تونس:ترقب كبير انتاب العديد من التونسيين في البلاد وخارجها في انتظار كلمة الرئيس زين العابدين بن علي يوم أمس في خضم الاحتجاجات العنيفة والمستمرة التي تعيشها تونس والتي دخلت أسبوعها الرابع والتي تخلف يوميا عددا غير محدد من الضحايا وصل حسب مصادر من المعارضة إلى ما يقارب الخمسين قتيلا.ترقب تحول مع نهاية الخطاب الرئاسي إلى خيبة أمل عارمة ، خيبة لم يتردد التونسيون في التعبير عنها على صفحاتهم الشخصية على فايس بوك، خصوصا على الصفحات ذات الانتشار الواسع. خيبة أمل ، لأن خطاب بن علي الذي توقع البعض أن يأتي بقرارات غير مسبوقة ومواقف جديدة و فعالة تشفي غليل مئات الآلاف ممن ضاقوا ذرعا بالأوضاع جاء جافا وتضمن الكثير من اللغو الذي لا طائل منه... مقتطفات من خطاب بن علي إلا أن بن علي الذي بدا مرهقا أكثر من أي وقت مضى وخانته في بعض الأحيان قدرته على التعبير و فشل في مرات عديدة في السيطرة على انفعالاته. وجاء خطابه مراوحا بين العصا والجزرة . وصدم المتتبعين بوصفه المحتجين بعصابات المجرمين والملثمين الذين هاجموا مكاتب حكومية واعتدوا على الأماكن العامة متوعدا إياهم بالملاحقة القانونية ومطالبا الأولياء بإرشاد وتوعية الأبناء حتى لا ينساقوا وراء تيارات شريرة تسيرها "أطرافا مناوئة ومأجورة أقلقها تقدم ونجاح تونس". ليحافظ بن علي بعد أيام قليلة من خطابه الأول الذي تزامن مع اندلاع الحركة الاحتجاجية على نفس التعامل مع الأحداث، محملا من جديد أطرافا أجنبية مسؤولية تدهور الأوضاع في تونس. بين ثنايا لهجة بن علي المتوعدة والمهددة تضمن الخطاب وعودا بخلق 300 ألف فرصة عمل جديدة خلال سنتين وتعهد شخصيا بتوفير العمل لكل حامل شهادة عليا ممن تجاوزت بطالتهم العامين. كما تعهد بضمان المزيد من حرية الصحافة والإعلام المحلي. تونس - كلمة بن علي حول الأحداث التي تعرفها البلاد ألقى الرئيس التونسي زين العابدين بن علي الاثنين خطابا وصف بالهام أعلن فيه عن سلسلة من الإجراءات الاجتماعية والاقتصادية التي ستتخذها حكومته قريبا بهدف تحسين أوضاع الشبان عامة والعاطلين عن العمل خاصة. ووعد الرئيس التونسي بخلق 300 ألف فرصة عمل جديدة في 2011 و2012 بمشاركة مؤسسات الدولة والشركات الخاصة. كما اقترح عقد ندوة وطنية تشارك فيها المجالس الدستورية والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني والجامعيين بهدف اقتراح خطط واستراتيجيات جديدة لدعم سياسة العمل التي تعد أبرز أولويات تونس بحسب بن علي. من جهة أخرى، تعهد الرئيس التونسي بإعطاء دفع جديد للإعلام الجهور وتخصيص مساحات إعلامية أوسع لكل ولايات الجنوب لتعبر عن مشاكلها إضافة إلى دعم وحدات إنتاج السمعية البصرية لفسح المجال أمام المواطنين للتعبير عن أرائهم ومتطلباتهم، داعيا في الوقت نفسه نواب الشعب والهياكل المركزية والحزبية الإصغاء إلى المواطنين وإقامة جسر للحوار معهم وتسوية مشاكلهم. وللتخفيف من عبء البطالة الذي أصبح يطال فئات كثيرة من الشعب التونسي، لا سيما المتخرجين من الجامعات، قرر بن علي إعفاء كل مشروع اقتصادي جديد من دفع الضرائب في الأرباح لمدة عشر سنوات. وإلى ذلك، اتهم الرئيس التونسي أطراف أجنبية من دون أن يسميها بالوقوف وراء الاضطرابات التي تشهدها البلاد منذ أسبوعين، داعيا الأولياء والمواطنين إلى إبعاد أبناءهم عن المشاغبين والمفسدين الذين يخدمون بحسبه أطراف حاقدة. كما تعهد بالحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين رغم محدودية قدرات تونس المالية. وشكر في النهاية بن علي زعيم ليبيا معمر القذافي بعد أن قرر تيسير حركة تنقل المواطنين التونسيين إلى ليبيا للبحث عن العمل أو للاستثمار.
وقد رأى التونسيون على الانترنت وممن اتصلت بهم فرانس 24 أن هذه القرارات هامة إلا أنها جاءت متأخرة ولم تأت بمواقف تقطع نهائيا مع الفساد المتفشي في البلاد وتدهور حرية التعبير وقمع الحريات ومصادرة الحق في التظاهر والديمقراطية. وكأن هذه الاحتجاجات الشعبية العفوية كانت فقط للمطالبة بالعمل. ورددت المدونات وصفحات الانترنت شعارات بمعنى " لغو ولغو فلغو..."وتساءل البعض عن المغزى من عبارات وردت في الخطاب حين قال بن علي إننا " نعتز بكثرة أعداد المتخرجين"في وقت يفوق فيه عدد العاطلين عن العمل من حاملي الشهادات 500 ألف شخص حسب المعارضة..وتساءل رواد الانترنت عن أي نجاح تحسدنا عليه الأطراف الأجنبية ؟ وعن سر إثناء بن علي على القائد الليبي معمر القذافي في خطاب كان من المفترض أن يهدئ من روع شعب غاضب ويخمد شرارة لهب قد تحرق البلاد. وفهم العديد هذا الشكر على أنه دعوة من بن علي لمن ضاقت بهم السبل في تونس إلى الرحيل والعمل في ليبيا المجاورة حيث ستتم معاملتهم كمواطنين ليبيين.. واشنطن تستدعي السفير التونسي وتبدي قلقها إزاء الاضطرابات الاجتماعية مرد خيبة أمل التونسيين من خطاب بن علي يعود أيضا لغياب الإقناع، والملل من الوعود وان حاول بن علي أن يسبغ على خطابه نبرة الأبوة. حتى أن العديد تحسر على خطابات الزعيم الحبيب بورقيبة واستشهدوا بخطابه الشهير الذي نشروه على صفحاتهم الخاصة. والذي توجه به إلى التونسيين خلال الانتفاضة الشعبية التي شهدتها البلاد في كانون الثاني/ يناير 1984 والتي تعرف بثورة الخبز وخلفت عددا كبيرا من القتلى والجرحى. وكان بورقيبة المعروف بأب الأمة ، أعلن في ذلك الخطاب العودة عن قرار سابق برفع سعر الخبز استجابة للمطالب الشعبية القوية،وكان لخطابه ذاك مفعول آني حيث خمدت الانتفاضة الشعبية والتف الشعب من جديد حول رئيسه في ذلك الوقت. البطالة في تونس المعارضة لم تتأخر أيضا في التعبير عن خيبة أملها من خطاب بن علي وطالب أحمد نجيب الشابي زعيم "الحزب الديمقراطي التقدمي" بتغيير الحكومة الحالية بحكومة إنقاذ وطني في حين كرر المنصف المرزوقي زعيم حزب المؤتمر من أجل الجمهورية الدعوة إلى عصيان مدني سلمي .وردد راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة دعوته المواطنين للتحرك ضد بن علي والتخلي عن ظاهرة الانتحار للتعبير عن المطالب خاصة أن الانتحار يحرمه الإسلام على حد تعبيره. ميدانيا لم تكن ردود الفعل الأولى على خطاب بن علي على مستوى انتظار الرئيس التونسي ، حيث لم تهدأ الحركات الاحتجاجية بل توسعت أكثر فأكثر وشهدت العاصمة تونس التي كانت لغاية الآن بمنأى عن المواجهات العنيفة بين الشرطة والمحتجين أعمال عنف كبيرة وتناقلت مدونات الانترنت مشاهد مصورة بالفيديو عن لجوء الشرطة للعنف ضد المتظاهرين ومنعهم من بلوغ شارع الرئيس الحبيب بورقيبة ، العصب الرئيسي للعاصمة. كما تناقلت صفحات فايس بوك صورا جديدة مؤثرة للغاية عن قتلى سقطوا برصاص الشرطة في مدينة القصرين يوم أمس الاثنين مما يعني أن المواجهات العنيفة لا تزال مستمرة في هذه المدينة التي سجلت لغاية الآن أكبر عدد من القتلى في صفوف المحتجين وصل حسب مصادر نقابية لما يقارب الثلاثين . الحكومة التونسية علقت عشية أمس بعد بث خطاب بن علي الدروس في المؤسسات التعليمية من مدارس وجامعات إلى أجل غير مسمى وذلك بعد أسبوع من استئنافها ، في خطوة يمكن تأويلها ببداية الخروج الفعلي للأمور عن السيطرة ، خاصة أن انضمام طلبة الجامعات و المدارس إلى المحتجين قد زاد النار اشتعالا ووسع من رقعة المواجهات بين المحتجين والشرطة . وقد فسر وزير التربية والتعليم خلال أحد البرامج الإخبارية هذا الإجراء بأنه وقائي يهدف إلى حماية الطلبة من نتائج هذه الأحداث ومن "منطلق حماية الدولة للأفراد". وأوردت آخر التعليقات على صفحات فايس بوك أخبارا لم تتأكد صحتها عن قيام السلطات التونسية في بعض المدن والمناطق بحجب موقع فايس بوك ، مما قد يعني أن الحكومة بدأت فعلا حملة تصعيد جديدة ، تهدف لخنق آخر وسيلة إعلام شعبية تكشف الحقائق عما يجري في تونس في غياب مستمر للمعلومة في وسائل الإعلام المحلية والرسمية.