حين قال وزير الصحة إنه تم ضبط 800 صيدلية خلال الأشهر الخمسة الماضية تبيع أدوية مغشوشة، فإنه شجعني على أن أبوح ببعض المعلومات ذات الصلة بالموضوع التي وقعت عليها قبل فترة وترددت في نشرها. لكن أما وأن وزارته دعت إلى مؤتمر لمناقشة الموضوع، وذكر في افتتاحه (السبت 4 /7) هذه المعلومة، فإنه حسم ترددي بحيث أصبح بمقدوري أن أنقل ما سمعته بهذا الخصوص من مصادر أثق في صدقها وأمانتها. قبل أن أقول ما عندي أسجل أن مبادرة وزارة الصحة تستحق التقدير. وليتها تكون بداية للتصدي للكثير مما هو مغشوش في الدواء، فلدينا أيضا تعليم مغشوش وإعلام مغشوش وقمح مغشوش وانتخابات مزورة وديموقراطية مغشوشة وتقارير رسمية مغشوشة. ولا أريد أن أزيد حتى لا أقع في الغلط. عندي ملاحظة أخرى أود تسجيلها، وهي أننا حين نتحدث عن 800 صيدلية تبيع دواء مغشوشا (من بين 52 ألف صيدلية في مصر). فليس معنى ذلك أن كل الصيادلة فاسدون، وإنما معناه أن ثمة فسادا يتفشى في مهنة الصيدلة، شأنها في ذلك شأن المهن الأخرى التي تراجعت فيها قيم العمل، وأخلاقياته، تماما كما هو حاصل في منظومة القيم السائدة في المجتمع المصري، الذى يعاني التفكيك وانكسار مؤشرات القيم الإيجابية منذ سنوات «الانفتاح» في السبعينيات. أما خلاصة المعلومات التي عندي بخصوص الموضوع فهي كالتالي: -إن مصر تشهد الآن تناميا في ظاهرة مصانع الغش والتقليد الصغيرة التي يطلق عليها مصانع تحت الدرج أو بئر السلم. وهذه تتولى تصنيع العديد من المنتجات الأخرى إلى جانب الأدوية. التي تتراوح بين أدوات التجميل والعطور والأجبان. -إن أصحاب مصانع الأدوية التي تقام في «بئر السلم» يروجون بضاعتهم من خلال صيدليات معينة بناء على اتفاقات مسبقة. ومن هؤلاء من يعقد أيضا اتفاقات مع بعض الأطباء مقابل أجور شهرية في حدود 5 آلاف جنيه، لترويج ما تنتجه من أدوية وإدراجها في بطاقات العلاج (الروشتات) التي تعطى للمرضى. -إن هناك مشكلة أخرى تتورط فيها بعض شركات الأدوية الكبيرة، التي تلجأ أحيانا إلى التلاعب في مكونات بعض الأدوية، لكي تقلل من التكلفة وتخفض من سعرها. وبهذه الأسعار المنخفضة تدخل في مناقصات توريد الأدوية التي تجريها هيئة التأمين الصحي، وتكون النتيجة أن أصحاب الأسعار الأرخص هم الذين يفوزون بعقود التوريد. وهو ما يعني أن أدوية التأمين الصحي التي تقدم للفقراء من موظفي الحكومة وعمالها تكون عديمة المفعول، إذ تصرف للمرضى لا لعلاجهم وإنما لسد الخانة ولإثبات الادعاء بتوفير الرعاية الصحية للعاملين. -من باب توفير النفقات أيضا فإن جهات التأمين الصحي لا تكتفي بشراء أدوية ناقصة التركيب وضعيفة التأثير، ولكنها أيضا تشتري أدوية منتهية الصلاحية. وتتولى توزيعها على المرضى من العاملين الفقراء. وهو ما يعرفه الصيادلة جيدا الذين يضعون أدوية التأمين منتهية الصلاحية في جانب، والأدوية غير الملعوب فيها في جانب آخر، ويصرفون الأولى لزبائن التأمين الصحي، أما المواطنون الذين لا يشملهم التأمين المذكور فتباع لهم الأدوية الصحيحة. الغشاشون يتسابقون في قتل الفقراء، وهم جميعا مجرمون لا ريب. لكن جرم المؤسسات العلاجية الحكومية ومصانع الدواء المقننة أكبر بكثير. ذلك أن الجهات الرسمية حين تمارس الغش الذي يؤدي إلى قتل الناس، حتى وإن كان محدودا، فإن ذلك يضع السلطة في قفص الاتهام، بل إنه يفقدها شرعيتها. إذ بدلا من أن تدافع عن حق الناس في الحياة، فإنها تصبح عنصرا يسهم في إهدار ذلك الحق. وهو ما أحسبه يحتاج إلى تحقيق سواء من جانب أجهزة الرقابة أو منظمات حقوق الإنسان. قال وزير الصحة إن غش الأدوية ظاهرة عالمية، وإن 10 ٪ من الأدوية المتاحة في الأسواق العالمية مغشوشة، وان هذه النسبة تصل إلى 30 ٪ في البلدان الأفريقية. وكنت قد قرأت أن أرباح تجارة الأدوية المغشوشة تصل إلى 200 مليار دولار سنويا. وهو ما أثار لدي السؤال التالي: لماذا حين يقدر لنا أن نقتبس شيئا من الخارج، فإن حظنا العاثر لا يوقعنا إلا في أتعس الممارسات وأكثرها بؤسا؟ الرؤية الكويتية الأربعاء, 7 يوليو 2010