قبلي: اجراء 37 عملية جراحية مجانية لازالة الماء الابيض في اطار اليوم الوطني الاول لصحة العيون    "اليونيدو" والوكالة الايطالية للتعاون من أجل التنمية توقعان اتفاقا لتمويل مشروع "تونس المهنية " بقيمة 5ر6 مليون اورو    وزير السياحة يؤكد ادماج جميع خريجي الوكالة الوطنية للتكوين في مهن السياحة والحاجة الى رفع طاقة استيعاب وحدات التكوين    الزيت البيولوجي التونسي ينفذ إلى السوق الأمريكية والفرنسية بعلامة محلية من جرجيس    رسمي : محسن الطرابلسي رئيسا جديدا للنادي الإفريقي    الكاف: لأول مرة.. 20 عملية جراحية لمرضى العيون مجانا    ميناء جرجيس… رصيد عقاري هام غير مستغل ومطالب باستقطاب استثمارات جديدة    أردوغان: متفائلون بأن النصر سيكون إلى جانب إيران    7 مؤسسات ستنتفع بامتياز تكفل الدولة بفارق الفائدة على قروض الاستثمار..وهذه التفاصيل..    قبلي: حادث مرور يودي بحياة جزائري وإصابة مرافقه    جندوبة: وزير السياحة يتابع استعدادات الجهة للموسم السياحي ومدى تقدّم عدد من المشاريع السياحية والحرفية    عاجل/ ترامب يمهل ايران أسبوع لتفادي الضربات الامريكية المحتملة..    جامعة تونس المنار تحرز تقدما ب40 مرتبة في تصنيف QS العالمي للجامعات لسنة 2026    هل يحل الذكاء الاصطناعي محل الأطباء النفسيين؟    اليوم: أطول نهار وأقصر ليل في السنة    عاجل/ الداخلية الليبية تؤكد تعرض عناصرها الأمنية لهجوم مسلح داخل طرابلس..    إيران تقدم شكوى إلى الأمم المتحدة ضد المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية    صدمة في قطاع الهندسة: 95% من مهندسي الإعلامية يغادرون تونس بحثًا عن فرص أفضل!    اكتمال النصاب القانوني وانطلاق أشغال الجلسة العامة الإنتخابية    القصرين: بطاقات إيداع بالسجن في قضية غسيل أموال مرتبطة بالرهان الرياضي    وزارة الثقافة تنعى فقيد الساحة الثقافية والإعلامية الدكتور محمد هشام بوقمرة    الفنان أحمد سعد يتعرض لحادث سير برفقة أولاده وزوجته    وفاة بريطانية بعد إصابتها بداء الكلب في المغرب    رئيس المخابرات الأمريكية الأسبق: الولايات المتحدة ستغرق إذا ضربت إيران    كاتس يعلن تصفية قائد إيراني وموجة صواريخ إيرانية جديدة    الوجهة السياحية جربة جرجيس الأولى وطنيا وتوقعات بتسجيل أكثر من مليون زائر    مدنين: اختصاصات جديدة في مهن سياحية وانفتاح على تكوين حاملي الإعاقة لأول مرة    طقس السبت.. ارتفاع طفيف في درجات الحرارة    ردّ فعل رسمي وعاجل من وزارة الخارجية بعد العثور على جثة عبد المجيد الحجري بستوكهولم    طقس اليوم السبت: أجواء صيفية مستقرة على كامل البلاد    اليوم: الإنقلاب الصيفي...ماذا يعني ذلك في تونس؟    كأس العالم للأندية: برنامج مباريات اليوم السبت    إغتيال قائد لواء المسيّرات الثاني بالحرس الثوري الإيراني    الانقلاب الصيفي يحل اليوم السبت 21 جوان 2025 في النصف الشمالي للكرة الأرضية    بايرن ميونخ يفوز على بوكا جونيور و يتأهّل إلى ثمن نهائي كأس العالم للأندية (فيديو)    كأس العالم للاندية.. الترجي ينتصر على لوس انجلوس الامريكي    أسرة عبد الحليم حافظ تُقاضي مهرجان "موازين" الدولي بالمغرب    وزير الاقتصاد.. رغم الصدمات تونس لا زالت جاذبة للاستثمارات    بين طموح التميز وشبح الإقصاء .. النموذجي... «عقدة » التلاميذ !    في اختتام مهرجان « Bhar Lazreg Hood» منطقة البحر الأزرق .. معرض مفتوح لفن «الغرافيتي»    باجة: نسبة تقدم الحصاد بلغت 40%.    الأحد: فتح المتاحف العسكرية الأربعة مجانا للعموم بمناسبة الذكرى 69 لانبعاث الجيش الوطني    السبت 21 جوان تاريخ الانقلاب الصيفي بالنصف الشمالي للكرة الأرضية    صحتك النفسية فى زمن الحروب.. .هكذا تحافظ عليها فى 5 خطوات    ارتفاع لافت في مداخيل السياحة وتحويلات التونسيين بالخارج... مؤشرات إيجابية للاقتصاد الوطني    عاجل : أزمة جديدة تلاحق محمد رمضان    ارتفاع درجات الحرارة يسبب صداعًا مزمنًا لدى التونسيين    عاجل/ العامرة: إزالة خامس مخيّم للمهاجرين يضم 1500 شخصا    منصّة "نجدة" تساعد في انقاذ 5 مرضى من جلطات حادّة.. #خبر_عاجل    منتدى الحقوق الاقتصادية يطالب بإصلاح المنظومة القانونية وإيجاد بدائل إيواء آمنة تحفظ كرامة اللاجئين وطالبي اللجوء    التشكيلة المحتملة للترجي أمام لوس أنجلوس    "ليني أفريكو" لمروان لبيب يفوز بجائزة أفضل إخراج ضمن الدورة 13 للمهرجان الدولي للفيلم بالداخلة    كاس العالم للاندية : ريال مدريد يعلن خروج مبابي من المستشفى    بطولة برلين : من هي منافسة أنس جابر اليوم الجمعة ؟    ''التوانسة'' على موعد مع موجة حرّ جديدة في هذا التاريخ بعد أمطار جوان الغزيرة    تقص الدلاع والبطيخ من غير ما تغسلو؟ هاو شنو ينجم يصير لجسمك    الأوركسترا السيمفوني التونسي يحتفي بالموسيقى بمناسبة العيد العالمي للموسيقى    ملف الأسبوع...ثَمَرَةٌ مِنْ ثَمَرَاتِ تَدَبُّرِ القُرْآنِ الْكَرِيِمِ...وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أسباب تألق وانطفاء المواقع الصحفية الإلكترونية بسرعة : توفيق أبو شومر
نشر في الفجر نيوز يوم 21 - 09 - 2010


بقلم / توفيق أبو شومر الفجرنيوز
(دراسة إعلامية)
لماذا تتألق مواقع إلكترونية صحفية بسرعة البرق، ثم تنطفئ وتخبو هالتها، ويقلّ الطلبُ عليها، بسرعة أكبر بكثير من سرعة علو وهبوط منزلة الصحافة الورقية؟
سؤالٌ مطروحٌ على متصفحي شبكة الإنترنت ، وهو جديرٌ بالنقاش، ويحتاج إلى دراسات وأبحاث عديدة، لأنه يُناقش مستقبل الشبكة العنكبوتية.
للإجابة عن الاستفهام السابق ينبغي أن نُعَرِّف أولا الصحافة الإلكترونية الرقمية، ونحدد أقسامها ، قبل أن نشرع في تفسير سبب انطفاء وهج هذه الصحافة.
فالصحافة الإلكترونية في الغالب الأعم تنقسم إلى أربعة أقسام وهي :
أولا: صحافة الأفراد والشخصيات، وهي صحافة تحمل الطابع الشخصي، وتعكس وجهات نظر الشخصية التي أسستها ، وأشرفت على تنفيذها، وهذا القسم هو أكثر الأقسام انتشارا في الشبكة.
ويتسم هذا النوع بالسمات الآتية:
- هو جهد يدخل في إطار الدعاية لمالك الصحيفة، حتى وإن ادَّعى مالكها الحيادية والنزاهة، وأقصد بالدعاية ترويج اسم المؤسس، والحصول على منافع إعلانية مالية.
- يدخل هذا النوع من الصحافة في إطار (الارتجالية) الخالية من التخطيط المسبق،وتصبح الصحيفة منبرا للأتباع والمريدين، وتغدو شخصية المؤسس هي الطاغية في مجمل العمل الصحفي، وهذا بالطبع يُضعِف أبرز مبادئ وركائز العمل الصحفي كالحيادية والموضوعية والتوازن.
- لا يتقيد هذا النوع بأبرز القوانين والمواثيق الصحفية، بل إنه –من منطلق جلب المنافع- يقوم بالبحث عن الإشكالات والمنازعات، وقد يعمد لإثارة الفتنة للحصول على الانتشار.
- يعتبر دور هذا النوع في مجال التثقيف والتوعية دورا محدودا للغاية، لأنه يظل دائم البحث عن الاستقطاب لغرض الرفعة الشخصية، حتى ولو كان الثمن هو نشر الخرافات والأباطيل بين جمهور القارئين.
- لا تلتزم غالبية هذا النوع بحقوق الملكيات الفكرية، بل تسعى لسرقة الحقوق والملكيات الفكرية، لغرض تكثير رواد الموقع الصحفي.
ثانيا: صحافة التكتلات والتجمعات، وتشمل الجمعيات والمؤسسات والروابط الأهلية والشعبية، وهذا النوع يشارك النوع الأول في كثير من السمات السابقة، وهو يختلف عن النوع الأول في بعضها منها:
- التركيز على الدعاية للرابطة والجمعية كبديل عن الاسم الشخصي، وما يتبع ذلك من نشر المبادئ الأساسية للجمعية والرابطة أو التكتل.
- وضوح الدعاية بمختلف أنواعها وأشكالها لجهات دعم هذه الرابطة أو الجمعية.
- استخدام الموضوعات الصحفية كخادم للفكرة ، وفي كثير من الأحيان ، تحوير الموضوعات الصحفية لخدمة أهداف الرابطة أو الجمعية.
- تبدو جرعات التثقيف والتوعية في هذا النوع من الصحافة أفضل من النوع الأول السابق.
ثالثا: صحافة الماكياج الورقي، وأعني بها ، الصحف الورقية التي افتتحت لها مواقع إلكترونية لغرض جلب الدعاية للمطبوعات الورقية، وهذا النوع يختلف عن النوعين السابقين فيما يلي:
- تخصيص الموقع الإلكتروني لغرض الدعاية للمطبوع الورقي، فتَحجِب مواقعُ كثيرةٌ تفصيلات الأخبار والمقالات المهمة ، حتى يُضطر القارئ لشراء الصحف الورقية، أو دفع اشتراك نظير قراءته للموضوعات والتقارير الصحفية المحجوبة .
- جعل الموقع الإلكتروني خادما فقط للصحيفة الورقية، فتبخل رئاسة الصحيفة، عن تعيين طاقم صحفي مستقل للموقع الكتروني، وتُتبعه لرئاسة تحرير الصحيفة الورقية نفسها، مما يجعلها ترى نفسها بمراياها الخاصة فقط.
- إن تأثير هذا النمط في مجال التوعية والتثقيف العام محدودٌ أيضا، والسبب يعود إلى أن الغاية الرئيسة منه هي الدعاية والإعلان بالدرجة الأولى.
رابعا: الصحافة الحزبية والسلطوية، وهي مجموعة المواقع التي تشرف عليها الأحزاب والمؤسسات والدوائر والوزارات الحكومية في النظام الإعلامي السلطوي .
وهذا النوع يشارك الأنواع السابقة في بعض الخصائص السابقة ، ولكنه يختلف عنها في السمات التالية:
- يمكن تمييز هذا النوع بسهولة من خلال الشعارات والعناوين والأسماء الواردة في الموقع، ويمكن معرفة تبعيته للسلطات والأحزاب.
- يمنع هذا النوع (التفاعلية) الحرة على الموقع ، والتي تتمثل في آراء المتابعين والقارئين،أو يقوم بتزييف الآراء، لغرض مدح السلطات صاحبة الموقع.
- معالجة المشكلات من خلال رؤية الحزب ، وتحريف الأحداث والأخبار الصحفية لتخدم الحزب أو السلطة صاحبة الموقع الصحفي الإلكتروني.
- يعتمد استمرار الموقع وبقائه على الدعم المالي المستمر للجهات الرسمية والحكومية صاحبة الموقع.
- إجبار الشركات والمؤسسات الوطنية على وضع إعلاناتها في الموقع، لغرض تمويله والحفاظ على بقائه.
وهناك سؤالٌ آخر، يقع في إطار السؤال الأول وهو ما سبب تألق موقع صحفي جديد بسرعة فائقة؟
وهل يعود هذا التألق إلى مصداقية الموقع؟ أم أنه يعود إلى كفاءة مصمميه؟
أم أنه يعود إلى شغف القارئين والمتابعين بما يعرضه الموقع المتألق؟
إن الإجابة عن السؤال تفرض علينا أن نعرض السمات المطلوبة لإنجاح موقع صحفي.
ولعل أبرز سمات نجاح الموقع الصحفي في عالم اليوم يعود أولا إلى :
كفاءة الموقع في إشباع رغبات القارئين، وتحقيق طموحاتهم في المواقع الصحفية الإلكترونية، وتتمثل رغباتهم في :
- الإجابة عن أسئلتهم المطروحة، المتمثلة في أبجديات الخبر الصحفي، وهي أسئلة: مَن- لماذا- أين- كيف- متى ، بشرط أن تكون أكثر تشويقا للقارئ من صيغ الإعلام الأخرى المكررة.
- تفسير ما يجري من أحداث، بصورة تختلف عن التفسيرات الرسمية المحافظة التي اعتاد الإعلام الرسمي عليها.
- تقديم الخدمات المطلوبة والمرغوبة بأشكالها وأنواعها، ومن أبرز الخدمات التي يسعى إليها الجمهور، خدمات القطاعات الحكومية والشركات والمؤسسات، وأخبار الجامعات والمدارس وأرقام هواتف المؤسسات وغيرها.
- إشباع نهمهم في إقحامهم كطرف مؤثر في الموقع الصحفي، من خلال التفاعل معهم، وإشراكهم في التعليقات على الأخبار والآراء المبثوثة في الموقع.
- التعرف على ظلال الأحداث والأخبار والمشكلات الجارية وانعكاساتها في المجتمع، والاستفادة من أساليب الدعاية والإعلان بمختلف أشكالها.
إن عوامل النجاح السابقة، ليست بالضرورة هي كل العوامل، بل إن هناك عوامل أخرى تساهم في نجاح الموقع الإلكتروني الصحفي لا تقل عن العوامل السابقة أهمية منها:
كفاءة التصميم الفني للموقع الإلكتروني، وقدرته على المنافسة وتقديم مختلف أشكال الصحافة، كالصور ومقاطع الفيديو، والخدمات العامة.
وهناك أيضا مطلوبات أخرى تساعد في تألق الموقع الصحفي، وهي قدرته على التجديد، ومرونة الموقع وسرعته، وهذه الصفات الشكلية ، لم تعد ترفا في عالم الصحافة الإلكترونية، بل إنها جوهرٌ يضاف إلى المضمون الصحفي الإلكتروني .
ومن مُطيلات عمر المواقع الصحفية، قدرة الموقع على التغيير، وذلك باستقطاب كفاءات جديدة من الكتاب ومن الصحفيين، بشكل دائم ، وألا يتحول الموقع الصحفي في فترة وجيزة إلى مقرٍ وظيفي حكومي، يقيس فيه الصحفيون جهودهم بما يتقاضونه من مرتبات نظير جهودهم.
ومن خصائص المواقع الإلكترونية الأكثر طلبا، هو قدرتها على معالجة القضايا والمشكلات المسكوت عنها في المجتمع، والتي يُحجم كثيرٌ من الإعلاميين التقليديين عن طرقها، خوفا ورهبة من أن تُفسَّر أقوالهم تفسيرا سيئا فيتعرضون نظير ذلك للمتاعب.
ولعل أبرز خصائص المواقع الإلكترونية الأكثر شهرة ، هو تحولها من مواقع صحفية من الدرجة الثانية إلى مواقع صحفية من الدرجة الأولى، عندما تصبح مصدرا للأخبار الموثوقة، وللتحليلات الصحفية الجادة، وهذا التحول يعزز كفاءتها ويمنحها القدرة على التأثير الثقافي والتوعوي.
كما أن المواقع الصحفية الأكثر انتشارا تتصف بصفة أخرى لا تقل أهمية عن الصفات السابقة، وهي أن العمل في الموقع الناجح هو في الغالب ليس فرديا، بل هو عمل فريق صحفي كامل، ويظهر ذلك في صياغة الأخبار والتحليلات ، وانتقاء الموضوعات والمقالات، بحيث يشعر القارئ بأن للموقع هدفا ورسالة صحفية واضحة ، لا تنحصر فقط في الإبلاغ والإخبار، بل تتعدى ذلك لتصل إلى الغاية وهي التأثير في القارئ وإرشاده وتوعيته.
وهناك أيضا سمة أخرى تميز المواقع الصحفية الأكثر طلبا وشهرة، وهي شعور القارئ والمتابع للشبكة ، بأن هذا الموقع الصحفي لم يسقط في يد منظومة الدعاية والإعلان، ولم يعلن استسلامه لهذه المنظومة ، فيتخلى عن رسالته السامية، لمنفعة الإعلان والدعاية، ويأتي هذا الانطباع للقارئ بسهولة ويسر عندما يلج إلى الموقع مباشرة، ويشاهد الصفحة الأولى للموقع الصحفي !
وهذا الانطباع مهمٌ جدا لإطالة مسيرة الموقع الصحفي، فالقارئون حساسون قادرون على تمييز المواقع المرتزقة التي تعيش بالكامل على الإعلان ، والمواقع التي تُسخر الإعلانات لخدمة القارئين، ولتعزيز التثقيف والتوعية، فالإعلانات سلاحٌ ذو حدين، فإما أن يستولي الإعلان على الموقع الصحفي الإلكتروني وتصبغه بالصبغة الإعلانية الفاقعة، وإما أن يُقدِّم له جرعة منشطة تساعده على تحقيق أهدافه، وهذا بالطبع يعتمد على كفاءة الطاقم المشرف على الموقع الإلكتروني.
ويعتمد وهج المواقع الصحفية الإلكترونية على التغذية الراجعة ، وهي مجموعة اللجان التي تتابع عمل الموقع، فالمواقع الإلكترونية التي ليست لها لجان استشارية ، أو هيئات إدارية قوية وفاعلة، فإنها تذوي وتذوب بسرعة البرق، وتنطفئ شعلتها بعد ظهور مواقع أخرى جديدة .
ولعل أبرز مهمات اللجان الاستشارية والهيئات الإدارية للمواقع الصحفية الإلكترونية، هو إمداد الصحيفة بالآراء والأفكار الخلاّقة التي تعزز بقاء وتألق الصحيفة الإلكترونية.
ولا يجب أن ننسى مساحة الحرية الممنوحة في الصحيفة للأخبار والتحقيقات والمقالات، فمساحة الحرية في الصحيفة تحدد عمر الصحيفة وألقها وتوهجها، وكلما ضاقت مساحة الحريات، قل الوهج وانطفأت شعلة الصحيفة، والعكس صحيح.
ومساحة الحرية في الصحف ظلت خلال العصور مقياسا صادقا لانتشار الصحف وقدرتها على المنافسة والاستمرار، وتعتبر مساحة الحرية في الصحف، مُعادلا جيدا لمساحة الإعلان، بحيث لا يطغى الإعلانُ على الإعلام ، ويقصيه ليصبح هو السيد، حينئذٍ تتحول الصحيفة إلى صورة إعلامية ممسوخة.
أما الصحف الإلكترونية التي تشغل حيزا جغرافيا واسعا في الشبكة، وليس لها جمهورٌ كبير،وهي مجموعة الصحف الارتجالية ومرايا الشخصيات الفردية ودعايات الأحزاب والتنظيمات وغيرها، والتي تظهر في بدايتها كفلاش سريع ثم تنطفئ،وهذا النوع من الصحافة هو الأكثر انتشارا في عصر الألفية الثالثة.
وأعتبر انتشار هذه الظاهرة دليلا مَرضيا، أو لعله فايروس إعلامي خطير يصيب الشبكة كلها بالعطب، فهو يشغل جزءا كبيرا من حيزها ، مما يزيد في بلبلة جمهور المبحرين عبر الشبكة، ويضللهم بأسماء ومواقع إلكترونية عديدة، ويحول بينهم وبين الحصول على المعلومات والمعارف المفيدة من المواقع الأكثر ثقة .
كما أن استسهال إنشاء مواقع إلكترونية عبر الشبكة ، بحيث صار سهلا لكل فرد أن يؤسس شبكته الإلكترونية الخاصة، بدون أن يخسر شيئا. كل ما سبق يجعلني أعتبر هذه المواقع بؤرا لنشر فايروسات ، فقد تحولت كثيرٌ من هذه المواقع إلى بؤر وحاضنات لأمراض عديدة، وإذا أردنا أن نحلل بعض أمراض هذا النوع من الصحافة الإلكترونية العشوائية فإننا نجد ما يلي:
- ظهور الصحافة المُقَنَّعَة ،فتعمد مواقع إلكترونية كثيرة إلى حيلة خطيرة، وهي إخفاء هويتها، فتلبس القناع، وتشرع في نشر الأمراض، وهذا الإخفاء للهوية، باستخدام أسماء وألقاب مستعارة يدفع القارئين لاستخدام الصحيفة استخداما سيئا، فتنتشر البذاءات وأنماط السباب والشتائم والتهم، ويتحول الموقع الإلكتروني الصحفي إلى سلة من سلات القمامة في شبكة الإنترنت، يلجأ إليه المرضى والمصابون بالعقد النفسية، ويصبح الموقع مباءة لنشر فايروسات الجهالات والأباطيل والتطرف والعنف، ودفيئة لتفريخ العنصريات والعصبيات العرقية والدينية والحزبية.
- بروز صحافة السرقات ، فقد تحولت مواقع إلكترونية كثيرة لاستخدام أرخص أساليب الانتشار السريع، المتمثلة في سرقة الحقوق والملكيات الفكرية، وذلك بفك شيفرات البرامج الرقمية المختلفة، وانتحال الموضوعات وسرقة المقالات والأبحاث والدراسات والسطو على الأفلام والكتب وغيرها من الأعمال الفنية،بالإضافة إلى نشر الشائعات، نظير أن يصبح المتصفح البريء عضوا في الموقع، أو فردا من مستهلكي الإعلان .
- هيمنة اللغة الدارجة فقد اعتمدتْ تلك المواقع لغة البذاءات المحكية بدلا من اللغة الفصحى كأداة رخيصة للحوارات، فانتشر مرض اللغة المحكية الدارجة، وهذا بالطبع يترك آثارا سيئة على اللغة وأبنائها، ويحول اللغة الفصحى إلى لغة من الدرجة الثانية!
فقد أصبح الحوار باللغة الفصحى في معظم هذه المواقع مكروها ومُنفِّرا، وهذا بالطبع يساهم في نشر الجهالات والأمية الثقافية.
- سيطرة الجاهلين على هذه المواقع، وتكوين لوبيات مرضية ، ونشر الأمراض الاجتماعية عبر كثير من هذه الشبكات، وتتضاعف خطورة الأمراض المنتشرة في هذه الشبكات لعدم وجود جهات قادرة على علاج تلك الأمراض، مما يساهم في تكاثر الأمراض الاجتماعية وتعزيز انتشارها.
- استخدام أسلوب الغواية والإدمان وهو من الأمراض الشائعة في كثير من مواقع هذا النوع من الصحف، وهو استخدام العواطف لا العقول ، فتقوم مواقع كثيرة بالتغرير بالمرضى المنتشرين عبر الشبكة ، فتوقع بهم باستخدام الصور الجنسية، وأساليب الحوار التغريرية في المحادثات التي تكون في الغالب محادثات مفبركة ، حيث يتقمص كثير من أصحاب المواقع أدوار النساء وأسماءهن للبحث عن مريدين وأتباع من طائفة المرضى زوَّار الشبكة العنكبوتية.
ومما يجدر ذكره أن قدرة الأفراد على التخفِّي في شبكة الإنترنت، باستخدام عناوين إلكترونية عديدة ، وأسماء عديدة يتيح لهذه المواقع نشر أفكارها وأمراضها في قطاع واسع من متصفحي الشبكة.
وإذا أضفنا إلى ما سبق الشُحَّ في المواقع التثقيفية والتنويرية في الشبكة ، قياسا بعدد المواقع التغريرية، فإننا نكون قد أوضحنا الأخطار المحدقة بمتصفحي الشبكة ، وبخاصة من الشباب الجُدد، ممن يظنون بأن المعلومات التي تقدمها هذه الشبكات ، هي معلومات موثقة.
إن غياب الثقافة الإلكترونية في مدارسنا، وعدم جعل هذا الموضوع موضوعا دراسيا ، داخلا ضمن المقررات وخاضعا للحوار والنقاش، يدفعني إلى التحذير من خطورة تفشي ظاهرة المواقع الإلكترونية العشوائية المُغررِّة الخطيرة.
وبهذا نكون قد أشرنا إشارات سريعة إلى مواطن الخلل في أهم أجزاء الشبكة العنكبوتية، وهي المواقع الصحفية الإلكترونية الارتجالية العشوائية التغريرية، التي أصبحت في منزلة انتشار المُدمنات بأنواعها وأقسامها.
كما أن قلة المواقع التنويرية الثقافية في الشبكة، تجعل شبابنا أكثر عرضة للإصابة بأمراض الشبكة العنكبوتية.
ويجب أن نشير إلى أن هناك مواقع ثقافيةً كثيرةً تستحق الاحترام والتقدير، ولكنها لا تحظى بالشعبية المطلوبة، لأنها في الغالب تُعاني من أزمات مالية، بسبب انصراف الكثيرين عنها، ولجوئهم للمواقع الأكثر تغريرا، كما أن الجهود المُسيِّرة لكثير من المواقع الثقافية، هي جهود فردية في الغالب، ولا تحظى بالدعاية والإعلان، ولا تتوفر في كثير منها الشروط المطلوبة لنجاحها، ومن أهم هذه الشروط:
- أن تتخصص المواقع الثقافية في جهد ثقافي واحد، كأن يتخصص موقع في نشر الثقافة التاريخية ، أو نشر المعارف الفلسفية ، أو في مجال نشر ثقافة الفنون الإبداعية كالشعر والرواية والآداب، وألا يخلط الموقع الثقافي كل الثقافات، حتى يتمكن من التركيز، لزيادة الجرعة الثقافية .
- أن تكون أهداف تلك المواقع محددة وواضحة سواء في الجمهور المستهدف، كأن يكون الجمهور من الشباب ، أو من متوسطي الثقافة ، أو من المبدعين، لأن أكثر المواقع لا تحدد أهدافها بدقة ويكون توجهها في الغالب لكل القطاعات السابقة دفعة واحدة ، فتفقد أهدافها ورسالتها، وتصبح مجرد عنوان على الثقافة لا غير.
- أن يكون للمواقع الثقافية هيئة استشارية كفؤة قادرة على إدارة الموقع الثقافي، وتغيير مساره، وتحديد نقاط القوة والضعف في الموقع.
- أن يُشارك الموقع الثقافي مواقع ثقافية أخرى وأن يعقد معها عددا من الاتفاقات للترويج لأكبر عدد من المواقع الثقافية، لغرض نشر الثقافة والتوعية ، بحيث تكون الروابط مبنية على مبدأ التكاملية، وليس على مبدأ التنافس وإلغاء الآخر.
- أن تأخذ بعض المواقع على عاتقها مهمة الترجمة الثقافية من اللغات الأخرى، إلى اللغة العربية لإثراء المشهد الثقافي وتعزيز الوعي، ونشر الثقافة العالمية ، بخاصة في أوساط الشباب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.