في مثلِ هذا اليوم في الأوَّل من يوليو لم تشفع قيم الإنسانيَّة ولا رقَّة الأُنوثة ولا حنان الأمومة ل"مروة الشربيني"، ولا حالت دون أن تغتالها خناجر الغدر لرجلٍ أوروبيّ تعبَّأ بالحقد الأعمى في قارة اتَّخَذَت من الإسلامِ عدوًّا بعد سقوط الشيوعيّة! في مثلِ هذا اليوم سقطت دعاوى التَّسامُح وقبول الآخر وحوار الحضارات والأديان، وفقد الزَّوج زوجته، والطفل الصغير أمَّه، والعائلة ابنَتَهُم، والبلد مُوَاطَنَته، وخرج المُجرم بأقلِّ الخسائِر بدعوى الجنون والاختلال العقلي, وهو وسيلة نجاة كلّ مَن يرتكب جرْمًا ضدّ المسلمين, من أوّل شخصٍ حَرَقَ المسجدَ الأقصى إلى مَن قَتَل الرُّكَّع السُّجَّد في المسجدِ الإبراهيمي في فجرٍ رمضانيّ، وما بين هؤلاء وبعدهما جنون مدّعى وممتد, وضحايا بالملايين. عالية.. المحجبة ولكن في عتمةِ اللّيلِ واشتدادِ الأَزْمَة يأذنُ الله بالمنحة مَقرُونَة بصبرِ المُحَجَّبَات في أوروبّا وتمسُّكِهِنَّ بفرائضِ وسننِ الحِجاب، وتمسُّكِهِنَّ من قبل ذلك بحريّة الخيار والقرار، ولو كانَ ثَمَنُهُ مقعدًا في برلمان كما حصل مع (مروة قاوقجي), أو جامعة كما يحصل مع المحجبَّات التركيَّات, وغيرهن, أو وظيفة حكومية أو أي مغنمٍ حياتيّ. في ذكرى استشهاد مروة الشربيني تخرُج إلى العلن قصّة الطّفلة الصّغيرة (عالية) لأم أمريكيّة وأب ليبي اتفق والداها على إعطائها حرية الاختيار فاختارت الطفلة الحجاب برغم أن أمّها غير محجبة. وتقول أمّ الطفلة: "حسبتُ أنَّ (عالية) ستختار طريقة الحياة الأمريكية على العربية لما فيها من متعة وسهولة وحريّة، ولكن عالية كانت تنظر للنساءِ المحجبّات من الجالية المسلمة بإعجاب, بينما كنتُ أشفق عليهن وخاصة أيام الحر القائظ !". و قد التزمَت (عالية) بالحجاب برغم محاولات أمّها لثنيها عنه وإقناعها أنّه مجرّد تعلّق سيزول بعد وقت، ولكن عالية بفطرتها النقيّة صمدت وكانت سعيدة على حدّ وصف أمها بقرارها، متمسّكة بحجابها في المدرسة وبين أصدقائها وفي كل مكان، وتضيف الأم: "لقد كنتُ أرى عالية برغم حجابها ولباسها الساتر أكثر مرحًا وانطلاقًا على البحر وفي الحديقة من فتيات بسنها يلبسن "البكيني" ولا يستطعن الحركة بحريّة". إنّ قصّة الطّفلة عالية المنشورة على موقع أوبرا وينفري (الإعلاميِّة الأمريكيِّة الأكثر شهرة) لتحمل في طيّاتها العديد من الدروس أولّها أن أوروبا وأمريكا ليست مغلقة برغم التضييق على الإسلام والمسلمين فما زال هناك فسحة للدعوة والتبليغ، ولكن التحدّي الكبير في اختيار الوسيلة وطريقة الخطاب، فأوبرا كغيرها من الإعلاميين الأمريكيين تركّز على سلبيات الإسلام وقد صوَّرَت حلقات في العالم العربي أظهرت النواقص والنقد اللاذع، ولكن مع ذلك قام موقعها بنشر هذا الموضوع عن عالية والحجاب من باب التعددية واحترام خيار الإنسان، وهذا يجب أن يكون الأساس في خطابنا مع الآخر بالتركيز على حرية الاعتقاد وما يتبع ذلك من حرية أداء الشعائر واللباس. حقيقة الحجاب إنَّ على المحجبَّات أن يُظهِرنَ للعالم حقيقة الحجاب وأنَّه ليس غطاءً للرأس وحسب, بل عبادة وأخلاق باطنة في النفس وأخلاق ظاهرة في المجتمع، وكما صلاة وصيام المرأة المسلمة عبادة, كذلك صدقها وتفوقّها العملي والعلمي وحسن جيرتها وعفّة لسانها، ووجهها البشوش المستبشر، والتزامها بالنظام والقانون، كلّها تَحمِل مفهوم الحجاب التكاملي الذي يصبح هويّة وطريقة حياة وبطاقة تعريف لا ترى المرأة نفسها إلا به. ولا رَيْبَ أنَّ الحجاب ينتشر في العالم، ولكن كثيرًا من المحجبات ينتقصن منه، فالحجاب طاعة لله لا طاعة للهوى ولا خلط بينهما، وبُعد عن الإغراء وصيانة للنفس والمجتمع، وهناك فرق بين من ترتدي الحجاب وبين من تلتزم به فلا يصحّ أن يجتمع الحجاب مع اللباس الضيق والزينة الظاهرة والخضوع بالقول مع الرجال بحجّة الزمالة أو غيرها لأنه بذلك يفقد معناه والمقصد من ارتداءه. رسالة أخيرة لغير المحجبّات اللواتي قد يفكِّرنَ أنَّ أخواتهنَّ المحجَّبات يُقمن حواجز ضدّهن أو ينظرن لهنَّ بنظرة اتّهام في العرض والأخلاق، وهذا ليس صحيحًا فالأصل في المحجبَّة أنّها تحبّ الخير للجميع، وتحسن الظن في كل الناس، وترى أنَّ أخواتِها النِّساء جميعًا جُزء من عرضها الشخصي، والانتقاص منهنَّ انتقاصٌ من شخصِها, ولا تقبل لهنَّ ما لا تقبله لنفسها، كما أنَّ على المحجبة أن تديم النصح والعلاقة بالمعروف، فالقلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن والهداية مفتوحة الأبواب دوما ويجب على المحجبَّات أن يكنّ مبشّرات لا منفّرات. ما بين حجاب الطفلة عالية وذكرى استشهاد مروة لأجل حجابها سؤالٌ لكلّ محجبّة أنْ ماذا قدّمَت لحجابها في الوقت الذي ضحت مروة بدمها لأجله؟