عمان:شيطان الانتخابات الاردنية يكمن في تفاصيل اجراءات الطعن التي انتهت رسميا امس الاحد بحالة سياسية واجرائية نادرة قوامها اعتماد اضخم عملية طعن في سجلات المقترعين تشهدها البلاد عمليا حتى الآن منذ التحول الديمقراطي عام 1989 حيث قبلت اللجنة الحكومية المعنية الطعن بأسماء ما يقارب نحو 170 الف ناخب وناخبة سيطالبهم القانون لاحقا بالعودة الى مواقع تواجدهم الاصلية. ذلك بلغة سياسية مباشرة لا يعني الا مسألتين اساسيتين.. تقول الحكومة الحالية في الاولى ضمنيا ان الانتخابات الاخيرة عام 2007 شهدت فعليا ورسميا واجرائيا عملية 'تزوير' قد تكون واسعة الناطق، وتقول الحكومة نفسها في الثانية ان انتخابات الاعوام السابقة ايضا شهدت عمليات 'تلاعب' بالحد الادنى في سجلات الناخبين عبر آليات النقل الجماعية التي اتاحت لبعض المحظيين فرصة تحشيد الاصوات في منطقة جغرافية محددة. السؤال سياسيا يصلح اذا كالتالي: لماذا ركبت حكومة الرئيس سمير الرفاعي هذه الموجة من التشيك الضمني بكل ملفات الانتخابات السابقة؟.. وهل الحكومة الحالية بالنتيجة ستورط بعض الجهات والمجموعات المستفيدة من التلاعب والتزوير في الماضي بانتخابات شفافة ونزيهة فعلا ونظيفة بأكبر نسبة ممكنة قياسا بالتجارب التي سبقتها؟. واضح تماما ان حكومة الرفاعي تزنرت بالغطاء السياسي الذي يتيح لها امتطاء هذه المجازفة السياسية الاجرائية. وواضح تماما انها حكومة تقصدت ان تقول اجرائيا بالرغم من كل ما يقال في الشارع والصالونات انها 'جازفت' بالمكاسب الصغيرة حتى تعترف ضمنيا بحصول اخطاء فادحة في الماضي يرغب القرار السياسي بتجاوزها في انتخابات 2010، بدليل ان عملية الطعون انتهت بقبول اعرض قائمة ناخبين مطعون بها يشهدها شارع الانتخابات حتى الآن. في هذه اللحظة السياسية والمؤسسية تبرز اشكالية السؤال التالي: هل الرسالة التي عكستها اليات الطعون بأسماء الناخبين مقصودة فعلا ومبرمجة على مستوى الدائرة الاستراتيجية وتعكس ارادة جماعية لمؤسسات النظام واجهزته،؟ ام انها ناتج لسلسلة اخطاء تعكس عدم وجود خبراء انتخابات في مطبخ وزارة الرفاعي؟ كما يقول بعض الساسة المهمين ومنهم الدكتور ممدوح العبادي وعلي ابو الراغب وغيره من الذين استغربوا بداية صيغة الدائرة الافتراضية في قانون الانتخابات. سياسي مرجعي انضم مؤخرا لقائمة الذين فقدوا بوصلة التتبع لما تريده وتخطط له حكومة الرفاعي طلب من 'القدس العربي' تسجيل الملاحظة التالية: رئيس الوزراء ونوابه الثلاثة لا يملكون خبرة متراكمة وحقيقية في لعبة الانتخابات. واضاف: ثلاثة من اركان الحكومة على الاقل سبق ان خاضوا الانتخابات وخسروها شعبيا بمعنى قد تكون تولدت لديهم محاذير نفسية ضد فكرة الانتخابات والترشيح. وما دفع لمثل هذه التساؤلات الكبرى سياسيا وامنيا واجتماعيا هي الطريقة التي اتبعتها حكومة الرفاعي في عملية الطعون التي كانت فيما يبدو هذه المرة طعونا حقيقية وقانونية وجذرية وصلبة وحسب الاصول، الامر الذي حقق 'صدمة' كبيرة لكل من لم يعتد على اجراءات مماثلة كما يلمح الباحث المتخصص بالانتخابات عمر لطفي وهو يشير الى ان الاجراءات الشفافة المتبعة في جزئية الطعون لا تقف عند حدود رفض الشارع تصديقها بسبب الاحباطات التراكمية، فيما يخص مصداقية الحكومات لكنها تعدت لتصبح ظاهرة جديدة وغريبة على كل اطياف وجبهات وجهات المجتمع الانتخابي المعتاد على تدخلات طبيعية ويومية للسلطة في مجريات الاجراءات. وما فعلته حكومة الرفاعي ببساطة في مسألة الطعون هو انها فتحت المجال لكل من يريد الطعن بقانونية سجلات الناخبين حتى تقضي تماما على الاصوات المهجرة التي تشتري وتباع ويدخل فيها المال السياسي، فنتج عن الامر تسجيل طعون غريبة جدا وصلت لما يتجاوز الطعن بأكثر من 420 الف ناخب وناخبة بسبب التسهيلات الكبيرة التي اتيحت حكوميا للطاعنين. الاغرب ان اللجنة الحكومية التي نظرت الطعون صدمت الجميع وقبلت الطعن بما يقترب من 170 الف ناخب واصبح لزاما عليهم بعد اللجوء للقضاء تصويب اوضاعهم ونقل اصواتهم في وضع يربك بكل تأكيد طيفا واسعا من اشهر واهم المرشحين والبرلمانيين. الحكومة من جانبها وعلى لسان الناطق باسم الانتخابات سميح المعايطة لا تخفي اعترافها بان عدد الطاعنين وعدد الذين قبلت طعونهم كبير وقد يكون غير مسبوق، لكن فكرة المعايطة كما قالها ل'القدس العربي' بسيطة: لم نفكر بحسابات سياسية صغيرة .. الاولوية كانت لتطبيق القانون.. صحيح هناك ثمن لهذه النتيجة على شكل كلفة لكنها بكل الاحوال ليست اهم من النزاهة، فالاهم بالنسبة للحكومة كان ثقة الناس بالاجراءات وعملية الطعون برمجت وفقا لمسطرة واحدة تماما وبمنتهى التجرد، اما من لا يعجبهم التجرد وتؤذيهم المسطر ة الواحدة مصلحيا فنقول لهم:عذرا معيارنا الاول كان القانون والنزاهة. 'القدس العربي' من بسام البدارين