بروكسل:يتجه أكثر من عشرة ملايين ناخب بلجيكي يوم غد إلى صناديق الاقتراع في عملية إنتخابية دقيقة وحاسمة تحدد مستقبل التعايش الطائفي في البلاد بين الفلمنكيين والفرانكفونيين الناطقين بالفرنسية.وجاءت الدعوة لهذا الاقتراع الذي سيتم بمقتضاه تجديد هياكل البرلمان وتشكيل ائتلاف وزاري جديد بشكل مبكر نتيجة وصول الجدل الطائفي إلى طريق مسدود وإخفاق الأحزاب الرئيسة التي كانت منطوية تحت لواء حكومة رئيس الوزراء ايف لوترم في حل إشكالية الوضعية الإدارية لضواحي بروكسل وهي المسالة الرئيسة للنزاع الطائفي المتنامي. وتقول مختلف التوقعات ونتائج عمليات سبر الرأي إن القوميين الفلمنكيين الذين يطالبون بالاستقلال أو بمزيد من الحكم الذاتي يتقدمون بشكل جوهري وقد يمثل إنتصارهم المحتمل بداية معادلة سياسة جديدة في بلجيكا قد تكون لها أيضا عواقب أوروبية. وتقول آخر عملية لسبر الرأي إن الحزب القومي الفلمنكي (ان في أي) سيكتسح صناديق الاقتراع في منطقة الفلاندر ويتبوأ المكانة الأولى للمرة الأولى..كما إن الأحزاب ذات النزعة القومية الأخرى وبما فيها الأحزاب المتطرفة تسجل تقدما هي الأخرى على حساب المسيحيين الديمقراطيين الفلمنكيين الذين حكموا بلجيكا طيلة العقود الخمسة الماضية. وهنك خشية في المقابل من أن يمتنع الناخبون البلجيكيون عن التصويت بسبب احتدام النزاع الطائفي حيث يتوقع أن يقاطع أكثر من عشرة في المائة من الناخبين صناديق الاقتراع بالرغم من الطابع الإجباري للانتخابات في بلجيكا. و تتمحور تحركات الحزب القومي الفلمنكي (ان في أي) في التركيز على إن الأحزاب الفلمنكية والفرانكفونية التي تقاسمت سدة الحكم حتى الآن ضلت عاجزة على حلحلة الملف الطائفي بشكل جوهري وتحديدا في دفع بلجيكا نحو نظام كونفدرالي أكثر إنسجاما مع واقع المقطعات البلجيكية ويريد الفلمنكيون تبعا لهذا التوجه تقاسم أعباء الدولة الاتحادية بشكل عادل بين مكونات البلاد الطائفة وعدم تحميل الفلمنكيين لوحدهم ثقل مصاريف الدولة الاتحادية وخاصة بشن الضمان الاجتماعي وتمويل سوق العمل.ويطالب القوميون الفلمنكيون بحكم ذاتي تام وشامل للمقاطعات المختلفة في مجال الاقتصاد والقيام ببلورة اتفاقيات محددة في مجالات السيادة مثل الدفاع وشؤون التجارة الخارجية. وفي حالة إنتصار الحزب القومي الفلمنكي بشكل واضح في شمال البلاد فان المعادلة السياسية البلجيكية ستتعقد لأنه سيعهد إليه تلقائيا بمشاورات تشكيل الحكومة المقبلة. وستكون مثل هذه المهمة شبه مستحيلة في حالة قيام جبهة فرانكفونية هيكلية ومنظمه ضده داخل البرلمان الاتحادي المقبل. ولكن القوى الفلمنكية الاستقلالية ستكون في المقابل قادرة على تشكيل جبهة داخلية صلبة ومتماسكة مما يحد من هامش مناورات الجبهة الفرانكفونية المتحدة. وتتابع الأوساط الأوروبية في بروكسل عن كثب وبقلق كبير التطورات المتوقعة في بلجيكا رغم الهدوء الفعلي الذي يسود البلاد وتمسّك مختلف الأطراف باحترام قواعد اللعبة الانتخابية. وتحتضن بلجيكا غالبية مؤسسات التكتل الأوروبي وحلف الناتو كما إنها ستتولى الرئاسة الدورية الأوروبية الشهر المقبل وفي مناخ اقتصادي وسياسي معقد للاتحاد الأوروبي هذه المرة. وقالت الحكومة البلجيكية المكلفة إنها أعدت بشكل مفصل برنامج تحركها الأوروبي إلى غاية نهاية العام الجاري وان توليها الرئاسة الأوروبية سيتم وفق خطة منظمة وصلبة. وقالت المفوضية الأوروبية في بروكسل من جهتها إنها تثق في قدرة بلجيكا على إدارة الشأن الأوروبي بشكل طبيعي خلال النصف الثاني من العام الجاري. ولكن التطورات المصاحبة للاقتراع البلجيكي واحتمال دخول البلاد في أزمة سياسية طويلة سيضر باقتصادياتها على وجه التحديد ويتسبب في عزوف المستثمرين والمتعاملين ويزيد من متاعب منطقة اليورو حسب العديد من المحللين وقد تستمر مفاوضات تشكيل إئتلاف وزاري جديد لعدة أشهر هذه المرة. ويبدو حتى الآن زعيم الحزب الاشتراكي الفرانكفوني اليو ديريبو الأكثر فرصا لتبوأ الوزارة لكن عليه تقديم تنازلات جوهرية للقوميين الفلمنكيين مقابل ذلك وهو أمر يبدو صعبا ومشكوكا فيه. ويراهن القوميون الفلمنكيون على هذا السيناريو لفرض حل استقلالي وعلى مراحل في بلجيكا واستمرت مفاوضات تشكيل الحكومة السابقة عام 2007 ستة أشهر كاملة ولكنها سقطت ثلاث مرات خلال ثلاث سنوات فقط . 29 جمادى الآخرة 1431 ه الموافق 12 يونيو 2010 م واس