Le juge et la matraqueالقضاء يستنسخ العصاRaouf Ayadi وأنت تشاهد صبيحة يوم 15/12/2007 البوليس ينتشر داخل المحكمة وخارجها وحواليها بجميع فرقه، بعصيّه وخوذاته اللامعة كأحذيته وبكلابه المتحفّزة "المتنرفزة" بأسلحته المُشهرة، بسيّاراته بدرّاجاته وأجهزة الاتصال... تتساءل ماذا أبقت الثكنة للمحكمة، وهل السلطة بصدد إعداد محاكمة أم مصادمة ؟ وأنت تشعر بحركة البوليس حامل الزي المدني وهو هنا وهناك، بالداخل والخارج فوق وتحت، أعينه متفرّسة للوجوه تبحث عن فريسة من صحفي غير مرغوب في حضوره أو حقوقي "خائن" لوطنه. وإن لم يجد من يطلب يستمر على إرسال إشارات الخوف لمن لم يبد منه علامات كافية ... تتساءل مرة ثانية من هم المستهدفون للعقاب، المحالون على المحكمة ؟ أم الواقعون تحت أنظار الثكنة ؟ وأنت تعاين تقسيم الفضاء وفق نهج يعتمد تقليص دائرة المباح عبر توسيع مساحات الممنوع إلى ما يشلّ الحركة حتى "حركة الوقوف" ! تتساءل مرة ثالثة كيف غفلت مجلة الطرقات عن تخصيص باب "للسجون الهواء الطلق". وأنت تسمع بكاء امرأة متحجّبة منعت من دخول قاعة الجلسة لحضور محاكمة ابنها، وقد حال بينها وبين الباب الحديدي "ضابط الممنوع" طويل القائمة حاملا لشعار ونجوم ! لا تتساءل مرة رابعة عما بقي من الحقوق. وأنت تخترق حواجز البوليس حاجزا حاجزا وعباءة المحاماة بيدك باحثا عن أنقاض العدالة بقصرها، أجدك في قاعة غصّت بالبوليس وحتى بمساعديه من الزملاء والزميلات ممن استجابوا لشعار البولسة الشاملة. ولا تطول متابعتك لجلسة- رفض فيها المتهمون الوقوف للمحكمة- حتى تشكّل فجأة مشهد العصيّ السود ترتفع بأيدي البوليس ليهوي بها على رؤوس المتهمين الذين أجلسوا على مقاعد لا تبعد سوى مترين وبعض المتر على هيئة المحكمة التي لم يبالي رئيسها بأصوات الصياح والاحتجاج واستمرّ على تلاوة قرار الإحالة ولو بالاكتفاء بتحريك الشفاه "إذ لا صوت يعلو على صوت المعركة !" فقد قنع المسكين بفضاء تقوقع داخله لا يتعدى ما يجلس عليه ويضع عليه يديه من خشب المجلس ! ومن اشترى القناعة بالشجاعة فرّط في سلطانه ونزع تيجانه. وأنت تعيش هذا المشهد، لا تتساءل مرة خامسة، بل تدرك بأنّ إجراءات المحاكمة تسطّرها عصا البوليس بالتقليص ثم التقليص وأنّ التعليمات في عهد "حكم العائلات" بأحكام القدر تشبّه لا يجدي معها فقه ولا تفقّه، وأن لا خيار "لعاقل" بين اللعنة والنعمة. لا محكمة هي ولا هو رئيس، وإنّما بوليس ثم بوليس، وعصا تسطّر ما غفلت عنه المجلاّت والمدوّنات من إجراءات "اختطاف ثم تعذيب وتدليس ثم سجن و"تأديب" ثم عقاب البوليس ينطق به "رئيس". لا مجال للحكم بعد اليوم ! القضاء يستنسخ العصا – ولكلّ إنجازاته- فإذا اختار علماء الغرب استنساخ "النعجة دولي" فلا حاجة لنا نحن باستكثار النعاج وقد سبقناهم بإقامة "دولة النعجة" لها الغُنم والحُكم ! والله أعلم.