غزة - الصمت الحزين يلف أروقة المكان، الزمن متوقف والساعات هناك بلا عقارب.. برد يعصف بالأرواح، والعيون تحترف لغة البكاء.. شبح الخوف من القادم يسكن قضبان الزنزانة يحيل ظلامها إلى ليل أشد حلكة ومرارة. في بؤرة الموت تلك ما عاد قلب الأسيرة الفلسطينية نورا الهشلمون يحتمل وصاحت في وجه السجان: "كفى". انتفضت ذاكرتها المحملة بستة تفاصيل من الحنين لأطفال اشتاقوا لأم ترتب حقائب المدرسة، تطبع على جبينهم قبلة الصباح، تناديهم بأحب الألقاب وقبل النوم ترسم معهم الأحلام وتلون الفراشات. نورا (37 عاما) دخلت في إضراب مفتوح عن الطعام منذ 12/3/2008 ردا على تمديد اعتقالها الإداري للمرة السابعة دون توجيه أي اتهام لها، وترفض الأسيرة التوقف عن الإضراب حتى يتم إطلاق سراحها وإخراجها من سجن "تلموند" الإسرائيلي. وبدأت قصة ألم "نورا" حين أقدمت قوات الاحتلال على اعتقالها من بيتها في مدينة الخليل العام الماضي وتم احتجازها في ظروف قاسية لأسابيع متتالية قبل أن تحول إلى الاعتقال الإداري، ومن جلسة محاكمة إلى أخرى تعود نورا لزنزانتها دون أن تعرف تهمتها. والزوج أسير على مقربة من حزنها يقبع زوجها الأسير سامي الهشلمون المعتقل منذ سبتمبر 2006 وكزوجته يسبح في دوامة الاعتقال الإداري، حيث مددت المحكمة الإسرائيلية اعتقاله للمرة الرابعة. أطفال نورا جسدوا الوجع بكامل تفاصيله: "فداء (14 عاما)، تحرير (13 عاما)، حنين (11 عاما)، محمد (9 سنوات)، جهاد (6 سنوات)، وسرايا صاحبة الأعوام الثلاثة.. قلوبهم تاقت لحنان أمهم ورعاية والدهم، تركوا العنان لدموعهم تنهمر كما المطر، ودوا لو يستيقظون على نهاية لسعات التمديد. نورا فقدت من وزنها الكثير، شحبت ملامحها وأنهكت الأمراض جسدها، واستوطنتها الحمى الدائمة إلا أنها ترفض تعليق الإضراب وتهدد باستمراره إلى أجل غير محدد لإجبار إدارة السجن على منحها حريتها وإعادتها إلى أطفالها الستة. صحتها في خطر مركز الأسرى للدراسات أوضح في بيان وصل "إسلام أون لاين" نسخة منه أن إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية، قلقة من توسيع دائرة الإضراب المفتوح عن الطعام في السجون تضامنا مع الأسيرة نورا. ولفت المركز إلى أن إدارة سجن النقب قامت بنقل زوج الأسيرة ومعتقل آخر بعد شروعهما بإضراب عن الطعام إلى معتقل آخر، ونفس الحال مع ثلاثة أسرى آخرين بحجة أنهم يدبرون لتوسيع دائرة الإضراب بالتدريج. وطالب مركز الأسرى جميع المنظمات الحقوقية والإنسانية وعلى رأسها اللجنة الدولية للصليب الأحمر الدولي والمؤسسات المعنية بقضايا المرأة وحقوق الإنسان للتدخل العاجل من أجل إنقاذ الأسيرة وإثارة هذه القضية على كل المستويات والضغط لإطلاق سراحها وإعادتها إلى أطفالها. ويؤكد المحامون الذين يقومون بزيارة نورا أن وضعها الصحي سيئ للغاية وأن الملح الذي تتناوله سبب لها انتفاخا بقدميها. واعتبرت مؤسسات حقوقية قرار تمديد الاعتقال الإداري للمرة السابعة على التوالي بحق الأسيرة انتهاكا فاضحا للاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني واتفاقية جنيف، محملة مصلحة السجون الإسرائيلية كامل المسئولية عن أي تدهور في وضع نورا الصحي. أين ماما وبابا؟ رئيسة الهشلمون في العقد السادس من عمرها، تمنت أن تخترق نداءات زوجة ابنها أسماع الصامتين وتحرك ضمائر العالم، وبصوت الحزن قالت ل"إسلام أون لاين": "ليت الإضراب يجدي وتخرج نورا لأطفالها، اعتقلوها من داخل البيت بلا أي تهم.. عذبوها وألقوا بها في سجون الموت". تتنهد الجدة وتعترف أن غياب نجلها وزوجته ألبسها وهنا فوق وهن قائلة: "لقد تركا فراغا كبيرا، أحاول أن أرعى أطفالهما ما استطعت، ولكن لا أحد يعوضهم عن حنان الأم وحضور الأب". وبنبرات مخنوقة تابعت: "مساكين.. الدموع لا تفارقهم.. لا يتحدثون إلا قليلا.. عيونهم على الباب تحلم بأن تهديهم طرقات من تاقوا لاحتضانه.. طفلتهم الصغيرة سرايا تنادي: ماما.. بابا". وناشدت الجدة مؤسسات حقوق الإنسان بالتدخل لإطلاق سراح ابنها وزوجته، ومساعدة أحفادها وإهدائهم حياة كريمة مثل باقي أطفال العالم. من جانبها استنكرت وزارة الأسرى في حكومة إسماعيل هنية قيام محاكم الاحتلال بتجديد الاعتقال الإداري للمرة السابعة على التوالي، للأسيرة نورا. وأوضحت الوزارة في بيان وصل "إسلام أون لاين" نسخة منه أن الأسيرة بالإضافة إلى الظروف الصعبة التي تعانيها جراء الأوضاع السيئة وممارسات إدارة السجن ضد الأسيرات والقمع والتنكيل اللذين يتعرضن له؛ تعانى أيضا من القلق الشديد على أبنائها الستة الذين تركتهم خلفها دون معيل. وشددت الوزارة على أن الأسيرات يعشن في ظل ظروف مأساوية، حيث يحجزن في أماكن لا تليق بهن، دون مراعاة لاحتياجاتهن الخاصة، ويتعرضن لمعاملة "لاإنسانية" ومهينة، وتفتيشات استفزازية. ودعت الوزارة مؤسسات حقوق الإنسان في الداخل والخارج إلى "إلزام الاحتلال باحترام اتفاقيات حقوق الإنسان وحماية المدنيين تحت الاحتلال، ووقف سياسة الاعتقال الإداري المخالفة لكل القوانين، والتي أصبحت سيفا مسلطا على رقاب الأسرى الفلسطينيين". ويصل عدد الأسرى الفلسطينيين قرابة (12 ألف أسير) موزعين على نحو 30 سجنا ومعتقلا، ويعيشون ظروفا قاسية ولاإنسانية، حيث تفتقر جميع هذه السجون والمعتقلات لأبسط حقوق الإنسان التي نصت عليها الاتفاقيات والمواثيق الدولية، بحسب إحصاءات فلسطينية. ووفقا لمصلحة السجون الإسرائيلية وفي آخر إحصائية لها صدرت مارس 2007، يبلغ عدد الأسرى (9213) أسيرا، منهم (754) من قطاع غزة، و(8178) من الضفة الغربية، ومن بينهم (356) من الأطفال، لكن هذه الإحصائية لا تشمل الأسرى الذين يقعون خارج نطاق مصلحة السجون كمراكز الاعتقال والتحقيق والذين يبلغ عددهم نحو (1800) أسير فلسطيني. علا عطا الله