قرار المحكمة الإدارية العليا المصرية ببطلان انتخابات الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية، بسبب امتناع اللجنة العليا للانتخابات عن إدراج عدد كبير من المرشحين استبعدوا من المشاركة، يطرح تساؤلات حول مستقبل المجلس الجديد والعملية السياسية برمتها. انفض مولد انتخابات مجلس الشعب المصري وخرجت منه المعارضة "بلا حمص" كما يقول المثل المصري. انتهت الجولة الأولى من الانتخابات التي جرت في 28 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بفوز كاسح ل"الحزب الوطني الديمقراطي" الحاكم وحصده 209 مقاعد من 221 مقعدا صوت عليها الناخبون. من جهتها، أعلن أكثر تيارات المعارضة شعبية، حزب "الوفد" وحركة "الإخوان المسلمون"، انسحابهما من السباق وخاصة بعد خروج الأخيرة خالية الوفاض تماما من الجولة الأولى وعدم حصول أي من مرشحيها على أي مقعد في هذه الجولة. جاء انسحاب المعارضة احتجاجا على ما دعته بالتزوير واستخدام العنف لإرهاب مرشحيها وأنصارها، وهو الانسحاب الذي كان الهدف منه نزع الشرعية عن الجولة الثانية من الانتخابات. الحكومة المصرية لم تلق بالا لمطالب المعارضة بتوفير جو ديمقراطي خلال عملية التصويت للخروج بانتخابات شفافة ونزيهة. وواصلت إقامة الانتخابات على طريقتها وقاومت كل الضغوط المحلية والعالمية منها لمراقبة سير العملية الانتخابية ورفضها إشراف القضاة ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات الدولية، وفضلت ترك ذلك لوزارة العدل والموظفين الحكوميين ورجال الشرطة. كل ذلك أضفى شكوكا على نزاهة هذه الانتخابات خاصة بعد أن حصد الحزب الحاكم 95 بالمئة من المقاعد التي تم الاقتراع عليها في الجولة الأولى. بالإضافة إلى ذلك، جاءت نسبة المشاركة متدنية في الجولتين حتى وإن حاولت الحكومة إظهار العكس بإعلانها أن نسبة إقبال الناخبين على المشاركة بلغت 35 بالمئة من قوة التصويت التي تتخطى الأربعين مليون مواطن في هذا البلد. وهي نسبة شككت فيها منظمات المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان ووصفتها بالمبالغ فيها وقدرت نسبة المشاركة الفعلية فيما بين 10 إلى 15 بالمئة وهي نسبة تعكس عزوف رجل الشارع المصري عن المشاركة في صنع مستقبل بلاده السياسي بعد أن ضاق ذرعا بالإهمال الحكومي المتعمد لرغباته في الحصول على مساحة من الحرية تعوض ما يشعر به من إحباط جراء الأزمة الاقتصادية الحالكة التي تضرب معظم قطاعات الاقتصاد المصري. الآن ينتظر الجميع إعلان نتائج الجولة الثانية من الانتخابات بالأمس 5 ديسمبر/كانون الأول والتي من المتوقع ألا تخرج عن السيناريو المرسوم لها وهو فوز الحزب الوطني بمعظم إن لم يكن بكافة المقاعد ليكرس بذلك سيطرته المطلقة على المجلس وهو ما يعكس ضيقه من هامش الحرية والمعارضة الذي سمح به في المجلس الماضي نتيجة الضغوط الدولية وخاصة الأمريكية في العام 2005. وهي السيطرة التي يسعى من خلال الوصول إليها تمرير، كما تقول المعارضة، مشروع التوريث أي تمرير السلطة من مبارك الأب إلى جمال مبارك الابن. وهو المشروع الذي أصبح الآن في مهب الريح بعد قرار المحكمة الإدارية العليا في 4 ديسمبر/كانون الأول، يوما واحدا قبل إجراء الجولة الثانية، بتأييد أحكام القضاء الإداري الخاصة بإلغاء الانتخابات في الكثير من الدوائر بطول مصر وعرضها واعتبارها الجولة الأولى من الانتخابات باطلة وهو ما سيترتب عليه بطلان الجولة الثانية. كما أقرت مبدأ قانونيا جديدا بعدم أحقية مجلس الشعب في الفصل في شرعية انتخاب أعضائه إلا إذا كانت الانتخابات شرعية أي جرت وفقا لأحكام القانون، وهو ما درج على فعله المجلس في الدورات الثلاث الأخيرة عبر الخروج بمقولة "المجلس سيد قراره"، وإحالتها الاختصاص بالبت في الشرعية إلى مجلس الدولة. وهو الحكم الذي يلقي بالشبهات على شرعية المجلس القادم ويفتح الباب على مصراعيه أمام كل أشكال الطعن فيما سيتخذه من قرارات وقوانين ينبني عليها المستقبل السياسي والاقتصادي لمصر.