كولونيا (ألمانيا) - قليلون هم الألمان الذين لم يسمعوا بعد بمسجد "حي إيرنفلد" في كولونيا، فالمسجد الذي ملأ أسماع الألمان وشغل وسائل إعلامهم لا يزال -بعد سبع سنوات من ولادة فكرته - "حبرا على ورق".. أو على أقصى تقدير "مشروعا مجسما من خشب". لكنه وبالرغم من عدم الشروع في بنائه يمثل حقل صراع مرير بين الجالية المسلمة التركية وبين اليمين المتطرف الذي فعل كل ما بوسعه حتى الآن من أجل إلغاء المشروع. ومن يزور المبنى رقم 164 بشارع "فنلور" في حي إيرنفلد غرب مدينة كولونيا سيمكنه رؤية المكان المهيأ لبناء المسجد المنتظر والذي تبناه اتحاد مسلمي تركيا بألمانيا والذي يدير حوالي 900 مسجد وجمعية ويعتبر أكبر تجمع لمسلمي ألمانيا. وهناك سيجد المار في الأغلب سيارتين للشرطة واقفتين غير بعيد عن المدخل الرئيسي، حيث يعتبر المكان بالنسبة للشرطة الألمانية ذا حساسية بالغة؛ إذ شهد في الأشهر الأخيرة تنظيم أكثر من مظاهرة من قبل اليمين المتطرف الألماني الذي كان أول من ابتدع الشعار العنصري المعادي للمسلمين والمتمثل في شعار مسجد مشطوب بالأحمر والذي اتخذ فيما بعد كشعار لحركة "أوقفوا الأسلمة" العنصرية التي نشأت في الأشهر الأخيرة في أوروبا. وفي الحقيقة فإن المكان الحالي الذي سيتم هدمه بالكامل يتوفر على مسجد كان في السابق مصنعًا للمواد الغذائية، كما أن المبنى الذي سيقام على أنقاضه المشروع يمتلك في الوقت الحالي مكتبة ومطعمًا ومكاتب إدارية تابعة للجمعية التركية. المسجد المركزي وفي قاعة كبيرة تحت المسجد الحالي تجمع حوالي مائة شخص يوم السبت 22-12-2007 أغلبهم من الشباب والأطفال يحتفلون بثاني أيام عيد الأضحى الذي وافق في كولونيا يوم الخميس 20-12-2007 حيث تخللت العروض الموسيقية للمحتفلين كلمات لممثلي الجمعيات المسلمة. ولم يتردد منظم الحفل على وقع تصفيق حار في أن يعد بمسحة تفاؤلية بأن "بيرام (عيد بالتركية) السنة المقبلة سيكون في المسجد المركزي في هذا المكان". "المسجد المركزي" هي العبارة التي يستعملها اتحاد مسلمي تركيا بألمانيا من أجل تفادي استعمال تسمية "المسجد الكبير" التي عطلت بناء المشروع سبع سنوات بعد انطلاق فكرته لأول مرة في خريف سنة 2001، بحسب مراسل "إسلام أون لاين.نت". المئذنتان تهديد للهوية! سبع سنوات من التفكير ونصفها من الجدل حول ما اعتبره اليمين المتطرف في مدينة كولونيا ممثلا في جماعة "برو كولونيا" (من أجل كولونيا) تهديدا لهوية مدينتهم المسيحية، حيث يعتبرون أن المئذنتين اللتين سوف ترتفعان على 55 مترا و"القبة الضخمة التي سترتفع على 34 مترا سوف تشكل تغييرا للطبيعة المعمارية للحي وللمدينة بشكل عام". ولم ينفك اتحاد مسلمي كولونيا منذ سبع سنوات على العمل من أجل إقناع ممثلي الأحزاب في المجلس البلدي على أن طول المئذنتين لا يهدد إطلاقا الوجه المعماري للمدينة وفي الكتيب الذي يوزعه على كل زائري إدارتهم الحالية اليوم يفسر بالأرقام أن المئذنتين لا يعدان شيئًا يذكر مقارنة بارتفاع "كاتدرائية كولونيا" الشهيرة التي ترتفع على امتداد 150 مترا. وفضلا عن طول كاتدرائية كولونيا، فإن الواقف في ساحة "المسجد المشروع" سيشاهد برجا للتلفزيون يمتد على 200 متر؛ وبالتالي "فإن طول المئذنتين حجج واهية تخفي وراءها شعورا إسلامفوبيا" يجمع جميع رواد مسجد اتحاد مسلمي تركيا بكولونيا. ومن المنتظر أن تمتد مساحة المركز الذي جمعت أمواله من تبرعات رواد المسجد الحالي في حالة الشروع في بنائه على 20 ألف متر مربع بقاعة صلاة تتسع إلى 2000 مصلٍ، كما ينتظر أن يشتمل المركز على بازار على النمط التركي، أو مركز تجاري يضم 30 محلا لبيع مختلف المواد التي لها ارتباط بالإسلام من مأكل ولباس وكتب وغيرها. إدارة اتحاد مسلمي تركيا بألمانيا تبدو متفائلة من إمكانية بداية بناء المشروع صيف العام القادم، وخاصة أن الاتحاد قام في الآونة الأخيرة ومن أجل إسكات الجدل "بتحوير جزئي للشكل الهندسي للمشروع" وهو تحوير لم يكشف عنه المسئولون بعد؛ إذ من المنتظر أن تعقد جلسة للمجلس البلدي لمدينة كولونيا في شهر يناير من العام المقبل من أجل النظر في هذه التعديلات الهندسية. المركز الحلم ولا شك أن العام القادم سيكون حاسمًا من أجل مشروع بناء "المركز الحلم" بالنسبة لمسلمي كولونيا، غير أن أصوات اليمين المتطرف لا تزال قوية ونافذة، وخاصة أنهم أصبحوا يحظون بدعم بعض أصوات الحزب المسيحي بكولونيا الذي يسيطر على المجلس البلدي. وفي انتظار ما ستؤول إليه التعديلات التي سيكشف عنها في ما يتعلق بهندسة المشروع فإن الأطفال والشباب المجتمعين في احتفال العيد في الطابق الأرضي للمسجد الحالي يطمحون في أن يكون احتفالهم العام القادم تحت قبة تعانق السماء لا في قاعة يغلب عليها الظلام تحت الأرض.