لازالت تداعيات الخبر الذي نشرته صحيفة "الخبر" الجزائرية في مطلع هذا الشهر عن أن الجزائر اكتشفت أن زيت نبات تونسي فيه نسبة كبيرة من الرصاص، مبالغ فيها، تتالى بعد اللغط الذي أثاره حول طبيعة العلاقات الجزائريةالتونسية، وعما إذا كان الأمر يعكس فتورا في العلاقات بين البلدين، أم أنه ليس إلا تعبيرا عن مناكفات دول الجوار المغاربي حول بعض الصفقات ذات الصبغة التجارية، لا سيما تلك المتصلة بالعلاقة مع الاتحاد الأوروبي. فقد دشن إعلاميان تونسيان يوم السبت الماضي إضرابا مفتوحا عن الطعام على خلفية قضية تم رفعها ضد صحيفتهم بسبب نشرهم لخبر الصحيفة الجزائرية. وقد نفى وزير الإعلام الجزائري الأسبق محيي الدين عميمور في تصريحات خاصة ل"قدس برس" إحاطته بكل تفاصيل موضوع الخبر الذي نشرته صحيفة الخبرالجزائرية حول زيت الزيتون، لكنه رجح أن يكون الأمر مجرد تعبير عن تنافس تجاري بين رجال أعمال البلدين تم تصعيده للصحافة، وقال: "ليست لدي المعطيات الكافية حول هذا الخبر، لكنني أعتقد أنها تندرج في سياق التنافس التجاري بين رجال الأعمال الذين سربوها إلى الإعلام لخلق مشكلة إعلامية لا أكثر ولا أقل، وإلا فإن العلاقات الثنائية بين تونسوالجزائر، علاقات استراتيجية دائما وقائمة على الرغبة في حفظ الاستقرار في المنطقة، والتعامل بين البلدين يتم على أعلى المستويات وبالجدية اللازمة، ولا يتم بالتحريض الإعلامي". وأشار عميمور إلى بروز الجانب الأمني في العلاقات بين تونسوالجزائر، لجهة الخطر الإرهابي الذي يتهدد المنطقة، وقال إن "العلاقات بين تونسوالجزائر علاقات جيدة وممتازة ولا وجود لمشاكل بين البلدين، ولكن الجانب الأمني دائما يأخذ الصدارة نظرا لدقة الملف الأمني وحساسيته في المنطقة التي تتعرض لخطر الإرهاب"، على حد تعبيره. وإذا كان الأمر بين الجزائروتونس قد انتهى على المستوى الرسمي دون أن يثير جدلا يذكر، فإن صحيفة تونسية معارضة أعادت نشر الخبرالجزائري تتعرض لخطر الإغلاق. وقد نفى الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي في تونس أحمد نجيب الشابي " أن تكون صحيفة "الموقف" التي يشرف على إدارتها العامة قد دفعت ثمن هذا التنافس التجاري بين رجال أعمال تونسيين وجزائريين، وقال: "لا أعتقد أن الأمر بالنسبة للقضية المرفوعة ضد صحيفتنا في تونس لها علاقة بالتنافس التجاري بين رجال أعمل تونسيين وجزائريين، الثابت بالنسبة لنا هو أننا كجريدة ذهبنا ضحية انعدام حرية الرأي في تونس، وإلا فإن خبرا مقتضبا نشرته صحيفة جزائرية، يوم 1 نيسان (أبريل) الجاري عن الزيت التونسي، نشرناه نحن في صحيفة "الموقف" بدافع الغيرة الوطنية وطالبنا بإجراء تحقيق في الموضوع، دون الإشارة لأي جهة كانت، وهو إبداء رأي وطني ومسؤول تجاه خبر يحط من سمعة إنتاج تونسي". واتهم الشابي الحكومة بممارسة ما أسماه "ابتزازا سياسيا" بحق عدد من الشركات المعنية بالزيت دون أن تذكرها صحيفة "الموقف"، وقال: "حتى لو كان الأمر يتعلق بخطأ فإن القانون الجزائي والمدني يشترطان أن يكون الخبر صادرا عن سوء نية، ونحن انطلقنا من خبر ظاهره سليم، وأن ما ثبت فيما بعد أن المشكل في كيفية شحنه ونقله، وطالبنا بالتحقيق في الأمر فجريمتنا الوحيدة أننا أبدينا رأيا وبدافع وطني، وبالتالي لا يمكن أن نسائل من طرف شركات هي ضحية الابتزاز الحكومي التونسي، لتطالبنا بنصف مليار دينار تونسي في انتظار تقدير خسائرها في أيلول (سبتمبر) المقبل"، كما قال. وانتقد الشابي الذي أعلن ترشحه للانتخابات الرئاسية المقبلة في العام 2009 قبل أن يصدر قانون يمنعه من ذلك هيمنة النظام الحاكم على القضاء والإعلام، وقال: "ما يشجع الشركات التي رفعت القضية ضدنا هو انعدام استقلال القضاء وخضوعه لمشيئة السلطان، فنحن ضحية النظام التونسي الذي يدوس الإعلام وحرية القضاء، وأنا لا يعنيني رأي الجزائر بقدر ما يعنيني الشأن الوطني، والقضية المرفوعة ضدنا هي جزء من مسلسل طويل لاستهدافنا فبعد المحاصرة التي لم تجد نفعا، سواء تعلق الأمر بحجز الصحيفة من الأكشاك أو عرقلة توزيعها أو فرض عقوبات مالية علينا، تأتي الآن هذه القضية، فهذه سياسة حكومية تستعمل كل الوسائل التي هي تحت يدها من قضاء وإدارة وشركات خاصة من أجل خنقنا". ونفى الشابي أن يكون إعلان الإضراب عن الطعام لأعضاء هيئة تحرير صحيفة "الموقف" له علاقة بزيارة ساركوزي، وقال: "اتهامنا بالاصطياد في المياه العكرة بأننا نريد التشويش على زيارة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي إلى تونس اتهام لا أساس له ولا مبرر، فنحن ندافع عن حياتنا بكل ما نملك وليس لدينا إلا أجسادنا"، كما قال. لكن المحامي وعضو المجلس الأعلى للاتصال عبد الرحمن كريم قلل في تصريحات خاصة ل "قدس برس" من أهمية الاتهامات التي كالها الشابي للحكومة التونسية بشأن الطبيعة السياسية للقضية، وقال: "لا أعتقد أنه من المناسب استباق الأمور والحكم على مسار القضية من الآن، واتهامها بأنها سياسية في حين أنها قضية مدنية بكل المقاييس فأطرافها مدنيون، وطبيعتها قانونية، والقضاء سيقول كلمته فيها يوم العاشر من أيار (مايو) المقبل، ولذلك من السابق لأوانه اتهام أي جهة بمحاولة تسييس القضية لا سيما وأن كل الإجراءات التي تمت حتى الآن تندرج في سياق القضاء المدني". ورفض كريم تشكيك أحمد نجيب الشابي في استقلالية القضاء، وقال: "الأستاذ أحمد نجيب الشابي محامي ويعمل مع القضاء، وأعتقد أنه لو لم تكن لديه ثقة في القضاء لما كان عليه أن يعمل في هذا الميدان منذ سنوات طويلة ويدافع على حرفائه، ولذلك أعتقد أن اتهامه للقضاء بعد الاستقلالية فيه قدر كبير من التناقض، وهو أسهل الدفوعات التي يمكن للمرء أن يلجأ إليها، فهذه قضية مدنية بين أطراف مدنيين وليست واجهة لقضية سياسية، ولو كانت القضية سياسية لتمت الدعوة عن طريق النيابة العمومية، وطالما أن القضية معروضة على القضاء في الشهر المقبل، فأعتقد أنه من الأنسب عدم الاستعجال في كيل الاتهامات لأي جهة"، على حد تعبيره.