استبعد وزير الخارجية المصري أن يحصل ببلده ما حصل بتونس ووصف ذلك بأنه كلام فارغ، لكن خروج المصريين للشارع لأيام متوالية وتحديهم للحضور الأمني القوي وتعامله العنيف الذي تابعه الرأي العام الدولي عبر القنوات الإخبارية وعبر الإنترنت -قبل أن تضطر السلطة لإيقافها وقطع الاتصالات الهاتفية الأرضية والمحمولة ومضايقة الصحفيين- أكد أن أبو الغيط لم يقرأ واقعه جيداً وأنه بعيد عن هموم المصريين وما يدور بينهم منذ مدة، وخاصة بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة وهيمنة الحزب الوطني الحاكم على جلّ مقاعد مجلس الشعب (البرلمان) مما زاد من احتقان الوضع السياسي بمصر فضلاً عن الاحتقان الاجتماعي والواقع الاقتصادي الصعب. ورغم أن السلطة المصرية والمحسوبين عليها في مجال الإعلام، حاولوا أن يتهموا جماعة الإخوان المسلمين بالوقوف وراء الاحتجاجات وتحريك الشارع لضمان سكوت الخارج عن تعاملها العنيف مع الاحتجاجات، إلا أن جل الصحفيين والمراقبين كذبوا ذلك وأكدوا بوضوح في مقالات ومداخلات في قنوات مصرية ك «المحور» على سبيل المثال، أن الحزب المهيمن في الاحتجاجات بمصر هو حزب «الفيس بوك» و «التويتر» و «اليوتوب» وأغلب أعضائه من الشباب الذين رفعوا السقف على جل الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية والجمعيات، وأرغموا كثيراً منها على تغيير لهجتها وركوب الموجة. ويظهر من حجم المتظاهرين وطبيعة الشعارات المرفوعة سواء في القاهرة أو السويس أو الإسماعيلية وغيرها، أن مصر هي الأخرى تحصد نتائج هيمنة الحزب الواحد (الحزب الوطني) وسيطرته على دواليب الحكم، وتجريف الحياة السياسية وغياب الديمقراطية، وما يصاحب ذلك من تداعيات وأعراض تتمثل في هيمنة المنطق الأمني، وانتشار الفساد الإداري والمالي وما إلى ذلك. إن ما حصل بمصر أكد درجة ضجر المصريين من تحكم حزب واحد في دواليب السلطة وتحديده لقواعد اللعبة السياسية، والقيام بدور الخصم والحكم في الوقت نفسه، كما أكد للجميع بوضوح الرأي الحقيقي للمصريين في الحزب الحاكم وقدم إدانة صارخة للتزوير الذي شاب الانتخابات البرلمانية الأخيرة، إذ لا يعقل أن يكون المصريون الذين خرجوا للشارع كل هذه الأيام احتجاجا على سياسات الحكومة التي يقودها الحزب الوطني بزعامة الرئيس حسني مبارك، هم المصريون الذين منحوه %95 من مقاعد البرلمان. وقد فاحت رائحة تزوير الانتخابات لدرجة رأت فيها صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية بالإضافة لتوريث مبارك الحكم لنجله تفسيراً معقولاً لغضب المصريين، متوقعة أن الاحتجاجات لن تتوقف وستنتشر مادامت أسباب ما وصفته بالثورة باقية. كثيرون توقعوا تكرار السيناريو التونسي بمصر، لوجود بعض القواسم المشتركة من قبيل هيمنة الحزب الواحد على الحكم وسيطرة المنطق الأمني واستعمال فزاعة الإسلاميين لكسب دعم الغرب لكني أعتقد أن ذلك مستبعد، نظراً لحساسية موقع مصر الجغرافي المحاذي لإسرائيل، ورهان الغرب المعروف على دور النظام المصري في ما يعرف بمسلسل السلام بالشرق الأوسط، وهذا الأمر سيجعل أميركا والاتحاد الأوروبي يمسكون العصا من الوسط، وذلك بتأييد حق الشعب المصري في الاحتجاج السلمي وعدم استعمال القوة ضده، والضغط على مبارك للقيام بإصلاحات سياسية واجتماعية واقتصادية لامتصاص غضب المصريين وتهدئة الشارع. وقد يختلف الغرب في صيغ التفاعل مع ما يجري بمصر، لكن الجوهر سيكون واحداً وهو تأييد استمرار حسني مبارك في موقعه، ولذلك شدد الرئيس الأميركي باراك أوباما على أنه (الرئيس المصري) كان «متعاونا جدا في سلسلة من القضايا الصعبة في الشرق الأوسط» وأنه حليف مهم للولايات المتحدة، مؤكداً في الوقت نفسه ضرورة القيام بإصلاح سياسي واقتصادي من أجل مصلحة مصر. وقد يكون هذا الإصلاح في اتجاه عدم احتكار الحزب الحاكم للسلطة وتقاسمها مع أحزاب سياسية أخرى طبقا لما تفرزه الانتخابات، خاصة بعدما أثبتت التجربة أن قتل التعددية السياسية ولّد حزباً قوياً مفتوحاً للجميع لا يمكن محاصرته والتضييق عليه بالطرق التقليدية لأنه حزب غير تقليدي وعصيّ على التطويع والحصار والتزوير، إنه حزب «الفيس بوك والتويتر». صحيفة العرب القطرية