الجيش السوري يباشر انسحابه من السويداء: تنفيذ الاتفاق مع الزعامات الدرزية رغم القصف الإسرائيلي    رسميا: لامين يامال يرتدي الرقم 10 في برشلونة    مباراة ودية: الملعب التونسي يفوز على مستقبل المرسى 2-1    من التعب إلى التنميل : 11علامة على ارتفاع السكر في الدم... لا تهملها!    الشركة الصينية Shandong Haiwang Chemical CO تعززّ استثماراتها في تونس    سوسة القلعة الصغرى .. إلغاء محطة الاستخلاص    أخبار النجم الساحلي .. ربع مليار للبنزرتي وشروط الأهلي «تعجيزية»    يقنعون ضحاياهم بأنهم قادرون على مساعدتهم: ينتحلون صفة محامين ومسؤولين ويلهفون الملايين !    المركز الوطني للسينما والصورة يعلن فتح باب الترشح للمشاركة في جائزة الأوسكار لأفضل فيلم عالمي    ترف للنّخبة أم احتكار للفرح؟...تذاكر المهرجانات تشعل الجدل    تاريخ الخيانات السياسية (17).. .مروان الحمار وخيانة صهره    من أجل التدليس: 10 سنوات سجنا لكاتب عام اتحاد الشغل بالقصرين    عطر 24 وبوشناق ..وصابر الرباعي للاهتمام ...مداخيل فاقت المليار في الدورة الفارطة    فتح المنصة الخاصة بالتسجيل في خط تمويل بقيمة 5 ملايين دينار لفائدة الاشخاض ذوي/ات الإعاقة    الليلة: خلايا رعدية محلية وأمطار متفرقة بالوسط الغربي    الهوارية: إنقاذ طفلة عمرها 5 سنوات جرفتها التيارات البحرية بشاطئ المنطقة    الإعلان عن انطلاق الاستعدادات العمليّة واللوجستية "لأسطول الصمود المغاربي لكسرِ الحصار على غزَّة" (ندوة صحفية)    الكاف: حجز كميات من المواد الغذائية غير صالحة للاستهلاك    تراجع عائدات صادرات التمور بنسبة 3،8 بالمائة إلى موفى جوان 2025    بنزرت: " رحلة أجيال ، من خميس ترنان إلى فيصل رجيبة " تفتتح الدورة 42 لمهرجان بنزرت الدولي    "رَست" و"السارة و النوباتونز" يصدحان بأوجاع الاغتراب في المهجر على ركح مهرجان الحمامات الدولي    فتح باب الترشح أمام الناشرين للانتفاع بالنسبة الموحدة للدعم على جميع أنواع الورق المستعمل في صناعة الكتاب دورة 2025    كارفور تونس تواكب الدورة 59 من مهرجان قرطاج الدولي    خلال 6 أشهر: المنطقة السياحية نابل-الحمامات تستقبل أكثر من 325 ألف سائح    بطولة قطر - نادي الغرافة يجدد عقد فرجاني ساسي لموسم واحد    عاجل/ الجيش الاسرائيلي يأمر بتحويل عدد كبير من الطائرات نحو سوريا    عاجل/ 61 نائبا يقدمون مقترح قانون لإحداث هيكل قضائي جديد    تجميع أكثر من مليون و300 الف قنطار من الحبوب بهذه الولاية.. #خبر_عاجل    وزارة الدفاع تنتدب.. #خبر_عاجل    عاجل/ انقلاب شاحنة تُقل عاملات فلاحة.. وهذه حصيلة الاصابات    عاجل/ هذا ما تقرّر بخصوص إضراب أعوان الصيدلية المركزية    وزارة الشؤون الدينية تُصدر مطوية "لا للمخدرات"    نابل:كهل ينتحر شنقا    الفيفا: بداية بيع تذاكر مونديال 2026 اعتبارا من 10 سبتمبر المقبل    تأجيل محاكمة المتهمين في ملف الفساد المالي ب"الكرامة القابضة"    لا تتجاهلها..علامة في يديك قد تدل على هذا المرض    يوم اعلامي حول "المتعامل الاقتصادي المعتمد" بمقر الادارة العامة للديوانة    وزارة التجارة تعلن عن تنفيذ برنامج إستثنائي لتزويد السوق بمادة القهوة الموجّهة للإستهلاك العائلي    تونس: اللحوم الحمراء قد يصل سعرها إلى 80 دينار!    خامنئي: الحرب الإسرائيلية هدفت الى الإطاحة بالحكم في إيران    شركة تونس للطرقات السيارة تعلن عن إلغاء محطة الإستخلاص "سوسة /القلعة الصغرى" إبتداء من الإربعاء    دراسة تحذر وتكشف: المُحليات قد تُسبّب البلوغ المبكر لدى الأطفال ومشاكل في الإنجاب..!#خبر_عاجل    من بينهم تونس: تعرف على تصنيف متوسط دخل الفرد في الدول العربية وأعلى الأجور    عاجل : كينيث سيماكولا يُغادر رسميا النادي الإفريقي    عاجل/ اختراق صيني يستهدف شبكة الحرس الوطني الأميركي..    بطولة العالم لكرة اليد: برنامج مباريات المنتخب الوطني لأقل من 19 سنة    ديار جدودنا كانت تبرد، توا ديارنا تغلي... علاش؟    ترامب: لست في عجلة للتحدث مع إيران.. والأسلحة تُرسل بالفعل لكييف    الليغا: أتليتيكو مدريد يتوصل لاتفاق لضم متوسط ميدان بوتافوغو البرازيلي    محرز الغنوشي: ''رياح قوية اليوم ولا ننصح بالسباحة''    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    إسرائيل تنقل إدارة الحرم الإبراهيمي إلى المستوطنين    تاريخ الخيانات السياسية (16) .. تآمر ابن سُريج مع خاقان    القيصر يطمئن جمهوره: لا تصدقوا الشائعات، أنا بخير    تونس تختتم الدورة الأولى من برنامج "طب القلب لأفريقيا"    تاريخ الخيانات السياسية (15)نهاية ملوك إفريقية    لحظة مذهلة في مكة: تعامد الشمس على الكعبة وتحديد دقيق للقبلة    التوانسة الليلة على موعد مع ''قمر الغزال'': ماتفوّتش الفرصة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تونس، تونس... يا حارقة الأكباد! : بسام الهلسه
نشر في الفجر نيوز يوم 02 - 01 - 2011

بسام الهلسه:يروى عن جورج دانتون، أحد كبار قادة الثورة الوطنية الفرنسية العظمى في أواخر القرن الثامن عشر، تعليله لإنتصار الثورة الشعبية، بكلمة واحدة كررها ثلاث مرات: الجرأة، الجرأة، الجرأة.قالها في سياق التأكيد على الشرط الأولي الضروري اللازم لكل تحرك شعبي ينهض للمطالبة بحقوقه من حاكميه، قبل أن يواصل تعداده للعوامل الاُخرى التي مكنت الشعب الفرنسي من الإنتصار على
نظام حكم الملك لويس السادس عشر: المطلق، الإقطاعي، الكهنوتي الذي ساق فرنسا إلى الإفلاس وأودى بعامة شعبها إلى المجاعة والبؤس، فيما كان يرتع مع عائلته وحاشيته ونبلائه واكليروسه، لاهياً في الفساد والملذات. وحينما طفح الكيل أخيراً بالشعب الذي أعيته المظالم المتطاولة، فثار مطالباً بالخبز والحرية، كان الأوان قد فات على الملك الذي لم يكن الشعب ليخطر بباله إلا عند جباية الرسوم والضرائب!

* * *

ما قاله دانتون، فيما يخص ثورة الشعب الفرنسي، يصح تعميمه على حالات الشعوب والطبقات المُستضعفة المقهورة، التي تتحرك وتنتفض عند تلك اللحظة الي تكف فيها عن تصديق أقاويل ووعود حاكميها، وعن إنتظار الحلول التي سيأتون بها لمصائبها. وعندما تثق بنفسها وبقدرتها وتكسر أغلال الخوف والرهبة، وتمتلك الجرأة على تحديهم ومواجهة بطش أجهزتهم الأمنية القمعية، فتندفع للتعبير عن رأيها وإرادتها مستعدة لبذل التضحيات في سبيل كرامتها وحقوقها، كما هي حال شعب تونس الذي فجَّرت غضبه حادثة مؤلمة أقدم فيها خريج جامعي مُعطل عن العمل على إشعال النار في جسده إحتجاجاً على وضعه البائس وعلى الإستهتار والتعامل الفظ الذي قوبلت به شكواه.

* * *

هذه الحادثة، التي تبدو وكأنها جانبية وعارضة، كانت بمثابة الصاعق ونداء الإنطلاق للغضب المكبوت الحبيس الذي يغلي في صدور أبناء وبنات الطبقات والمناطق المُهمشة المحرومة، الذي قدِّر لشعب ولاية ( محافظة) "سيدي بوزيد" أن يكون مُفجِّره الأول، واستجاب له أهالي بقية المناطق الذين وجدوا في صرخته الأليمة الغاضبة ترجمان ضمائرهم ولسانهم الناطق بآلامهم وآمالهم. فتحوَّل التحرك الإحتجاجي العفوي ذو الطابع المحلي في ولاية "سيدي بوزيد" الفقيرة الفلاحية الواقعة في وسط تونس، إلى هبَّة شعبية إتسع مداها بشكل يومي مع انضمام مناطق وفئات جديدة لها شملت جموعاً تزايدت أعدادها باستمرار من المُعطلين عن العمل والفلاحين والعمال والعناصر الطليعية من المثقفين والمتعلمين وصغار الكسبة والنقابيين، وبخاصة المحامين.

وكما يحدث في كل حركة شعبية أصيلة، حيَّة، نامية، تطورت لغة خطاب المنتفضين من مجرد التعبير عن مظالم تتصل بالفقر والحرمان والحريات والتهميش والفساد والتعسف، والمطالبة المجردة غير المحددة بالإنصاف، إلى طرح الأسئلة النقدية للنهج والخيارات السياسية والإقتصادية والإدارية التي سارت عليها البلاد التونسية، والدعوة إلى مراجعتها بحيث تلبي متطلبات سياسة وتنمية وطنية مستقلة، متوازنة، متكاملة، عادلة، تحول دون إستئثار فئة خاصة ومنطقة بعينها بالثروة والسلطة والوظائف والخدمات على حساب أغلبية الشعب.

* * *

لكن هذا النجاح الأولي في تحطيم حواجز الخوف، والجرأة في التعبير، الذي شقَّ طريق التغيير الصعب وفتحَها على الإحتمالات والآفاق، لا يعني بعد سوى عبور المرحلة الأولى التمهيدية: مرحلة البداية والإنطلاق نحو الشروع في العمل التاريخي الجاد الذي يقرر فيه الشعب أن يصنع مصيره بيديه، وأن لا يكتفي بالرفض السلبي فقط لما هو مفروض عليه من السلطات الحاكمة، بل أن يتقدم هو بالذات لصياغة وإقرار ما يريده من خيارات لحياته بحرية، منتقلاً من طور وخطاب المعارضة، الجزئي، الآنِي، الى طور وخطاب البديل الوطني، الشامل، المستقبلي.

ولبلوغ هذه المرحلة المصيرية الحاسمة، ما زالت هناك محطات ومحطات ينبغي إجتيازها في المسيرة الكفاحية العادلة التي دشنها الشعب بشجاعة أبنائه وبناته وتآزرهم الذي يستثير مشاعر الإعجاب والتضامن لدى ملايين الملايين من العرب الذين يدركون أن مظلمة أهالي ولاية "سيدي بوزيد" وعامة شعب تونس، وصيحتهم الباسلة، هما مظلمة وصيحة الأغلبية الشعبية العربية الملقاة بمهانة كالأشياء البالية على قارعة أوطانها. وهي ترقب بإهتمام، وتعاطف، وأمل، وإستبشار، وتحفز، ما يقوم به إخوتها وأخواتها التوانسة، بعدما وصلها بيان جرأتهم ونهوضهم برغم تعتيم وتلفيق الإعلام الرسمي العربي، وخرس الإعلام الغربي.

* * *

ها هي تونس تذكرنا من جديد بأنها ما زالت خضراء واعدة بالخير كما عهدتها الأُمة، وكما أنشد لها بحبٍ ولوعة ابنها زجَّال مصر الكبير، الشاعر بيرم التونسي، في اُغنية فريد الأطرش لبلاد العرب " بساط الريح" :
تونس أيا خضرا.. يا حارِقة الأكباد!
فلنُحَي شعبها..
موقع عرب 48


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.