شاكر الجوهري- الفجرنيوز:الرسالة التي وجهها عبد الرحيم ملوح نائب الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين إلى محمد عباس رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وحصلت "الوطن" على نسخة منها، ونشرتها، تستحق وقفة تأمل باعتبارها خطوة أولى افترض واضعها أن تتلوها خطوات. المعني بهذه الخطوات احداث تغييرات واسعة في توزيع المهام داخل اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير. ذلك أنه ليس معقولا، ولا منطقيا أن يعمل ملوح، مدعوما بعدد آخر من أعضاء اللجنة إلى طلب عقد اجتماع خاص لمناقشة الأوضاع الداخلية للجنة، فقط بهدف تشخيص الداء دون وصف الدواء..! لكن تشخيص ملوح في الرسالة اقتصر على الوضع داخل اللجنة التنفيذية، متجاهلا الوضع الفلسطيني العام ممثلا في المفاوضات العبثية المتواصلة بين عباس وايهود اولمرت، وبين أحمد قريع وتسيبي ليفني وزيرة الخارجية الإسرائيلية، والخصامات البينية في الساحة الفلسطينية التي أدت إلى تحويل مشروع الدولة الفلسطينية في الضفة والقطاع إلى نواتين متباعتين متخاصمتين في رام اللهوغزة..بل إنه تجاهل حدث الساعة الفلسطيني الذي ينشغل به العالم كله..فساد السلطة الذي فاحت رائحته أكثر من أي وقت مضى مع ضبط روحي فتوح الرئيس الفلسطيني المؤقت بين مرحلتي عرفات وعباس في حالة تلبس بالتهريب..! كل هذا لم تأت رسالة ملوح على ذكر له، وانشغلت عنه بالوضع الداخلي في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية. فما الذي يريده ملوح..؟ النص أكثر من واضح، فالنقطة الأولى فيه، هي الأصل، وهي الحاكمة لبقية النقاط. يقول ملوح في النقطة الأولى من رسالته تحت عنوان "أولا: اللجنة التنفيذية ودورها" أن اللجنة لم تتوقف "منذ خروجي من المعتقل ومشاركتي فيها ولو مرة أمام دوائر المنظمة؛ وعمل هذه الدوائر، ولم يقدم لها تقرير عنها من الموكلة لهم مهام هذه الدوائر"، ثم يمس الدائرة السياسية بشكل غير مباشر مشيرا إلى أن اللجنة التنفيذية "لم تقف أمام السفارات والمكاتب وعملها ومتطلباتها، وأمام تعيين السفراء الجدد، وهو مهمة من مهامها". ويتحول بعد ذلك في رسالته إلى ممارسة ضغوط خفية عبر الإشارة إلى عدم توقف اللجنة أمام الصندوق القومي، وعدم تشكيل مجلس للصندوق، وكيفية تنمية الموارد الخاصة به، وآلية صرفها. ويواصل الضغط بالإشارة إلى "علاقة السلطة بالمنظمة" التي يصفها بالملتبسة، ليقول "فهناك حاجة ماسة لتحديد طبيعة العلاقة سياسيا وعمليا، خاصة بعد أن تحولت السلطة بأكثر من جانب من جوانب عملها بديلا عمليا للمنظمة". ملوح يدرك لا شك أن الصندوق القومي الفلسطيني يمثل خطا أحمر فتحاويا، لا يسمح عباس لأحد بالإقتراب منه، لأسباب معروفة..! كما أنه يدرك ويعرف أن واشنطن وعباس ملتزم بما تراه لا تسمح بدورها بأن تصبح منظمة التحرير فعلا مرجعية للسلطة، وأن إعادة إحياء عباس لدور منظمة التحرير تم فقط بعد فوز "حماس" في الإنتخابات التشريعية بهدف الإستقواء على المتخبين بغير المنتخبين..! ما الذي يريده فتوح إذا من هذه الإشارة..؟ إنه يتناوله صراحة في البند الثالث من أولا من خلال حديثه عن توقف العمل في الدائرة السياسية لمنظمة التحرير، وعلاقتها باللجنة التنفيذية وبالسفارات والمكاتب التمثيلية، وكذلك دائرة شؤون اللاجئين. مباشرة بعد هذه الإشارة يتحدث ملوح في رسالته عن أمرين هما بيت القصيد: الأول: هناك اعضاء في اللجنة التنفيذية لا دور لهم سوى الإجتماع لأنهم لم يتسلموا أية مهمة أو دائرة، وأكتفي بذكر حالتي كمثل على مثل هذه الحالة. الثاني: "إنني لا أشعر بأننا شركاء حقيقيين في القرار السياسي وفي تطبيقه العملي". وهي إشارة ضاغطة بقدر ما هي مفصحة عما يريده ملوح. إذا هناك: 1. دوائر لا تعمل، مع أن لها رؤساء لا يقدمون حتى تقارير عن عمل دوائرهم للجنة التنفيذية. 2. أعضاء لجنة تنفيذية متشوقون للعمل والعطاء، لكنهم لا يتحملون مسؤولية أي دائرة من دوائر المنظمة. 3. أنه كأمين عام بالوكالة للجبهة الشعبية لا يشعر أن الجبهة شريكة في منظمة التحرير..! كيف يمكن له أن يشعر أن الجبهة شريكة في المنظمة..؟ هذا يتم من خلال اسناد رئاسة دائرة له..قطعا هي إحدى الدائرتين اللتان أتى على ذكرهما..السياسية أو شؤون اللاجئين..! الدائرة السياسية يشغل رئاستها فاروق القدومي، وقد شل عباس قدرتها على العمل نظرا لرفض القدومي لإتفاق اوسلو، وتمسكه العلني بحق الشعب الفلسطيني بالمقاومة. والدائرة الثانية ..شؤون اللاجئين، ويشغل رئاستها الدكتور زكريا الأغا، وقد قام عباس بشلها نظرا لالتزامه بالتنازل عن حق اللاجئين بالعودة، وهو ما سبق له التوقيع عليه في اتفاقية عباس بيلين سنة 1996، وكرسته وثيقة جنيف التي ابرمها ياسر عبد ربه أيضا مع بيلين سنة 2003..! اسناد عباس واحدة من هاتين الدائرتين لملوح يتطلب التزام ملوح بسياسة عباس كما هي، ونيله رضا واشنطن..! لكنه في هذه الحالة لا يمكن أن ينال رضا الجبهة الشعبية بمؤسساتها القيادية (اللجنة المركزية والمكتب السياسي). فكيف يمكن لملوح أن يوفق بين هذه المتعارضات..؟ ثم ما موقف أحمد سعادات الأمين العام للجبهة الأسير في السجون الإسرائيلية، والذي لم توافق اسرائيل على اطلاق سراحه مع ملوح ارضاء لعباس، الذي لم يذكر يوما أنه طالب به..! على كل، الضغوط التي يمارسها ملوح لتولي رئاسة إحدى هاتين الدائرتين لا تتوقف عند الإشارات التي وردت في رسالته لعباس، ذلك أنه يستند أيضا إلى أوراق ضغط لا ضرورة للإشارة إليها ما دامت معروفة من قبل عباس، وهي: أولا: ضعف موقف عباس داخل "فتح"، وهو لا يجد دعما كافيا لتعديل البرنامج السياسي للحركة على عتبات المؤتمرالعام السادس الذي عليه استحقاقات اميركية تتمثل اساسا في اصلاح الحركة كي تصبح قادرة على مواجهة "حماس"، والتخلي عن الكفاح المسلح، والتحول إلى تنظيم مدني. ثانيا: ضعف عباس عن تلبية استحقاق اميركي آخر يتجلى في الدعوة لعقد مجلس وطني فلسطيني بتشكيلته السابقة، مستثنى منها فصائل الرفض الفلسطينية..أو فصائل التحالف الوطني التي تصر على حق الشعب الفلسطيني بالكفاح المسلح، وغير مضاف لها حركتي "حماس" والجهاد الإسلامي". فقد صوتت اللجنة التحضيرية للمجلس الوطني الفلسطيني على ضرورة مشاركة فصائل التحالف الوطني في المجلس الوطني في حالة انعقاده. حدث ذلك في الإجتماع الثاني للجنة، ومنذ ذلك الحين لم توجه دعوة لعقد الإجتماع الثالث لها..ذلك أن قرار اللجنة جعل سبب دعوة المجلس للإنعقاد ينتفي. ثالثا: ضعف عباس في المفاوضات مع ايهود اولمرت، وهي المفاوضات التي وصفها عباس نفسه بأنها عبثية. وتتجلى انعكاسات هذه العبثية في تراجع شعبية الرئيس الفلسطيني لصالح خصمه اللدود..حركة "حماس"..خاصة وأن اولمرت يسرب لوسائل الإعلام أن عباس أضعف من أن يتم التوصل معه إلى اتفاق سلام..! رابعا: ازدياد الضغوط العربية والفلسطينية على عباس لاستئناف الحوار مع "حماس"، وهذا من شأنه اضعافه مجددا..! خامسا: ازدياد المطالبة داخل اسرائيل بجدوى التفاوض مع "حماس". سادسا: اللقاء الذي جمع جيمي كارتر الرئيس الأميركي الأسبق مع خالد مشعل وكل اعضاء المكتب السياسي لحركة "حماس" في دمشق، ومع قيادة "حماس" في غزة التي التقاها في القاهرة. هذه اللقاءات من شأنها أن تسقط الحاجز النفسي بين الإدارة الأميركية و"حماس"، وتؤهل واشنطن تدريجيا للإعتراف بجدوى مفاوضة "حماس"، بدلا من عباس..الطرف القوي الذي يملك وقف اطلاق الصواريخ على اسرائيل..! إلى جانب كل هذه الضغوط على عباس، التي يسعى ملوح لتوظيفها لصالحه، هناك مغريات يمكن تسويقها لعباس..ذلك أن تولي ملوح رئاسة الدائرة السياسية يعني تخلص عباس من القدومي بخطه السياسي المتشدد المرفوض اميركيا واسرائيليا، واستبداله برجل براغماتي يمكن أن ينسجم مع خط عباس السياسي. هل ينجح الإنقلاب على القدومي..؟ الأمر مرهون بثلاثة أمور: الأول: موقف اللجنة المركزية لحركة "فتح"، ومدى قدرتها على الزام عباس. الثاني: موقف الجبهة الشعبية ومدى قدرتها على اقناع ملوح بعدم مغادرة الجبهة سياسيا وتنظيميا على طريقة ياسر عبد ربه..! الثالث: مدى استعداد عباس للمغامرة بقطع طريق الرجعة في علاقته مع القدومي ..الرجل الذي حصل على أعلى الأصوات في المؤتمر العام الخامس للحركة.