قبل نهائي رابطة الأبطال..«كولر» يُحذّر من الترجي والأهلي يحشد الجمهور    الرابطة الثانية (ج 7 ايابا)    أسير الفلسطيني يفوز بالجائزة العالمية للرواية العربية    حادث مرور مروع ينهي حياة شاب وفتاة..    إلى أين نحن سائرون؟…الازهر التونسي    حالة الطقس لهذه الليلة..    أولا وأخيرا: لا تقرأ لا تكتب    افتتاح الدورة السابعة للأيام الرومانية بالجم تيسدروس    إيران تحظر بث مسلسل 'الحشاشين' المصري.. السبب    إنتخابات جامعة كرة القدم: إعادة النظر في قائمتي التلمساني وتقيّة    بسبب القمصان.. اتحاد الجزائر يرفض مواجهة نهضة بركان    البنك التونسي للتضامن يحدث خط تمويل بقيمة 10 مليون دينار لفائدة مربي الماشية [فيديو]    بين قصر هلال وبنّان: براكاج ورشق سيارات بالحجارة والحرس يُحدّد هوية المنحرفين    نابل: إقبال هام على خدمات قافلة صحية متعددة الاختصاصات بمركز الصحة الأساسية بالشريفات[فيديو]    الكشف عن مقترح إسرائيلي جديد لصفقة مع "حماس"    بطولة المانيا : ليفركوزن يتعادل مع شتوتغارت ويحافظ على سجله خاليا من الهزائم    تونس تترأس الجمعية الأفريقية للأمراض الجلدية والتناسلية    المعهد التونسي للقدرة التنافسية: تخصيص الدين لتمويل النمو هو وحده القادر على ضمان استدامة الدين العمومي    2024 اريانة: الدورة الرابعة لمهرجان المناهل التراثية بالمنيهلة من 1 إلى 4 ماي    مشروع المسلخ البلدي العصري بسليانة معطّل ...التفاصيل    عميد المحامين يدعو وزارة العدل إلى تفعيل إجراءات التقاضي الإلكتروني    انطلاق فعاليات الدورة السادسة لمهرجان قابس سينما فن    بودربالة يجدد التأكيد على موقف تونس الثابث من القضية الفلسطينية    الكاف: قاعة الكوفيد ملقاة على الطريق    استغلال منظومة المواعيد عن بعد بين مستشفى قبلي ومستشفى الهادي شاكر بصفاقس    الدورة الثانية من "معرض بنزرت للفلاحة" تستقطب اكثر من 5 الاف زائر    تسجيل طلب كبير على الوجهة التونسية من السائح الأوروبي    بطولة مدريد للتنس : الكشف عن موعد مباراة أنس جابر و أوستابينكو    جمعية "ياسين" تنظم برنامجا ترفيهيا خلال العطلة الصيفية لفائدة 20 شابا من المصابين بطيف التوحد    جدل حول شراء أضحية العيد..منظمة إرشاد المستهلك توضح    تونس تحتل المرتبة الثانية عالميا في إنتاج زيت الزيتون    الأهلي يتقدم بطلب إلى السلطات المصرية بخصوص مباراة الترجي    كلاسيكو النجم والإفريقي: التشكيلتان المحتملتان    عاجل/ الرصد الجوي يحذر في نشرة خاصة..    اليوم.. انقطاع الكهرباء بهذه المناطق من البلاد    فضيحة/ تحقيق يهز صناعة المياه.. قوارير شركة شهيرة ملوثة "بالبراز"..!!    وزير السياحة: 80 رحلة بحرية نحو الوجهة التونسية ووفود 220 ألف سائح..    عاجل/ مذكرات توقيف دولية تطال نتنياهو وقيادات إسرائيلية..نقاش وقلق كبير..    ليبيا ضمن أخطر دول العالم لسنة 2024    بمشاركة ليبية.. افتتاح مهرجان الشعر والفروسية بتطاوين    بن عروس: انتفاع قرابة 200 شخص بالمحمدية بخدمات قافلة طبيّة متعددة الاختصاصات    برنامج الدورة 28 لأيام الابداع الادبي بزغوان    في اليوم العالمي للفلسفة..مدينة الثقافة تحتضن ندوة بعنوان "نحو تفكرٍ فلسفي عربي جديد"    الإتحاد العام لطلبة تونس يدعو مناضليه إلى تنظيم تظاهرات تضامنا مع الشعب الفلسطيني    8 شهداء وعشرات الجرحى في قصف لقوات الاحتلال على النصيرات    مدنين: وزير الصحة يؤكد دعم الوزارة لبرامج التّكوين والعلاج والوقاية من الاعتلالات القلبية    الكاف: إصابة شخصيْن جرّاء انقلاب سيارة    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    وزير الخارجية يعلن عن فتح خط جوي مباشر بين تونس و دوالا الكاميرونية    السيناتورة الإيطالية ستيفانيا كراكسي تزور تونس الأسبوع القادم    بنسبة خيالية.. السودان تتصدر الدول العربية من حيث ارتفاع نسبة التصخم !    تألق تونسي جديد في مجال البحث العلمي في اختصاص أمراض وجراحة الأذن والحنجرة والرّقبة    منوبة: تفكيك شبكة دعارة والإحتفاظ ب5 فتيات    مقتل 13 شخصا وإصابة 354 آخرين في حوادث مختلفة خلال ال 24 ساعة الأخيرة    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لا تقدم بدون ضمان حرية التفكير والتعبير:ولا تنمية اقتصادية واجتماعية وثقافية
نشر في الفجر نيوز يوم 01 - 05 - 2008

ولا تنمية اقتصادية واجتماعية وثقافية دون حد ادني من التنمية السياسية..
(الجزء الاوّل)
بقلم : عبد السّلام بو شدّاخ، احد مؤسسي الحركة الاسلامية في تونس
بسم الله الرحمان الرّحيم
كيف الاحتفال بيوم الشغل والعمل بين ثقافة الانبطاح
و ثقافة الاصلاح على مرّ السنين
الحياة في ضلّ الهوية العربية الاسلامية والحريات الشخصية نعمة
و المحافظة عليها واجبة وضرورة
الحقّ في العمل و الشغل واجب و احترام الحقوق المنزوعة و المهدورة ضرورة
من وحي معاناة البطالة و الفقر و الخصاصة والحرمان و عجزالقطاع الفلاحي والنزوح وزحف العمران
"واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرّقوا واذكروا نعمة الله عليكم اذ كنتم أعداءا فألّف بين قلوبكم" (آل عمران 103)
"قل هذه سبيلي ادعو الى الله على بصيرة انا ومن اتبعني وسبحان الله" (سورة يوسف 108)
باريس في 1 ماي 2008
بقلم : عبد السّلام بو شدّاخ، احد مؤسسي الحركة الاسلامية في تونس
من وحي معاناة الشغالين : عمال منزوعة و مهدورة حقوقهم أما آن لها أن تنهض وتسير في سبيل الحياة فمن نام لم تنتظره الحياة. تم في مجلس الوزراء المنعقد يوم 11/04/2008 عمل هادف ومفيد يؤكد متابعة رئيس الدولة لدعم التنمية و تحسين ظروف عيش المواطنين ومواصلة تشغيل الشباب خاصة أبناء المعوزين والشباب الريفي في المناطق النائية هذا أمر ايجابي. وتقف اليد العاملة بالقلم والفكر والسّاعد في كل بلد من بلدان العالم يوم غرة ماي من كل سنة لتقيّم مسيرتها وتحصي ضحاياها وتتبيّن نقاط القوّة والضعف في كفاحها العادل المتواصل من أجل الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
تأتي الذكرى الرابعة عشر بعد المائة لعيد العمال العالمي، هذا العيد الذي تمرد فيه العمال على جلاديهم ومصاصي دمائهم ،واستطاعوا عبر شلالات الدم والنضال المتواصل انتزاع العديد من حقوقهم العمالية وفي مقدمتها يوم عمل من ثماني ساعات ،وكذلك سن العديد من القوانين والتشريعات التي تكفل وتحمي هذه الحقوق .
واليوم في ظل الرأسمال العولمي ،نرى ونشهد هجمة شرسة على كل منجزات ومكتسبات الحركة العمالية ،فأوضاع اليد العاملة،تشهد المزيد من التدهور والتراجع وقضم الحقوق،حيث الرأسمال العوامي يزداد توحشاً وتغولاً، ونشهد أوضاع اقتصادية كارثية تبشر بأزمة اقتصادية عالمية جديدة، ولربما أسوء من الأزمة الاقتصادية في عشرينات القرن الماضي،حيث الارتفاع الجنوني في الأسعار،والتباطؤ في النمو الاقتصادي،وتراجع معدلات الإنتاج في السلع الأساسية كالقمح والأرز. وهذا كله بفعل سياسة العولمة الاستغلالية،وشن أقطابها الحروب الغير العادلة والعدوانية وتدميرية،فبهدف إحكام سيطرتها واستمرار نهبها لخيرات ومقدرات الشعوب الفقيرة
ويحلّ اليوم العالمي للشغالين لسنة 2008 والتونسيون ضحيّة مفضّلة للاستغلال، والتهميش السياسي، والتفقير المادي والمعنوي، ضحية مفضّلة للاعتداء على لقمة عيشها وعلى حقّها في الشغل والحياة الكريمة وحقّها في النشاط النقابي والسياسي المستقل للدفاع عن نفسها وبناء الوطن المستقل والمزدهر.
فقد أمعن النظام في تطبيق سياسة اقتصادية ليبرالية من موقع التبعية للخارج، وأمعن في تخريب النسيج المؤسّساتي القائم عن طريق البيع العشوائي وترديد معزوفة اقتصاد المؤسسات الصغرى والمتوسطة والمشاريع الخدماتية غير المنتجة وتخلّي الدولة عن دورها مقابل ذلك.
وحلّ محلّها الرأسمال الأجنبي الخاص في قطاعات ذات نفع عمومي، وحلّ محلّ الشغل القارّ نظام التشغيل بالمناولة وغيره من أشكال عقودالعمل الهشة كعقودالعمل الوقتي، وعقودالعمل بعقد لأجل محدد.المدة
وبالتوازي يتواصل غلق المؤسسات نتيجة أزمة النسيج في الآونة الأخيرة وتتفاقم ظاهرة الطرد الجماعي للعمال مقابل إجراءات شكلية كإحداث عقود إعادة إدماج في الحياة المهنية التي أخرجوا منها ويتواصل غلق باب الانتداب أو اعتماد القطرة قطرة في ما بقي من مؤسسات الدولة والقطاع العام وتوخّي المصفاة الأمنية في انتداب الأعوان.
ويتواصل الضغط على حق العلاج بمراجعة نظام التأمين على المرض عبر الترفيع في نسب المساهمة وفي تعريفات العلاج وأسعار الأدوية، وعلى المقدرة الشرائية بالترفيع في أسعار المواد الحيوية أو بتحريرها، والترفيع في الأداءات.
ولتغطية هذه السياسة وتمريرها دون رد فعل من ضحاياها يتمّ التمويه دوريا بزيادات شكلية في الأجر الأدنى الصّناعي والفلاحي، من دون تشريك لممثلي الشغالين، كما تتم زيادة بضع دنانير لأجور الموظفين والأعوان مرة كل ثلاث سنوات.
ويتفاقم عجز ميزانية الأُسَر الكادحة واتساع الهوّة بين ما يتقاضاه الأجير وتكاليف العيش وفي المقابل يزداد ثراء الأثرياء الجدد الذين يستولون على الملك العام والمال العام ويمارسون النهب والسلب تحت غطاء التأهيل والخوصصة وغيرها. وتنخر الآفات الأخلاقية المجتمع كالرشوة والمحسوبية والغش والوشاية والبغاء والتسول والكحولية والمخدرات.
البطالة و الفقر و الخصاصة والحرمان : ويقضي الشباب نحبه غرقا أو يقع القبض عليه وهو يجازف بحياته هربا من جحيم البطالة والفقر والقهر. وتجد هذه الآفات في تدهور المقدرة الشرائية وفي البطالة التي طالت أصحاب الشهادات العليا وفي سياسة تكميم الأفواه تربة خصبة لمزيد الانتشار.
نتيجة لخيارات إقتصادية وتنموية ليس لشباب الرديف ناقة ولا جمل يتظاهر الشباب من أجل حق الشغل و يركب شباب الرديف والمحمدية و الكبارية وجبل الجلود و سيدي فرج و قفصة و الشابة و ملولش، وغيرها من القرى ركب 12 شابا من الحي العتيق بالمحمدية و14 شابا آخرين من نفس الوطن ركبوا قوارب الموت، قوارب الكرامة بحثا عن الشغل ومن أجل تحسين وضعهم الإجتماعي والإقتصادي.
أن هؤلاء الشباب رغم معرفتهم المسبقة بأن عملية "الحرقان" مجاسمة محفوفة بالمخاطر ومع ذلك فإنّ إصرارهم على خوضها ولا بديل لهم عنها هو نتيجة لواقع التهميش والإقصاء والإحساس بالظلم والضياع وتزايد مظاهر الحيف، والتوزيع العادل للثروة بين أبناء الشعب فكان "الحرقان" هروبا من الجوع والقمع والحرمان.
ولا تنفع الإجراءات الشكلية التي تتّخذها الدولة بين الحين والآخر للإيهام بتفريج كربة المحرومين مثل مواسم الانخفاض في للاسعار التي تعني فيما تعني كساد السوق المحلية وضعف الطاقة الشرائية. كما لا تنفع معزوفة المسار الديمقراطي وحقوق الإنسان التي أفلست ولم تعد تنطلي على أحد أمام واقع القمع والإقصاء.
عائلات تخترق الحدود فرارا من الجوع والفقر :عبرت عشرات العائلات التونسية القاطنة على طول الشريط الحدودي الشرقي لبلدية بئر العاتر بتبسة، بقرية عقلة أحمد، الحدود نحو دوار ''عائشة أم شويشة''، الذي لا تفصله سوى 700 متر عن نقاط التماس للحدود بين البلدين.
وأقيمت خيمة لتتجمع حولها تلك العائلات التي أكدت أنها فرت من جحيم البطالة والفقر وانتشار الأمراض. وطالب النازحون بلقاء القنصل التونسي في تبسة ووالي ولاية قفصة التونسية. مباشرة بعد تخطي الحدود طوقتهم فرق حرس الحدود لمنعهم من التوغل داخل التراب الجزائري، ووفّرت لهم كل الظروف لتأمين حياتهم، وقد حظيوا بمعاملة حسنة، حسب ما أكده شهود عيان.
ولدى مساءلة هؤلاء التونسيين من طرف مسؤولي الأمن بالمنطقة، علموا أن السبب الذي دفعهم لهذه الهجرة الجماعية هو الفرار من جحيم الفقر والجوع، وأنهم لم يجدوا سوى دخول التراب الجزائري. وفي اليوم الموالي عاد، من مجموع ال60 تونسيا، 20 إلى بلدهم لظروف صحية لا تسمح لهم بالبقاء أطول من تلك المدة.
ويزداد وضع العمال وأبناء الشعب الكادح والعاطل سوءا في ظل سياسة الارتهان بالخارج التي وجدت في "العولمة" ذريعة جديدة للتخلي على المكشوف عن الاستقلال الوطني واستقلالية القرار، عبر تقديم المزيد من التسهيلات للخواص الأجانب، مالية وعقارية وقمرقية، ومن التفويت في المؤسسات العمومية التي هي ثمرة مجهود وطني، ومن التداين الذي جعل كل مواطن تونسي مدينا للخارج، ومن توجيه الاقتصاد للتصدير بدل سد الحاجات الداخلية للسوق الوطنية والشعب التونسي، مما جر إلى تفكك قطاعات الإنتاج وتراجع دورها .
عجزالقطاع الفلاحي و الفقروالنزوح وزحف العمران: وأهم علامة على ذلك عجز القطاع الفلاحي من الاكتفاء الذاتي بتغطية حاجيات البلاد من الحبوب واللحوم والحليب والغلال والخضر كأزمة البصل والبطاطا مثلا وهي سياسة جعلت اقتصاد البلاد ومعيشة المواطن يتأثران بأبسط أزمة تظهر على الاقتصاد العالمي، والدليل اليوم أزمة البترول ومضاعفاتها المباشرة على أسعار المحروقات، وأزمة قطاع النسيج إثر إلغاء العمل بنظام الحصص وما سببته من غلق لمؤسسات النسيج في المنستير وتونس وبنزرت..إلخ. وتعزيز لصفوف العاطلين بأعداد جديدة .
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم في الحديث الذي اخرجه الترمذي والحاكم من حديث ابي سعيد الخدري رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله غليه وسلّم قال :"التاجر الصّدوق يحشر يوم القيامة مع الصدّيقين و الشهداء". و قال لاتعالى في سورة المطفّفين اذ قال : " ويل للمطففين الذين اذا اكتالواعلى النّاس بستوفون" (المطففون 1-2) و قال تعالى في سورة البقرة :"يا ايها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم"(البقرة172).
ولكي يفرض النظام هذه السياسة اللاّشعبية واللاّوطنية على العمال والعاطلين و الكادح عموما توخّى نهج القمع ومَنَعَ كافة أشكال الاحتجاج والتنظّم المستقل بذريعة أن "التنمية والأمن" متلازمان، فلا التنمية تحقّقت ولا الأمن استتب!
كل ما هنالك تنمية جيوب البعض من التونسيين والأجانب، وثروات الذين ينهبون ويسرقون، مقابل تراجع مداخيل العمال وعجز الأُسَر الشعبية، وهي الأغلبية، عن تلبية حاجاتها الأساسية، المادية والمعنوية.
وكل ما هنالك من أمن، في خدمة بعض الأغنياء وتأمين مصالحهم وحمايتهم من غضب الشعب، ومحاصرة النقد ومعاقبة الاحتجاج، وهو معنى تدجين المنظمة النقابية، الاتحاد العام التونسي للشغل، وشراء ولاء البيروقراطية الفاسدة المهيمنة، واحتكار الإعلام، وتسخير الإدارة، وعدم القبول باستقلالية القضاء وضرب المحاماة، وتزوير الانتخابات ، وعدم الاستجابة لنداء العفو التشريعي العام، وعدم الكفّ عن ممارسة التعذيب وإخضاع المكالمات الهاتفية والمراسلات العادية والإلكترونية والتنقلات والمنازل للمراقبة، وهو أيضا معنى منع حق الاجتماع وحق التظاهر وحق التنظّم وغيره من الحقوق الأساسية التي يتمتع بها الناس في معظم أنحاء العالم ولا يتمتع بها التونسيون في بلدهم.
وهو أيضا معنى الخطوة الجديدة في مغازلة الغذاة والمستبدّين و المستكبرين الأجانب ودوائر رأس المال العالمي قصد كسب صمتها على الملفات الداخلية التي باتت تحرجها وفي مقدمتها ملف المساجين السياسيين وملف التعذيب وملف الإعلام، هذه الخطوة التي قطعها النظام في التطبيع مع الكيان الصهيوني.
يعود غرة ماي والعامل التونسي يعاني من انعدام الأمان في عمله وفي أجره وفي قُوته ويواجه هدرا متزايدا لحريته وكرامته رغم دوره الأساسي في إنتاج الثروة وتضحيته في سبيل الوطن، وليس أمامه من خيار غير خيار المقاومة المنظمة والواعية، داخل النّقابات وخارجها، لوضع حد لآفات الاستبداد والفساد والتبعية التي تعرقل نهضة تونس وتعطّل طاقاتها وتهدر ثرواتها وتذل أبناءها وبناتها.
إن نهضة تونس مرتبطة شديد الارتباط بنهضة عمالها وكادحيها، فإن هُمُ تحرّكوا تحرك المجتمع بأسره وتغير وجه تونس التي تبدو اليوم خاضعة، يشار إليها بالإصبع في كافة البلدان التي افتكّت شعوبها حريتها في العالم.
متظاهرين على غلاء المعيشة :ان السلطات التونسية افرجت عن أكثر من 20 متظاهرا بعد ان احتجزتهم في منطقة الرديف بمحافظة قفصة التي تشهد منذ اسابيع احتجاجات على غلاء المعيشة في حين ان مصدرا رسميا قال انه "بناء على حدوث اعمال تشويش بالطريق العام واضرار بملك الغير فانه تمت احالة ثمانية اشخاص للمحكمة الابتدائية بقفصة" قبل ان "يطلق سراحهم بشكل مؤقت".
وقال نقابي طلب عدم نشر اسمه ان أكثر من 20 شخصا اعتقلوا في مدينة الرديف القريبة من قفصة التي تقع على بعد 300 كيلومتر من العاصمة تونس بعد اعمال شغب اثناء احتجاجات 11 أفريل الماضي. واضاف ان الاعتقالات جاءت بعد مواجهات بين قوات الامن والمتظاهرين الذين يطالبون باصلاحات اجتماعية في المنطقة المعروفة باسم"الحوض المنجمي" الغنية بالفوسفات. وقال ان المواجهات وقعت بعد أن القى "متظاهرون مندسون" الحجارة على الشرطة. واشارت مصادر نقابية الى ان مظاهرات اندلعت منذ أكثر من شهر في منطقة "الحوض المنجمي" التي تضم قفصة والرديف والمظيلة احتجاجا على غلاء المعيشة وانتشار البطالة. والاحتجاجات أمر نادر الحدوث بتونس.
تمرّد أهالي الحوض المنجمي : أحداث قفصة الأخيرة والتي انطلقت شرارتها قبل اربعة أشهر من الان أي في مطلع شهر جانفي 2008 لتصل ذروتها مع انتفاضة الرديف أيام 8 و9 و10 افريل 2008, يبدو المشهد في ظاهره لايزيد عن رفض للتلاعب بنتائج مناظرة التشغيل بشركة فسفاط قفصة , وهو مادفع المسؤولين النقابيين بالجهة الى تنظيم اعتصامات وصلت الى حد منع قطار الفسفاط من القيام بخدمات النقل الطبيعي بين قفصة ومدن أخرى تقوم بخدمات النقل و التكرير ...
أن ما حدث في مناطق الحوض المنجمي، ليس أمرا هينا، لأنه قد يجمع بين الأهمية والخطورة، ويمكن فهم ذلك من خلال تاريخ هذه المنطقة الذي يشهد بأن أهلها يشعرون باستمرار بأنهم لم يحظوا بنفس الرِّعاية والأولوية التي تلقتها المدن الساحلية. و هذا الشعور ليس وليد الفترة الأخيرة، وإنما كان مُلازما لأبناء الجهة منذ عهد بعيد.
ولهذا، فإن إحساسا بالإهمال والغضب كان ويزال يلازمهم تُجاه السلطة. فبالرغم من بعض التحسينات التي تمّت، إلا أن الحالة الاجتماعية الصّعبة لقطاع واسع من سكان معتمديات "الرديف" و "أم العرايس"، عمقت هذا الإحساس وحوّلته إلى نزوع قوي نحو التمرّد. فإن ما حدث طيلة الأشهر القليلة الماضية عبارة عن ولادة لحركة اجتماعية عفوية تنقصها القيادة الموحّدة، واختلط فيها البُعد الجهوي بالمطلبية المشروعة.
وبقدر ما كانت بداية التحرّك واضحة في تعبيراتها وآليتها ومطالبها، إلا أنها كلَّما تقدّمت في الزمن، إلا وفقدت القُدرة على التخطيط وحسن إدارة التفاوض ووضع الأولويات ، ويعود ذلك بالأساس إلى عدم الخِبرة والافتقار إلى تقاليد في مجال النِّضال السِّلمي. هكذا كانت بداية الأحداث في غفلة من السلطة أو أجنحة البعض منها عن قصد او عن غير قصد فالايام سوف تكشفها ان شاء الله.
غير أن المراقب للمناخ العام بالبلاد التونسية يقف أمام حادثين أولها أن البلاد تعيش حالة غضب واحتقان سياسي منذ ما يقارب العقدين من الزمان وذلك في ضوء تدهور مريع للحريات ودخول السلطة في مرحلة الاعتقالات والمحاكمات السياسية المستمرة.
أما الحدث الثاني فهو ما طرأ على الساحة الاجتماعية منذ سنوات قليلة وخاصة في الأشهر الأخيرة من تدهور عام في القدرة الشرائية للمواطنين , وهو ما ترتب عنه تراجع ملحوظ في حجم الطبقة الوسطى واتساع أكبر في حجم دائرة العاطلين من ذوي الكفائات العلمية مع اتساع واضح لدائرة الفقراء في ظل ارتفاع حاد في أسعار المواد الأساسية وأسعار المحروقات ...
التونسيون عامة والمعارضة بصفة أخصّ وحتى عموم الجماهيرالذين كانوا يراهنون مع حلول تاريخ الذكري العشرين للسابع من نوفمبر على اصلاحات سياسية جذرية تدخل تونس حقبة جديدة من التنمية السياسية , ولقد كان مطلب العفو التشريعي العام واطلاق حرية الاعلام وحرية الأحزاب والجمعيات متصدرا لقائمة المطلبية السياسية لدى النخب والعوائل السياسية التي اكتوت بنار المحاكمات والاعتقالات شبه اليومية على مدار الأشهر الأخيرة ...
مطالب اصلاحية هامة كانت كفيلة بنزع شرارة التصعيد بين اطراف المعارضة والحكم والطبقات الشعبية المتضررة بنار المحاكمات ولهيب الأسعار, غير أن تعنت السلطات عبأ جهودها الاعلامية والسياسية والأمنية نحو مزيد من تبرير الانغلاق وممارسة لعبة الترهيب بمسلسل من المضايقات والاعتقالات المحيرة ...
النتيجة كانت حتمية وهي تصعد حالة الغضب العام وشيوع حالة يأس نتيجة عدم اقدام السلطة على تنازلات في موضوعات هامة لم تعد مطلبا نخبويا معزولا في بئة بلغ فيها عدد المترشحين الى مناظرة شهادة الباكالوريا هذه السنة 956 ألف مترشح ...
انتفاضة قفصة والحوض المنجمي هذه الأيام لم تكن الا انذارا شعبيا أولا تجاه نظام سياسي لم يصغ الى صوت العقلاء والغيورين على مصلحة البلاد و مصلحة الشعب على السواء وهو الذي قدم أغلى التضحيات من أجل خروج الوجود العسكري ونيل استقلاله الأول ولكنّ الاستعمار الثقافي ازداد تمكّننا ...
ان طموح الشعب التونسي لحياة حرة وكريمة تحترم فيها حقوق الانسان وحرياته الأساسية مع ضمان وكفالة الحد الادنى من العدالة والرفاه الاجتماعي , في ظل مناخ ديمقراطي يكفل مشاركة سياسية حقيقية وتداول منطقي وهادئ على السلطة , تلك هي رسالة قفصة في انتفاضتها الى السلطات التونسية.
فاذا لم تفهم السلطة هذه الرسالة فان الأجواء التونسية قد تصبح ملبدة بغمام قد يحمل رسائل مكررة نخشى أن تعجز السلطة عن الاستجابة لها في وقت متأخر لن ينفع معه الاصلاح والترقيع ...
أما الرسالة الثالثة من أحداث قفصة الأخيرة نتركه للمؤرخين حين يتأكد لنا أن الكثيرين من الوطنيين والغيورين على مستقبل البلاد من داخل الأجهزة الحاكمة باتوا يعبرون أكثر من أي وقت مضى عن قلقهم العميق تجاه تواصل مشوار التصلب السياسي والقمع الأمني لكل مطلب اصلاحي من شأنه التخفيف من حالة الاحتقان وضمان مسيرة أكثر سلامة وأقل خطورة في طريق لعبة الحاكم والمحكوم.
ان أكثر من 20 شخصا اعتقلوا في مدينة الرديف القريبة من قفصة التي تقع على بعد 300 كيلومتر من العاصمة تونس بعد اعمال شغب دامت ثلاثة ايام. و ان الاعتقالات جاءت بعد مواجهات بين قوات الامن والمتظاهرين الذين يطالبون باصلاحات اجتماعية تتعلق بقطاع التشغيل في المنطقة المعروفة باسم"الحوض المنجمي" والغنية بالفوسفات.
و ان المواجهات وقعت بعد أن القى "متظاهرون مندسون" الحجارة على قسم للشرطة. و ان مظاهرات اندلعت منذ أكثر من شهر في منطقة "الحوض المنجمي" التي تضم قفصة والرديف والمظيلة احتجاجا على غلاء المعيشة وانتشار البطالة. والاحتجاجات أمر نادر الحدوث بتونس
مضت ثلاثة أشهر على المظلمة التي سلطت على أهالي الحوض المنجمي ولا يزال الوضع الاجتماعي يزداد سوءا.فليس من قبيل الصدفة أن يكون سكان هذا الحوض في وضع اجتماعي بائس إلى أقصى حد يضاف إليه الوضع البيئي الذي ينذر بالخطر من جراء تفاقم ظاهرة الإمراض الخطيرة كالسرطان وأمراض الكلى لانعدام الماء الصالح للشراب بسبب التلوث الحاصل في التربة والهواء .
فلا غرابة أن نجد في قي ولاية قفصه نوع من الذباب المؤذي جدا والذي يعرض حياة المواطنين للخطر حيث يترك آثارا مؤلمة على كل من لسعه الشيء الذي يضطر صاحبه في بعض الأحيان إلى التزام المراقبة الطبية بالمستشفى لعدة أيام وهو ما يطلق عليه- بعين الشفاء- بسيدي احمد زروق بقفصه المدينة والذي كان في الأصل قبلة للزوار للاستحمام به قصد علاج بعض الأمراض الجلدية سلبته شركة فسفاط قفصه من أهالي الجهة تحت عنوان استعماله لغسيل الفسفاط .
أضافة إلى ذلك ان المعمل الكيمياوي بالمظلية الذي لم يبقي ولم يذر فرائحة ما يسمى- بالبخارة - والغازات الكريهة التي تنبعث من المعمل تعكر صفو الهواء النقي في كل منحى يأخذه الريح الشيء إلي تولد عنه نقصا في كميات الأمطار رغم قلتها فأصبح الجفاف هو السمة البارزة ولسنين طويلة .
فلم تعد الفلاحة من المشاغل الرئيسية للمواطن ولا تربية الماشية لقلة الموارد المائية من جهة وندرة المطر والغلاء المشط في ما يسمى – بالعلف - والذي هو بدوره أضحى عنصر مضاربة واحتكار لميسوري الحال . فالمائدة المائية ما انفكت في تناقص شديد ويكفي على سبيل الذكر لا للحصر.
مع العلم ان كل من زار مدينة قفصه سابقا لا بد ان يزور الحوض الروماني كأحد المعالم الأثرية والذي كان يقصده أهالي قفصه من الشباب للسباحة ومنهم من يقفز من أعلى نخلة توجد على مقربة من الحوض الكبير زيادة على بعض بيوت الاستحمام الشعبي المعدة للغرض .
وان عين السلطان التي توجد بقرية لاله معتمديه القصر قفصه والتي كانت مقصد كل من بعبرها للتزود بالماء الصالح للشراب وها هي الآن مياهها تنضب ولم يتبقى منها غير القليل حيث باتت تشبه الحنفية في سيلانها بعدما كانت مياهها العذبة تتدفق بغزارة . هذا فيما يخص الوضع البيئي بولاية قفصه والحوض المنجمي خصوصا أما عن الوضع الاجتماعي فحدث ولا حرج . فالبطالة والتسكّع هو الشغل الشاغل لأصحاب الشهادات العلمية لعشرات الشباب بل المئات فمن يجد شغلا غير قار يكون محظوظا بالنسبة لغيره .
واما الشباب العاطل عن العمل الذي يدفع ضريبة باهظة فيتوجه إما لقوارب الموت الرهيبة أو للبحث عن ملاذ تخرجه مما هو فيه من أزمة البطالة الخانقة فيجد ضالته في تناول الكحول المحلية الصنع الزهيدة الثمن وربما يجتهد في كثير من الأحيان في اكتشاف البعض منها .
أما عن الشباب اليائس الذي ذهب ضحية وضعه الاجتماعي المتأزم إلى ما بات يعرف بالسلفيةالجهادية فهذا شان آخر وربما يدق ناقوس الخطر على خيرة أبنائنا الذين هم عرضة لغسل أدمغتهم والتغرير بهم واستغلال ظروفهم الاجتماعية الصعبة التي يمرون بها . فاذا كان الوضع الاجتماعي على هذه الدرجة من الخطورة فما هي الحلول لامتصاص البطالة من جهة و خلق مناخ اجتماعي مناسب للعيش في ظروف مريحة ولماذا تلجا السلطة إلى الحلول الأمنية في حل قضية ملف الحوض المنجمي أو العديد من الملفات السياسية أو الاجتماعية السابقة أو الراهنة ؟
ألا بجدر بالشعب ان يحيى حياة سليمة آمنة وأن يفكر في مستقبله ويجد الصيغ الممكنة لانجاز مشروع تنمية عادل بعيدا عن الفساد المالي والرشوة والمحسوبية أليس من حق الشعب أن توزع عليه خيرات البلاد بصفة عادلة وهي التي تعاني من البطالة المتفاقمة والآفات الاجتماعية المضرة بخيرة أبناء هذا الوطن العزيز ولماذا لا تتعهد الدولة بالقيام بمشاريع استثمارية لتخفيف حدة البطالة وتضع الإطار المناسب والكفء لمحاسبة كل من يتلاعب بأرزاق الناس وخيرات الوطن؟
انّ الضرورة الاجتماعية الملحة تجعل من الدولة هي الممول الأساسي لمثل هده المشاريع التنموية العامة وادا كان لابد من تعايش القطاع الخاص فيجب أن يوفر اليد العاملة ويحافظ عليها بصفة قارة . أما بالنسبة للوضع البيئي فلا بد من إيجاد التكنولوجية الحديثة التي تمتص الغازات المنبعثة من المصانع الكيمياوية وترشيد المائدة المائية بتقليص ظاهرة الآبار العميقة التي ربما تسببت في نقصانها والاعتناء بالواحات بتشجيع الفلاحين الصغار ودوي الدخل المحدود من التخفيض في سعر الماء المعد للري على أن تتكفل البلدية بتعويض الفارق المنجر من تخفيض سعر الماء .هدا رأي متواضع واجتهاد يمكن أن يكون قابلا للتطبيق لنحد من تفاقم الأزمة الاجتماعية والبيئية حفاظا على سلامة المحيط البيئي والمناخ الاجتماعي
المطلوب، الكف عن مصادرة حق الفئات الاجتماعية المتضررة من ديناميكيات التجويع العالمية بتعزيز السياسة الاجتماعية وتطوير آلياتها التضامنية وتوسيع مظلتها الحمائية وتنويع أشكالها بالقطع مع الخطاب الحزبوي لأنه لا يليق بشعب يحب الحياة ولنفتح المجال لخطاب تضامني يصالح بين المجتمع والدولة ويجمع الطاقات في مواجهة التحديات.و صدق الله العظيم اذ قال في سورة آل عمران: "ولتكن منكم أمّة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون" (آل عمران 104) و قال تعالى "مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" (النحل:97).
(وإلى الحلقة القادمة إن شاء الله وهو الهادي إلى سواء السبيل لا رب غيره و لا معبود سواه )
باريس في 1 ماي 2008
بقلم : عبد السّلام بو شدّاخ، احد مؤسسي الحركة الاسلامية في تونس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.