ما قامت به محطة «سي.أن.أن» الأميركية عمل صحيح في نظري، هذه مؤسسة متوائمة تماما مع نفسها، وتعرف ما هي عليه بالضبط، والسيد محمد حسين فضل الله –رحمه الله– عدو لإسرائيل ولها، وبالتالي لا يحق للصحفية أوكتافيا نصر الإشادة به أبدا، ولو على صفحتها الخاصة في موقع تويتر، المحطة الأميركية تقدم درساً للإعلاميين العرب الذين يكررون أسطوانة الحياد المشروخة، بسذاجة أحيانا، وبمكر أحيانا أخرى! «يحزنني سماع نبأ وفاة السيد محمد حسين فضل الله أحد عمالقة حزب الله، الذي أكنّ له احتراماً كبيراً»، هكذا تحدثت الصحفية اللبنانية أوكتافيا نصر على موقع تويتر، وهي التي عملت عشرين عاما بمقر الشبكة الأميركية في أتلانتا، من محررة للأخبار الدولية حتى أصبحت واحدة من كبار المحررين لشؤون الشرق الأوسط، وما إن خطّت تلك العبارة على صفحتها حتى فُتحت أبواب جهنم وتوالت الضغوط الصهيونية لإقالتها من المحطة، بدأت صحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية المهمة بنشر القصة، ثم تلقفها مركز «سيمون ويزنثال» اليهودي الأميركي الموالي لإسرائيل، وانهالت بعد ذلك الضغوط مطالبة باعتذار الشبكة وإقالة الصحفية التي عبرت عن رأيها في صفحتها الخاصة. لم تتأخر الشبكة كثيرا، فقد أصدرت بيانا وصفت فيه تعليق نصر بالتقدير الخاطئ، وقال متحدث باسمها: إن الشبكة تعتذر عما سببه التعليق وإنه لا يتماشى مع المقاييس التحريرية للمحطة، أما باريسا خوسراوي نائبة رئيس غرفة الأخبار فقالت: إن نصْر عرّضت مصداقيتها للشبهة!!، وأصدرت مذكرة داخلية تقول إنها تحدثت مع نصر واتخذت قراراً بفصلها من العمل! السؤال الذي يجب أن نطرحه على أنفسنا هو التالي: ماذا لو أن صحفيا أو مسؤولا في شبكة الجزيرة وصف السيد فضل الله في صفحته الخاصة بالإرهابي، ماذا سيحدث؟ من المؤكد أن أمرا مماثلا لما حدث لأوكتافيا نصر سيواجه صاحب التعليق، ليس فقط لأنها تهمة كاذبة بحق علامة كبير، وليس لأنها مخالفة للحقيقة، وليس لأنها تمثل إهانة لجمهور السيد فضل الله في العالم العربي والإسلامي، بل لأنها تتناقض مع هوية المؤسسة الإعلامية، وهذا ما لا يريد البعض في عالمنا العربي أن يفهمه، لكل مؤسسة إعلامية هوية واتجاهات واضحة، لا علاقة لها بالتشدد والاعتدال، ولا بالتيارات السياسية المتصارعة فيما بينها، هوية يمتزج فيها الإسلامي والمسيحي واليهودي –اللا صهيوني– والسني والشيعي والدرزي.. إلخ، إنها هوية ثقافية حضارية عنوانها العروبة ولا علاقة لها بالإيديولوجيا والتجاذبات الفكرية والسياسية، الهوية التي تستوعب آذار لبنان بفريقيه وفلسطين بنقيضَيْها في غزة والضفة والمغاربة والمشارقة بكافة أطيافهم السياسية، والليبراليين الأميركيين العرب –وإن تصهينوا– والأكراد والأمازيغ والأفارقة في المنظومة العربية، ليس تعصباً أو شوفينية، بل لأنها الوعاء الذي يجمعنا رغماً عنا. لا غرابة أن تتخذ «سي.أن.أن» هذا الموقف بحق الصحفية اللبنانية، ولا غرابة أن تنطلق المؤسسات العربية ومنها الجزيرة من قاعدة الهوية والانتماء لما هو محيط، فما حدث لأوكتافيا نصر وهيلين توماس وإيبسون جوردان يتواءم مع كون المنظومة الإعلامية الأميركية جزءاً من المشروع الاستعماري الغربي، فيما نحن جميعا جزء لا يتجزأ من «المظلمة العربية» الكبرى المتناثرة على أجزاء هذا الجسد الكبير من المحيط إلى الخليج، ليس لأننا قوميون عرب أو ننتمي إلى تيار الإخوان المسلمين أو جيش في تيار الممانعة العربية أو رأس الحربة الإيرانية في الوطن العربي، بل لأننا عرب فقط لا غير، لا نحتاج لأكثر من ذلك! الفارق بيننا وبينهم أن هويتهم كولونيالية تقوم على الاستعمار والاستعباد والظلم وسلب الحقوق، وهويتنا ترتكز على الحق المسلوب ودفع المظالم والاستقلال، واختلاف آخر وبسيط يميزنا أيضا عن بعض، هم يكرهون السيد فضل الله لكونه مهندس تفجير مقر المارينز في بيروت عام 1983 الذي أودى بحياة 241 عسكري أميركي، ونحن نجلّه ونقدره لذلك! العرب القطرية 2010-07-11