الرباط:أكد مشاركون في لقاء نظم بالرباط حول 'العدالة الانتقالية والتحول الديمقراطي في المنطقة العربية' على أن السياق الوطني لكل دولة يعتبر مصدرا أساسيا في بناء مسار ونموذج للعدالة الانتقالية، معتبرين أن مقاصد ومبادئ هذه العدالة تعد أحد روافد الانتقال الديمقراطي.وقدمت للمشاركين في اللقاء الذي نظمه مركز دراسات حقوق الإنسان والديمقراطية بالتعاون مع مركز الكواكبي للتحولات الديمقراطية قراءة في مفاهيم العدالة الانتقالية، وعمل لجان تقصي الحقائق، ومختلف التجارب الدولية، والفوائد والمفاهيم الايجابية للعدالة الانتقالية، وكذا مناسبة لتبادل التجارب في الموضوع واستشراف آفاق التطور في ظل التحولات السياسية التي تشهدها المنطقة. وقال الحبيب بلكوش رئيس مركز دراسات حقوق الإنسان والديمقراطية أن تجربة المغرب في مجال العدالة الانتقالية ارتبطت بشكل أساسي بتوفر إرادة ودينامية سياسيين شكلتا أرضية للانخراط في أفق الإصلاحات التي انخرط فيها المغرب منذ تسعينيات القرن الماضي إلى حدود اليوم. وأكد بلكوش أن تجربة المغرب، في إطار هيئة الإنصاف والمصالحة بالخصوص، تشكل جزءا من الإصلاحات التي اطلقها المغرب لتعزيز دولة الحق والقانون وإرساء ثقافة الديمقراطية وحقوق الإنسان وأن حصيلة عمل الهيئة كانت محطة إيجابية في التطور السياسي للمغرب وشكلت أرضية خصبة لمسار الأوراش الاستراتيجية المفتوحة لبناء وإرساء المشروع المجتمعي الديمقراطي الحداثي. وأبرز الحقوقي التونسي محسن مرزوق العلاقة الوثيقة والشرطية بين العدالة الانتقالية والتحول الديمقراطي وبناء نظام سياسي تحترم فيه حقوق الإنسان والمؤسسات باعتباره يشكل ضمانة لعدم تكرار ما جرى مستقبلا. وأشار إلى أن موضوع العدالة الانتقالية يحظى حاليا باهتمام كبير من قبل النخب العربية باعتباره من آليات معالجة ماضي انتهاكات حقوق الانسان وأداة لدفع التغيير نحو الديمقراطية، وقال أن العدالة الانتقالية مرتبطة بأبعاد متمثلة أساسا في رد الاعتبار للضحايا وللذاكرة الجماعية وتكريس مفاهيم حقوق الانسان والتربية عليها. وقال عمر بوبكري، أستاذ باحث من تونس، في عرض بعنوان أي نموذج لعدالة الانتقالية في المنطقة العربية، إن موضوع العدالة الانتقالية مرتبط بدافعين أولهما 'إنساني نابع من الحاجة لإنصاف ضحايا انتهاكات حقوق الانسان بالعالم العربي' بينما يرتبط الدافع الثاني ب'تنامي المطالبة بإقرار تحول ديمقراطي في بلدان المنطقة'، مبرزا أن نمط العدالة الانتقالية يتعين أن تتوفر فيه ميزة تحقيق التوازن بين مطمح إرساء السلم وغاية العدالة. وقدم بوبكري ملامح عن تجارب العدالة الانتقالية التي شهدتها بعض البلدان العربية كالعراق و لبنان، مشيرا في هذا الصدد إلى أن القيمة الأساسية التي تميز التجربة المغربية في مجال العدالة الانتقالية تتمثل في توفرها على 'عنصر المشروعية' وتبلور ظروف ساهمت في إخراجها. واستعرض إدريس لكريني، وهو أستاذ باحث من المغرب، في مداخلته حول العدالة الانتقالية والتحول في الاقطار العربية، بعض أوجه العدالة الانتقالية والمتمثلة في إحداث لجان تقصي الحقائق، وجبر الضرر الفردي والجماعي، وحفظ الذاكرة، والقيام بإصلاحات مؤسساتية وسياسية، وقال ان هذه العدالة تستمد أسسها بالأساس من القانون الدولي الإنساني والاجتهادات الفقهية والقانونية ومبادئ الثقافة الديمقراطية. وخلال اللقاء، الذي شارك فيه خبراء ونشطاء حقوقيون من عدد من البلدان العربية فعاليات جمعوية وجامعية وطنية، قدم طوني عطا الله قراءة في تجربة العدالة الانتقالية في لبنان ومحمد لمين ولد كتاب حول التجربة الموريتانية ومصطفى بوشاشي حول التجربة الجزائرية والحبيب بلكوش حول التجربة المغربية، كما قدم 'مشروع الكواكبي حول العدالة الانتقالية' الذي أطلقه بتمويل من الاتحاد الأوروبي مركز الكواكبي والمؤسسة العربية للديمقراطية بالتعاون مع منظمة 'لا سلم بلا عدالة'. وتتمثل أهداف المشروع في نقل الخبرات الدولية للمنطقة العربية في مجال المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية والانتقال الديمقراطي، وتأهيل خبرات عربية متخصصة ذات كفاءة في مجالات العدالة الانتقالية المختلفة، وتقديم خبرات لقوى المجتمع المدني والحكومات في الدول العربية في مجال التخطيط الاستراتيجي لسيرورات المصالحة الوطنية باعتماد منهجيات وآليات العدالة الانتقالية لفريق العمل العربي حول العدالة الانتقالية. القدس العربي محمود معروف