في الوقت الذي تتبارى فيه دول العالم في رفع سقف الحريات، واحترام الرأي الآخر، تلجأ حكوماتنا العربية الى فعل العكس تماماً، اي تشديد اجراءات الرقابة على الصحف، وتضييق قنوات الاتصال، واغلاق المواقع الالكترونية. حكومتان عربيتان تخصصتا، اكثر من غيرهما، في قمع الحريات الصحافية، الاولى هي الحكومة التونسية والثانية هي المملكة العربية السعودية، ولا ننسى في هذه العجالة، حكومة ثالثة هي الحكومة السورية، وان كانت بدرجة اقل، او هكذا نعتقد. الحكومة التونسية، ولرغبة منها في منع وصول المعلومات، والصور، والاخبار، عن الانتفاضة الشعبية التي تعم مختلف انحاء البلاد بسبب استفحال البطالة، والتضييق على الحريات، اغلقت معظم المواقع العربية والاجنبية، الامر الذي يعكس نظرتها الامنية للازمة، وتعاطيها معها بأساليب متخلفة. فرغم سياسة الحجب والاقصاء والتعتيم هذه 'طفحت' شاشات التلفزة العالمية، وموقع 'يوتيوب' بتفاصيل دقيقة عن اعمال الاحتجاج هذه، واستطاع المواطنون والمتابعون، داخل تونس وخارجها متابعة الاحداث اولاً بأول بالصوت والصورة، مما يعني عملياً ان سياسة الحجب هذه لم تكن فاعلة، بل جاءت بنتائج عكسية تماماً، من حيث تشويه صورة تونس، ونسف الكثير من الانجازات في مجالات اخرى، مثل حقوق المرأة، وتطوير مؤسسات التعليم والبحث العلمي. الحكومة السعودية وقعت بالخطأ نفسه وبشكل مبكر، حيث أسست 'مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية' لتولي مهمة حجب المواقع الالكترونية التي تنشر اخباراً ومقالات وتحقيقات لا ترضي المسؤولين، وتسلط الاضواء على بعض نواحي الفساد وانتهاكات حقوق الانسان في البلاد. واطلاق اسم الملك المؤسس عبد العزيز على مدينة تقوم بالحجب ومصادرة الحريات، يسيء حتما الى هذا الرجل الذي يعود اليه الفضل في توحيد البلاد، وترسيخ حضورها على الصعيدين الاقليمي والدولي، كما ان القول بان هذه المدينة هي للعلوم التقنية، اساءة اخرى لهذا الميدان العلمي الحضاري، فليس من العلوم مصادرة الحريات وقمع الرأي الآخر. بالامس حجبت السلطات السعودية موقع 'ويكيليكس' بنسخته العربية الذي ينشر الوثائق المتعلقة بالحكومات العربية، والمملكة العربية السعودية على وجه الخصوص، كما اصدرت ما وصفته 'لائحة' جديدة لتنظيم النشر الالكتروني تفرض قيودا تبدو اكثر تشددا من لائحة مماثلة 'تنظم' النشر الورقي. ما لا تعرفه السلطات السعودية ان مثل هذه الاجراءات لا يمكن ان تمنع تدفق المعلومات، لان ثورة الاتصال التي تعم العالم حاليا، لا يمكن حصارها من خلال الحجب والقمع، مضافا الى ذلك ان المواطن السعودي بات على درجة كبيرة من العلم والوعي للوصول الى المعلومة التي يريدها من مختلف المصادر بما فيها المحجوبة في بلاده. ويكفي التذكير بان المملكة توفد عشرين الف طالب سنويا للدراسة في جامعات امريكية واوروبية وهؤلاء من الصعب ان يقبلوا سياسات حكومتهم هذه في الحجب والاقصاء بعد عودتهم الى بلادهم مسلحين بأهم الشهادات واعلاها، خاصة بعد أن اطلعوا على الحريات التي يتمتع بها المواطنون في الدول التي تعلموا في جامعاتها. الجماهير في المدن التونسية تخرج الى الشوارع في انتفاضتها التي رأيناها عبر شاشات التلفزة، ليس بسبب تدفق المعلومات، وانما بسبب حجبها، ونتيجة للاوضاع المعيشية المزرية، ولا نستغرب ان يحدث الشيء نفسه في المملكة العربية السعودية وللاسباب نفسها ايضا. 2011-01-03