الانقلاب الصيفي يحل اليوم السبت 21 جوان 2025 في النصف الشمالي للكرة الأرضية    بايرن ميونخ يفوز على بوكا جونيور و يتأهّل إلى ثمن نهائي كأس العالم للأندية (فيديو)    بعد فوزه على لوس أنجلوس... الترجي الرياضي يدخل تاريخ كأس العالم    موجة جديدة من الصواريخ الإيرانية على إسرائيل: ضربات على تل أبيب، حيفا وبئر السبع، أكثر من 100 جريح    كأس العالم للاندية.. الترجي ينتصر على لوس انجلوس الامريكي    نتائج الباكالوريا 2025: تفعيل خدمة الرسائل القصيرة، والتوجيه الجامعي يسير بخطى ثابتة    أسرة عبد الحليم حافظ تُقاضي مهرجان "موازين" الدولي بالمغرب    في واقعة نادرة.. استخراج هاتف محمول من بطن شاب بعد عامين من ابتلاعه    كيف سيكون طقس السبت 21 جوان 2025؟    8 علامات تشير إلى بيع بياناتك الشخصية عبر الإنترنت.. احذرها    باجة: إستقبال شعبي لقافلة الصمود [فيديو]    وزارة الثقافة تنعى فقيد الساحة الثقافية والإعلامية الدكتور محمد هشام بوقمرة    وزير الاقتصاد.. رغم الصدمات تونس لا زالت جاذبة للاستثمارات    ترامب: قد أدعم وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل إذا سمحت الظروف.. مستعد للحديث مع طهران    22 سنة سجناً مع النفاذ العاجل في حق الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي وقيادات سابقة    في اختتام مهرجان « Bhar Lazreg Hood» منطقة البحر الأزرق .. معرض مفتوح لفن «الغرافيتي»    بين طموح التميز وشبح الإقصاء .. النموذجي... «عقدة » التلاميذ !    "الستاغ" تعتذر من حرفائها..وهذه التفاصيل..    الأحد: فتح المتاحف العسكرية الأربعة مجانا للعموم بمناسبة الذكرى 69 لانبعاث الجيش الوطني    باجة: نسبة تقدم الحصاد بلغت 40%.    بلاغ جديد من النجم الرياضي الساحلي    السبت 21 جوان تاريخ الانقلاب الصيفي بالنصف الشمالي للكرة الأرضية    قابس: أكثر من 250 مشاركا في الدورة 41 لمعرض قابس الدولي    وزارة الصحة تجدد دعوة الأطباء المقيمين إلى اختيار مراكز العمل    طبربة: إيداع مربي نحل السجن من أجل تسببه في حريق غابي    صحتك النفسية فى زمن الحروب.. .هكذا تحافظ عليها فى 5 خطوات    سحر البُن.. وعبق الإبداع والفن    زيارة وفد نيابي الى المركب الصحي بجبل الوسط: تراجع خدمات المركب بسبب صعوبات عدة منها نقص الموارد البشرية وضعف الميزانية والايرادات    ارتفاع لافت في مداخيل السياحة وتحويلات التونسيين بالخارج... مؤشرات إيجابية للاقتصاد الوطني    عاجل : أزمة جديدة تلاحق محمد رمضان    ارتفاع درجات الحرارة يسبب صداعًا مزمنًا لدى التونسيين    عاجل/ العامرة: إزالة خامس مخيّم للمهاجرين يضم 1500 شخصا    إزالة مخيم ''العشي'' للمهاجرين في العامرة..التفاصيل    وزير السياحة يؤدي زيارة إلى ولاية جندوبة    منصّة "نجدة" تساعد في انقاذ 5 مرضى من جلطات حادّة.. #خبر_عاجل    منتدى الحقوق الاقتصادية يطالب بإصلاح المنظومة القانونية وإيجاد بدائل إيواء آمنة تحفظ كرامة اللاجئين وطالبي اللجوء    هجمات اسرائيل على ايران: السعودية تحذّر.. #خبر_عاجل    "ليني أفريكو" لمروان لبيب يفوز بجائزة أفضل إخراج ضمن الدورة 13 للمهرجان الدولي للفيلم بالداخلة    النادي الإفريقي يعلن عن موعد الجلسة العامة الانتخابية    عاجل: اتحاد الشغل يطالب بفتح مفاوضات اجتماعية جديدة في القطاعين العام والوظيفة العمومية    من مكة إلى المدينة... لماذا يحتفل التونسيون برأس السنة الهجرية؟    حملة لمراقبة المحلات المفتوحة للعموم بدائرة المدينة وتحرير 8 مخالفات لعدم احترام الشروط القانونية (بلدية تونس)    ''مرة الصباح مرة ظهر''.. كيف يتغيّر توقيت اعلان نتيجة الباكالوريا عبر السنوات وما المنتظر في 2025؟    المنتخب التونسي للكرة الطائرة يختم تربصه بإيطاليا بهزيمة ضد المنتخب الايطالي الرديف 3-1    ''التوانسة'' على موعد مع موجة حرّ جديدة في هذا التاريخ بعد أمطار جوان الغزيرة    الأستاذ عامر بحببة يحذّر: تلوّث خطير في سواحل المنستير ووزارة البيئة مطالبة بالتدخل العاجل    عاجل/ عقوبة سجنية ثقيلة ضد الصّحبي عتيق في قضية غسيل أموال    كأس العالم للأندية: الترجي الرياضي يواجه الليلة لوس أنجلوس الأمريكي    بطولة برلين : من هي منافسة أنس جابر اليوم الجمعة ؟    كاس العالم للاندية : ريال مدريد يعلن خروج مبابي من المستشفى    عاجل/ طهران ترفض التفاوض مع واشنطن    تقص الدلاع والبطيخ من غير ما تغسلو؟ هاو شنو ينجم يصير لجسمك    عاجل/ سعيّد يكشف: مسؤولون يعطلون تنفيذ عدد من المشاريع لتأجيج الأوضاع    الأوركسترا السيمفوني التونسي يحتفي بالموسيقى بمناسبة العيد العالمي للموسيقى    بالفيديو: رئيس الجمهورية يشرف على اجتماع مجلس الوزراء...التفاصيل    خطبة الجمعة... ذكر الله في السراء والضراء    ملف الأسبوع...ثَمَرَةٌ مِنْ ثَمَرَاتِ تَدَبُّرِ القُرْآنِ الْكَرِيِمِ...وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ    أمل جديد لمرضى البروستات: علاج دون جراحة في مستشفى الرابطة.. #خبر_عاجل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مهلا على تركيا : عبد الستار قاسم
نشر في الفجر نيوز يوم 08 - 06 - 2010


بين الأمل والتمني
صعوبات أمام الحكومة التركية
الظهر التركي
بناء العرب الداخلي

المواطن العربي ظمآن، وهو دائم البحث عمن وعما يطفئ ظمأه ولو قليلا؛ وكلما لاح في الأفق أمل أخذ يجري خلفه ملهوفا مستنجدا هاتفا مستصرخا متضرعا ألا يكون الأمل سرابا. المواطن العربي هو أشد الناس إذلالا في الأرض، ووعيا بهذا الإذلال سواء كان مصدره داخليا أو خارجيا، وهو تواق لأن يشعر بنوع من الكرامة، أو أن يحس بالهزيمة وقد فارقت مضجعه قليلا فيهدأ كما يهدأ الناس في بقاع الأرض.

وكلما دوى في الأرض صوت يتعاطف مع العرب ولو من قبيل المجاملة اشرأبت أعناق العرب وامتدت أياديهم عسى في ذلك الصوت ما يخرجهم من بؤسهم وشقائهم.
تمسكنا بالاتحاد السوفياتي سابقا، ودائما اتخذناه، ليس جميعنا، البطل المنتظر الذي سيهب لنجدتنا مع كل محنة. وهتفنا للرئيس الأميركي عندما وعد الفلسطينيين بدولة، وأنزلنا الرئيس الفرنسي شيراك منزلة الأولياء الصالحين عندما زارنا وبجعبته إصرار على إقامة دولة فلسطينية.
أما شافيز فصوره موجودة الآن في بيوت عربية كثيرة، ومصنف من قبل الكثيرين على أنه بطل قومي عربي. والآن تتصدر تركيا المشهد، ويحتل رئيس وزرائها مكان الصدارة في قائمة الأبطال الذين سيسعفون المواطن العربي ويخرجونه من محنة الذل المستعصية.
بين الأمل والتمني
من الصعب أن نجد عربا من خارج دائرة العديد من الأنظمة العربية لا ينظر بإيجابية لمواقف تركيا من القضية الفلسطينية، ومن السياسات الصهيونية العدوانية ضد الشعب الفلسطيني وضد العرب عموما. ولا شك أن تركيا تتفوق في مواقفها على أغلب الأنظمة العربية، وعلى أعداد غفيرة من عشاق الهزيمة من الفلسطينيين الذين تطيب لهم المتع الأميركية على حساب الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني.
من الإنسان العادي الفقير الذي لا وقت لديه للانشغال بالسياسة حتى كبار المثقفين، تحظى تركيا بالتقدير والاحترام، ومواقفها بالهتاف والتصفيق. فقط هي الأنظمة العربية ومن دار حولها هم الذين يحبسون أنفاسهم حنقا وغلا، وهؤلاء قد تصل نسبتهم إلى 10% في أحسن الأحوال.
لكن من الملاحظ من تعليقات الناس سواء في وسائل الإعلام أو في الشارع ما قد يخرج عن دائرة الأمل المتناسب مع قدرات وطاقات تركيا إلى حد المبالغة في التوقعات والتي قد لا تحتملها تركيا، على الأقل في وضعها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الحالي.
هناك آمال كبيرة جدا معقودة على تركيا الآن لدى الشارع العربي، والشارع الفلسطيني على وجه الخصوص، تصل إلى حد التمنيات. كثير من الناس يرون في تركيا قوة عسكرية متطورة جدا تفوق قوة إسرائيل، ويرون فيها القدرة على ردع إسرائيل عسكريا ومعاقبتها، وبالتالي يرفعون سقف توقعاتهم.
المبالغة في التوقعات عمل خطير من ناحيتين تتمثلان بالإحباط المترتب إذا لم تتجسد التوقعات عمليا أمام الناس، وبمكانة تركيا في النفوس إذا لم تكن إجراءاتها على مستوى التوقعات. لقد سبق للعرب أن عقدوا آمالا كبيرة على قيادات ودول عربية وغير عربية، لكنهم لم يحصدوا إلا الخيبة والفشل ما أثر سلبيا على الوضع النفسي للناس وعلى رغباتهم في تقديم التضحيات من أجل تحقيق تطلعاتهم وآمالهم.
لقد ظن العرب مع الزمن أن سواعدهم قد لا تكون ضرورية من أجل تحقيق الإنجازات، ورأوا في غيرهم من ينوب عنهم في تقديم التضحيات فغرقوا في المزيد من الهزائم. ولهذا من المهم جدا أن يقوم المثقفون ووسائل الإعلام بدورهم في توعية الناس حول ما يمكن أن تقدمه تركيا إذا كان لنا ألا نغرق ثانية فيما لا نرغب به.
تركيا دولة قوية ومهمة في المنطقة العربية الإسلامية، وشعبها هو شعبنا وهم أهلنا وأصدقاؤنا، وتربطنا بهم روابط دينية وتاريخية واجتماعية واقتصادية، ونحن وإياهم ومختلف الجيران عبارة عن جسد يمكن أن يتكامل ويوفر العزة والكرامة والرفاه والتقدم لكل شعوب المنطقة.
وتركيا تلعب دورا مهما وعظيما الآن بخاصة في غياب الدول العربية، أو في تورط العديد من أنظمة العرب في الحصار على غزة، وتشجيع سلطة رام الله على الاستمرار في تفاوض عبثي. لكن هذا لا يعني أن نحمل تركيا أكثر مما تحتمل، وأن نلقي عليها مسؤوليات أعظم من طاقاتها، وأن نطلب من شعبها مواجهة الأنظمة العربية بالنيابة عنا.
لتركيا دور كبير ومهم، وتعرضت علاقاتها مع العرب في الماضي لحالات من المد والجزر, وهي ما زالت تبلور توجهاتها نحو مستقبل مختلف عما أرادت له قيادات حزبية سابقة، وعلى العرب ألا يستنفدوا آمالهم بالتمنيات فيخسرون.
صعوبات أمام الحكومة التركية
تحاول الحكومة التركية القائمة حاليا بقيادة حزب العدالة والتنمية أن تشق طريقا جديدا يتسم بالهدوء والتروي، وأيضا بالكثير من العلمية والمهنية. إنها حكومة تفكر مرارا قبل أن تفعل، وتدرس كثيرا قبل أن تتخذ القرار، وهي تدرك تماما أن هناك عقبات ومعوقات داخلية وخارجية تعترض طريقها وعليها أن تحسب حسابها. قضية فلسطين، وقضية غزة ليستا القضيتين الوحيدتين المطروحتين على جدول أعمالها، وهناك الكثير من العمل أمامها. وهنا أوضح أهم هذه العقبات:
على المستوى الداخلي, هناك عدد من المعوقات على المستوى الداخلي أذكر منها:
أولا: هناك من يتربص بالحكومة التركية القائمة حاليا ويعمل على إسقاطها بطريقة أو بأخرى بخاصة من العلمانيين الأتراك الذين يشعرون بأنهم فقدوا العرش الذي تربعوا عليه منذ عهد أتاتورك. الأحزاب القومية واليسارية التركية تعمل دائما على البحث عن هفوات للحكومة أو لرئيس الوزراء أو الوزراء من أجل أن تثبت للأتراك بخاصة مؤسسة القضاء أن الحكومية إسلامية وتخالف بذلك الدستور ما يستدعي الحكم عليها بعدم الشرعية وحظر حزب العدالة والتنمية.
العلمانيون لا ينفكون عن منازعة الحكومة في مختلف سياساتها، وهم يعملون دائما على تشويه صورتها والقول إنها حكومة تعمل على القضاء على الأتاتوركية والتخلص من العلمانية وإقامة دولة إسلامية.
هؤلاء أنفسهم هم أصدقاء إسرائيل، وهم الذي جعلوا من تركيا أول دولة إسلامية تعترف بإسرائيل، وأعداد منهم معروفة بانحدارها من يهود الدونما الذين دخلوا الدولة العثمانية وانتشروا في الأناضول والشام.
هؤلاء هم الذين أقاموا العلاقات العسكرية والأمنية والاقتصادية والسياسية مع إسرائيل، وكانوا دائما سندا لها في تنكيلها بالفلسطينيين والعرب عموما. يجد العلمانيون أنفسهم الآن في محنة أسطول الحرية مقيدين لأنهم لا يستطيعون تأييد إسرائيل التي مست بالاعتزاز القومي التركي، وقتلت مدنيين أتراكا، ووجدوا أن أصدقاءهم الإسرائيليين قد ورطوهم في مواقف ضد إسرائيل قد تبدو أحيانا أكثر تشددا من مواقف حزب العدالة والتنمية. لكن هذا لا يعني أن العلمانيين سيغيرون ما هم فيه وعليه.
ثانيا: تواجه تركيا مشكلة الأكراد الذين يقومون بأعمال مسلحة من أجل تحقيق مطالبهم القومية. في تركيا حوالي 13 مليون كردي، وهم حوالي نصف عدد الأكراد في المنطقة الكردية، وهم يحملون السلاح، ويجدون من يؤيدهم ويقدم لهم الدعم. ومن المعروف أن إسرائيل تقيم علاقات طيبة مع الأكراد خاصة في العراق، وتمتد هذه العلاقات إلى تركيا التي كانت تعتبر صديقة لإسرائيل.
لم تحرض إسرائيل أكراد تركيا في السابق، لكنها جاهزة الآن لإثارة المتاعب لتركيا، وهناك من يشك أن الصاروخ الذي ضرب القاعدة البحرية التركية في الإسكندرونة كان بتدبير أو تآمر إسرائيلي.
تركيا تعاني من اختراقات أمنية إسرائيلية وأميركية وأوروبية، وإذا أرادت هذه الدول أن تصنع لتركيا المتاعب فإنها قادرة على ذلك. عبر ما يقرب من تسعين عاما وأهل الغرب يعبثون بتركيا ولهم فيها الأصدقاء والعملاء والجواسيس والمؤيدون، وهم منتشرون في كل ركن وزاوية من البلاد، وبإمكانهم دعم الأكراد بالمال والسلاح والتدريب والتنظيم.
ثالثا: تعاني الحكومة التركية القائمة حاليا من انحياز القضاء التركي وقادة الأجهزة الأمنية والعسكرية لصالح خصومها الداخليين، وهي كمن يسير على حد السيف حتى لا تستثير القضاء فيعمل على إخراجها عن الشرعية الدستورية، وألا تستثير الجيش والمخابرات حتى لا تُحاك ضدها مؤامرات الانقلاب. دأبت الحكومات السابقة على تشكيل أجهزة القضاء والجيش والأمن بطريقة تتناسب مع متطلبات العلمانية، وتناهض ما سواها من تيارات فكرية بخاصة التيار الديني، وقد ترسخت الفئوية في هذه الأجهزة بطريقة بعيدة عن الديمقراطية والمهنية.
تدرك الحكومة هذا الوضع، ما دعاها إلى تبني عملية التغيير التدريجي والبطيء. حكومة أردوغان تسير في كثير من الأحيان في حقول ألغام، والحذر ضروري من جهتها، كما أن الحذر في عدم استعجالها أو استحثاثها ضروري من قبل الذين يتوسمون فيها الخير.
رابعا: حكومة أردوغان معنية بتحقيق أكبر قدر ممكن من النمو الاقتصادي من أجل أن تثبت للناس جديتها وحرصها على المواطن التركي وتحسين ظروف معيشته. المنافسة في الداخل التركي قوية، ودائما هناك سلاح الانتخابات، ومن المهم أن يكون النجاح الاقتصادي أحد العناصر المقنعة للجمهور التركي.
على المستوى الخارجي, هناك العديد من المعوقات الخارجية التي تحد من تسارع الدور التركي أذكر بعضها:
أولا: أغلب الأنظمة العربية تشكل عائقا أمام تركيا لأن هذه الأنظمة تكره التغيير، وترى في إسرائيل عنصر استقرار في المنطقة. أنظمة العرب عموما تعادي من يبحث عن التغيير، وهي بالتالي تجد نفسها عن عمد أو غير عمد حليفة لإسرائيل، ومثلما وقفت هذه الأنظمة ضد إيران وحزب الله، فإنها ستقف ضد تركيا بوضوح فيما إذا تجاوزت الخطوط الحمراء في معاداة إسرائيل.
ثانيا: تركيا عضو في حلف شمال الأطلسي، وللحلف ضوابط ومواثيق لا تستطيع أن تخرج عنها تركيا تماما، ومنها إقامة علاقات تعاون عسكري مع إسرائيل. ربما تستطيع تركيا الآن أن توقف أي تعاون مباشر مع إسرائيل، لكنها في النهاية تجد نفسها مرغمة على ذلك من خلال الحلف. هذا علما أن الأطلسي يحتفظ بأسلحة في تركيا منذ عهد الاتحاد السوفياتي المنهار، وللأميركيين نفوذ واسع حتى الآن.
ثالثا: إسرائيل دولة قوية عسكريا، وهي تستطيع إلحاق أذى كبير بتركيا فيما إذا حصلت مواجهة. لا أرى أن تركيا تبحث عن مواجهة عسكرية، لكنني أقول ذلك حتى يعيد المبالغون في الخطوات التركية التفكير في مبالغاتهم. تركيا تشتري أحيانا أسلحة من إسرائيل، وتقيم معها مناورات مشتركة، إلخ. صحيح أن تركيا قامت بخطوات جريئة وشجاعة، لكنها ليست بصدد تجاوز الخطوط الحمراء الآن مثل قطع العلاقات نهائيا مع إسرائيل، أو ضرب سفينة إسرائيلية مقابل السفينة التركية. عملية استحثاث تركيا أو رفع سقف التوقعات منها قد يؤثر سلبا على تركيا نفسها.
رابعا: ما زالت الحكومة التركية بصدد وضع أسس جديدة للتعامل مع جيرانها ومع أعدائها التاريخيين مثل أرمينيا. إنها تقوم بحملة تجديد علاقات وتحسينها مع العرب وغير العرب من أجل صناعة أجواء جديدة في المنطقة العربية الإسلامية، وهي لا يمكن أن توظف وقتها للصراع مع إسرائيل، في حين أن رؤيتها في إعادة ترتيب هذه العلاقات لم تكتمل.
الظهر التركي
على الرغم من كل المعوقات والعراقيل التي تواجهها تركيا إلا أن ظهرها قوي بالعناصر التالية:
أولا: الحكومة التركية مسنودة بشعبها في مواجهة السياسة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، وهي حكومة منتخبة متفاعلة مع شعبها، وموقفها هو الموقف المعبر عن الإرادة الشعبية. ومن الصعب جدا أن تجبن أو تهزم حكومة تتسلح بمواقف شعبية صلبة ومؤمنة بما تدافع عنه.
ثانيا: الشعوب العربية تساند الحكومة التركية وتعطيها ثقتها، وإذا احتاجت تركيا مواقف عربية شعبية، فإنها ستلاقي استجابة واسعة في الشارع العربي. الموقف الشعبي العربي يتناقض مع المواقف الرسمية العربية، ويشكل كابحا لمعاداتها لحكومة أردوغان.
ثالثا: تقف سوريا وإيران بقوة مع تركيا، وإذا كان لتركيا أن تتعرض لأذى فإنها تستطيع الاعتماد على هاتين الدولتين.
رابعا: استطاعت تركيا أن تبني لنفسها عددا من الصداقات مع عدد من الدول الهامة مثل البرازيل وفنزويلا والجزائر، وأن تجعل من نفسها عنوانا رئيسا لأحرار العالم والمدافعين عن حقوق الإنسان. لقد خطت خطوات هامة على مستوى بناء علاقات عالمية تشكل قوة دفع لها ولشعبها.
بناء العرب الداخلي
أغلب العرب يتقدمون لتركيا بالشكر الجزيل على ما تقوم به، وأغلبهم يقول أيضا إن تركيا تقوم بواجبها المقدس، وهي بهذا تختلف عن حكومات العرب التي تتجه دائما نحو تحسين العلاقات مع إسرائيل.
لكن يجب ألا ينقلب هذا الشكر إلى عبء على تركيا، أو تحميلها أكثر مما تحتمل. تركيا في النهاية ذات قدرات محدودة من الناحيتين الاقتصادية والعسكرية، ومن الممكن أن تئن فيما إذا قرر خصومها نقل العداء نقلة نوعية تؤثر على بنيتها العسكرية والاقتصادية.
الشكر لتركيا يمكن أن يكون له معنى قوي فيما إذا قررنا نحن الشعب دعم تركيا بالأفعال وليس فقط بالهتاف. نحن العرب نتحمل مسؤولية طرد سفراء إسرائيل من البلدان العربية، وإغلاق مكاتبها التجارية، ومقاطعة بضائعها، ووقف التطبيع معها.
ونحن العرب نتحمل مسؤولية وقف المفاوضات والإعداد لردع إسرائيل حتى لا تجرؤ على الاستمرار في عدوانيتها، وحتى تعترف بالحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني. وفوق ذلك مطلوب من الشعوب العربية أن تتحرك ضد حكامها الذين يحاصرون غزة.
ليس من المعقول أن نصفق فقط لتركيا لأنها تريد رفع الحصار عن غزة، في حين أننا نرى بعض الحكومات العربية تمارس ما هو أشنع من ممارسات إسرائيل ضد غزة.
إذا كنا نرى في الطيب أردوغان رجلا، فعلينا أن نكون نحن رجالا، ولا أظن أن أشباه الرجال يشدون عضد تركيا. وإذا كنا نرى في نساء تركيا المجد فإن على نسائنا أن يكن ماجدات أيضا.
علينا أن نشمر عن سواعدنا، ونقرر أن تغيير ما نحن فيه لن يتم إلا من خلالنا، وأن هزيمة العرب لا تتحقق إلا بجهودهم التي لا يبذلونها، وأن حكامهم ليسوا على قدر المسؤولية إن لم يكونوا حلفاء المعادين. فهل ننصر تركيا كما تحاول أن تنصرنا؟
تركيا تواجه ورئيس سلطة رام الله يصر على المفاوضات، ووزير خارجيته يقول إن وقف المفاوضات عبارة عن هدية ثمينة لإسرائيل. أما كبرى الدول العربية فاكتفت بفتح مشروط لمعبر رفح. فإذا كان الهتاف لتركيا ضروريا، فإن الهتاف لسقوط أنظمة عربية أكثر ضرورة.
المصدر:الجزيرة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.