إصدار "إعلان تونس" في اختتام أشغال المؤتمر الدولي حول دور القوات المسلحة    الاسباني كارولوس ألكاراز يتأهل الى الدور النهائي لبطولة ويمبلدون    الاعلامي فهمي البرهومي يؤكد تعرضه للسحر من شخص مقرّب منه    المنستير: تنظيم الأيام الإعلامية الجهوية للتوجيه الجامعي لفائدة الناجحين في البكالوريا يومي 14 و15 جويلية الجاري    لأول مرة: جامعة القيروان ضمن التصنيف العالمي للجامعات    الجامعة العامة للنقل تُحمّل وزارة النقل تداعيات إضراب أعوان شركة قرقنة المزمع تنفيذه يومي 17 و18 جويلية الجاري    الجزائر: حمود بوعلام يشتري رُويبة ويُقصي الفرنسي ''كاستيل'' من السوق    عاجل/ بلاغ هام للناجحين في دورة المراقبة لامتحان البكالوريا    تلامذة من تونس يلمعو عربياً في تحدي كبير! شكونهم؟    تاكل تُن وانت مريض سكر؟ إنت في الأمان ولا تغالط في روحك؟    حتى الجنينة تنظفها وتُبعد الحشرات... بكعبة قارص ورشة ملح    ديوان الإفتاء يصدر مجلة "فتاوى تونسية " تتضمن دراسات وفتاوى لأعلام الزيتونة    تونس: البنك الأوروبي للإستثمار مستعد لتمويل مشاريع ذات النجاعة الطاقية ومكافحة الهدر المائي والنقل الحديدي    توزر: تواصل التدخلات لإزالة آثار العاصفة الرملية    بقلم مرشد السماوي : مهرجان الحمامات جوهرة ثقافية تنتظر توسعة المسرح و دعما يليق بمكانتها    ديوان الإفتاء يصدر مجلة "فتاوى تونسية "    الأمم المتحدة: فرض عقوبات أميركية على مبعوثة أممية "سابقة خطيرة"    استشهاد 798 شخصا أثناء تلقي المساعدات في غزة    علاقة وثيقة بين النوم والعمل..    عاجل/ تغيّرات جوية مرتقبة ووزارة الفلاحة تحذّر..    هل حيك معني؟ الستاغ تركّب منشآت جديدة في منوبة وتُوعد بنهاية الهبوط الطاقي    البنك الإفريقي للتنمية: النمو الاقتصادي في تونس سيبلغ 1.9% في 2025...    البطولة الوطنية لكرة اليدّ على الأبواب.. وهاذم التواريخ    عاجل : ''الكاف'' يفتح تحقيقًا بشأن منتخب الجزائر للسيدات    لطفي رياحي: ''تمييز مجحف بين السائح الأجنبي والتونسي... لازم توحيد الأسعار''    عاجل/ أول تصريح لنتنياهو حول اتفاقه مع ترامب بشأن غزة..    النادي الإفريقي: رئيس الهيئة العليا للرقابة يكشف عن ديون سابقة لم يتم تسويتها    موفى جوان 2025: عجز تونس التجاري يتفاقم إلى 9،900 مليار دينار..    القصرين: حجز 11 طناً من البطاطا المخزنة خارج المسالك القانونية بمدينة بوزقام    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    هام/ نسب النجاح في دورتي البكالوريا حسب الولايات..    عاجل/ ترامب يتوعد باعلان مهم الاثنين المقبل..وهذه التفاصيل..    النجم الساحلي: ثنائي أجنبي يعزز الفريق في المركاتو الصيفي الحالي    كأس العالم للأندية 2025: صراع محتدم على الحذاء الذهبي قبل االمباراة النهائية    مانشستر يونايتد يتعاقد مع المهاجم الفرنسي إنزو كانا    هام/ هذه الدول الأكثر طلبًا للكفاءات التونسيّة والمهن المطلوبة..    ولاية تونس : توجيه تنابيه لمن لم يلتحقوا بالنقاط المسندة إليهم بالأسواق البلدية البديلة    بعد العاصفة الرملية التي شهدتها توزر وقبلي: معهد الرصد الجوي يكشف التفاصيل..#خبر_عاجل    دوري روشن السعودي: نادي الحزم يجدد ثقته في "جلال القادري"    عاجل: صدور حكم بالسجن سنة مع وقف التنفيذ ضد نجل فنان مشهور    القهوة باش تغلى؟ البرازيل في وجه العاصفة وترامب السبب    بعد وضع اسمه في أفيش لسهرة بمهرجان قرطاج: مقداد السهيلي...أنا وين سي علاء!!!    قوة إسرائيلية تتسلل داخل الأراضي اللبنانية وتنفذ عملية تفجير    طيران الإمارات تتصدر تصنيف YouGov لأكثر العلامات التجارية العالمية الموصى بها لعام 2025    معز حديدان: 75 بالمائة من دعم الحبوب تذهب للأثرياء و 1 بالمائة فقط للفقراء... إصلاح منظومة الدعم أصبح ضرورة عاجلة    سبعيني يكسّر القاعدة وينجح في الباك... قصة ما تتعاودش!    كفاش تحمي صغارك من شمس الصيف؟ نصائح ذهبية من أطباء الأطفال    مقداد السهيلي: أنا ما نيش هاوي وإلا جيت لبارح باش نوري وجهي ونستنى باش يشجعني الجمهور    لطيفة تطرح 4 أغاني من ألبومها "قلبي ارتاح"    تفاصيل أسعار عروض مهرجان قرطاج الدولي    ترتيب المندوبيات الجهوية للتربية حسب نسب النجاح في امتحانات الباكالوريا 2025 عمومي    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    خطبة الجمعة: ولا تنازعوا فتفشلوا ...    منظمة الصحة العالمية تمنح رئيس الجمهورية درع الاتفاقية الدولية للوقاية من الجوائح..    نسبة النجاح العامة في الدورتين الرئيسية والمراقبة لبكالوريا 2025 تبلغ 52.59 بالمائة    التوانسة الليلة على موعد مع ''قمر الغزال'': ماتفوّتش الفرصة    عاجل: قيس سعيّد يُحذّر : مهرجانات تونس ليست للبيع بل منابر للحرية والفكر    شنية سرّ السخانة في جويلية.. بالرغم الي أحنا بعاد على الشمس؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حرام عليهم ... : قصة : عزيز العرباوي
نشر في الفجر نيوز يوم 24 - 10 - 2010


كاتب وباحث
نظرت إلى السماء وقلت في نفسي: لابد أن أرحل، فالظلام في طريقه إلى إغمار الدنيا بسواده وقبحه... ثم حملت حقيبة أدوات الحمام على كتفي وغادرت تلك المقهى النائية، يخفق قلبي بسرعة وتهتز شفتاي بفعل البرد وبأسه. كان لابد لي أن أتخذ الطريق المختصر كي أتمكن من الوصول قبل بداية المسلسل التلفزيوني الذي علمني كيف أحترم مواعيده. الأحجار اليتيمة الغريبة التي تغمر مساحة كبيرة، تلعن حظها وترثي لأحوالها، وهي تعرف أنها تنطق عن الهوى لا يسمعها أحد، ولا يفهم مشكلتها أحد. لم يكن بيني وبينها أي فرق، سوى لأنني أستطيع أن أحكس مشاكلي، ولكن بتحفظ .
لم يخطر ببالي في أول الأمر أنني قد أصادف هذا المشهد أمامي. كان تفكيري فقط ينكب على كيفية التغلب على الروتين المثقل على كاهلي. لم يكن موضوع الحب يمر بخاطري، كنت قد نسيته منذ تركتني حبيبتي قبل شهرين .
كدت أسقط من هول المشهد، ربما لأول مرة أراه بأم عيني، رغم أنني كنت أسمع مثل هذه الأشياء تقع بينها وتمارسها في وضح النهار وأمام أعين الكل. ثم حملني التفكير إلى عالم العقلاء، وفي تلك اللحظة النادرة فقط، أحسست أنني أريد جوابا مقنعا، علني أسقطه على الكل بما فيه أنا. لكن الحظ لم يحالفني. حاولت تمرير المشهد مرات ومرات وأنا أقطع الطريق الملتوي والغارق في وحل الفقر، فأيقظتني البرودة الحرة التصرف في ذلك الفضاء. أطلقت سراح ما يدور في خلدي، سألته أسئلة غريبة، وكنت أعرف أنه لن يجيب عنها، لأنها تافهة ولا معنى لها...
لم يدم تفكيري بالصورة الغريبة إلا لحظات، وتملكتني بعدها رغبة في فهم معنى المشهد الغريب الذي يقع أمامي. كنت أظن أن الكلاب مثل الإنسان تتخفى عندما تحب عن أعين الناس، وتختار الوقت المناسب والمكان الملائم لممارسته. لكن، سرعان ما أدركت أنها لا تفكر بالمنطق العقلي الذي رسمته في خاطري. فقلت: لماذا لا يكون الحب شريفا بينها إذن؟ وقلت: يمكن أن تكون الأنثى معجبة بجمالها وبنفسها فتترك الحرية لعدد كبير من الذكور ليتعلقوا بها ويجروا وراءها، ويطلبوا ودها، كما تحب الأنثى كذلك من بني الإنسان. لكن أن تمارسه مع أكثر من ذكر، حتى يصل العدد إلى خمسة من الذكور وربما أكثر فهذا ما لا يقبله أي عقل وليس من الأخلاق. هل الكلاب ايضا تفتقد الأخلاق؟ .
زاد هم الكلاب من همي، وأصبحت عوض أن أبحث في تدني الأخلاق عند الإنسان فقط، لأبحث عن سبب فقدان الكلاب لمبادئها وقيمها التي تربت عليها منذ آلاف السنين، وأبحث عن الشرخ الواسع الذي تركته أمور الدنيا بعالم الكلاب، فيتأكد لي مرة جديدة أن هذا الشرخ قد خلفه أسوأ تعديل عرفه التاريخ .
لم أر فيما رأيت من المناظر الغريبة والصور القاتمة المشمئزة منظرا أتفه، ولا أقبح، ولا أغبر من منظر تلك الكبة وهي تمنح نفسها لجمع من الذكور الكلاب دون أدنى تفكير أو وعي بخطورة الوضع. وهي كلبة تظهر عليها آثار السعادة والحياة السعيدة. رغم أنني في لحظة راقني ذلك المنظر، فأنا وفي ذلك الوقت بالذات، لم أكن قد استقلت من شخصيتي الشرقية بعد. أوقفني المشهد –رغم اشمئزازه- دقائق معدودة، أراقب صراع الذكور الخمسة وتسابقهم إلى قلب الكلبة، كل واحد يستعرض عضلاته أمام منافسيه وأمام تلك الفاتنة الوحيدة داخل عالم جنسي وحشي، إلى أن التقى الكل في نقطة معينة، واستسلموا للتناوب العادل في حكومة شرعية .
غاب منظر النور الأبيض. وعم الالقرص الأسود كل ما حولي. ووقع لعاب لزج من فمي كأنه إعلان عن رغبة مدفونة منذ شهرين تستيقظ من سباتها على وقع المناظر المتتالية أمامي. انتفخت أوداجي واحمرت أذنيٌ وخرج كلام غير مقصود من بين شفتيٌ المرتعشتين. طالما خفت من المشاهد الجنسية، وطالما انسحبت أمام عاهرات المدينة. وهذا يعني أن البداية تنتظرني، وأنني بعد هذه المشاهد، سأستسلم صاغرا .
في ذلك المساء اللعين وذلك التفكير الساحق الذي كان يداهم أفكاري، كان السبب الرئيسي الذي جعلني ألج عالما ما كنت مستعدا لولوجه. تتسابق خواطري بسرعة خاطفة. تستعيد الثقافات القديمة المدفونة في عقلي الصغير، وعلى منهج النقاد الكبار والشعراء الصعاليك تسير ولا تتوقف .
عندما شارفت على مشارف البلدة من أعلى التلة، والتي تحمي بين طياتها الطريق الوحيد الذي يوصلني إليها، بدا لي حينها الناس هائجين ومضطربين. لم أستطع أن أجزم سبب الهيجان والاضطراب اللذين يستوليان على الناس. فجأة أمعنت النظر في الهائجين، فلاح لي الأطفال يجرون ويصرخون بأعلى أصواتهم، والحجارة تلوح أمامهم كأنها ندف الثلج تتساقط في عز أيام الشتاء. النساء بهمسات خفيفة وأمازيغية تصلني مع سكون الليل كشعر شاعر فقد صوته بمرض ألمٌ بحنجرته. ورائحة القمر تنبعث من وراء الجبل القابع وراء البلدة كأنه يحميها من غزوات التتار الجدد، وينشر أجنحته المتكسرة على حزنها. لاح لي القمر في قمة الجبل. انفصل العشيقان خائفين. الحب ضعيف غير جديٌ. في النفس نظرة احتقار بذيئة .
من وراء البيت الحقير الذي يفتح بوابة البلدة، لاح كلب عقور. اللعاب الهائج لايزال يعبر شفتيه ويسقط على الأرض، فيترك آثارا سلبية في حياة الناس على التراب. توقف فجأة عندما شاهدني أركز البصر عليه، وهمٌ بتغيير طريقه. وزادت شهيتي لمعرفة سبب هيجان الناس قبل قليل. لمح عشيقته تبتعد عن الناس إلى الخلاء، وأخذ يجري متوجها إليها بأقصى سرعة وبمتعة هادئة .
كان قد وصل إلى عشيقته الجميلة. فقد عاد إلى أفعاله الدنيئة التي كان الأطفال يحاربونه على اقترافها قبل لحظات، وعندما انتهى من ممارسة حبه، وجد نفسه قد ارتكب خطيئة محسوبة عليه في صفحة اللوح المحفوظ .
بعد فترة زمنية، كنت قد وصلت إلى المكان الذي مورس فيه الحب الخطيئة. كانت الكلبة الجميلة مازالت فاقدة الوعي من جراء وحشية الحب ، قاعدة على جانب الوادي اليابس والجاف، مما يساعد على حجبها عن عيون الأطفال وأياديهم المسهمة. ها هي ذي ترتعش في مكانها وتحاول الوقوف استعدادا للذهاب، أمامها عشيقها اللذوذ ذو الفرو الجذاب الأنيق .
شعر الكلب بدمائه وهي تنزف حارة من بين خياشيمه. ثم تتالى المسيل الدموي على الفور وبسرعة فائقة. كنت أراقبه وهو يتلوى من الوجع والألم المرافقين للدماء. ومع أنه فهم أنه قد انتهى، تفاجأ لحظة، كيف أنه لم يحس بالألم وأن الشيء الوحيد الذي كان يشغله هو ذلك الحب الذي كان يغمر قلبه وعواطفه في كل اللحظات... ثم دار بجسده كليا، وبدأ يراقب حبيبته التائهة الضعيفة بعينين مغرورقتين بسائل ممزوج بالدم. لكن هزة قوية كزلزال أرضي عظيم كانت قد أسقطت كل شيء وأغمضت عينيه إلى الأبد... !!!
هذا هو الجزاء الذي يحمله الإنسان لمرتكبي الزنا من باقي المخلوقات. ثم يهيم بنفسه في العشق والحب الخطيئة كيفما اتفق دون أن يعاقبه أحد. هو الإنسان يدغدغ الأحلام في طريقه متى شاء. لكن، على أية حال، كان عليه أن يفعل ذلك درءا للأخطار ... !!!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.