    عاجل : نفاد تذاكر مباراة الترجي وماميلودي صانداونز    هام/ تطوّرات حالة الطقس خلال الأيام القادمة..#خبر_عاجل    الحماية المدنية: 9 حالات وفاة خلال ال24 ساعة الأخيرة    غادة عبد الرازق: شقيقي كان سببا في وفاة والدي    زلزال بقوة 6,6 درجات بضرب غربي اليابان    قيس سعيد : ''تونس لن تكون أبدا مقرا ولا معبرا للذين يتوافدون عليها خارج''    في انتظار قانون يحدد المهام والصلاحيات.. غدا أولى جلسات مجلس الجهات والأقاليم    اجتماعات ربيع 2024: الوفد التونسي يلتقي بمجموعة من مسؤولي المؤسسات المالية الدولية    ضربة إسرائيل الانتقامية لايران لن تتم قبل هذا الموعد..    سيدي بوزيد: حجز مواد غذائية من اجل الاحتكار والمضاربة بمعتمدية الرقاب    مصر: رياح الخماسين تجتاح البلاد محملة بالذباب الصحراوي..    وزير الصحة يشدد في لقائه بمدير الوكالة المصرية للدواء على ضرورة العمل المشترك من أجل إنشاء مخابر لصناعة المواد الأولية    توزر: المؤسسات الاستشفائية بالجهة تسجّل حالات إسهال معوي فيروسي خلال الفترة الأخيرة (المدير الجهوي للصحة)    الكاف: تلقيح اكثر من 80 بالمائة من الأبقار و25 بالمائة من المجترات ضد الأمراض المعدية (دائرة الإنتاج الحيواني)    "سينما تدور": اطلاق أول تجربة للسينما المتجولة في تونس    وزير الصحة يعاين ظروف سير العمل بالمستشفى الجهوي بباجة    جراحة فريدة في الأردن.. فتحوا رأسه وهو يهاتف عائلته    موعد أول أيام عيد الاضحى فلكيا..#خبر_عاجل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تونس زميلة صحفية تتنكر لكشف التمييز في المعاملات بين المرأة ..... والمرأة.....*
نشر في الفجر نيوز يوم 07 - 06 - 2010

في نفس الإدارة 3 مواعيد للاختبار عندما تجملت... والطرد من الباب عندما تنكرت في شكل فتاة ريفية
تونس:بائعات المحلات الراقية رفضن أن تقيس الملابس بتعلة عدم وجود المقاسات العون البلدي قام بواجبه مع القبيحة وأضاف للواجب خدمات مجانية مع الجميلة نادل المقهى رفض خدمتها وهي قبيحة وعندما... عادت اليه جميلة عرض خدمات أخرى عليها
الفكرة كما ولدت في ذهني... كانت التحقيق في كيفية تعامل الناس مع المرأة القبيحة الشكل غير أن هذا النمط الكلاسيكي من التحقيقات اعتبره رئيس التحرير عاديا جدا ولا يتضمن الإضافة المرجوة مؤكدا على أن أفضل زاوية للتطرق إلى هذا الموضوع تكون من منظار التفرقة التي يعامل بها الناس قبيحة الشكل أو غير «القافزة» وغيرهما من الفتيات الجميلات «القافزات» وأن أفضل أدوات العمل الصحفي لتجسيم ذلك هو التجربة الذاتية التي اقترح عليّ أن أخوضها بوجهين مختلفين وجه المرأة القبيحة و المرأة الجميلة...تجربة متفردة أثارت في نفسي مخاوف عديدة ورغبات شديدة... مخاوف من ردود أفعال الناس ورغبات في سبر أغوار الشخصيتين والبعض من فئات المجتمع الذين كان عليّ التعامل معهم بوجهين مختلفين.
أمضينا أياما ونحن نخطط وندرس كل كبيرة وصغيرة وانتهينا إلى ضبط عناصر واضحة تعتمد أولا على التنكر ثانيا على التعامل مع نفس الأشخاص والإدارات والمؤسسات الترفيهية لنقف على الفوارق في التعامل.
الاتفاق كان أن أتقمص شخصية الفتاة التي تبدو بلهاء قبيحة الشكل لكنها فتاة عادية لا تختلف في شيء عن الاخريات... سعيت إلى وضع بعض من المساحيق التي تضفي عليّ مسحة من لا تتقن فن التجميل لكنها تريد أن تتجمل وعملت على أن أزين شعري دون أن تكون لي القدرة المالية على التجمل لدى حلاقة و لبست ما ستر لكنه ليس بالموضة واتجهت صوب الأماكن المحددة والتي عدت إليها في الغد ولكن في شكل آخر حيث تقمصت شخصية الفتاة الجميلة فتزينت مثلما تتزين الأنيقات ولبست ثيابا مثيرة بعض الشيء وخضت التجربة بوجه آخر وفي كلتا الحالتين كنت صاحبة شهادة عليا...وهذا ما عايناه:
بداية مثيرة
كانت الساعة تشير إلى العاشرة صباحا - وكان ذلك موعد انطلاقي بعد أن أمضيت أكثر من ساعة في التنكر ولأصبح قبيحة- هدفي الأول كان البحث عن شغل... وهو هدف مشروع لكنه صعب المنال لذلك أردت أن أختبر حظوظ فتاة مثلي في هذه السوق حتى تتاح لي فرصة المقارنة من الغد في وضع آخر...ولهذا الغرض قمنا بانتقاء بعض المؤسسات التي ترغب في انتدابات فقصدتها... طرقت باب إحدى المؤسسات بمنطقة البحيرة حيث تتواجد العديد من الشركات الخاصة... فتحت لي الباب امرأة أنيقة نظرت إلي في البداية بامتعاض و استغراب مخفية ابتسامة، ثم سألتني عن حاجتي فأجبتها بأنني ارغب في شغل.. لم تسألني عن مؤهلاتي ولا عن نوعية الشغل بل انفجرت ضاحكة ثم صمتت و كأنها أحسّت بأنها جرحتني... صمتها كان يخفي اضطرابا... ربما شعرت بأنها أساءت لي لكنها كانت تريد التخلص مني مهما كان الثمن..لذلك طلبت مني أن أعود من الغد وأحمل معي الوثائق اللازمة...ترى ماهي هذه الوثائق اللازمة وعلى أية ساعة... تدافعت الأسئلة في ذهني و ما إن هممت بنطقها حتى فوجئت بالباب يغلق...طرقت مجددا لكن لا مجيب كنت أشعر أنها من خلال عدسة الباب العجيبة كانت ترمقني و كنت استمع إلى قهقهاتها...انتظرت بعض الشيء فإذا بالضحكات تتواتر...علمت حينها أنني أصبحت «فرجة» من خلف الباب و أنها دعت جميع من كانوا بالداخل لمشاهدتي من خلال العدسة...
السيرك...
لم تحبط عزائمي التجربة الأولى و ما رافقها من ردود فعل بل شجعتني على خوض تجارب أخرى و قد بدأت تتضح في ذهني ملامح بعض الأشخاص الذين يظنون أن الآخر لابد أن يكون مثلهم أو لا يكون...
تحولت إلى بناية إدارية ثانية بنفس المنطقة...كل شيء يوحي بعظمة المكان وأهمية المؤسسات التي تحويه توقفت عند باب «الشركة التونسية لل...» والتي تتمركز في جانب هام من الطابق الأول...قرعت الجرس ففتح الباب آليا قلت لعله طالع خير ولجت فاستقبلني شخص جاءني في عجل وكأنه تلقى تعليمات و دون سلام سألني عن حاجتي... تعمدت اخذ نفس عميق لإطالة زمن البقاء بتلك المؤسسة التي توقعت انه سيكون قصيرا جدا ثم بادرته بالسلام فأعاد السؤال..أجبته ببرودة دم أني قدمت من منطقة الكبارية ثم صمّت بعض الوقت.. فتغيرت اللهجة إلى حدود لا تطاق «اتكلم ولاّ سامحنا» قالها «بنرفزة» فأجبته باني ابحث عن شغل فكان رده أن الشغل غير متوفر...ألححت عليه بالقول «ياوخيّ بجاه ربي...يرحم إلي جابوك...براس وليداتك»... شعرت حينها انه بدأ يلين بعض الشيء إلى ان هزني و هزه صوت امرأة أنيقة وجميلة قادم من عمق الممر«اشكون حللها الباب... أش تعمل لهنا هاذي... توا هكا ناس أجانب يجيونا ودّخلوا ها المنظر...ما هو عود شوفو في الكاميرا قبل... عيطولي للعساس إلي مدخلنا الهمل...» قاطعتها بحنية تتضمن حزما «يا مادام راني مانيش همل..راني نحب نخدم» فأجابت «وأحنا مناش بيرو شغل ولا سيرك...هيا سامحني» في تلك اللحظة شعر الموظف بأن عليه أن يكون حازما وأن يقتل داخله رقة القلب فدفعني بشكل ذكرني بمسرحية لمين النهدي المكي وزكية عندما كان سائق عم المكي يدفع المدعوات بعد أن قرر العم صاحب «مصنع القازوز» إيقاف الحفل...لحظتها وحتى أحرج الجميع صرخت « شبيك تدز»...نحي يدك من غادي » وفي لمحة بصر وجدت نفسي في بهو الطابق والباب يغلق خلفي وأصوات خلفه تعلو...بعضها يشتم و البعض الآخر يقهقه فقد شد صراخ تلك المرأة جل الموظفين الذين خرجوا من مكاتبهم لاستطلاع الأمر.
في المقهى
تكرر السيناريو بمكتب شركة مجاورة وكان نفس الصد بنفس الشكل... لم يسأل أحد عن مؤهلاتي ولم يطلب مني ملفا لقد كان مظهري وحده كاف للحسم لذلك قررت أن أضع حدا لرحلة بحث عن شغل لن احصل عليه في المكاتب الراقية... والحقيقة فقد اخذ مني العياء مأخذه لذلك أردت أن أستريح بعض الشيء و لم لا أترشف قهوة الصباح أنستني استعدادات التنكر... حينئذ لمعت بذهني فكرة...ماذا لو احتسي هذه القهوة في مقهى معروف جدا بالبحيرة لا يؤمه إلا الميسورون لغلاء أسعار مشروباته...
توجهت صوب مقهى «ال....»وجلست بإحدى الطاولات المنتصبة في فضائه الخارجي رأيت النادل يقترب مني لكنه عاد أدراجه بمجرد أن تثبت في ملامحي ...مرت الدقائق ثقيلة فقررت أن ادعوه بالإشارة لكنه غض النظر عني مواصلا خدمة بقية الحرفاء الذين كانوا يرمقونني بين الفينة و الأخرى بنظرات فيها من «الحقرة» والسخرية الكثير...ساعتها قررت أن أدعو صديقتي التي تعمل غير بعيد عن المكان لأمر عاجل فلم تمض دقائق إلا وحلت بالمكان تفرست في وجوه كل الجالسين لكنها لم تعرني اهتماما بل شعرت عندما أعملت النظر في الجهة التي اجلس بها أنها شاهدتني بنوع من الاشمئزاز وكأني نشاز...ولجت إلى داخل المقهى ثم عادت لتمعن النظر مجددا ...ثم تناولت هاتفها الجوال و طلبت ...شعرت بهزات هاتفي الذي قطعت عنه الرنات ففهمت أنها تبحث عني ...لم اجب ...أعادت الكرة ثانيا ثم غادرت المكان... ساعتها و بعد أن تأكدت أنها وصلت إلى مكتبها اتصلت بها معتذرة لعدم قدومي لأمر طارئ...شعرت ان تنكري نجح و ان ما أقوم به عين الصواب خصوصا وقد مرت عشرون دقيقة على حضوري في المقهى الذي يبدو و أنه اقلق العديد و أن النادل قد بدأ صبره ينفذ فغادرت المحل واعدة إياهم في قرارة نفسي بان أعود من الغد و أن غدا لناظره لقريب...
في المحلات الراقية...
غادرت المقهى صوب المحلات التي لا يؤمها إلا الميسورون و أنا أتساءل أي استقبال سأحظى به أم ترى سأكون على قدم المساواة مع بقية الزبائن الأثرياء...في أول ممر داخل الفضاء التجاري المجاور للمقهى كانت النظرات ترمقني باستهزاء.
ولجت احد تلك المحلات وبمجرد أن تجاوزت عتبة الباب حتى انتفضت امرأة من داخل المحل قدمت إليّ في عجل مخفية ابتسامة استهزاء خلف سؤالها عن حاجتي فأجبتها بأنني أريد أن القي نظرة على الموديلات و آخر صيحات الموضة انفجرت ضاحكة وقالت:«أيا يعيّش اختي مولات البوتيك ما تحبش سامحني»... أجبتها بأنه لي الحق في أن أنتقي الملابس المعروضة فأجابتني «هيا عاد ما تفددنيش اللبسة هاذي عندها اماليها...ارجع نهار آخر نجيبو حاجات على كيفك» وانفجرت مرة أخرى ضاحكة إلى حد امتلاء مقلتيها دموعا قائلة «هايّا عاد قبل ما تجي مولات البوتيك».
غادرت في صمت نحو محل آخر لا يقل عن الأول فخامة وما إن دخلت حتى بلغ صدى شهقة إحدى البائعات مسامعي وهي تنادي زميلاتها «يا إيمان...يا ألفة...يا زينب ايجاو شوفو الدموازيل » ألقيت التحية وتقدمت خطوات داخل المحل متجهة مباشرة صوب الثياب المعلقة أتفحصها وإذا بقهقهات تتعالى من خلفي...تتخللها تعليقات حول مظهري وتسريحة شعري «ملاّ لبسة وملا هيأة تصلح تتحط في متحف:«قالت إحداهن...
تجاهلت تعاليقهن مصممة على ممارسة حقي الذي خوله لي القانون ففوجئت بمن يترصد حركاتي أينما توجهت دون أن ينبس بكلمة...كان الفتى ينتظر ربما أن اسرق شيئا... لذلك قررت أن أقيس بعض الملابس و هنا كانت الطامة الكبرى إذ كلما طلبت قيس لباس ما إلا وقيل لي أن مقاسي غير موجود...
ثم وبحزم شديد قدمت إحداهن وطلبت مني مغادرة المحل لأنهم سيغلقونه... غادرته لألج محلا آخر معروف بنوعية معينة من الزبائن لان أسعاره جد مرتفعة و ما إن دفعت الباب اعترضت سبيلي امرأة أنيقة تطلعت فيّ من الأسفل إلى الأعلى وابتسمت ابتسامة توحي بالسخرية والاستغراب والجدية في نفس الوقت كأنها كانت تريد أن تتخلص مني بأية طريقة... اتجهت صوبي وسألتني إن كانت تستطيع مساعدتي أجبتها «شكرا أريد فقط أن اطّلع على بعض الموديلات...سمحت لي بالدخول بابتسامة مصطنعة أحسست من خلالها أنها أجبرت على استقبالي غير أن انتباه الزبونات و امتعاضهن مني دفعها للاقتراب وطلبت بحزم أن لا المس الثياب و أكتفي بالمشاهدة عن بعد ...وقد شعرت بتوترها بعض الشيء من خلال تأففها و ضرب كعبها على الأرض بصفة مسترسلة في الوقت الذي بدأت الزبونات في مغادرة المحل ...شعرت باني سأسبب لها المتاعب فقررت المغادرة...
في البلدية
مرت ساعات عن حلولي في منطقة البحيرة قررت بعدها الرحيل نحو وجهة أخرى...فإن لم أحظ بحقي في منطقة راقية فهل سألقى نفس المصير عندما ادخل مرفقا عموميا لكل التونسيين الحق في خدماته؟... قصدت إحدى البلديات و كانت خطتي أن أقدم عريضة ضد من يلقي الفضلات أمام منزلنا...دخلت مقر البلدية فلم تختلف نظرة عون الاستقبال عن نظرات أهل البحيرة ،فتجاهلت نظراته تلك و سألته من المسؤول عن العرائض فوجهني إلى شخص آخر وكانت نظراته تلاحقني وتمتماته تتلاشى مع ابتعادي عنه... توجهت إلى الشخص المعني أين كان يجلس خلف شباك لم يتفطن لوجودي لأنه كان منهمكا في قراءة جريدة... ألقيت التحية فرفع رأسه و نظر إليّ ...صمتّ قليلا ثم ردّ التحية بمثلها وفي الحقيقة انه رغم ما ترويه نظراته من استغراب إلا أنها كانت تدل أيضا على الشفقة أكثر من الاحتقار فسألني عن حاجتي فأخبرته بما جئت من أجله فأجابني بان مطلبي هذا يتبع دائرة بلدية أخرى و لا يمكن له مساعدتي في ذلك رغم إلحاحي...غادرت المكان و أسئلة عدة تحاصرني أهمها إن كنت نجحت في كشف القناع عن تعامل الناس مع قبيحة الشكل لكن جل هذه الأسئلة ظلت معلقة في انتظار ما سيكون عليه تعامل نفس الأشخاص من الغد...
الوجه الآخر...
في صباح اليوم التالي كان عليّ الاستعداد لتقمص دور الفتاة الجميلة الأنيقة. فتجملت لدى حلاقة وارتديت ثيابا مثيرة وانتعلت كعبا عاليا وتعطرت بأرفع أنواع العطور ...ثم كانت الوجهة صوب نفس الأماكن التي قصدتها في المرة الأولى فكانت الانطلاقة مع المؤسسات التي طرقت أبوابها بحثا عن شغل...كان الخوف يثقل حركاتي ويشدني إلى الوراء و كان هاجس التفطن لي يقلقني ويرفع درجة حرارتي رغم أني كنت ألبس ملابس خفيفة .كنت أشعر بالعرق يتصبب وبأناملي ترتعش عندما امتدت لتقرع جرس باب المؤسسة الأولى ففتحت لي نفس المرأة الأنيقة التي استقبلتني قبل يوم ...وعلى عكس ما حدث قبل يوم بدت جد مهذبة بل سبقتني بإلقاء التحية فرددت بمثلها و طلبت مقابلة مدير المؤسسة بكثير من الاحترام قبل أن تسألني إن كانت تستطيع مساعدتي فأجبتها باللغة الفرنسية بأنني ارغب في وظيفة.. سألتني عن مؤهلاتي العلمية واللغات التي أتحدثها أجبتها بما توقعت أنها تريد سماعه فطلبت مني إعداد جملة من الوثائق و ضبطت لي موعدا من الغد على الساعة العاشرة صباحا مع المسؤول عن الموارد البشرية...شكرتها وودعتها لكنها رافقتني إلى الباب خاتمة لقاءنا بالقول «تمشيشي تجي موخّر...مرحبا بيك» فابتسمت وأوهمتها أن ذلك لن يحصل...ما إن أغلقت الباب حتى تنفست الصعداء وشعرت أن الحيلة قد انطلت وأن مؤشرات نجاح تجربتي تبدو ظاهره للعيان...وهو ما حدّ من توتّري و شجعني على المضيّ قدما فاتجهت نحو المبنى الفخم الذي كنت به محل استهزاء وطردت منه «شر طردة»... قرعت الجرس ففتح لي الباب آليا استقبلني نفس الموظف الذي استقبلني في المرة الأولى ألقيت عليه التحية بصوت ناعم فيه الكثير من الرقة، رحب بي و طلب مني الدخول إلى قاعة الاستقبال وسألني باللغة الفرنسية إن كان يستطيع مساعدتي أجبته بدلال أنني أبحث عن شغل بعد أن علمت أن مؤسستهم ترغب في انتدابات تتماشى مع مؤهلاتي كانت إجابتي مماثلة لإجابة المرة السابقة لكن الفضول تحول إلى ابتسامة عريضة ...هل هي رقتي و دلالي أم مظهري أم الاثنين الذين غيّرا المعطيات...أخرجني صوته الرقيق من أتون هذه التساؤلات عندما سمعته يقول «صحيح وإنشاء الله تشدها إنتي البلاصة...باين فيك ذكية برشة...ويشرفنا كي تولي تخدم معانا على الأقل امرأة مزيانة كيفك تنورلنا البيرو «قلت ماذا لو عرف انه أمام نفس المرأة...لكن يبدو أن هذا الرجل كان مهتما بأشياء أخرى إذ بعد أسئلة قصيرة عن مؤهلاتي العلمية تطرق إلى مواضيع أخرى كالارتباط و الأماكن التي اقصدها للترفيه... بما أشعرني من خلال حديثه بأنه يريد أن أبقى معه أكثر وقت ممكن...ثم طلب مني أن أجهز ملف فيه كل الوثائق اللازمة وسيعمل على تحديد موعد للقاء المدير كما انه وعدني بالتدخل لصالحي
«ما تخافش يا للة.. اتو نقول فيك كليمة حلوة كيفك»...ثم غاب عني قليلا وعاد رفقة المرأة الأنيقة التي نعتتني «بالهمل»...ألقت التحية مبتسمة ورحبت بقدومي وكانت في غاية اللطف معي ...وكأن من كانت تتحدث معي لم تكن التي طردتني قبل يوم... شكرتها فقالت بصوت هادئ أن الموظف قد حدثها عني و أنها ستدرس ملفي مضيفة أن المظهر شيء مهم إضافة للانضباط و التفاني في العمل... ودعتها مبتسمة و اتجهت نحو الباب وقد رافقني الموظف قائلا «مرحبا بيك... عن قريب إنشاء الله» تذكرت عرس المكي و زكية فانفجرت ضاحكة...
بعد اللقاء الثاني انتهيت إلى قناعة أن المظاهر تعمي البصيرة لذلك توجهت صوب الوجهة الثالثة و أنا متأكدة بان لا أحد يتفطن لي وهو ما تم فعلا ...فوجدت نفس الترحاب والاستقبال الجيد...ولم تمض ساعة من الزمن إلا وكنت قد تدبرت 3 مواعيد للحصول على عمل لا اعلم إن كانت النتيجة ستكون ايجابية فيما بعد لكن المهم أنني استقبلت بشكل مميز ...الفرق كان واضحا خلال يومين ففي اليوم الأول غادرت مطرودة ومنبوذة ومن الغد قوبلت بأحسن استقبال... وفي المرتين لم أعامل وفق مؤهلاتي بل وفق مظهري.
حفاوة بالغة...
شجعني ذاك الاستقبال المغاير من نفس الأفراد لشخصي كما شجعتني قدرتي الفائقة على التمويه و جهلهم الصارخ و حكمهم على المظاهر وعدم تفطنهم إلى أن نفس الشخص هو مخاطبهم بالأمس و من الغد... شجعني كل هذا على أن أواصل هذه التجربة الفريدة فكانت وجهتي الثانية المقهى... واخترت الجلوس إلى إحدى الطاولات البعيدة نوعا ما عن أنظار النادل الذي تجاهلني بالأمس لاختبر إن كانت معاملته ستتغير...لكن ما إن جلست حتى فاجأني بالحضور تعلو محياه ابتسامة عريضة «عسلامة مرحبا بيك مادام» و بادرني بتقديم لائحة المشروبات لكني اقتصرت على طلب فنجان قهوة... ولم تمض دقائق معدودات حتى كان ما طلبته فوق الطاولة... وبينما كنت أترشف فنجان القهوة بتأن، كنت ألمح النادل يسترق النظر إلي و كلما لمحته إلا و ابتسم لي... قلت لعله شك في...لكن الواقع عكس ذلك فقد بادرني بالسؤال إن كنت ارغب في شيء ما فهمت ساعتها أشياء أخرى فقررت دفع الحساب ومغادرة المقهى في اتجاه المحلات التجارية التي زرتها بالأمس...
ولجت إلى أول محل زرته فرحبت بي البائعة مبتسمة في البداية لم تلحق بي مثلما فعلت بالأمس و لكنها كانت تتفحص ملامحي من بعيد توجست خيفة من كونها تفطنت إلى ما كنت عليه بالأمس...لكن يبدو ان خشيتي لم تكن في محلها بعد أن اقتربت مني و ظلت تنظر إليّ ودون أن اسألها قالت «الموديلا ت هذي جديدة و ما تقعدش»... استغليت الفرصة وبقيت استفسر كثيرا لاختبار صبرها لكنها بقيت محافظة على نفس الابتسامة وتجيبني بكل احترام طلبت منها أن تجلب لي بعض الموديلات لقياسها قبل شرائها فكانت تلبي كل ما آمرها به برحابة صدر و كأنها ترى فيّ الزبونة التي يمكنها أن تملأ «الكاسة فلوس»...بعد مرور بعض من الوقت تعللت بأني نسيت دفتر الشيكات في السيارة واني سأجلبه و أعود لشراء ما أعجبني...
معاملة مغايرة...
خرجت من ذلك المحل و توجهت إلى المحل الثاني حيث توجد «إيمان وألفة و زينب» دخلت ولم يكن الاستقبال هناك اقل حفاوة عن سابقه قطعت خطوات داخل المحل و انتظرت أن يتبعني أحد مثلما حصل معي سابقا لكن ذلك لم يحدث كنت أتجول في أرجاء المحل بكل حرية...اقتربت مني إحدى البائعات مبتسمة و قالت «عجبتك حاجة مادام» شكرتها مبتسمة وطلبت أن أجرب بعض الثياب ثم طلبت نفس المقاس الذي أنكرت توفره البارحة... فوفرته لي بل أضافت بلغة فرنسية «لدينا كل المقاسات»...جربت بعض ما جلبته لي ثم أوهمتها هي الأخرى أنني نسيت «كارت الفيزا» في السيارة... غادرت نحو المحل الثالث مستغربة عماء بصيرة البعض و حكمهم على المظاهر...فلو وفروا لي المقاس منذ يوم لكنت اشتريته أما اليوم فكذبت وصدقوني... دفعت الباب فلم تكن في استقبالي تلك السيدة الأنيقة... ظننت أنها ليست موجودة في المحل..واصلت السير صوب الثياب المعلقة واعتمدت تقليبها وتلمس نوعية قماشها... لمعرفة ان كان سيتم ردعي عن ذلك...وفجأة اقتربت مني بائعة لم المحها بالأمس و سألتني «نعاونك في حاجة مادام؟...عجبتك حاجة...؟ «ابتسمت لها وبقيت استفسر إن كانوا سيجلبون موديلات معينة لهذه الصائفة وفي تلك اللحظة لمحت فجأة المرأة الأنيقة كانت متجهة صوبي و قالت -وقد ارتسمت على وجهها ابتسامة تقدير و ترحاب»- إنشاء الله على قريب... كان تحب تنجم تخلي les cordonnées متاعك وإحنا نتصلو بيك أول ما تجينا ال commande ...مضيفة «أما زادة الموديلات هاذي مزيانة برشة والطلب عليها برشة...» أدركت من خلال اهتمامها بي أنها لم تتفطن لشيء...رغم أنني كنت أحدثها بنفس النبرة و اللهجة التي حدثتها بها بالأمس... تجاذبنا الحديث لبعض الوقت حول الموضة...و لإنهاء المحادثة أخبرتها أنني ركنت السيارة بالطريق و قد أخشى عليها «الشنقال» فودعتني قائلة «البوتيك بوتيكك»...
في المرفق العمومي
كل الأمور كانت تجري على أفضل حال وهو ما شجعني على التحول إلى آخر محطة عند البلدية...دخلت مقر البلدية فاعترضني عون الاستقبال الذي كان يرمقني بنظرات إعجاب وابتسامة عريضة أراد من خلالها الترحيب بي ألقيت التحية و سألته من المسؤول عن العرائض انتفض من مكانه و أصر على مرافقتي إلى الشخص المعني الجالس خلف الشباك وعند اقترابنا منه قال «المدام عندها مشكلة...» نظر إليّ نفس المسؤول الذي إلتقيته قبل يوم ورحب بقدومي قائلا «مرحبا تفضل إنشاء الله خير» أخبرته بصوت خافت فيه الكثير من الرقة ما جئت لأجله فأجابني نفس جواب البارحة (أن مطلبي يتبع دائرة بلدية أخرى) نظرت وكأنني أترجاه وقلت:« ما تنجمش تعاوني » ضحك و بدا كأنه كان ينتظر ذلك السؤال« باهي يا للاّ عندي شكون في الدائرة غادي اتو نكلمو يتلها بيك»...
أ. عبد الله الأحمدي: التمييز جريمة يعاقب عليها القانون
ينص الفصل 6 من الدستور التونسي على أن كل المواطنين متساوون في الحقوق و الواجبات وهم سواسية أمام القانون كما يشير الفصل 7 أن المواطن يتمتع بحقوقه كاملة بالطرق و الشروط المبنية بالقانون و لا يحد هذه الحقوق إلا بقانون يتخذ لاحترام حقوق الغير ولصالح الأمن العام والدفاع الوطني و لازدهار الاقتصاد و للنهوض الاجتماعي...
وفي هذا الصدد يقول الأستاذ عبدالله الاحمدي أن التصرفات التي تنم على التمييز هو موقف غير حضاري و غير أخلاقي يتنافى مع ما جاء في الدستور والقوانين الدولية التي تحجر مثل هذه التصرفات كما أنها مواقف منافية لقيم التآزر و التضامن وهي مس من كرامة الإنسان وهو الشيء الذي يعاقب عليه القانون عند إثبات ذلك ويكون مدعاة للتعويض الأدبي وهو إما أن يكتفي المتضرر بالمليم الرمزي أو طلب مبلغ معنوي لجبر الضرر أما إذا كان فعل التمييز مصحوبا بأقوال أو تصرفات أو إشارات فهو موجب للعقاب لجريمة القذف و الشتم و هتك العرض وفي هذه الحالة يتم تتبع المتهم جزائيا.
على الفايس بوك
قبلوا الجميلة وتجاهلوا القبيحة
الكل يعلم أن «الفايس بوك» هو من المواقع الالكترونية التي يتواصل فيها العديد وخاصة من ليس لهم حظ العثور على أصدقاء ميدانيا يستطيع أن يحقق ذلك في العالم الافتراضي لذا قلت لم لا أضع صورة لفتاة قبيحة الشكل و صورة لفتاة جميلة الشكل وأرسل مجموعة دعوات صداقة لمجموعة من الأشخاص فكانت النتيجة أن القبيحة وعلى امتداد سبعة أيام لم يقبلها إلا 4 أشخاص فقط...بينما الفتاة الجميلة ارتفع عدد أصدقائها إلى أكثر من 20 شخصا في فترة وجيزة... كما ارتفع عدد الرسائل إلى أكثر من 15 رسالة إعجاب بجمال صاحبة الصفحة خلال ساعات... دليل آخر على أن المظهر والجمال هما في المرتبة الأولى لتقييم الأشخاص.. رحلة لمدة يومين عشتهما بوجهين مختلفين استطعت ان اكشف أن الجمال وحسن المظهر هو مفتاح كل الأبواب المغلقة في مجتمع حكم على قبيحة الشكل بالإقصاء وحرمها من حقوقها التي شرعت لها مثلها مثل بقية الأفراد مهما اختلفت مظاهرهم وثرواتهم...إلى متى ستظل القبيحة مصدر سخرية؟ و إلى متى سيظل المظهر الخارجي هو الذي يحكم المعاملات الإنسانية...؟ أسئلة تنتظر الإجابة.
تقمصت الدورين: فاطمة سحيم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.