لجنة كسر الحصار عن غزة.. أسطول بحري جديد يبحر بتاريخ 24 سبتمبر من ايطاليا    مناقشة مقترح النظام الاساسي للصحة    مصطفى عبد الكبير: "معلومات شبه مؤكدة بوجود المفقودين في مركب هجرة غير نظامية غادر سواحل صفاقس الاثنين الماضي، في التراب الليبي"    بوعرقوب: انطلاق موسم الهندي الأملس    انخفاض في جرحى حوادث المرور    مصر تعلن تَأَثّرها بالهجوم السيبراني على مطارات أوروبا    رابطة الأبطال ...الترجي بخبرة الكِبار والمنستير لاسعاد الأنصار    كاس الكنفدرالية: الملعب التونسي يفوز على الجمعية الثقافية نواذيبو الموريتانية 2-صفر    تونس تشارك في بطولة العالم لألعاب القوى لحاملي الاعاقة بالهند من 26 سبتمبر الى 5 اكتوبر ب11 متسابقا    منوبة : انتشال جثتى شقيقين حاولا انقاذ كلبة من الغرق    أولا وأخيرا... سعادتنا على ظهور الأمّهات    تونس ضيف شرف مهرجان بورسعيد السينمائي الدولي: درة زروق تهدي تكريمها إلى فلسطين    في تظاهرة غذائية بسوسة ...«الكسكسي» الطبق الذي وحّد دول المغرب العربي    عاجل: إيقاف اكثر من 20 ''هبّاط'' في تونس    وزير خارجية ألماني أسبق: أوروبا مجبرة على التفاوض مع تونس بشأن ملف الهجرة    عاجل: إنهيار سقف اسطبل يتسبب في وفاة شاب وإصابة آخر    عاجل: الأمطار تعمّ أغلب مناطق تونس خلال الفترة القادمة    الكاف.. معرض لمنتوجات المجامع الفلاحية    شبهات فساد تُطيح بموظّفين في بنك الدم بالقصرين: تفاصيل    العائلة والمجتمع: ضغوط تجعل الشباب التونسي يرفض الزواج    عاجل: شيرين عبد الوهاب أمام القضاء    جمال المدّاني: لا أعيش في القصور ونطلع في النقل الجماعي    كل نصف ساعة يُصاب تونسي بجلطة دماغية...نصائح لإنقاذ حياتك!    التيار الشعبي يدعو الى المشاركة في اضراب عالمي عن الطعام دعما لغزة    التنس: تأهل معز الشرقي الى نهائي بطولة سان تروبيه للتحدي    كرة اليد: منتخب الصغريات يتأهل إلى نهائي بطولة افريقيا    بنزرت: تنفيذ اكثر من 80 عملية رقابية بجميع مداخل ومفترقات مدينة بنزرت وتوجيه وإعادة ضخ 22,6 طنا من الخضر والغلال    مسرحية "على وجه الخطأ تحرز ثلاث جوائز في مهرجان صيف الزرقاء المسرحي العربي    "أمامكم 24 ساعة فقط".. كبرى الشركات الأمريكية توجه تحذيرا لموظفيها الأجانب    تحذير هام: تناول الباراسيتامول باستمرار يعرّضك لهذه الأمراض القاتلة    هذا ما تقرّر ضد فتاة أوهمت شبّانا بتأشيرات سفر إلى الخارج.. #خبر_عاجل    عاجل: وفاة عامل بمحطة تحلية المياه تابعة للصوناد في حادث مرور أليم    عاجل/ بينما كان في عمله: إستشهاد عائلة مدير مستشفى الشفاء في غزّة    معاناة صامتة : نصف معيني مرضى الزهايمر في تونس يعانون من هذه الامراض    زغوان: غلق مصنع المنسوجات التقنية "سيون" بالجهة وإحالة 250 عاملا وعاملة على البطالة    سليانة: وضع 8 ألاف و400 قنطار من البذور منذ بداية شهر سبتمبر    رابطة الأبطال الافريقية: الترجي الرياضي والاتحاد المنستيري من أجل قطع خطوة هامة نحو الدور الثاني    كتائب القسام تنشر "صورة وداعية" للأسرى الإسرائيليين إبان بدء العملية في غزة    غدا الأحد: هذه المناطق من العالم على موعد مع كسوف جزئي للشمس    عاجل/ بشائر الأمطار بداية من هذا الموعد..    بنزرت: حجز أطنان من اللحوم والمواد الغذائية المخزّنة في ظروف غير صحية    تكريم درة زروق في مهرجان بورسعيد السينمائي    صرف الدفعة الأولى من المساعدات المالية بمناسبة العودة المدرسية في هذا الموعد    لكلّ من فهم بالغالط: المغرب فرضت ''الفيزا'' على هؤلاء التوانسة فقط    الكاف: قافلة صحية تحت شعار "صحتك في قلبك"    أكثر من 100 ألف تونسي مصاب بالزهايمر ومئات الآلاف من العائلات تعاني    لماذا يضعف الدينار رغم نموّ 3.2 بالمائة؟ قراءة معمّقة في تحليل العربي بن بوهالي    "يوتيوب" يحظر حساب مادورو    عاجل/ عقوبة سجنية ضد الشاب الذي صوّب سلاحا مزيّفا تجاه أعوان أمن    بعد موجة من الانتقادات.. إيناس الدغيدي تلغي حفل زفافها وتكتفي بالاحتفال العائلي    اليوم: استقرار حراري وأمطار محدودة بهذه المناطق    القيروان.. 7 مصابين في حادث مرور    استراحة «الويكاند»    عاجل/ البنك التونسي للتضامن: إجراءات جديدة لفائدة هؤلاء..    ما تفوتهاش: فضائل قراءة سورة الكهف يوم الجمعة!    الرابطة المحترفة الاولى : حكام مباريات الجولة السابعة    وخالق الناس بخلق حسن    يا توانسة: آخر أيام الصيف قُربت.. تعرف على الموعد بالضبط!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحزب الإسلامي العراقي.. عواصف الاحتلال والطائفية والمقاومة المعولمة
نشر في الفجر نيوز يوم 09 - 04 - 2008

لؤي المحمود:أحدث الغزو الأمريكي للعراق زلزالا عنيفا في المنطقة العربية والإسلامية؛ لم تنته آثاره حتى اليوم، على كافة الأصعدة؛ فكان بحق علامة فارقة بين زمنين عربيين مختلفين.
لقد أفرز الغزو مشاكل وأزمات خطيرة تكاد تعصف بحاضر المنطقة ومستقبلها؛ فها هي المنطقة تغرق في الحروب الطائفية، وها هي مشاريع التقسيم عادت لتطرح من جديد بعد غياب طويل.
وقد تراجعت حركة المطالبة بالديمقراطية في المنطقة؛ إثر الفشل الذي منيت به الولايات المتحدة في مشروعها لبناء ما أسمته ب (العراق الجديد)، وضمر مشروع الليبراليين الجدد بعد أن كان صوتهم عاليا في كل المحافل.
ولعل من أهم التساؤلات التي تطرح في الذكرى الخامسة لاحتلال العراق اليوم: ما هو مشروع الحركة الإسلامية في مواجهة كل ما يدور؟ بل وماذا تبقى من شعاراتها المطروحة بعد كل التحولات التي طرأت عليها والتغيير الإستراتيجي الذي اتبعته في كثير من الدول؟
ففي قلب كل ما يدور من أحداث تبرز قضية الحركة الإسلامية في العراق كحالة تجسد التخبط الذي تعيشه المنطقة، والغموض الذي يكتنف الصورة.
فقد أحدث دخول الحركة الإسلامية في العراق للعملية السياسية التي أنشأها الأمريكان التباسا لدى كثير من الإسلاميين أنفسهم فضلا عن خصومهم، ووضع الإسلاميين أمام تساؤلات مهمة ومنهجية؛ قد يمر وقت طويل قبل أن يستطيعوا الإجابة عنها.
وبرغم أن هذه التجربة –على حداثة سنها- غنية وجديرة بالقراءة؛ فإننا لم نجد في الساحة الإسلامية من يقرؤها بتمعن ويبحث في تفاصيلها، ومكامن النجاح والفشل فيها؛ وأصبحنا بين طريقتين في التعامل معها؛ نقد آثم يخرج هذه التجربة من نطاق التجارب الإسلامية ويتهم أصحابها بالخيانة والعمالة، ونهج تبريري يتجاهل الإخفاقات التي مني بها مشروع الحركة بعد خمسة أعوام من الاحتلال والفوضى.
من يمثل الحركة الإسلامية في العراق؟
ولا بد قبل الشروع في الحديث عن هذه التجربة من الإجابة على سؤال مهم للغاية، وهو: من يمثل الحركة الإسلامية في العراق؟ وهل يتجاوز هذا التوصيف التقسيم الطائفي الذي أخذ مكانه على الأرض؟
والواقع أن هذا المصطلح قد استخدم من قبل حركات سنية وشيعية على حد سواء، فقد عرّف به إخوان العراق أنفسهم، واقتبسه منهم منظرو حزب الدعوة الأوائل وثبتوه في أدبياتهم، ويوم كان جميع الإسلاميين -سنة وشيعة- في مواجهة قمع السلطة كان هذا المصطلح جامعا يكفي إطلاقه ويغني عن البحث في تفاصيله؛ على اعتبار أن المشاريع المطروحة آنذاك كانت شديدة التقارب، وتتفق على محاربة الشيوعية واعتماد الإسلام نظامًا شاملاً للحياة، وتجاوز المذهبية الضيقة التي تفرق الصف الإسلامي.
إلا أن مآلات الصراعات السياسية التي خاضت غمارها هذه الأحزاب قد ساهمت في التمايز بين الطرحين السني والشيعي، لتنتهي إلى اصطفافات طائفية ظهرت في مؤتمرات المعارضة العراقية ومرحلة ما بعد الاحتلال.
وبدأ هذا الوصف الجامع في الانحسار ليقتصر استعماله على الحزب الإسلامي العراقي باعتباره الجهد الإسلامي المنظم في الساحة والذي يمثل امتدادًا لفكر الإخوان المسلمين في العالم؛ ولذا فإننا سنقتصر في إطلاقنا لمصطلح (الحركة الإسلامية) على هذا الحزب وامتداداته في الساحة.
إرث ثقيل وواقع مضطرب

بعد سنوات طويلة من القمع والاستبداد والإلغاء والمصادرة؛ خرجت الحركة الإسلامية إلى النور فجأة لتواجه واقعا مرًّا وإرثًا ثقيلاً ورثته من نظام صدام حسين كانت خاتمته المأسوية الاحتلال.
ووجدت الحركة الإسلامية نفسها أمام واقع مضطرب وأوراق مختلطة، وبلد محتل مستباح، وأمن مفقود، وبنى تحتية محطمة، وكان لا بد من أن ترتب أولوياتها بسرعة، وتبدأ في التعامل مع مفردات الواقع البالغة التعقيد، ولتحدد شكل خطابها السياسي في بلد يعاني معظم أهله من الأمية السياسية.
وكان موضوع الاحتلال على رأس سلم اهتماماتها، حيث سبق لقيادة الحزب الإسلامي في الخارج أن رفضت المشاركة في مؤتمر لندن الذي عقدته أحزاب المعارضة العراقية برعاية أمريكية، وأصدر الحزب بيانا قبيل الغزو أدان فيه الادعاءات الأمريكية بوجود أسلحة دمار شامل، وبالذرائع التي تستخدم لتبرير الغزو، ودعا العالم كله للوقوف في وجه الغطرسة الأمريكية ومحاولة ثنيها عن احتلال العراق.
وقد سجل هذا الموقف لدى بعض أحزاب المعارضة على أنه رفض للتغيير الذي حدث؛ ومن ثم وقف الكثيرون في وجه دخول الحزب الإسلامي إلى العملية السياسية الجديدة.
وجاء اشتراك الحزب الإسلامي في مجلس الحكم الذي كونّه الحاكم الأمريكي السابق بول بريمر ليفجر جدالا عنيفا في الساحة الإسلامية حول مشروعية وجدوى هذه المشاركة، وتطور هذا النزاع ليحدث شرخا كبيرا في العلاقات بين الحركة الإسلامية في العالم وبعض التيارات السلفية والجهادية وغيرها، بالرغم من أن هذه المشاركة لم تنتزع كلمة إدانة واحدة من قيادات الحزب بحق المقاومة العراقية.
ونحن على أعتاب العام السادس للغزو الأمريكي، من حق الجميع أن يسأل عما جنته الحركة الإسلامية من هذه المشاركة، وهل تستحق كل ما خسر من أجلها من أرواح وأموال ومواقف؟!
بين احتلالين: ظاهر وخفي!!
يصعب على الكثيرين في العالم الإسلامي الاقتناع بأن العراق الآن يرزح تحت نير احتلالين: احتلال عسكري أمريكي، وآخر سياسي وثقافي ومذهبي تمثله إيران، وهو ما شخصته الحركة الإسلامية منذ الأيام الأولى للغزو، وترتب على التشخيص مواقف سياسية اتخذها الحزب، كان على رأسها الدعوة للانخراط في صفوف الجيش والشرطة الجديدة، برغم أنها كونت بإرادة أمريكية، وكانت مبررات هذه الدعوة منذ الأيام الأولى هي تحقيق التوازن بين مكونات الشعب العراقي في جميع مؤسسات الدول، حتى لا يطغى مكون على آخر، في حين دعت هيئة علماء المسلمين برئاسة الشيخ حارث الضاري إلى مقاطعة جميع هذه الأجهزة والمؤسسات باعتبارها نتاجا للاحتلال وشرعنة له، وهو ما جعل الشرخ يتسع بين الهيئة والحزب إلى أن وصل إلى ما يشبه القطيعة.
وقد صدقت قراءة الحزب الإسلامي فيما يتعلق بهذا الأمر؛ إذ أحدث غياب أهل السنة عن الجيش والشرطة ومؤسسات الأمن فراغًا هائلاً ملأته مليشيات طائفية مدعومة من الخارج، بدأت سياسة إلغاء واجتثاث وتنكيل بحق أهل السنة الذين وقفوا بلا حول ولا قوة أمام اضطهاد أجهزة الحكومة، في حين كان بإمكانهم –وفقا لرؤية الحزب الإسلامي- تخفيف الضرر قدر الإمكان بدل ما كان.
وينطبق نفس الشيء على الانتخابات الأولى التي دعت الهيئة إلى مقاطعتها؛ مما اضطر جميع القوى السنية –بما فيها الحزب الإسلامي- لعدم المشاركة حفظا لوحدة الصف، وهو ما أثمر استحواذا طائفيا على جميع مؤسسات الدولة من أكبر مسئول في الوزارات أو المؤسسات نزولا إلى حراس البنايات؛ ومورس الإقصاء بأبشع صوره تجاه أهل السنة لأسباب طائفية.
ولما جاءت الانتخابات الثانية، وقرر أهل السنة المشاركة فيها عبر جبهة التوافق وكتل أخرى؛ كان الأوان قد فات؛ حيث كانت مليشيات الأحزاب المتنفذة قد حسمت النتيجة على الأرض.
المقاومة.. من يجني ثمارها؟!

نفس الأمر ينطبق على المقاومة المسلحة، فقد رفض الحزب الإسلامي الاحتلال، وأعلن في جميع بياناته أن مقاومة المحتل حق مشروع للشعب العراقي، لكنه دعا في نفس الوقت إلى ترشيد المقاومة، وحذر من اندساس جهات متطرفة فيها قد تشوه صورتها لدى الرأي العام العراقي والعالمي، وأن تكون للمقاومة المسلحة جهة تمثلها سياسيا؛ تستثمر نجاحاتها لصالح المشروع الوطني العراقي.
لكن هذه الدعوات لم تلق آذانا صاغية من قبل كثير من الفصائل؛ حيث اعتبرت مواقف الحزب تجاه المقاومة مائعة وتميل إلى (مهادنة المحتل)، وكانت أزمة الفلوجة الأولى والثانية محكا قويا للعلاقة بين الحزب والمقاومة، حيث اعتبرت بعض الفصائل توسط الحزب لدى الأمريكان لإنهاء حصار المدينة عمالة لأمريكا وولاء لها، وبدأت وتيرة الخطاب المتطرف الذي تمثله القاعدة بالتصاعد ضد الحزب، إلى أن وصلت حد الاتهام بالردة و(الانسلاخ) من الإسلام، ووصف الحزب الإسلامي في أدبيات تلك الجماعات ب(الحزب الاستسلامي).
لقد حذر الحزب الإسلامي منذ اليوم الأول من خطورة تنامي الجهات المتطرفة داخل المقاومة؛ والذي كانت تمثلها القاعدة وفصائل أخرى صغيرة، فبالإضافة إلى تشويهها لصورة المقاومة –حسب الحزب- عبر بعض عملياتها التي بثتها عبر الإنترنت؛ فإن القاعدة تنظيم غير عراقي لا يفهم طبيعة تكوين المجتمع العراقي المتنوعة والمتسامحة مذهبيا ودينيا؛ كما أن أكثر الذين كانوا يأتون من الخارج لينضموا للقاعدة كان يجمعهم هدف واحد؛ وهو الموت وبأي شكل من الأشكال، حتى لو أدى ذلك إلى اضطراب الأوضاع وخراب البلد.
وبالفعل؛ فقد بدأت القاعدة مشروعها في الصدام مع الجميع، وبدأت سلسلة اغتيالات بحق مخالفيها، طالت علماء دين، وضباط جيش سابقين، لتصل إلى قيادات في الحزب الإسلامي، كالشيخ أياد العزي والدكتور عمر عبد الله والشيخ مهند الغريري وغيرهم، وحتى من هم خارج الحزب الإسلامي كالشيخ حمزة العيساوي مفتي الفلوجة، الذي قتل؛ لأنه دعا أبناء مدينته للتطوع في الشرطة لحماية مدينتهم!!.
وبرغم حجم الاستهداف الذي تعرض له الحزب الإسلامي من قبل القاعدة؛ إلا أن موقفه تجاه المقاومة لم يتغير، بل وظلت بيانات الحزب وخطابه السياسي تتجنب الإشارة إلى القاعدة وما تقوم به في بعض المناطق رغم استهدافها المباشر للحزب وقواعده.
إلا أن استمرار الاغتيالات بحق كوادر الحزب وقياداته قد دفعت باتجاه تغيير الخطاب تجاه هذه القضية، والدخول في مرحلة كسر العظم المتبادل بين الطرفين.
وبرغم أن هذا الموقف قد جرّ على الحزب الكثير من الانتقادات من قبل هيئة علماء المسلمين وبعض فصائل المقاومة؛ إلا أنه حتى الفصائل التي اعترضت في البداية وكالت الاتهامات للحزب الإسلامي عادت واعترفت بحجم الخطر الذي تمثله القاعدة حتى على المقاومة نفسها، بل ولقد تطور الأمر إلى صدامات مسلحة بين فصائل المقاومة وتنظيم القاعدة؛ كان من أبرزها الصدام مع الجيش الإسلامي؛ أحد أكبر الفصائل وأكثرها تأثيرا على الأرض.
وبرغم كل الضباب الذي يحيط بتفاصيل الأحداث في العراق؛ فإننا نجد في الساحة العراقية فصائل مقاومة تتبنى رؤية الحركة الإسلامية في التغيير والإصلاح، وهي برغم أنها تحمل السلاح ضد الأمريكان إلا موقفها من العملية السياسية لا يختلف كثيرًا عن موقف الحزب الإسلامي، وعلى رأس هذه الفصائل (الجبهة الإسلامية للمقاومة العراقية) المعروفة اختصارًا باسم (جامع)، و(حركة المقاومة الإسلامية)، والتي تعرف نفسها باسم (حماس العراق)، وكان هذا الفصيل قد خرج بأغلب مقاتلي كتائب ثورة العشرين إثر الخلاف الذي نشأ داخل الكتائب يوم كانت موحدة حول مرجعيتها السياسية، حيث رفض هؤلاء المقاتلين اعتماد الهيئة كمرجعية، وخرج هؤلاء وهم أغلبية ليشكلوا (حماس العراق).
العشائر كعامل حسم للصراع..!!


يعتبر المكون العشائري حجر الزاوية في البنية الاجتماعية العراقية، وقد لعبت العشائر دورًا رئيسيًّا ومحوريًّا في تاريخ العراق، وساهمت في قيام الثورات ضد الإنجليز والحكومات اللاحقة.
وبرغم محاولات إضعاف العشائرية والقضاء عليها من قبل الحكومات المتعاقبة، فإنه قدر لها أن تنبعث من جديد بعد حرب الخليج الثانية، فحين ضعف نظام صدام حسين وخسر قواعد شعبية كبيرة، لجأ إلى العشائر كعامل لجلب النفوذ والاستقرار الأمني للدولة.
وبعد مجيء الاحتلال والتغيير الذي حصل، تم استبعاد المكون العشائري من العملية السياسية الجديدة، وساهم هذا الوضع، بالإضافة إلى الاعتداءات والتجاوزات التي قامت بها قوات الاحتلال في تحول العشائر إلى حواضن للمقاومة وتنظيم القاعدة.
استمر هذا الوضع حتى بدأت العشائر تضيق ذرعًا من تدخلات القاعدة في شؤونها الداخلية، إضافة إلى تجاوزات القاعدة بحق شيوخ العشائر واعتداءاتها المتواصلة على المدنيين العزل تحت ذرائع مختلفة، وهذا أدى بدوره إلى إضعاف سلطة شيخ العشيرة وتحول المدن الحاضنة للمقاومة إلى خرائب نتيجة المواجهات المستمرة بين القوات الأمريكية والمسلحين، ورفض تنظيم القاعدة لقيام أي نشاط مرتبط بالدولة؛ وهو ما أدى إلى شلل تام في تلك المناطق؛ فبدأ الصدام بين الطرفين.
واستغل الأمريكان ثورة العشائر على القاعدة ودخلوا على الخط وبدءوا في دعمها، وجيّرت هذه الثورة لصالح الاحتلال على اعتبار أنها موجهة ضد بعض فصائل المقاومة.
كانت ردود الفعل تجاه هذه الثورة التي اصطلح على تسميتها ب (صحوة العشائر) متباينة؛ فقد رفضتها هيئة علماء المسلمين واعتبرتها داعمة للاحتلال، ووقفت معظم الفصائل المسلحة في حياد تجاه هذه (الصحوة)؛ باعتبارها لم توجه نيران أسلحتها إليها، واقتصرت في صداماتها على القاعدة بسبب ما عانته على يدها.
وكان موقف الحزب الإسلامي من هذه الثورة مختلفا؛ إذ اعتبرها على علاتها تحركا إيجابيا يصب في صالح عودة الأمن إلى المناطق المنكوبة، وعامل توازن في المعادلة السياسية العراقية، حيث إن الأمن قد عاد إلى معظم مناطق أهل السنة في العراق بفضل هذه التحركات، وأصبح دخول المليشيات الطائفية إلى هذه المناطق أمرا صعب المنال، وبدأت الحياة تعود إلى طبيعتها، وبدأت المدارس والمستشفيات تفتح أبوابها من جديد بعد إغلاق طويل، وعاد المصلون إلى مساجدهم التي أحرقت أو دمرت على يد المليشيات والأجهزة الحكومية.
إضافة إلى أن مقاتلي الصحوة الذين بلغ عددهم حوالي الثمانين ألف مقاتل وغالبيتهم الساحقة من أهل السنة قد حققوا توازنا إلى حد كبير في المعادلة الأمنية؛ بعد أن أغلقت مؤسسات الجيش والشرطة والأمن الحكومية أبوابها في وجه أهل السنة.
وبرغم بعض المناوشات اللفظية مؤخرا بين بعض منتسبي (الصحوة) والحزب الإسلامي؛ فإن العلاقة بين الطرفين ما زالت جيدة ومرشحة للتطور الإيجابي.
منهج مختلف وسط أعاصير السياسة
حاول الحزب الإسلامي أن يخط نهجا جديدا في التعامل مع مفردات الواقع العراقي؛ وانتهج سياسة القبول بأدنى الضررين لتحقيق مصلحة عليا؛ وهو مبدأ شرعي أقره علماء الأصول.
إن الإشكالية التي وقعت فيها هيئة علماء المسلمين وبعض القوى الرافضة للاحتلال هي أنها كانت ترفض –بتصلب شديد- الواقع الجديد دون طرح البديل، فهي –كهيئة شرعية- حرمت الدخول في الجيش والشرطة الحكومية، وكانت النتيجة أن صفوف الجيش والشرطة قد امتلأت بالعناصر الطائفية والفاسدة التي عانى منها جميع العراقيين أشد المعاناة.
إن رؤية الحزب الإسلامي للأزمة العراقية الحالية يمكن إجمالها أن العراق الآن يتعرض لاحتلالين؛ أمريكي وإيراني، وأن خطر الاحتلال الإيراني أكبر وأعمق باعتبار احتلال مذهبي وثقافي يهدد حتى هوية العراق العربية؛ لذا فإنه وفقا لقاعدة الموازنة بين المصالح والمفاسد يمكن التعامل وليس التعاون مع الأمريكان؛ باعتباره أمرًا واقعًا، مع كفالة حق المقاومة المسلحة لهذا الاحتلال.
وقد طرح الحزب منذ الأيام الأولى للاحتلال قضية المقاومة السياسية وضرورة تكاملها مع الجهد المسلح، وهو ما اقتنعت بأهميته معظم الفصائل المسلحة مؤخرًا، ودعا إلى الانخراط في صفوف الجيش والشرطة ومؤسسات الدولة؛ كحق طبيعي لأي مواطن، ولمواجهة المشروع الطائفي الإقصائي الذي عانى منه الكثيرون من أبناء العراق.
إن مشروع الحزب الإسلامي –كأي مشروع سياسي- قد تعرض لنكسات وأخطاء في بعض الجوانب، إلا أنه صمد في النهاية ليواجه واقعا شديد التعقيد، وهو بحاجة إلى قراءة جديدة بعيدة عن مواقف التأييد المطلق والإدانة المطلقة.
--------------------------------------------------------------------------------
صحفي عراقي

الأربعاء. أبريل. 9, 2008


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.