لاليغا الاسبانية.. سيناريوهات تتويج ريال مدريد باللقب على حساب برشلونة    معرض تونس الدولي للكتاب: الناشرون العرب يشيدون بثقافة الجمهور التونسي رغم التحديات الاقتصادية    كأس تونس لكرة اليد : الترجي يُقصي الإفريقي ويتأهل للنهائي    الاتحاد المنستيري يضمن التأهل إلى المرحلة الختامية من بطولة BAL بعد فوزه على نادي مدينة داكار    بورصة تونس تحتل المرتبة الثانية عربيا من حيث الأداء بنسبة 10.25 بالمائة    الأنور المرزوقي ينقل كلمة بودربالة في اجتماع الاتحاد البرلماني العربي .. تنديد بجرائم الاحتلال ودعوة الى تحرّك عربي موحد    اليوم آخر أجل لخلاص معلوم الجولان    الإسناد اليمني لا يتخلّى عن فلسطين ... صاروخ بالستي يشلّ مطار بن غوريون    الرابطة الثانية (الجولة العاشرة إيابا)    البطولة العربية لألعاب القوى للأكابر والكبريات: 3 ذهبيات جديدة للمشاركة التونسية في اليوم الختامي    مع الشروق : كتبت لهم في المهد شهادة الأبطال !    رئيس اتحاد الناشرين التونسيين.. إقبال محترم على معرض الكتاب    حجز أجهزة إتصال تستعمل للغش في الإمتحانات بحوزة أجنبي حاول إجتياز الحدود البرية خلسة..    بايرن ميونيخ يتوج ببطولة المانيا بعد تعادل ليفركوزن مع فرايبورغ    متابعة للوضع الجوي لهذه الليلة: أمطار بهذه المناطق..#خبر_عاجل    عاجل/ بعد تداول صور تعرض سجين الى التعذيب: وزارة العدل تكشف وتوضح..    قطع زيارته لترامب.. نقل الرئيس الصربي لمستشفى عسكري    معرض تونس الدولي للكتاب يوضّح بخصوص إلزام الناشرين غير التونسيين بإرجاع الكتب عبر المسالك الديوانية    الملاسين وسيدي حسين.. إيقاف 3 مطلوبين في قضايا حق عام    إحباط هجوم بالمتفجرات على حفل ليدي غاغا'المليوني'    قابس.. حوالي 62 ألف رأس غنم لعيد الأضحى    حجز عملة أجنبية مدلسة بحوزة شخص ببن عروس    الكاف: انطلاق موسم حصاد الأعلاف مطلع الأسبوع القادم وسط توقّعات بتحقيق صابة وفيرة وذات جودة    نقيب الصحفيين : نسعى لوضع آليات جديدة لدعم قطاع الصحافة .. تحدد مشاكل الصحفيين وتقدم الحلول    نهاية عصر البن: قهوة اصطناعية تغزو الأسواق    أهم الأحداث الوطنية في تونس خلال شهر أفريل 2025    الصالون المتوسطي للبناء "ميديبات 2025": فرصة لدعم الشراكة والانفتاح على التكنولوجيات الحديثة والمستدامة    انتفاخ إصبع القدم الكبير...أسباب عديدة وبعضها خطير    هام/ بالأرقام..هذا عدد السيارات التي تم ترويجها في تونس خلال الثلاثي الأول من 2025..    إلى أواخر أفريل 2025: رفع أكثر من 36 ألف مخالفة اقتصادية وحجز 1575 طنا من المواد الغذائية..    الفول الأخضر: لن تتوقّع فوائده    مبادرة تشريعية تتعلق بإحداث صندوق رعاية كبار السن    تونس في معرض "سيال" كندا الدولي للإبتكار الغذائي: المنتوجات المحلية تغزو أمريكا الشمالية    إحباط عمليات تهريب بضاعة مجهولة المصدر قيمتها 120 ألف دينار في غار الماء وطبرقة.    تسجيل ثالث حالة وفاة لحادث عقارب    إذاعة المنستير تنعى الإذاعي الراحل البُخاري بن صالح    زلزالان بقوة 5.4 يضربان هذه المنطقة..#خبر_عاجل    النفيضة: حجز كميات من العلف الفاسد وإصدار 9 بطاقات إيداع بالسجن    تنبيه/ انقطاع التيار الكهربائي اليوم بهذه الولايات..#خبر_عاجل    برنامج مباريات اليوم والنقل التلفزي    هام/ توفر أكثر من 90 ألف خروف لعيد الاضحى بهذه الولاية..    خطير/كانا يعتزمان تهريبها إلى دولة مجاورة: إيقاف امرأة وابنها بحوزتهما أدوية مدعمة..    الدورة الاولى لصالون المرضى يومي 16 و17 ماي بقصر المؤتمرات بتونس العاصمة    أريانة: القبض على تلميذين يسرقان الأسلاك النحاسية من مؤسسة تربوية    بطولة فرنسا - باريس يخسر من ستراسبورغ مع استمرار احتفالات تتويجه باللقب    سوسة: الإعلامي البخاري بن صالح في ذمة الله    لبلبة تكشف تفاصيل الحالة الصحية للفنان عادل إمام    بعد هجومه العنيف والمفاجئ على حكومتها وكيله لها اتهامات خطيرة.. قطر ترد بقوة على نتنياهو    ترامب ينشر صورة له وهو يرتدي زي البابا ..    كارول سماحة تنعي زوجها بكلمات مؤثرة    هند صبري: ''أخيرا إنتهى شهر أفريل''    قبل عيد الأضحى: وزارة الفلاحة تحذّر من أمراض تهدد الأضاحي وتصدر هذه التوصيات    صُدفة.. اكتشاف أثري خلال أشغال بناء مستشفى بهذه الجهة    تونس: مواطنة أوروبية تعلن إسلامها بمكتب سماحة مفتي الجمهورية    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فِلِسْطِينُ:وَطَنٌ أمْ دَوْلَةٌ أم ماذا ؟: دكتور أحمد محمد المزعنن
نشر في الفجر نيوز يوم 23 - 06 - 2010


الهجرة : نداء الفطرة
يتباين سلوك الحيوانات والطيور البرية،ويختلف عن سلوك نظائرها الأليفة المستأنسة،وهناك أنواع من الحيوان والطيور تتحكم فيها ظاهرة الهجرة من موطنها وفق سنن إلهية مرتبطة بتغير الفصول والظروف المناخية والطبيعية،ولها علاقة بالبحث عن أسباب البقاء،وحفظ النوع، كطلب الغذاء والتكاثر أو الانسياق وراء نداء القدر لوضع حد للحياة،لانتظار الموت في مكان تحكمه المقادير،وقد كشف العلم الحديث أسرارًا كثيرة في تفسيره للظواهر المتعلقة بهجرة الحيوانات والطيور والسماك والحيتان وغيرها.
والهجرة لدى تلك الكائنات سلوك تحكمه قوانين وسنن دقيقة لا تحيد ولا تتأخر،فهي تبدأ في وقت محدد من كل عام،وتسلك في رحلتها طريقًا ثابتًا في زمن ثابت،وتعود إلى مواطنها سالكة نفس الطريق مهما واجهت من مصاعب أو متاعب،إنه نداء الفطرة في داخلها يشدها إلى مكان تلتمس فيه المنافع،وتستجيب لسنن الله التي أودعها فيها،ويدعوها إلى عدم نسيان الوطن الذي نشأت فيه منذ بداية حياتها،وعادة ما يتبقى من الطيور المهاجرة بعض الإوزات والبطات والحمام والزرازير والفري(السِمَّان) والقطا واللقالق وأنواع من الأسماك،إما لأنها استطابت العيش ورغده وسهولة توفير أسباب الحياة المرفهة في مكان ما من مشوار الهجرة،فأنساها وطنها،وخالفت نداء الفطرة،وتحملت مسؤولية اختيارها الذي أقعدها عن تحمل تبعات الحياة،أو بسبب وعكة ألمت بها أقعدتها عن الظعن مع السرب،أو نتيجة لطارىء شاغلها عن متابعة دورة الحياة السنوية المرتبطة بتتابع الفصول في الدورة الأزلية للعلاقة بين الأرض والشمس وسائر الكواكب،أو لأنها استطابت العيش في مكان ما من رحلة الهجرة الأبدية،ثم ما لبثت أن وقعت فريسة لصياد متربص،أو لهوِ لاهٍ يستطيب القنص،أو تربص أحد الضواري وقد قرصه الجوع في ليلة شاتية ينتظر ما يسد رمقه ورمق صغاره،أو أغراها وعللها بالبقاء ونسيان الوطن أملٌ في التخلي عن جناحيها أو الطاقة الفطرية في ساقيها،فآثرت البقاء تتلمس بقايا الطعام على أطراف البيوت والمزارع وربما مما يلقي به الأثرياء على المزابل في لحظة بطر وغفلة عن شكر النعمة.وعندما يستيقظ حب الوطن،ويدعوها نداء الفطرة،ويتباعد الأخِلّاء ويتناقص الأصدقاء،ويصيبها ما يصيب الأحياء من نوائب الدهر تحاول الطيران فتخونها أجنحتها وقد أثقلها السِمَنُ والترهل والوهن،أو تنزع إلى الهرب فتخور قواها ضعيفة مستكينة،وتنعي حظها العاثر،فتموت من الحسرة والكمد،وعندما يأتي القضاء لا تهم الحالة التي يستجيب بها الكائن لنداء الفناء،ما دامت النهاية أمر لا مفر منه.
وفي الحياة الإنسانية نماذج سلوكية تتساوق مع الحياة الفطرية،حيث تستجيب الجماعات البشرية منذ فجر الإنسانية لنداء الفطرة في الطموح وجمع المكاسب وتجنب الضرر إلى اتباع السبل التي تدفع إلى البحث عن أسباب الحياة الكريمة،وتجنب الأخطار،وعندما تستشعر الخطر من مجاعة محتملة أو واقعة،أو حروب أو خطر داهم لا قدرة لها على مواجهته،أو الأفعال المحكومة بدائرة من السلوك الاختياري وحرية الإرادة،فإن المقادير والجبر والقدر المحتوم هو الغالب المتحكم في المآل والمصير،ولكن المتأمل في صروف الحياة،وتقلب الحدثان يلحظ وجود دائرة نسبية من الاختيار في حدود القدرة العقلية والهداية القلبية التي أناط الله بها المصير والمسؤولية عن الفعل.
الهجرة البشرية ظاهرة أزلية محفوظ تاريخها في صفحات الجزيرة العربية المطوية والعلنية،ويبدو الأمر وكأنها هي القاعدة والسكن والبقاء في المكان هو الاستثناء،الهجرة تعبير عن دايناميكية الفكر والفعل الفردي والجمعي،كان من أعظم نتائجها وآثارها الحضارات العظيمة التي أقامتها الشعوب الآرامية التي خرجت في دفعات متوالية إلى بلاد الهلال الخصيب(العراق وسوريا وفلسطين) إذ لم يكن في غابر الزمان قبل عام 1924م كيان إسمه الأردن وقبل عام 1942م لم يكن لبنان قد انعزل عن أصل وجوده ونصفه الآخر سوريا الكبرى،فالموجود منذ الأزل هو العراق وسوريا الكبرى،وتضم ميادين الهجرات الآرامية والعربية بالإضافة إلى وادي النيل،وبلاد المغرب شمال الصحراء وجنوبيِّها،فإفريقيا سميت على اسم أفريق ابن قيس،كما يذهب السهيلي شارح سيرة النبي صلى الله عليه وسلم المعروفة بسيرة ابن هشام،في كتابه:الروض الأُنُف،فلم يوجد في التاريخ القديم إلا أرض وموطن الحضارات الدينية التوحيدية في الجزيرة العربية وما حولها،وكل ما عداها طارىء مستحدث،وذلك منذ الألف الثالثة قبل ميلاد المسيح،ثم الهجرات العربية في القرن السابع الهجري.
أشرف هجرة

حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ عَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيَّ يَقُولُ سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى الْمِنْبَرِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:" إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ."(الحديث متفق عليه واللفظ للإمام البخاري.)هذا الحديث من أخبار الآحاد قال عنه العلماء إنه ثلث العلم، كما ورد في فتح الباري لابن حجر العسقلاني.(وَاتَّفَقَ عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ وَالشَّافِعِيّ فِيمَا نَقَلَهُ الْبُوَيْطِيّ عَنْهُ وَأَحْمَد بْن حَنْبَل وَعَلِيّ بْن الْمَدِينِيّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيّ والدَّارَقُطْنِيّ وَحَمْزَة الْكِنَانِيّ عَلَى أَنَّهُ ثُلُث الْإِسْلَام.)
عند ذكر الهجرة تأتي الهجرة النبوية الشريفة من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة على رأس قائمة الأحداث التي تعالج الانتقال من مكان إلى مكان، فقد كانت بداية لتاريخ إنساني جديد، وفتحًا من الفتوح الربانية،كيف لا وهي لم تقع إلا بعد أن أذن الله تعالى لرسوله بها،فبالنسبة للنبي لم تكن الهجرة سلوكًا إنسانيًا اختياريًا عاديًا وإنما هي حدثٌ فارقٌ بين عهدين،فاصل بين عصرين،وكان من أهم نتائجها أن وجد الرسول عليه وسلم ملجأً آمنًا بيثرب،ووجد في اهلها أنصارًا أخذ عليه ملاعهد أن يحمون مما يحمون أنفسهم وذراريهم،وصل إلى مدينتهم بعد أن بدَّل الإسلام حياتهم من العداوة المستحكمة إلى التآخي والتكافل والتسابد،ومن ظلام الجاهلية إلى نور الإسلام،فتحولوا إلى أنصارٍ لدين الله ولرسوله،وكان من الميسور أن يبدأ في تأسيس الدولة الإسلامية على قواعد وأحكام الدين الجديد،وأن يباشر الوظيفة الأساسية لحماية الدين وأهله وهي الجهاد ومقارعة الباطل جسديًا وروحيًا ونفسيًا وإعلاميًا،وبهجرة النبي والمسلمين من مكة إلى المدينة صارت الهجرة فيصلاً بين الإيمان والكفر حتى فتح مكة.،وحينها قال الرسول صلى الله عليه وسلم :"لا هجرة بعد الفتح،ولكن جهاد ونية."
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَدَّثَنِي مَنْصُورٌ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا"(الحديث متفق عليه واللفظ للبخاري)ورواه أئمة الحديث.
الهجرة النبوية كانت بداية منهجية وعملية ومقدمة ضرورية لحركة إنسانية كبرى وقعت أحداثها بعيد انتقال النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى،وهي الهجرة الإسلامية الكبرى هي التي حملت نور الإسلام (الدين الخاتم)وسيرة نبيه صلى الله عليه وسلم إلى أركان المعمور من الأرض،وتحقق معها قول الله سبحانه وتعالى مخاطبًا نبيه: ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ.) (الأنبياء 107) ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (سبأ 28).

أجيال الهجرة والاغتراب في الشعب الفلسطيني
في كل عام مع بداية موسم الإجازات الصيفية،يجتهد كل من له وطن بالتحضير لقضاء العطلة في منزله،حيث يجتمع بالأرحام،وتلتئم العائلات المتباعدة في رحاب الأرض التي تنتمي إليها،ويبادر كل من يمتلك المال والإمكانات من أهل بلاد الطبيعة الجغرافية الصحراوية،والظروف المناخية القاسية إلى الإعداد للرحلة السنوية إلى بلاد الفرنجة وغير الفرنجة،في هجرة روتينية أصبحت جزءًا من حياتهم،ثم يعودون إلى استئناف حياتهم في أوطانهم،وتمر السنون،والعقود،وتتعاقب الأجيال،وكأن هذا النمط المعيشي أصبح سلوكًا ثابتًا تكيفت له الجينات المتحكمة في الوراثة وما يصدر على الإنسان من سلوك.
كل هذا يحدث في الشعب الفلسطيني الذي استحكمت عليه قيود السفر في المنافي والشتات،وحيث اختار بعض من قياداته،ومن يزعمون بتمثيله أن يؤبدوا غربته،دون أن يلوح في الأفق خروج من دائرة التمزق،وأشد ما يكون وقع هذه الحالة على الأوساط المعوزة التي سحقتها بعض الظروف القاهرة مما يحدث من وقائع الزمان،فالأسرة التي فقدت عائلها،والآباء والأمهات الذين حرموا من الولد الذي يرعاهم في كبرهم،والأيتام وضعاف الناس من الفقراء ومحدودي الدخل الذين طال بهم المكوث في بلاد الغربة ،وأرهقتهم تكاليف الحياة من رسوم الإقامات وتكاليف السفر وتصاريح العمل والمصروفات التي لا تحصى ،دون أن يكون لهم دخل يواجهون به شؤون الحياة المتقلبة ،ف عالم تزداد فيه ضغوط الأزمة المالية،وتسع الفروق بين من يقدر ومن لا يقدر،ومن يملك ومن لا يملك.
أكتبُ لأبنائي وأحفادي من الجيلِ الجديدِ من الشعب الفلسطيني البطل،أكتبه للصغارِ الذين يَتَحرقونَ شوقًا إلى رؤيةِ بلادِهم الجميلة الفاتنة،أُسْوَةً بكلِّ أطفالِ البشر،أجملُ البلاد وأغلى الأوطان،وأعزُ مكانٍ على وجه الأرض التي حُرِموا منها بسبب اتفاقيات (سلام الحروب،وحروب السلام) الذي جاءت به اتفاقيات أوسلو المشؤومة وثبتته في اتفاقية المعابر عام 2005م لتصبح واقعًا دجماتيًا يغطي قسوة القلب وفساد الضمائر التي تواطأت على بيع وطن غيرها،وقسمة أرض لا تقبل القسمة،والتفريط في كيان الله وحده من يتصرف فيه ويقرر مصيره.
هل يتصور إنسان يعيش في عالم اليوم في عصر العولمة والانفتاح وحرية الحركة والتنقل المتوفرة لكل البشر أن هناك بشرٌ فرضَ عليهم السلام أن لا يزوروا أقاربهم وأرحامهم مدة تزيد على العشرين عامًا،أي شرائع تلك التي تحرم الإنسان من غرس يديه؟ومن ثمرة كفاح آبائه وأجداده؟وأي سلام هذا الذي يفرض حصارًا على شعبٍ لإرغامه على قبول سلامٍ ممزوجٍ بالذل ؟سلامٌ تحتَ التهديد الدائم بالحرب والقتل والتدمير والتجويع.
ما أكتبه هو تعبيرٌ عن حقٍّ إنساني ثابتٍ للإنسان في وطنه،حق لا يمكن إنكارُه أو تجاهله،وإن حدث ذلك لمدة من الزمن،بتأثير عوامل تحاول أن تتدخل في فعل السنن الضابطة للكون؛لتحرفها عن مسارها،أو نتيجة لتكاثر بعض القوى التي قد تظن أن في إمكانها وطاقتها التدخل لشخصنة العلاقات السببية العلية المؤثرة في طرق الاستدلال العلمي،أو الالتفاف على مسار فعل السبب في النتيجة،أو أن ما يحدث في بعض بلاد العالم يمكن أن ينسحب على الأرض المقدسة المباركة وعلى أهلها،فإنه واهمٌ أشد الوهم،مخطىءٌ أفحشَ الخطأ،فلسطين يمكن أن تُحتَلٌ،يمكن أن يقصر أو يطولُ زمن حصارها أو محاولة إذلالها أو تقسيمها أو العبث في وحدتها،يمكن أن ينسحب عليها فعل بعض قوانين الفعل البشري الانحرافي المتمثل في السلوكات السيكوباتية أو المصالحية الذاتية،لكنها لا تدوم إلا للمسلمين المؤمنين المجاهدين،إن ما يحدث فيها حاليًا ابتلاء واختبار وتمحيص نهائيٌّ للمسلمين والمجاهدين على أبواب الساعة،ولكن من المستحيل أن تذل ويفرغ المجرمون من أمرها،فلن تلبث هذه القوى أو العوامل أن يصيبها الكلل والوهن والقصور الذاتي الكامن في خصائص السلوك الإجرامي والانحرافي للطبيعة الإنسانية المنسوبة إلى النقص،لا تلبث حتى تفعل فعلها في القصور والنقص والوهن والخور،إن بعض نتائج ما قام به اليهود الخزر الأغراب يحدث في إطار سنة إلهية تتحكم في العلية السببية التي تربط السبب بالنتيجة،وهذا أمر عام في كل فعل يثقوم فيه أي إنسان بضبط شروط التجربة وممارسة الصرامة الوضعية من منطلق موضوعي صرف،وكل ما يشاهده العالم اليوم وأولهم شعب فلسطين مما هو ماثل فوق تراب وطنهم يصب في هذه الحقيقة العلمية الموضوعية،ولو قام بشر آخرون بما قام به اليهود فإنهم وبنسبة كبيرة من الاحتمال العلمي كانوا سيصلون إلى نفس النتائج،فعناصر الوطن الفلسطيني الطبيعية على/في الأرض والجو والبحر والمحيط البيئي عناصر تستجيب موضوعيًا لكل عمل منظم يقوم بتنظيم العلاقات وفق شروط المنهج العلمي ،ولكن لفسطين الأرض المقدسة المباركة بعدًا آخر لا يمكن للغزاة من فهم عمقه وأبعاده،وهو أنها ممتنعة قدرًا ومصيرًا على غير السنن الإلهية التي حددت لهذا المكون الطبيعي الممتد في صبابة وولَهٍ على شاطىء بحر يقاس كل شىء طيِّبٌ على وجه الأرض على ظروف بيئته،وهناك مجموعة العناصر الروحية والدينية التي امتزجت لتكوِّن بيئة ثقلفية من نوع لا يدركه كل متطرف في الإفساد والفساد والتجاوزات الفكرية،ويبقى أحرار شعبها،وأبطال أهلها ومجاهدو الإسلام ثابتين على الحق لا يهمهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك،ويبوء كلٌ بعمله،ويُبعثُ على نيته.
سنن الوجود،وقوانين العدالة،وقواعد الفطرة،والمبادىء الأُولى التي اكتشفها الإنسان الأول مع بداية رحلته في طريق الهداية والنور والحرية والوعي وإبداع التمدن وبناء الحضارة،كلُّها تؤكد أن بداية مشوار الإنسانية بدأ بفلسطين،ولم يشهد تاريخ حياة الإنسان منذ الأزل كيانًا يُسمى إسرائيل،حالة الوعي الإنساني التي تختزن خلاصات التجارب الإنسانية العامة تقول إن (إسرائيل) اسم للنبي المسلم يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل،على نبينا وعليهم جميعًا أزكى الصلاة وأتم التسليم،وأول من يؤمن أن لا علاقة لهذا الكيان الصهيوني اليهودي الغريب بالنبياء المسلمين من بني إسرائل هم هؤلاء الذين أتى بهم الله لفائف لفائف لينفذ فيهم وعد الله.
ربما اكتسى جسد الحضارة الإنسانية بطبقة من القاذورات بتراكم العرق،ومن الممكن اتساخ هذا الجسد واعتلاله،ولكنه أبدًا يعود إل ترميم ذاته،إن في أصل خلقة الكائن الإنساني الحضاري نفور من الخبث والزيف والدجل والتزوير،إن هذا الجسد المسمى زورًا وتضليلاً (بإسرائيل أو الكيان الصهيوني)هو من قبيل الخبث والدرن والقاذورات التي تعلو نصاعة وطهر الحياة الإنسانية الطاهرة الصاعدة أبدًا ،والباحثة عن النقاء والحق والجمال والحرية والقيم العليا التي ناضلت الملايين في سبيلها،ويرفض منطق الشياء أن ينتصر الشر على الخير ،والباطل على الحق،والتزوير على الحقيقة،والصواب على الخطأ، والظلام على النور.
ولن يطول الزمن حتى ينتفض الجسد الإنساني،ليلقي جانبًا الأدران التي علقت به،ويفعل كما يفعل الجمل الأجرب حينما يعمد إلى التمرغ في الصعيد الطاهر ليتخلص من حشرت القراد الملتصقة بجلده،أو يقترب من أغصان الأشجار العالية أو يستعين بالجدران والحجارة الخشنة ليفرك بها مناطق العطب في جسده فتذهب قشورًا تتحلل إلى أصلها الطيني.
الأرض المقدسة،الأرض المباركة،بلادنا فلسطين سوف تتخلص من بؤر الجرب الذي رزئت بها،وسوف تنتفض انتفاض الفطرة الطاهرة الخالصة النقية لتخلص نفسها من القاذورات التي استهانت بطهرها،وتبكُّ الخبال الذي حاول أن يشوه طبيعتها الطاهرة النقية.
حقوقنا في وطننا حقوق ثابتة ولا تسقط بتقادمِ الزمان،وتتابع الحدثان،وتقلب الدهور،وكرِّ العصور،ولن تنجح كل قوى البغي والتجبر والطغيان في حجبها ومنعها عمَّنْ يجاهدون في سبيل الوصول إليها.
ما أكتبه موجهٌ للأحرار والأبطال والثوار،أكتبه لمن لديه القوة والعزيمة والجرأة والإرادة لقول كلمة:لا !،يرفعها في وجه كل عدو أو متخاذل أو هابط أو متآمر أو جاسوس أو سمسار أو عميل كان له دور في تفتيت وحدة الشعب،وتزييف نضاله،وضياع حقوقه،والتمكين لليهود المجرمين المحتلين الغزاة من أرض الوطن ،بالاعتراف أو بالمفاوضات أو بالسكوت،أو بالتخابر معهم أو بتوفير المعلومات عن الجاهدين وتقديمها لهم تحت كل المسميات الباطلة المستفزة.
أكتبه وأنا أعلم تمام العلم أن معظم من يتسمون برؤوساء وزعماء وقادة وممثلو جمعيات أو اتحادات أو أحزاب أو منظمات لا يجيدون قراءة ما أكتب،وإذا كانوا يجيدون؛فإنهم لا يفهمون ما يقرؤون،وإذا فهموا لا يتوفر،فإنهم لا يملكون العزم ليلتزموا،وإذا توفر العزم والإرادة فإن قفص التسوية المذلة التي حشروا أنفسهم فيه يمنعهم من الحركة والفعل الحر الذي يرتفع إلى مستوى خطورة قضية وطن تغزوه قوى الإفساد والتخريب اليهودي الصهيوني.
فلسطين والهجرة
يا أبنائي وأحفادي وأحبتي من الأجيال الجديدة في الشعب المشتت :
بلادكم فلسطينُ ممنوعةٌ من الصَرف لغةً واصطلاحًا،ممنوعةٌ من الصرف لغة لأنها عَلَمٌ من الأسماء نزل اسمها من السماء،الله خالق السموات والأرض صورها وباركها وطرحها على شريط يتمدد شرقًا حتى يغوص في عمق جزيرة العرب التي قطع الإنجليز أوصالها ليعزل وحداتها عن مد يد العون إلى مسرح حياة أجدادهم في الرض المقدسة،نهاية كل رحلة هجرة من قبائل الجزيرة العربية موطن الرسالات والحضارات،وموئل الشرف والكرامة والنفة والشجاعة والمروءة،ولكي يحرموا أهل الجزيرة من تكوين صورة حقيقية عن وحدة الأرض التي اقتطعوا أفضل وأجمل مأغنى وأغلى ما فيها ،ويمنعوا عنها عمقها التاريخي والحضاري والنفسي من أن يرفدها أو ينجدها أو يساعدها أو يمد لها العون لها.
فلسطين أرض لا تنْصرِفَ لغيرِ الحق الذي خلقها الله له،خلقها لتكون مسرى نبيه ومعراجه،ولتكون أرض الأنبياء وموطن القداسات،ممتنعة وممنوعة ومتمنعة أن تحمل على أديمها النجاسات والإجرام اليهودي،ولو استقرت واستقامت وركنت إلى الدعة والخنوع لهم مدة من الزمن مقهورة أعياها الصدام،كليلة محرومة من نصرة الأعوان والإخوان،بعيدة في أسر التغريب،ولكنها أبدًا لا تستكين،إنها تتمنع على القسمة على غير الواحد الصحيح،وهذا الواحد الصحيح هو أهلها وشعبها الباقون على العهد،الصامدون الصابرون العاملون المجاهدون،ولن يكون اليهود الغزاة الأغراب المحتلون وحلفاؤهم وأعوانهم ومن تطابق منهجه مع منهجهم،أو يسر لهم التمكن من أرض الوطن أهلاً لها مهما طال الزمن.فلسطين:هي الأرض المقدسة،والأرض المباركة،وهي المبدأ والمآل،وهي الحقيقة الخالدة،وكل ما عداها طارىءٌ زائلٌ.
وَطَنٌ أم دولة؟
شَتَّان بين الوطن والدولة،الوطن مشتق من المواطنة أو الإيطان وهو البقاء في المكان،والدوام عليه،والولة من الدوال أي التقلب والزوال .
وإذا كان الهدف وطنًا،فما نوع هذا الوطن؟هل هو مثالٌ تصوريٌّ؟أو حقيقة واقعيةٌ؟وإذا كان حقيقةً واقعية،فهل هو حقٌ لكل الشعب ينتقل تلقائيًا من خلال أجياله،أم إرثٌ مخصوصٌ لفئة معينة؟
الوطن باقٍ والدولة زائلة،الوطن هو الأصل وهو الباقي والسلطات والمتسلطون عوارض ومآلهم إلى فناء واندحار،لن يجتمع الشعب الفلسطيني على دولة أو سلطة أو نظام سياسي أو حل الدولتين أو الرباعية أو الخماسية أو غزة والضفة أو حزب فلان ومنظمة علان أو جبهة كذا ومنظمة كذا،لن يجمعهم إلى هدف واحد له اسم واحد وتعريف واحد،إنه الوطن،ولن يكون الوطن غير فلسطين، الأرض المقدسة الخالدة.
على هذا يجب أن تجتمع قلوب الشعب الفلسطيني الحقيقي الذي جاهد وصبر وتحمل وضحى في سبيل العودة إلى الوطن الباقي أبدًا حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
فيا أيها الأبناء والأحفاد من الجيل الذي لم تكتحل عيونه بالعيش في الوطن كونوا على قلب رجل واحد،ولا تخدعكم الشعارات والأقوال الجوفاء،ولا تتشتت بكم السبل عن الطريق المؤدي إلى الوطن .الوطن أولاً والوطن آخرًا. ولا شىء غير فلسطين.
(... والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.)(يوسف 21)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.