مندوب روسيا لدى الامم المتحدة يدعو إلى التحقيق في مسألة المقابر الجماعية بغزة    طيران الكيان الصهيوني يشن غارات على جنوب لبنان    بعد اتفاق اتحاد جدة مع ريال مدريد.. بنزيما يسافر إلى إسبانيا    المرسى.. الاطاحة بمنحرفين يروّجان الأقراص المخدّرة    حالة الطقس يوم الخميس 2 ماي 2024    مدرب بيارن : أهدرنا الفوز والريال «عَاقبنا»    أخبار الاتحاد المنستيري...رهان على «الدربي» وفريق كرة السلة يرفع التحدي    صفاقس...حالة استنفار بسبب سقوط جزء من عمارة بقلب المدينة ... غلق الشارع الرئيسي... وإخلاء «أكشاك» في انتظار التعويضات!    في خطإ على الوطنية الأولى: دكتور وكاتب يتحول إلى خبير اقتصادي    في أقل من أسبوع.. أعاصير مدمرة وفيضانات اجتاحت هذه الدول    وفاة الفنانة الجزائرية حسنة البشارية    بنزرت ..أسفر عن وفاة امرأة ... حادث اصطدام بين 3سيارات بالطريق السيارة    سعيد يعود احد مصابي وعائلة احد ضحايا حادثة انفجار ميناء رادس ويسند لهما الصنف الأول من وسام الشغل    وزارة الشباب والرياضة تصدر بلاغ هام..    اتفاقية تمويل    غدا الخميس: وزارة التربية والجامعة العامة للتعليم الأساسي يوقعان اتفاقا ينهي توتر العلاقة بينهما..    وزارة السياحة تقرّر احداث فريق عمل مشترك لمعاينة اسطول النقل السياحي    المؤتمر الإفريقي الأول حول "آفاق تنمية الدواجن بإفريقيا" على هامش الدورة 20 للصالون المتوسطي للتغذية الحيوانية وتربية الماشية    المجلس الوطني للجهات والاقاليم ...لجنة صياغة النظام الداخلي تنطلق الخميس في النظر في الاحكام العامة والعضوية والحصانة (الناطق باسم اللجنة)    عقوبات مكتب الرابطة - ايقاف سيف غزال بمقابلتين وخطايا مالية ضد النجم الساحلي والملعب التونسي ونجم المتلوي    النادي الافريقي- جلسة عامة عادية واخرى انتخابية يوم 7 جوان القادم    روبليف يقصي ألكاراز ويتقدم لقبل نهائي بطولة مدريد المفتوحة للتنس    عيد العمال العالمي: تجمع نقابي لاتحاد عمال تونس وسط استمرار احتجاج الباعة المتجولين    عيد العمال العالمي: تدشين المقر التاريخي للمنظمة الشغيلة بعد أشغال ترميم دامت ثلاث سنوات    الاحتفاظ بعنصر تكفيري مفتش عنه من اجل الانتماء الى تنظيم ارهابي    تونس تعرب عن أسفها العميق لعدم قبول عضوية فلسطين في المنظمة الأممية    الاحتفاظ بتلميذ تهجم على استاذته بكرسي في احد معاهد جبل جلود    القصرين: وفاة معتمد القصرين الشمالية عصام خذر متأثرا بإصاباته البليغة على اثر تعرضه لحادث مرور الشهر الفارط    جندوبة: فلاحون يعتبرون أن مديونية مياه الري لا تتناسب مع حجم استهلاكهم ويطالبون بالتدقيق فيها    الكاف: اليوم انطلاق فعاليات الدورة التاسعة لمهرجان سيكا جاز    ندوات ومعارض وبرامج تنشيطية حول الموروث التراثي الغزير بولاية بنزرت    بعد تتويجه بعديد الجوائز العالمية : الفيلم السوداني "وداعا جوليا " في القاعات التونسية    مدينة العلوم بتونس تنظم سهرة فلكية يوم 18 ماي القادم حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشمس    القيروان: إطلاق مشروع "رايت آب" لرفع الوعي لدى الشباب بشأن صحتهم الجنسية والانجابية    اعتراف "أسترازينيكا" بأن لقاحها المضاد لفيروس كورونا قد يسبب آثارا جانبية خطيرة.. ما القصة؟    الفنانة درصاف الحمداني تطلق أغنيتها الجديدة "طمني عليك"    تفاصيل الاطاحة بمروجي مخدرات..    هام/ إصدار 42 ملحقا تعديليا من جملة 54 ملحقا لاتفاقيات مشتركة قطاعية للزيادة في أجور العاملين في القطاع الخاص    التشكيلة الاساسية للنادي الصفاقسي والترجي التونسي    تحذير من برمجية ''خبيثة'' تستهدف الحسابات المصرفية لمستخدمي هواتف ''أندرويد''..#خبر_عاجل    هام/ وزارة التربية تدعو إلى تشكيل لجان بيداغوجية دعما لتلاميذ البكالوريا..    وزارة التجارة: لن نُورّد أضاحي العيد هذه السنة    غرفة القصابين: معدّل علّوش العيد مليون ونص    تونس تشارك في معرض ليبيا للإنشاء    مهرجان سيكا جاز: تغيير في برنامج يوم الافتتاح    الطبوبي في غرة ماي 2024 : عيد العمّال هذه السنة جاء مضرّجا بدماء آلاف الفلسطينين    سامي الطاهري يُجدد المطالبة بضرورة تجريم التطبيع    اليوم: تونس تحيي عيد الشغل    اليوم.. تونس تحتفل بعيد الشغل    وزارة الفلاحة تضبط قيمة الكيلوغرام من التن الأحمر    غدا.. الدخول مجاني الى المتاحف والمواقع الاثرية    عاجل/ "أسترازينيكا" تعترف..وفيات وأمراض خطيرة بعد لقاح كورونا..وتعويضات قد تصل للملايين..!    مختص في الأمراض الجلدية: تونس تقدّمت جدّا في علاج مرض ''أطفال القمر''    مدينة العلوم بتونس تنظم سهرة فلكية يوم 18 ماي القادم حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشمس    يوم 18 ماي: مدينة العلوم تنظّم سهرة فلكية حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشّمس    خبراء من منظمة الصحة العالمية يزورونا تونس...التفاصيل    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أزمة المقال الصحفي : نبيل عودة
نشر في الفجر نيوز يوم 22 - 11 - 2010

كثيرا ما وقفت حائرا أمام بعض المقالات السياسية والأدبية، وأسأل نفسي، لمن يكتب هؤلاء؟ وهل يقرأ أحد ما يكتبون؟
المقالات السياسية تكاد تكون ترديد ممل لشعارات وصياغات لم تتغير منذ أكثر من نصف قرن، تملأ اليوم أيضاً فراغ الإنترنيت، وتسود الصفحات المطبوعة.
معظم المقالات لا تقدم أي فكرة جديدة، وتمتلئ بالترديد الممل الذي عافته نفوسنا منذ تشكل وعينا. المواد الأدبية فيها مشكلة أخرى، يظن البعض أن استعمال الكلمات الرنانة الضخمة، تنتج أدباً، وتعبر عن مكونات الصدور، وتقوم بمهمة إمداد القارئ بالمعنويات والتفاؤل والغضب على الأعداء وما شئتم مما صار كليشيهات رئيسية في السياسة والثقافة العربية.
ليس أصعب من موقف محرر يريد كتابا لصحيفته، يريد مشاركات واسعة، ولكن الضعف يصرخ في معظم النصوص. بعضهم يظنون أن الكتابة عن القضايا الصغيرة وما يحدث يوميا في بيوتنا وشوارعنا ومدارسنا ومزارعنا، يقلل من قيمة المقال ومستوى كاتب المقال، ولكني أعتقد أن العكس هو الصحيح.
إن الكتابة السياسية تحتاج إلى رؤية فكرية، وإلمام واسع في فهم ما وراء الخبر، ومتابعة تفاصيل كثيرة جداً، لدرجة الإرهاق، من أجل صياغة مقال سياسي فيه خصوصية بالرؤية وليس مجرد مع وضد ويعيش ويسقط !!
تتميز معظم المقالات التي أصطدم بها على صفحات الصحف العربية بأنها ضجيج لا يوصل رسالة، وإسفاف لغوي وفكري، ومليئة أحيانا بالسجع الفكري والسياسي أو الثقافي. ليس مهماً إذا كان الكاتب يلم بشكل دقيق بالموقف العيني الذي اختطه لنفسه، وعلى الأغلب فكرة ضيقة يحركها غضبه المشروع من واقع مليء بالقهر... ولكن هل هذا مبرر كاف لقبول المقال ؟ وهل المقال مجرد ردح ومقولات تعبر عن الألم الشخصي؟! وهل المقال هو نص للتعبير عن مواقف ثابتة، أم محاورة مع الواقع، لفهم العوامل المؤثرة على تطورات الإحداث ، ووضع تقييم دقيق لما نواجهه؟
هذه الإشكالية واجهتها أيضا مع كتاب مؤدلجين وبدرجات علمية عالية، وقد أثارت حيرتي في بداية طريقي كمحرر صحيفة، منذ أوائل العام 2000 ، ثم حررتني من الاهتمام بلقب الكاتب والتيار الذي ينتمي له، وصارت أحكامي أكثر لجوهر الطرح، متحررا من الجانب الشخصي. ولكني بدأت أرى أني ابذل مجهودات عقيمة لقراءات تفتقد معظمها للمضمون ، أو للتميز في الطرح ، واني اقرأ المقال كأنشودة شخصية..تعبر عن الشخص ، وأحيانا عن نرجسيته الذاتية ( الوطنية والبطولية) في اختيار الصياغات التي في التلخيص الأخير لا تقول شيئا .
لم ينقطع اطلاعي على حالة المقال والواقع الصحفي بشكل عام ، فهناك رابط بين مستوى تطور الصحافة ومستوى المقال والخبر والتقرير وكل ما يتعلق بعالم الصحافة. ساءني التفكير السياسي المبتذل والمضلل وغير المساهم في توعية الجمهور، خاصة حين يكون الكاتب من تيار سياسي مرموق وصاحب منصب يفترض أن يكون مواجهاً ومثقفاً سياسياً، وعلى الأغلب أطروحاته تجيء كتعبير عن تيار سياسي،وما بدأت أراه أن المقال بحد ذاته فن صياغي ، وإبداع فكري ، وقدرة على رؤية الحقيقة وطرحها بكل بشاعتها إذا لزم الأمر، وليس طرح رؤية بطولية متحدية لطواحين هواء سرفينتس .
المقال إذن ليس عرض حال.وليس هوية فكرية للشخص، تُكرر في كل نص .
عاصرت عدة أجيال سياسية في المجال الفكري، الصحفي، السياسي والثقافي، ويؤسفني أن أقول أننا نتقدم إلى الخلف... نتراجع في مستوى النص اللغوي ومستواه الفكري، نتراجع في الجرأة على أن تطرح الحقيقة بكل سوادها إذ لزم الأمر، حتى لو كانت صعبة على الأذن. هذا جانب واحد ، والجانب الثاني إن الرعيل الأول ، ترك شرخا كبيرا في تطور الصحافة عامة ، وخاصة في نشوء كتاب قادرين على صياغة النص بشكل بعيد عن الإنشاء المدرسي ، في السياسة والثقافة أيضا.
صحيح إن التعميم لا يخدم الفكرة، ولكن الخوض بمثل هذا الموضوع الشائك ، بهذه الطريقة التعميمية له مبرراته، بأن الهدف ليس الأشخاص ، انما الواقع الذي فرض تطورا مشوها على الصحافة والإعلام العربي داخل إسرائيل بشكل عام.
واجهت تهجماً شخصياً، أنا وآخرين من محرر صحيفة، بحجة أننا "تيار متهاون" ولم أفهم ما يعني، إلا انه استعلاء ونرجسية وطنية، وإسفاف سياسي وابتذال فكري. لا أحد فوق النقد، واعني أن ما نكتبه خاضع للنقد، وليس الشخص الذي يكتب.. إن الفكرة الجيدة تصنع مقالا جيدا، فهل أقول إننا نواجه شح بالأفكار؟!
الهجوم المبتذل والمغلف بصياغات قومجية بات ظاهرة لها انتشارها غير الواسع .هل هذا الأسلوب يعبر عن موقف عقلاني؟ هل يعبر عن فكر ؟ ام تحركة عوامل الاندفاع للبروز بذم كتاب بارزين ؟!
ومع ذلك يظل المميز الأكبر، ضحالة المستوى الصحفي لدى أكثرية العاملين في هذا المجال الهام، لذا لم يتطور تأثير صحافتنا، حدثت نهضة في الكم، وتراجع في المضمون، وبالتالي فقدان التأثير الاجتماعي، الثقافي، الفكري والسياسي بشكل مقلق جداً لمستقبل صحافتنا.
هذا يبرز بقوة في مستوى المقال الصحفي . من هنا قلة المقالات الجيدة، وتأكيد على أن التطور الصحافي في مجتمعنا لم يكن له مسار صاعد في المحتويات والمضامين والقدرات الصحفية.
لا يمكن إنكار أن صحيفة "الإتحاد" الشيوعية، شكلت تاريخيا ،في حياة المجتمع الفلسطيني داخل إسرائيل، مدرسة فكرية وسياسية وثقافية وصحفية مسؤولية ومبرمجة أيديولوجيا.
تلاشي هذه المدرسة، ولا أعني الصحيفة، أوجد فراغاً كبيراً في الدور الكبير والهام الذي لعبته الصحيفة ، لم تملأه الصحف الكثيرة التي صدرت، والسبب الأساسي في رأيي، إن التفكير الأساسي وراء إصدار صحف جديدة، لم يكن لضرورات فكرية أو سياسية . بل شكلت الدعايات التجارية المضمون والهدف الأول والأساسي.
إن صحيفة بلا رؤية فكرية وتفتقد إلى نهج يوجه نشاطها الصحفي والإعلامي ستظل على هامش الصحافة، والظن أن الإعلان هو معيار قوة الصحيفة، كان وراء التطور الكمي وتلاشي المضمون ، حتى الصحفي بأبسط أشكاله . وهذا أوضح من الشمس.
بعض الصحف تصدر بعدد كبير من الصفحات. الإعلان يحتل 70%- 80% وربما أكثر من مساحة الصفحات، وما يتبقى من مساحة للمواد المختلفة يبدو هشاً ومجرد تعبئة فراغات بما تيسر من أخبار لا يجرى فرزها، ولا أظن أن بعضها يستحق النشر، وتغيب في تحرير بعض الصحف، الرؤية الإعلامية الواضحة لصحافة في عصر الإعلام الالكتروني ، والتي من إسقاطاتها، أن الصحيفة المطبوعة ،لم تعد مجرد ناقلة أخبار، بل خدماتية، تنشر الخبر ذو المضمون المتعلق بما يشغل مجتمعنا، تنشر التحليل المناسب، التقارير حول مختلف القضايا ذات التأثير على تطور الوعي، تهتم بالثقافة الحقة ، وليس بمواد هشة تفتقد للمعايير الأولية للثقافة، تقود الى المزيد من التأزيم الثقافي والفكري.
طبعاً لست ضد الإعلانات بل هي خبز الجريدة، ولكني أدعي أن غياب الرؤية التنويرية يجعل الصحيفة مجرد نشرة إعلانات.
الحديث كان عن المقال، ولكن الخبر لا يقل أهمية تنويرية ومسؤولية إعلامية عن المقال. كيف نصيغ الخبر؟! ماذا يهمني من الحدث؟! كيف أختصر ما لا يفيد وأوسع ما يفيد؟ ما هو العنوان المناسب؟ ما هي الصورة المناسبة؟! كيف أضمن أن الخبر الذي أصيغة سيظل خبرا يستحق القراءة حتى بعد 24 ساعة على الأقل من صدور الجريدة؟!
نحن لا نمتلك القدرات لمنافسة الراديو والتلفزيون والإنترنت.. ولكننا بعمل مسؤول وجاد نملك ما لا يقدمه الإعلام الالكتروني.
الخبر في الصحيفة المطبوعة له شروط... وليس سحب ولصق من وكالات الأنباء، لأن القارئ لا ينتظر أن نخبره بما سمعة أمس، أو قبل أسبوع في حالة معظم صحفنا. بل أن نقدم له رؤية متكاملة عن الحدث، لم توفرها له وسائل الإعلام الالكترونية.والظاهرة المضحكة في مواقع الانترنت اليوم ان الصور أضحت هي النص ، هي الخبر .. عشرات الصور التي لا تقول شيئا عن الحدث. لدرجة يمكن وصف الموقع بالأصم والأبكم !!
من هنا المقال السياسي أو الثقافي ليس مجرد تكرار إخباري أو الكتابة بأسلوب يفهم منه أن ما يطرحه الكاتب هي آيات منزلة، وإذا لم يعجبني موقف كاتب آخر أجعل منه موضوعا للتشهير، أو فرض المقاطعة على المقالات التي تحمل أراء لا تتلاءم مع رؤيتي الشخصية،وعلى الكتاب اصحاب المقالات المتميزة.. والاكتفاء بمجرد استعراض معلومات المحرر وطاقمه، الضيقة جدا على الأغلب.
هذه ليس صحافة، هذا هو الإسفاف بعينة!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.