إن نسي البعض - أو تناتسى- أهوال ما سلط على مساجين الرأي و السياسة من اضطهاد و تننكيل و تشف، فإن كل ما حولي- و من حولي- يدكرني صبح مساء بصفحة بائسة كالحة السواد خطها دعاة ا"التمدن و التحرر و التقدم" و كل الشعارات الجميلة التي لا أثر لها في واقع البلاد و العباد.. و إن سلمنا جدلا أن مساجين الرأي و السياسة قد ارتكبوا في حق البلد ما يبرر حبة خردل مما سلط عليهم من أصناف التعديب – و ليس هناك ما يبرر معشار حبة من خردل- فإن من الإجرام الدي لا ريب فيه و لا شك أن تمتد تلك الأصناف من التعديب لتطال كل من له صلة من قريب أو بعيد بسجين الرأي و السياسة من أقارب و جيران و زملاء و آخرين قدر لهم أن يتقاطع حين من أعمارهم مع حين من عمر سجين رأي في مكان ما من أرض بلدنا الحبيب.. و قاعدة العباد و من قبلهم رب العباد "أن لا تزر وازرة وزر أخرى".. و من الطبيعي أن يكون ضمن عشرات الآلاف من الرجال و النساء الذين لحقتهم يد القمع فعرفوا المعتقلات و فضاءات التشفي.. من الطبيعي أن يكون من بينهم من ترك زوجا في مرحلة من مراحل الحمل.. و تابى سنن رب العباد أن تتوقف.. و لعل مريم بنت أخينا عبدالحميد الجلاصي أولى المواليد و المولودات بعد إيقاف الأب... حرم عشرات الرضع و الولدان من الرعاية الصحية التي يتمتع بهاأترابهم، بل إن مسلسل الإرهاب طالهم و بعضهم لا يزال مضغة في أحشاء أمهاتهم بفعل تلك الاقتحاماتت التي كثيرا ما كانت تقع مع تقدم الليل أو قبل ساعات الافجر الأولى و ما يصحبها عادة من تهشيم للأبواب و عبث بتجهيزات البيوت و بعثرة لما فيه بحثا عن أشياء وهمية لا وجود لها إلا في عقول المقتحمين و من وراءهم... و إن كان غير هؤلاء الرضع و الولدان قد قدم إلى الوجود بين نغمات الموسيقى الهادئة و رعاية طبية متواصلة و في أحضان أبوين لم يبخلا بشيء في سبيل توفير أفضل الظروف الممكنة لولادة طبيعية تاجحة فإن ولداننا لم يعرفوا طيلة سنوات طويلة غير ظروف يسودها الإرهاب و الرعب و سعي متواصل من أجل تفكيك تلك العائلات الصابرة المحتسبة و تدميرها.. و في هدا السياق أجبرت العديد من الأمهات على تقديم قضايا في الطلاق تحت الضغوط المختلفة التي كانت تسلط قبل موعد كل زيارة و بعده.. و لا شك ان اهتزازا نفسيا عميق الأثر يلحق القتى أو القتاة مهما حاول المحيط التخفيف من وطأته... و إن كانت معاول الهدم لا يبخل عليها بشيء تقتضيه عملية التدمير الممنهجة للعائلات ففي المقابل هناك معاول للبناء.. كانت هناك تلك البطلات اللاتي لن ينصفهن إلا رب كريم ..كانت هناك تلك الأمهات ... يسهرن الليالي من أجل رفع تحد لا يقل عن تحد آخر نذر له أزواجهم أنفسهم... فإن كانت معاول الهدم كثيرة، متنوعة، ذات إمكانات جبارة لم يكن لهذه الأمهات غير يقين واحد لا يتزحزح: "اعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك".. فنذرن أنفسهن لمواصلة الطريق: شد أزر رجل وراء القضبان يراد كسر روحه المعنوية فكان من الضروري التصدي لذلك...كما انبرين للعمل من أجل تربية أطفال حرموا من أبائهم و من حنانهم و عطفهم رغم ضيق ذات اليد.. فحرصن أشد الحرص على تعليم أطفالهن و أنفقن في سبيل دلك ما أمكن لهن... و إن كانت تلك الأمهات قد أرضعن أطفالهن حب دين و حب بلد و التضحية من أجلهما فإن آخرين أرضعوهم حقدا مقدسا على الطغاة و الظلمة و العابثين بدين ارتضاه رب العالمين لعباده و العابثين بوطن أرادوه ضيعة خاصة لهم و يأبى هو إلا أن يكون لكل أبنائه... هل يعلم الآن من يملك الجرأة فيتحدث عن حقوق الطفل و عن حقوق المرأة و غيرها من الحقوق و كأننا نعيش في أرقى الديمقراطيات أن مريم بنت عبدالحمبد الجلاصي و كدلك أروى و إسلام و تقوى و منصف و أمل و الطيب و سارة و عبدالباسط و براءة و مريم و منى ونهاد وسمية أن هؤلاء جميعها و غيرهم كثير قد حرموا من لمسة بسيطة من أبائهم طيلة أكثر من عشر سنين بالنمام و الكمال؟؟؟ هل يعلم أولائك الذين لا يستحون أن هؤلاء الأطفال لم يكن لهم الحق في رؤية ابائهم إلا من وراء حاجزين و لا تقل المسافة الفاصلة بيتهم و بين ابائهم عن منر و عشرين و تحت سمع و بصر حارسين-إن لم يكن أكثر- يعدان الأنفاس كما يعد حارس آخر دقائق الزيارة في الوقت الدي كان يسمح فيه لمساجين الحق العام بزيارة ذويهم مباشرة و دون حراسة تذكر؟؟؟ و تمر الأيام تترى...و يكبر هؤلاء الأطفال... و يتواصل حرمانهم من حقوق شتى... كما حرم أباؤهم من حقوق كثيرة منذ أكثر من ثلاث عقود، و لا يزالون كذلك-
و هل يملك المرء أخيرا إلا يتوجه إلى تلك الأمهات بالتحية الخالصة على ما بذلن من جهد من أجل تنشئة صالحة لفلذات أكبادهن في زمن شعاره الرداءة بكل معاييرها.. كما لا يملك المرء إلا أن يحيي هؤلاء الشبان و الشابات الذين لم ينل من عزمهم ظروف يشيب من هولها الولدان... و هل يملك المرء قبل هذا و ذاك إلا أن يحمد من كان خليفة في المال و الأهل و والولد؟؟ و أخيرا هل يجني من يبذر الشوك غير الجراح؟؟؟؟