قفصة: وفاة مساعد سائق في حادث جنوح قطار لنقل الفسفاط بالمتلوي    عاجل: هذه الدول العربية تدعو إلى صلاة الاستسقاء وسط موجة جفاف متفاقم    تحطم طائرة شحن تركية يودي بحياة 20 جندياً...شنيا الحكاية؟    النجم الساحلي: زبير بية يكشف عن أسباب الإستقالة.. ويتوجه برسالة إلى الأحباء    تونس تشارك في بطولة العالم للكاراتي بمصر من 27 الى 30 نوفمبر بخمسة عناصر    أحمد بن ركاض العامري : برنامج العامين المقبلين جاهز ومعرض الشارقة للكتاب أثر في مسيرة بعض صناع المحتوى    تعاون ثقافي جديد بين المملكة المتحدة وتونس في شنني    "ضعي روحك على يدك وامشي" فيلم وثائقي للمخرجة زبيدة فارسي يفتتح الدورة العاشرة للمهرجان الدولي لأفلام حقوق الإنسان بتونس    ليوما الفجر.. قمر التربيع الأخير ضوي السما!...شوفوا حكايتوا    معهد باستور بتونس العاصمة ينظم يوما علميا تحسيسيا حول مرض السكري يوم الجمعة 14 نوفمبر 2025    سباق التسّلح يعود مجددًا: العالم على أعتاب حرب عالمية اقتصادية نووية..    تحب تسهّل معاملاتك مع الديوانة؟ شوف الحل    عاجل/ هذه حقيقة الأرقام المتداولة حول نسبة الزيادة في الأجور…    المنتخب الجزائري: لاعب الترجي الرياضي لن يشارك في وديتي الزيمباوبوي والسعودية    مباراة ودية: المنتخب الوطني يواجه اليوم نظيره الموريتاني    اسباب ''الشرقة'' المتكررة..حاجات ماكش باش تتوقعها    خطير: تقارير تكشف عن آثار جانبية لهذا العصير..يضر النساء    أحكام بالسجن والإعدام في قضية الهجوم الإرهابي بأكودة استشهد خلالها عون حرس    بش تغيّر العمليات الديوانية: شنوّا هي منظومة ''سندة2''    قطاع القهوة في تونس في خطر: احتكار، نقص، شنوا الحكاية ؟!    الأداء على الثروة ومنظومة "ليكوبا" لمتابعة الحسابات البنكية: قراءة نقدية لأستاذ الاقتصاد رضا الشكندالي    عاجل/ بعد وفاة مساعد السائق: فتح تحقيق في حادث انقلاب قطار تابع لفسفاط قفصة..    الجبل الأحمر: 8 سنوات سجن وغرامة ب10 آلاف دينار لفتاة روّجت المخدرات بالوسط المدرسي    حادث مؤلم أمام مدرسة.. تلميذ يفارق الحياة في لحظة    تحذير عاجل: الولايات المتحدة تسحب حليب أطفال بعد رصد بكتيريا خطيرة في المنتج    عاجل: امكانية وقوع أزمة في القهوة في تونس..هذه الأسباب    خالد السهيلي: "الطائرات المسيرة تشكل تحديا متصاعدا على "المستوى الوطني والعالمي    بعدما خدعت 128 ألف شخص.. القضاء يقرر عقوبة "ملكة الكريبتو"    مجموعة السبع تبحث في كندا ملفات عدة أبرزها "اتفاق غزة"    فريق تونسي آخر يحتج رسميًا على التحكيم ويطالب بفتح تحقيق عاجل    سلوفاكيا.. سخرية من قانون يحدد سرعة المشاة على الأرصفة    تصرف صادم لفتاة في المتحف المصري الكبير... ووزارة الآثار تتحرك!    طقس الاربعاء كيفاش باش يكون؟    تقديرا لإسهاماته في تطوير البحث العلمي العربي : تكريم المؤرخ التونسي عبد الجليل التميمي في الإمارات بحضور كوكبة من أهل الفكر والثقافة    الشرع يجيب على سؤال: ماذا تقول لمن يتساءل عن كيفية رفع العقوبات عنك وأنت قاتلت ضد أمريكا؟    محمد علي النفطي يوضّح التوجهات الكبرى لسياسة تونس الخارجية: دبلوماسية اقتصادية وانفتاح متعدد المحاور    الديوانة تُحبط محاولتين لتهريب العملة بأكثر من 5 ملايين دينار    الكتاب تحت وطأة العشوائية والإقصاء    كريستيانو رونالدو: أنا سعودي...    عاجل/ الرصد الجوي يصدر نشرة استثنائية..    الحمامات وجهة السياحة البديلة ... موسم استثنائي ونموّ في المؤشرات ب5 %    3 آلاف قضية    المنتخب التونسي: سيبستيان توناكتي يتخلف عن التربص لاسباب صحية    وزارة الثقافة تنعى الأديب والمفكر الشاذلي الساكر    عاجل/ غلق هذه الطريق بالعاصمة لمدّة 6 أشهر    عاجل/ تونس تُبرم إتفاقا جديدا مع البنك الدولي (تفاصيل)    فريق من المعهد الوطني للتراث يستكشف مسار "الكابل البحري للاتصالات ميدوزا"    بعد انقطاع دام أكثر من 5 سنوات.. عودة تقنية العلاج بالليزر إلى معهد صالح عزيز    QNB تونس يفتتح أول فرع أوائل QNB في صفاقس    تصريحات صادمة لمؤثرة عربية حول زواجها بداعية مصري    مؤلم: وفاة توأم يبلغان 34 سنة في حادث مرور    غدوة الأربعاء: شوف مباريات الجولة 13 من بطولة النخبة في كورة اليد!    عاجل/ وزارة الصناعة والمناجم والطاقة تنتدب..    عاجل/ وزير الداخلية يفجرها ويكشف عن عملية أمنية هامة..    الدكتور صالح باجية (نفطة) .. باحث ومفكر حمل مشعل الفكر والمعرفة    صدور العدد الجديد لنشرية "فتاوي تونسية" عن ديوان الإفتاء    شنيا الحاجات الي لازمك تعملهم بعد ال 40    رحيل رائد ''الإعجاز العلمي'' في القرآن الشيخ زغلول النجار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من يحاصر الآخر.. غزة أم أعداؤها؟ : راشد الغنوشي
نشر في الفجر نيوز يوم 07 - 06 - 2010

الحصار الدولي الذي فرضته الإمبراطورية الصهيونية على غزة مستخدمة كل أذرعها العسكرية والإعلامية وتحالفاتها مع المعسكر الغربي بزعامة الولايات المتحدة وأذنابه في المنطقة والعالم من أجل الإجهاز على التمرد الذي قاده الإسلام في غزة متحالفا مع كل المتضررين من الهيمنة الأميركية الصهيونية، يوشك أن يتآكل وينهار لينحسر زبده الطافي عن ميزان جديد للقوة في العلاقات الدولية، بل مبشرا بعالم جديد، فما هي أبعاده ومعالمه؟
1- صمود غزة الأسطوري الأساس:
أ- ما كان أحد يتوقع أن تصمد حماس في غزة، في مواجهة الجهاز الرهيب جهاز الأمن الوقائي الذي صرف النظام الدولي على تدريبه وتجهيزه مئات الملايين من الدولارات، وانهار في ساعات معدودات كأوراق الخريف على يد بضع مئات من أبناء القسام، فيما عرف بالحسم الذي لولاه لكان حال غزة لا يختلف في شيء عن الضفة، يسرح ويمرح في مدنها وقراها جنود الاحتلال وأعوانه واستخباراته آمنين مطمئنين يعتقلون ويقتلون من شاؤوا أمام سمع وبصر عشرات الآلاف من قوات أمن "السلطة الوطنية"، بل هؤلاء أنفسهم طالما تعرّضوا للاعتقال على يد قوات الاحتلال لإرهابهم ودفعهم إلى المزيد من الجد في ملاحقة وإحباط كل محاولة للمقاومة حتى وهي فكرة قبل أن تتحول إلى فعل، بينما محاولة اعتقال أحد في غزة الحرة أو تخليص أسير يقتضي من عصابات الانحلال المغامرة شنّ حرب شاملة، وفعلوها دون أن يظفروا بطائل.
فبأي مقياس من مقاييس الإنصاف والعدل يبخّس البعض من مبادرة الحسم التي حررت غزة ونقلتها من حالة الاحتلال إلى حالة الاستعصاء الرائع، أو أن تقع التسوية بين وضع غزة ووضع رام الله، فيوضع الطرفان في كيس واحد على أن ما بينهما لا يعدو كونه نزاعا على السلطة، وأن عليهما أن يتوحدا، دون تساؤل: على أي أرضية: أرضية المقاومة أم أرضية التسوية السراب؟ في تجاهل لحقيقة المشكل أنه صراع بين مقاومة واحتلال.
صمود غزة الأسطوري هو الذي حرك هذه الأمواج العالمية من التعاطف ويهدّد بتحولات هامة في العلاقات الدولية.
ب- وما كان لغزة الصغيرة أن تصمد في مواجهة الحصار الخانق وفي مواجهة الحرب الوحشية الشاملة التي شنت عليها من قبل جيش ترتعد فرقا منه دول المنطقة وجيوشها، لولا الالتحام الصميم بين عموم الشعب الغزي وبين قيادة حماس المنتخبة، لا لأن هذه بلا أخطاء وإنما لأنها تعيش عيشة الناس ومعهم في مخيماتهم ومساجدهم.
وشعوبنا تملك طاقات لا تنفد للصبر وللتضحية إن هي وثقت في عدالة وشجاعة قيادتها، بما جعل كل خطط الكيان الصهيوني الهادفة إلى اقتلاع حماس من حصنها الغزي خشية على مستقبل الكيان المدعوم من نظام دولي وإقليمي متواطئين، تبوء بالفشل الذريع.
ج- درس غزة واضح: أن صمود المؤمنين أهل الحق مهما كانت إمكاناتهم المادية متواضعة في مواجهة غطرسة القوة وعربدتها، أمر ممكن. إن حجارة الأطفال التي تطورت إلى صواريخ بدائية قد أمكن لها عندما عملت في أيدٍ تحركها قلوب عامرة بالإيمان والتصميم على المقاومة، أن تصنع ميزان قوة جديدا، إذ السياسة فن تغيير موازين القوة وليس الخضوع لها. لم يكن لأحمد ياسين غير بقية جسد منهك وكرسي متحرك، ومع ذلك كان بقوته الروحية وتصميمه على المقاومة وتغيير موازين القوة مرعبا لشارون الذي تركه الله آية.. ومن ذلك أسطول الحرية.
2- وانتصر أسطول الحرية: هو أسطول تبدو ذخائره الوحيدة أغذية وأدوية وألعابا للأطفال الغزيين وإسمنتا لبناء وترميم مساكن غزية هدمها الاحتلال الغاشم فوق رؤوس أصحابها فظلوا جاثمين فوق خرائبها ملتحفين السماء ينتظرون أن يجود عليهم النظام الدولي والإقليمي فيأذن لهم في استيراد مواد البناء، فلم يجرؤ على إغضاب صهيون المتذرع بمنع المقاومة من احتمال الإفادة من تلك المواد.
والحقيقة أن الذخائر الأساسية المحركة لسفن هذا الأسطول والتي تملأ جوانبه قوة، هي المعاني العظيمة والقيم السامية التي تزخر بها صدور الرجال والنساء الذين أقدموا على هذه الغزوة الإنسانية والذين مولوها تمويلا شعبيا، فهذا جهد المجتمع المدني الإسلامي والإنساني في مواجهة المجتمع العسكري الطاغوتي الدولي وعميله الإقليمي.
إنه مجتمع الإيمان، مجتمع الحق والإنسانية في مواجهة غطرسة القوة الأميركية والصهيونية وسكرتها. وجوهر هذا الجهد الحقيقي الإيمان بمظلومية أهل غزة والإعجاب بصمودهم، بما طفحت معه القلوب غضبا ونقمة على الاحتلال الصهيوني وعلى القوى الدولية والإقليمية المتواطئة معه ضد أطفال أهل غزة، فنذر هؤلاء الأبطال حياتهم لاختراق هذا الحصار الغاشم وعزموا على أن يواجهوا بصدور عارية عرام القوة والغطرسة والتوحش والتواطؤ والجبن والنذالة والخسة.
وكانوا من الحصافة والحكمة أن استدرجوا الدب الإسرائيلي الغبي المغرور إلى الوقوع في شباكهم، سواء أكان بما حملوه من مواد أولية ضرورية لحياة كل إنسان، متجردين من كل سلاح يمكن أن يستند إليه الوحش لتبرير استخدامه آلته الحربية المرعبة ضدهم، أم بالتنوع الهائل للمشاركين في الأسطول: تنوع في الأعمار والألوان والأديان واللغات ذكورا وإناثا كبارا وصغارا، بما يبعد صورة الجيش المنظم المدرب، فكانت المنازلة سافرة بين معاني الإنسانية مجتمعة ومعاني الغطرسة والتوحش مكثفة.
ورغم المحاولة الفاشلة للوحش أن يسيطر على الموقف من كل الجهات وبخاصة في مستوى الصورة، فإنه سرعان ما خسر المعركة الإعلامية، فقد واجه بالتنكيل والإهانة والغطرسة والخساسة إعلاميين وأطباء ومفكرين وإغاثيين شهودا ينتمون إلى ملل وثقافات مختلفة تمكّن من تعبئتهم.
وخلال يومين أو ثلاثة فقط نجح أيما نجاح في أن يشق في قلب كل منهم أخدودا لا يردم من الكراهية للصهيونية، بما لمس من وحشيتها فاكتوى وعيه وكل كيانه بالنقمة عليها وامتلأ تصميما على مواصلة النزال ضدها والانتصار لضحاياها الفلسطينيين، وذلك هو ما ردده بلسان واحد كل من مر بتلك التجربة الإنسانية القاسية أنه لن يكل ولن يمل في النضال ضد الصهيونية، لما عاش من توحش جنودها وجبنهم، فتساءل: كيف بمن اكتوى بنارها طيلة ستين سنة؟ وبذلك تحقق لقضية فلسطين وخصوصا غزة من الألسن الناطقة بمظلوميتها ما لم يحدث خلال عشرات السنين من الاحتلال، ودليل ذلك هذه الملايين التي تجوب عواصم الدنيا ومدنها وحتى قراها صارخين في وجه الظلم الصهيوني وحلفائه.
ومن الشواهد على الانتصار الباهر لأسطول الحرية، الحرج الذي شكلته هذه الموجة الاحتجاجية العالمية للأنظمة والحكومات التي تراوحت ردود أفعالها من قطع العلاقات وسحب السفراء إلى الاحتجاج، إلى اجتماع المؤسسة الدولية للإدانة وفتح التحقيق، حتى الإدارة الأميركية المتصهينة الحامية للكيان المتوحش رغم التماسها العذر له أنه في حالة دفاع عن النفس!! وكأن أسطول الحرية مشحونا بالأسلحة الفتاكة هو الذي صبّح تل أبيب بهجوم كاسح، فقد حمّلت الحصار المسؤولية عما حدث.
نظام مبارك نفسه أشد الضالعين بعد الكيان الصهيوني في الحصار الإجرامي الأثيم وقتل أطفال غزة ومرضاها، بدا كأن زلزال أسطول الحرية أحيا مواته فأعلن فجأة عن فتح معبر رفح إلى أجل غير مسمى!! فما الذي حدث؟ ما الذي تغير؟ لماذا باءت بالفشل حتى خلال الحرب على غزة كل استغاثات أهلها ومعهم الأمة والإنسانية تستجديه وتتوسل إليه أن يحنّ على جيرانه وأطفالهم فينفّس مما يعانونه من ضيق الصهيوني، بدل أن يشاركه، فما كان جوابه غير الإعلان عن إقامة جدار فولاذي حول غزة بتمويل وإشراف أميركيين.
فما الذي تغير اليوم؟ هل لأن الذين دفعوه إلى التورط في حصار جيرانه هم أنفسهم أخذوا يتراجعون تحت ضغط الرأي العام الإنساني؟ أم هو التنفيس من احتقان شارع مصري يتصاعد غليانه ويوشك أن ينفجر في وجهه، ولا ينتظر إلا الصاعق الذي منّ الله به على الأمة ممثلا في قضية فلسطين؟
ورغم ما في كل هذه المواقف من مجاملات ولغة دبلوماسية تصل إلى حد النفاق، فالثابت أن أسطول الحرية فتح ثغرات في جدار الحصار فلن يعود إلى ما كان عليه، إلا أن الأساطيل الإنسانية ينبغي أن تصعّد حملاتها المباركة ضده.
إن الذي يحتضر اليوم ليس الحصار الغشوم وحسب وإنما أهم من ذلك سببه أي الاحتلال. إن الطريقة التي تصرف بها مع أسطول الحرية واضحة الدلالة على مستوى قاتل من الغباء والحماقة وفقدان الأعصاب والانقطاع عن حركة الزمن ومنها التطور الإعلامي الكاشف وتصاعد الضيق به حتى بين عقلاء اليهود.. إنه ماض قدما في طريق سلفه في جنوب أفريقيا الهالك.
3- الإسلام وغزة يعودان بالترك إلى الصف الأول من معركة الأمة: إن صحوة الإسلام في تركيا التي قادها الرجل العظيم نجم الدين أربكان وتابعها تلاميذه الشجعان أردوغان وغل والنعمان.. قد عادت بعد أربعة عقود من الكفاح الناصب الرشيد بالأمة التركية العظيمة إلى قدر معقول من التصالح مع تاريخها الإسلامي التليد، حيث تبوأت سدة الزعامة في الأمة زهاء خمسة قرون، قاطعة شوطا بعيدا في التخلص المتدرج من علمنة متطرفة، والاتجاه شرقا، لا سيما وقد أدارت لها الظهر أوروبا التي راهنت عليها الأتاتوركية على أنها جزء منها، فباء الرهان بالانضمام إلى النادي المسيحي بالفشل الذريع.
في هذه اللحظة من سياق التطور التركي، حيرة بين غرب معرض وصحوة إسلامية متصاعدة، تأتي القضية الفلسطينية وبخاصة قضية غزة والقدس لتكمل المشوار، وتقوم بمهمة تحويل الصحوة من مجرد توجه ديني ومسلك فردي ومجتمعي إلى مشروع سياسي حضاري إسلامي تتبوأ فيه وتتهيأ به تركيا لتحتل موقع الزعامة في شرق يشكو فراغا قاتلا في الزعامة، لا سيما بعد انسحاب مصر من هذا الموقع وتحولها بالتدريج ملحقا من ملحقات الأمن الصهيوني تتوسل به تموّلا وقربا من الأميركان وتأمينا لسلطة العائلة، وبعد خروج العراق من معادلة المنطقة منذ حرب الخليج الأولى، فما بقي في المنطقة من لاعب غير الصهاينة وإيران..
الأولون "هم العدو" بنص الكتاب وشواهد الواقع. أما الأخيرون فمع أنهم من الأمة، ودورهم عموما إيجابي في قضية الأمة الأساسية قضية فلسطين مع مآخذ عليهم في قضايا أخرى مثل العراق وأفغانستان، وبصرف النظر عن ذلك، فهناك عوائق ذاتية تصعّب قبول ترشحهم لدور الزعامة للأمة.
في هذا السياق من تصاعد صحوة الإسلام في الأمة ومنها تركيا وحيرة هذه الأخيرة إزاء الصد الأوروبي، تأتي قضية غزة لتمثل الوسيط المفعّل لمهمة الدفع السريع صوب ردم الهوة بين العرب والأتراك وتحويل الصحوة الدينية إلى مشروع سياسي، آخذ في التشكل بسرعة، ولمّا يكتمل تجاوزه لعوائق داخلية كثيرة يمكن تجاوزها، فيأتي أسطول الحرية في الوقت المناسب ليعطي هذا التحول التاريخي المهم دفعا قويا جدا يخسر به الصهاينة أهم حليف لهم في المنطقة، وذلك في نظام ديمقراطي يستمد شرعيته من اتجاهات الرأي العام، وهي اليوم مجمعة على إدانة الصهيونية ومعاقبتها على ولوغها في دم تركي بريء، محمولة بنزوع عارم إلى الثأر لكرامة أمة تركية طعنت في كبريائها، بما سيجعل التنافس الانتخابي في اتجاه التصعيد مع الصهيونية وليس التصالح معها.
إنه لا يمكن تفسير هذه الحماقة الصهيونية إلا بما يسميه بعض الفلاسفة مكر التاريخ، وبلغة الإسلام قدر الله ومكره بأعدائه "ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين" (آل عمران: 53).. إنها الدماء الزكية لشهداء غزة ومعاناتهم وصبرهم بدأت تثمر وتزهر.
4- الإسلام عائد فاعلا قويا في السياسة الدولية: وخلافا للفلسفات المتشائمة حول نهايات التاريخ وموت الأيدولوجيات وما تنبأت به الفلسفات الوضعية من أن عصر العلم قد طوى صفحة الديانات، الثابت اليوم بالنسبة للدين الحق دين الإسلام أشبّ رسالات السماء أنه يشهد صحوة يتصاعد مدها كمّا وكيفا، فالمسلمون في بداية القرن العشرين كانوا لا يمثلون أكثر من 4% من سكان العالم بينما سكان أوروبا كانوا يمثلون 40%، ثم تحولت النسبة في بداية القرن الجديد جذريا فسكان أوروبا لا يزيدون عن 4% بينما عالم الإسلام يبلغ 20% ويتوقع أن يبلغ في نهاية القرن 40%.
وفي مستوى الكيف المسلمون اليوم أحسن إسلاما من أسلافهم منذ قرون، وأكثر حرصا على تعاليمه، لا يمنعهم من ذلك غير العديد من حكوماتهم المعزولة شعبيا، ولن تصمد طويلا في مواجهة المد الإسلامي والتحرري.
والمسلمون اليوم أكثر وعيا بعصرهم وبعلومه من أجيال سابقة، والإسلام اليوم أسرع الديانات انتشارا وامتدادا في الجغرافيا، وتكفي نظرة واحدة للمسيرات التي تجوب شوارع العالم لتلمس أثر الإسلام فيها وفي السياسات العالمية التي لا تزال -بأثر العداوات التاريخية وأثر الصهاينة- تصر على استبعاده، إلا أنها لن تقاوم إلى الأبد حقائق الواقع، ولا بد في النهاية أن تختار مصالحها وهي مع المسلمين لا مع الصهيونية فتميطها جانبا، والضيق بالتسلط الصهيوني على القرار الغربي في ازدياد، والقضية الفلسطينية تسرع بالعلاقات بين الإسلام والغرب في هذا الاتجاه.
كما أن القضية الفلسطينية تمثل مؤشرا مهمّا على اتجاهات الرأي العام في الأمة، فمنذ فرضت هذه القضية نفسها في مركز القضايا غدا لواء القيادة في الأمة معقودا لحاملها: دانت الأمة لعبد الناصر وأيدولوجيته بسببها، ثم لياسر عرفات وخطّه، وهي اليوم مع حماس وحلفائها وأصدقائها.
وواضحٌ الدورُ الذي ينهض به الإسلام الفلسطيني سواء أكان ممثلا في غزة والضفة أم في ال48 أم في المهاجر الممتدة. إن الإسلام ممثلا بحماس خاصة يمثل العدسة المجمّعة لطاقات الأمة حول هذه القضية المباركة، مستقطبة لها قوى تحررية متزايدة كانت بالأمس تتجمع حول قضية الجزائر أو فيتنام.
نظرة واحدة للحركة العالمية "غزة الحرة" وما تجنده حولها من قوى تحررية من كل الملل والاتجاهات التحررية، وما أنجزته من حملات لكسر الحصار عن غزة سبيلا للقضاء على الاحتلال جملة، تكشف بجلاء عن الدور الريادي العالمي التحرري الذي يقوم به الإسلام عامة والإسلام الفلسطيني والتركي خاصة.
ولم يكن صدفة أن يؤقّت الصهاينة هجومهم على أسطول الحرية بصلاة الفجر رغم وجود غير مسلمين، ولكن من الواضح أن الإسلام هو العمود الفقري الذي يقود معارك الأمة الكبرى اليوم وفيما يستقبل، فهذا زمن الإسلام وحلفائه، وكأنّ مؤذّن الكون يؤذّن، فيشقّ صوته عنان السماء وينداح في الأرجاء، يؤذّن مع النبي نوح عليه السلام وسط الطوفان، مناديا ابنه إلى سفينة النجاة "يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين. قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء, قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم" (سورة هود: 41 و42).
المصدر: الجزيرة
الاثنين 24/6/1431 ه - الموافق 7/6/2010 م


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.