اليوم 01 / 9 / 2010 شيّع أهالي منطقة العلالشة من ولاية المنستير المرحوم صالح قويدر إلى مرقده الأخير بعد رحلة بحث عنه دامت قرابة الأسبوع ليجدوا جثته ملقاة في بئر قرب سبخة سيدي الهاني . من هو عم صالح ؟ عم صالح كما ينادونه يبلغ من العمر 41 سنة من أصحاب الشهائد المعطلين . تحصل على الأستاذية سنة 98 . من عائلة ريفية فقيرة ، لم يحض بفرصة عمل ، تقدم لمناظرة الكاباس السنوات الأولى إثر تخرجة فلم يحالفه الحظ فيها جميعا أو هكذا قالوا ... كما لم تقبل المصانع القريبة من الجهة توظيفه أو تشغيله و لو مجرد عامل تنظيف، فأصيب بالإحباط الذي تحول مع الأيام و السنين إلى مرض نفسي كان عقبة جديدة أمام إمكانية تشغيله، علاوة على تعميق عجزه فأنّى له معالجته و هو الفقير المعدم ؟؟ ثم صار يهيم على وجهه ماشيا مسافات طويلة ( 40 كم )، حتى بات مصدر تندر الناس و مبعث سخريتهم. إلا أنه لم يلق الرحمة من أحد لا من أصدقائه و زملائه القدامى الذين أبوا أن يشغلوه و قد صاروا مسؤولين في مؤسسات بالجهة ، و لا من أقاربه الذين عجزوا عن سد حاجاته الدنيا و تأمين مصاريف علاجه . و طوال 12 سنة من البطالة كان حظه من العمل 3 أيام من شهر رمضان الحالي في الحضيرة ( الشانطي ) . و لما نصحه الطبيب بضرورة الإفطار لتناول الدواء شعر بالخجل من مرافقيه كبار السن بالشانطي ، فتوقف عن العمل و من ثم صار يهيم ليلا في البراري إلى أن حانت ساعة الصفر . هل انتحر عم صالح ؟ ظل أهله يبحثون عنه قرابة الأسبوع ثم تتبعوا أثر قدميه إلى أن وصلوا إلى بئر على حافة السبخة أين وجدوا جثته تطفو... قد يكون سقط فيها دون وعي منه و هو المريض نفسيا، و قد يكون انتحر. و سواء سقط أو انتحر فما كان له أن يعيش... لقد عاش حياة مرة تعيسة لم يحلم فيها بزوجة و لا بأسرة و أبناء و لا بسيارة أو حتى دراجة عادية، و لا أن يصير شاعرا أو أديبا... لقد كانت تلك الأحلام تراوده في الصغر، لما كان يدرس في شعبة قصيرة ( مهني)، و حين لمس فيه أستاذ العربية النبوغ و التفوق في المادة أصرّ أن يتحول في سابقة نادرة الحدوث إلى شعبة الآداب ( طويل ). و ليته ما فعل ... حينها كان يحلم بأن يصير أستاذا و قد صار ، لكن لم يخطر بباله أن طبائع الناس فسدت و سيوافقها زمن من البطالة ، ذلك الخنجر في رقاب الفقراء المسحوقين . حلمه من 12 سنة أن يحصل على عمل ، أي عمل يؤمن له مصروف الدواء و قهوة و سيجارة رخيصة لا أكثر . هذا المطلب بات عزيزا ... عزيزا ، فكيف له أن يعيش ؟؟ لقد لبث فينا طوال هذه السنوات حجة علينا و لم ننتبه. رحل و ترك فينا لعنة تصفع وجوهنا البائسة و وجه مجتمع يدوس أبناءه و يسحقهم. عم صالح مات جائعا مشردا منبوذا فما كان له من حق في هذا... الوطن... إلا اسمه على بطاقة التعريف ، فلم يعيش ؟؟؟ رحمك الله عم صالح رحمة واسعة و عوضك عما حرمت بأفضل منه . و لتنعم روحك الطاهرة بزخرف الخلد و الراحة الأبدية ، أنت الشامخ الذي لم تمد يدا و لم تتذلل و لم تخرج من شدة الجوع و الشقاء شاهرا سيفك في وجوهنا نحن من أعمت قلوبنا التخمة و الموائد و التصنيفات في شهر الرحمة و التكافل و الإحسان . مراسلة خاصة