مصر.. مفاجأة جديدة في قضية "سيدة بورسعيد"    النجم الساحلي يمرّ بصعوبة الى الدور ربع النهائي    كاس تونس: النجم الساحلي يفوز على الاهلي الصفاقسي ويتأهل الى ربع النهائي    مديرو بنوك تونسية يعربون عن استعدادهم للمساهمة في تمويل المبادرات التعليمية    اتحاد الفلاحين: ''أسعار أضاحي العيد تُعتبر معقولة''    الهيئة الإدارية للاتحاد الجهوي للشغل بصفاقس تدعو إلى عقد مجلس وطني للمنظمة خلال سبتمبر القادم    الوطن القبلي.. صابة الحبوب تقدر ب 685 ألف قنطار    قريبا.. الحلويات الشعبية بأسعار اقل    تسمّم تلاميذ بالحلوى: الإحتفاظ ببائع فواكه جافّة    افتتاح معرض «تونس الأعماق» للفنان عزالدين البراري...لوحات عن المشاهد والأحياء التونسية والعادات والمناسبات    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    عاجل : مسيرة للمطالبة بإيجاد حلول نهائية للمهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء    شبهات فساد: الاحتفاظ بمعتمد وموظف سابق بالستاغ وإطار بنكي في الكاف    سبيطلة : القبض على مجرمين خطيرين    قابس: نقل 15 من تلاميذ المدرسة الاعدادية ابن رشد بغنوش بعد شعورهم بالاختناق والإغماء    المهرجان الدولي للمشمش بحاجب العيون في دورته الثانية ...مسابقات وندوات وعروض فروسية وفنون شعبية    قراءة في أعمال ومحامل تشكيلية على هامش معرض «عوالم فنون» بصالون الرواق .. لوحات من ارهاصات الروح وفنطازيا الأنامل الساخنة    مصر: رفع اسم أبوتريكة من قائمات الإرهاب والمنع من السفر    فقدان 23 تونسيا شاركو في عملية ''حرقة ''    عاجل/ القصرين: توقف الدروس بهذا المعهد بعد طعن موظّف بسكّين امام المؤسسة    تحذير: عواصف شمسية قوية قد تضرب الأرض قريبا    كرة اليد: الاصابة تحرم النادي الإفريقي من خدمات ركائز الفريق في مواجهة مكارم المهدية    صفاقس اليوم بيع تذاكر لقاء كأس تونس بين ساقية الداير والبنزرتي    بلاغ مروري بمناسبة مقابلة الترجي والأهلي    بنزرت: جلسة عمل حول الاستعدادات للامتحانات الوطنية بأوتيك    صفاقس: المناظرة التجريبية لفائدة تلاميذ السنوات السادسة    المنستير: إحداث أوّل شركة أهليّة محليّة لتنمية الصناعات التقليدية بالجهة في الساحلين    خبير في التربية : ''تدريس الأولياء لأبنائهم خطأ ''    وزارة الصناعة : ضرورة النهوض بالتكنولوجيات المبتكرة لتنويع المزيج الطاقي    مدير عام الغابات: إستراتيجيتنا متكاملة للتّوقي من الحرائق    تضم منظمات وجمعيات: نحو تأسيس 'جبهة للدفاع عن الديمقراطية' في تونس    هذه القنوات التي ستبث مباراة الترجي الرياضي التونسي و الأهلي المصري    عاجل/ القسّام: أجهزنا على 15 جنديا تحصّنوا في منزل برفح    ليبيا: إختفاء نائب بالبرلمان.. والسلطات تحقّق    نهائي دوري ابطال إفريقيا: التشكيلة المتوقعة للترجي والنادي الاهلي    والدان يرميان أبنائهما في الشارع!!    ضمّت 7 تونسيين: قائمة ال101 الأكثر تأثيرا في السينما العربية في 2023    طقس اليوم: أمطار و الحرارة تصل إلى 41 درجة    ألمانيا: إجلاء المئات في الجنوب الغربي بسبب الفيضانات (فيديو)    قانون الشيك دون رصيد: رئيس الدولة يتّخذ قرارا هاما    جرجيس: العثور على سلاح "كلاشنيكوف" وذخيرة بغابة زياتين    5 أعشاب تعمل على تنشيط الدورة الدموية وتجنّب تجلّط الدم    الكاف: انطلاق فعاليات الدورة 34 لمهرجان ميو السنوي    منوبة: إصدار بطاقتي إيداع في حق صاحب مجزرة ومساعده من أجل مخالفة التراتيب الصحية    كاس تونس لكرة القدم - نتائج الدفعة الاولى لمباريات الدور ثمن النهائي    وزير الصحة يؤكد على ضرورة تشجيع اللجوء الى الادوية الجنيسة لتمكين المرضى من النفاذ الى الادوية المبتكرة    نحو 20 بالمائة من المصابين بمرض ارتفاع ضغط الدم يمكنهم العلاج دون الحاجة الى أدوية    تضمّنت 7 تونسيين: قائمة ال101 الأكثر تأثيرًا في صناعة السينما العربية    القدرة الشرائية للمواكن محور لقاء وزير الداخلية برئيس منظمة الدفاع عن المستهلك    معلم تاريخي يتحول إلى وكر للمنحرفين ما القصة ؟    غدا..دخول المتاحف سيكون مجانا..    البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية يدعم انتاج الطاقة الشمسية في تونس    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    ملف الأسبوع...المثقفون في الإسلام.. عفوا يا حضرة المثقف... !    التحدي القاتل.. رقاقة بطاطا حارة تقتل مراهقاً أميركياً    منها الشيا والبطيخ.. 5 بذور للتغلب على حرارة الطقس والوزن الزائد    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كيف ترفع قناة «الجزيرة» بقوة الثقافة مكانة قطر؟
نشر في الفجر نيوز يوم 04 - 05 - 2008

تقاس قوة الأمم والشعوب والمجتمعات بعدة عوامل من أهمها القوة العسكرية والإقتصادية والسياسية والسكانية والثقافية. فاليابان وألمانيا يملكان بالتأكيد قوة اقتصادية بارزة، وفي المقابل فإن الولايات المتحدة الأمريكية تتفوق اليوم على غيرها من الأمم في معظم تلك المعالم الخمسة للقوة المشار إليهاهنا.

ومن ثم تأتي مشروعية انفرادها شبه الكامل بتأثير سلطانها وهيمنتها على القارات الخمس في عصرالعولمة.
كيف تكسب الدول الصغيرة مكانة مرموقة؟
وبسبب غياب كل تلك العوامل أوبعضها لدى العديد من الشعوب، فإن البعض منها يميل إلى تبني استراتيجيات أخرى ذكية تعطي إلى هذا البلد الحقير وذلك القطر الصغيرمكانة واحتراما بين الأمم العظيمة والشعوب الكبيرة والمجتمعات المتوسطة القريبة والبعيدة.
وهذا ما فازت به قطرهذا البلد الصغير مساحة وسكانا وذلك عبرتأسيسها لقناة الجزيرة الناطقة بالعربية في العالم العربي منذ أكثرمن عشرسنوات، من جهة، وما تطمح، من جهة أخرى، إلى تحقيقه بواسطة قناة الجزيرة العالمية التي بدأت بثها بالإنجليزية في 15/11/2006 إلى القارات الخمس.
والسؤال المشروع بهذا الصدد هو: لماذا تمثل قناة الجزيرة إستراتيجية عملية وفعالة في سعي الدولة القطرية لكسب رهان مكانة مرموقة بين الدول ومجتمعاتها بالرغم من ضآلة حجم مساحة بلاد قطر وقلة عدد سكانها. أما على مستوى القوة العسكرية والسياسية في منطقة الشرق الأوسط وفي العالم فلا تكاد تكون لقطر قيمة على الإطلاق. ومن ثم فليس للدولة القطرية من عوامل قوة الدول المشار إليها سوى بعض من عامل القوة الإقتصادية والمتمثل في امتلاكها لرصيد محترم لكنه نسبي من مخزون موارد النفط والغاز. أما الوزن الثقافي لقطر في الوطن العربي فلا يكاد يكون له وجود أيضا. فهناك غياب شبه كامل لمفكرين قطريين من الوزن الثقيل على الساحة العربية الخليجية. فليس لها مثلا مفكر بارز عربيا مثل البحرين الصغيرة الحجم أيضا التي ينتمي إليها المفكر محمد جابر الأنصاري الجابري. وليست قطرهي الأخرى قطبا لدور النشر العربية والمراكز الثقافية مثلما هو الأمر في لبنان.
الثقافة ومكانة الكويت المرموقة
ليست قطرأيضا مثل الكويت المعروفة في الوطن العربي بمنشوراتها الثقافية العديدة والرفيعة المستوى مثل مجلة عالم الفكر وسلسلة كتاب عالم المعرفة، من جهة، والدوريات العلمية المرموقة لجامعة الكويت مثل مجلة العلوم الإجتماعية والمجلة العربية للعلوم الإنسانية، من جهة ثانية. وبسبب استثمار الكويت في الحقل الثقافي على مستوى عربي واسع وذلك عبر نشر مجلة العربي الشهرية على الخصوص التي سبق نشرها وتوزيعها في المجتمعات العربية معظم المجلات العربية الشهرية.
الإستراتيجية الثقافية لقناة الجزيرة:
مما لا شك فيه أن قناة الجزيرة تمثل هيكلا/إطارا ثقافيا موجّها إلى المشاهد العربي أو الأعجمي العارف للغة العربية أو للغة الانقليزية أو هما معا. فمن ناحية، يجوز من وجهة النظر السوسيولوجية والأنثروبولوجية اعتبار قناة الجزيرة ظاهرة ثقافية، إذ تستعمل هذه القناة في المقام الأول اللغة في بثها لبرامجها المتنوعة. واللغة، في رؤية العلوم الإجتماعية، هي أم المنظومات الثقافية في المجتمعات البشرية. ومن ناحية ثانية، فقناة الجزيرة هي جهاز ثقافي، مثلها مثل الكتاب والمجلة والجريدة، تستعمل الصورة والكلمة في شكلها الشفاهي على الخصوص لبث المعلومات والرأي والرأي الآخر للمثقف والمتعلم وحتى للأميين حول مواضيع وقضايا عربية وغير عربية مختلفة. وهذا يتماشى مع طبيعتها الرئيسية باعتبارها قناة إخبارية وتثقيفية لا مجال فيها للبرامج الترفيهية مثل عرض الأفلام والمسلسلات الفكاهية أو الدرامية أو غيرها من أنواع المسلسلات.
قناة الجزيرة ومكانة قطر:
مما لا شك فيه أن قناة الجزيرة عرّفت وتعرّف عربيا وعالميا بقطرهذا البلد الصغير أكثر من أي وسيلة أخرى. فعبارة "قناة الجزيرة في قطر" التي يرددها المذيعون بهذه القناة يسمعها عامة الناس وخاصتهم في الوطن العربي وفي العالم بأسره. ومن ثم يسجل اسم قطر في ذاكرة ملايين الناس القريبين من والبعيدين جغرافيا عن هذا القطر الصغير بالخليج العربي. بهذا يصعب أن تكون قطر نسيا منسيا مثل الأقطار الصغيرة الأخرى في عالم اليوم.
نجحت وتنجح قناة الجزيرة القطرية في الفوز بالمكانة الأولى بين عشرات القنوات العربية لدى المشاهد العربي وذلك على المستوى التثقيفي لهذا الأخير. فشعار قناة الجزيرة الأول هو أنها قناة "الرأي والرأي الآخر"، أي قناة ديمقراطية التعبير الحر مما يؤدي إلى رفع مستوى التوعية لدى المواطن العربي بقضاياه وقضايا مجتمعه وقضايا الوطن العربي وتشابكها بقضايا القارات الخمس. ومقارنة بالقنوات العربية الكثيرة فإن قناة الجزيرة تصنف كأفضل قناة أحدثت ثورة إعلامية في العالم العربي بسبب القرب أكثر من واقع المجتمعات العربية وكشف الحجاب عن العديد من مشاكلها ومشاكل أنظمتها السياسية على الخصوص. وبعبارة أخرى، فقد رفعت قناة الجزيرة من مستوى الوعي لدى الإنسان العربي. والتوعية هي خطوة أولى تساعد على ترشح المواطن والوطن لسنن التغييرالإيجابية لصالح الوطن العربي والعالم الإسلامي.
تفيد كل تلك المؤشرات بأن معظم برامج قناة الجزيرة تلقى ترحيبا واسعا وتعاطفا كبيرا لدى أغلبية المشاهدين العرب. ومنه يأتي الإعتراف المشروع من طرف معظم المواطنين العرب بفضل دولة قطر في تحسين المشهد الإعلامي في العالم العربي. وهكذا تقترن صورة قطر الايجابية في أذهان جل العرب بتحقيق مشروع الإعلام العربي الريادي ليس في الوطن العربي فحسب وإنما في العالم بأسره، إذ أصبحت قناة الجزيرة مصدرا لأخبار القنوات ووكالات الأنباء والصحف الأجنبية. وبهذا، يتجسم في المشهد الإعلامي ما كان غير منتظر قبل أكثر من عقد بقليل فقط، وهو أن يأخذ المشهد الإعلامي اتجاها معاكسا لما كان عليه: أي أن يصبح الجنوب بواسطة قناة الجزيرة هو مصدر الخبر والمعطيات الإعلامية بالنسبة للشمال القوي وصاحب الهيمنة العالمية. وهذا ما يعبر عنه شعار قناة الجزيرة العالمية الناطقة باللغة الإنجليزية "Al Jazeera setting the news agenda"، أي "أن لقناة الجزيرة الريادة في وضع برنامج جديد لعالم الأخبار".
كل تلك المعالم الإيجابية المقترنة بقناة الجزيرة تحفز الناس في القارات الخمس، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، على التعرّف على المقر الرئيسي لقناة الجزيرة وعن البلد المنشئ والمموّل لها. وبالطبع تستفيد قطر، هذا البلد الصغير جدا سكانا ومساحة، من كل ذلك لتعرف عالميا أكثر بكثير حتى من الأقطار الأكبر منها مساحة والأكثر منها سكانا. ويمكن القول بكل مشروعية أن الإعلام المرئي ذا الكفاءة والمصداقية العاليتين هو أسهل وأحكم إستراتيجية للتعريف بالذات على نطاق واسع في عالم أصبح أصغر من قرية. فقرار دولة قطر إنشاء قناة الجزيرة العربية في 1997 وقناة الجزيرة العالمية باللغة الإنقليزية والجزيرة الوثائقية والمباشر هو قرار استراتيجي بالنسبة لإعطاء قطر هذا البلد الصغير مكانة بارزة وصورة مضيئة على خريطة العالم التي يصعب فيها على المجتمعات الصغيرة والضعيفة كسب رهان المكانة المرموقة في فترة عدنا فيها إلى الإستعمار الجديد الذي تقوده الإمبراطورية الأمريكية بحق القوة وليس بقوة الحق.
سادسا: مساندة نظرية الرموزالبشرية لإستراتيجية قطر
ولفهم الإطارالفكري النظري الذي يعززحكمة دولة قطرفي تأسيسها لقناة الجزيرة، نقدم مختصر لنظريتنا حول الرموز الثقافية عندنا. تؤكد نظريتنا أن الإنسان هو كائن ثقافي بالطبع. يستند هذا على ملاحظات رئيسية حول خمسة معالم ينفرد بها الجنس البشري عن غيره من الأجناس الحية الأخرى:
1- يتصف النمو الجسمي لأفراد الجنس البشري ببطء شديد مقارنة بسرعة النمو الجسدي الذي نجده عند بقية الكائنات.
2- يتمتع أفراد الجنس البشري عموما بأمد حياة (سن) أطول من عمر معظم أفراد الأجناس الأخرى.
3- ينفرد الجنس البشري بلعب دور السيادة في هذا العالم بدون منافسة حقيقية له من طرف باقي الأجناس الأخرى.
4- يتميّز الجنس البشري بطريقة فاصلة وحاسمة عن الأجناس الأخرى بمنظومة ما أطلقنا عليه مصطلح الرموز الثقافية: اللغة، الفكر، الدين، المعرفة/العلم، القوانين، الأساطير، القيم والمعايير الثقافية...
5- يختص أفراد الجنس البشري بهوية مزدوجة تتكوّن من الجانب الجسدي، من ناحية، والجانب الرموزي الثقافي (المشار إليه أعلاه في 4)، من ناحية ثانية.
إن التساؤل المشروع الآن هو: هل من علاقة بين تلك المعالم الخمسة التي يتميّز بها الإنسان؟
أولا: هناك علاقة مباشرة بين المعلمين 1 و2. إذ أن النمو الجسمي البطيء عند أفراد الجنس البشري يؤدي بالضرورة إلى حاجتهم إلى معدل سن أطول يمكنهم من تحقيق مراحل النمو والنضج المختلفة والمتعددة المستويات. فالعلاقة بين الإثنين هي إذن علاقة سببية.
ثانيا: أما الهوية المزدوجة التي يتصف بها الإنسان فإنها أيضا ذات علاقة مباشرة بالعنصر الجسدي (المعلم 1) للإنسان، من جهة، والعنصر الرموزي الثقافي (المعلم 4)، من جهة أخرى.
ثالثا: عند البحث عن علاقة سيادة الجنس البشري بالمعالم الأربعة الأخرى، فإن المعلمين 1 و2 لا يؤهلانه، على مستوى القوة المادية، لكسب رهان السيادة على بقية الأجناس الحية، إذ الإنسان أضعف جسديا من العديد من الكائنات الأخرى. ومن ثم يمكن الاستنتاج بأن سيادة الجنس البشري ذات علاقة قوية ومباشرة بالمعلمين 3 و4: الهوية المزدوجة والرموز الثقافية. والعنصر المشترك بين هذين المعلمين هو منظومة الرموز الثقافية. وهكذا يتجلى الدور المركزي والحاسم لمنظومة الرموز الثقافية في تمكين الإنسان وحده من السيادة في هذا العالم.
را بعا: إن الرموز الثقافية تسمح أيضا بتفسير المعلمين 1 و2. فالنمو الجسمي البطيء عند الإنسان يمكن إرجاعه إلى كون أن عملية النمو عنده تشمل جبهتين: الجبهة الجسمية والجبهة الرموزية الثقافية. وهذا خلافا للنمو الجسدي السريع عند الكائنات الأخرى بسبب فقدانها لمنظومة الرموز الثقافية بمعناها البشري الواسع والمعقد.
خامسا: يلخص الجدول التالي مركزية الرموز الثقافية في ذات الإنسان، فيعطي بذلك مشروعية قوية لفكرتنا القائلة بأن الإنسان كائن ثقافي بالطبع.
كيف كسبت قناة الجزيرة الرهان بالسلاح الرمزي؟
يفيد هذا التحليل الموجز لنظريتنا للرموز الثقافية أن هذه الأ خيرة هي مركز هوية الإنسان.
وبالتالي، فإن استعمال الرموز الثقافية للتأثير على الآخر تمثل أحكم استراتيجية لأنها تمس مركز الثقل الأول في الإنسان والمجتمع. ومن ثم فكل من قطر والكويت أصابتا الهدف باختيارهما
العوامل الثقافية في التعريف ببلديهما عربيا وعالميا. إذ أن العناصر الثقافية تمثل مركزية الإنسان، كما نرى ذلك في الرسم. أي أن قوة تأثير الرموز الثقافية على الآخر تاتي في الصدارة مقارنة بعوامل أخرى مؤثرة. فاستعمال الكويت للكلمة المكتوبة عبرنشر المجلات والكتب وتصديرها إلى المجتمعات العربية على الخصوص يعد وسيلة من الطرازالأول في التعريف بهذا البلد العربي الخليجي الصغير.وكذالك الشأن بالنسبة لمدى أهمية استعمال قناة الجزيرة للكلمة المنطوقة والصورة في تواصلها مع المشاهدين في القارات الخمس.إذ بهما استطاعت قناة الجزيرة أن تتبوأ ريادة عالمية في جذب عدد هائل من المشاهدين إليها ومن التعريف بقطرالبلد الصغير على خريطة العالم الكبير.
ومما يزيد مصداقية استراتيجية استعمال الرموزالثقافية للتأثير على المشاهدين لقناة الجزيرة نرى أن طبيعة الرموزالثقافية ذاتها تسهل كثيرا على التواصل الحيني مع المشاهدين بغض النظر عن عراقيل عوامل الزمان والمكان. تتمثل الطبيعة المركزية للرموز الثقافية في كون أن ليس لها وزن أو حجم بالمعنى المادي للأشياء. أي أن هذه الرموز الثقافية ليست ذات طبيعة مادية بل طبيعة غير مادية /روحية/ متعاليةtranscendental .
فخلو الرموز الثقافية من عاملي الوزن والحجم يفهمنا سرعة ثورة الاتصالات في عصر العولمة التي تشارك فيها قناة الجزيرة بلا حدود. نكتفي هنا بذكر بعض أمثلة التواصل الحيني الذي يلعب فيه غياب عاملي الوزن والحجم دورا حاسما: فلماذا تصل الرسائل والوثائق المرسلة بالفاكس وبالانترنات بسرعة كبيرة مقارنة بالقيام بنفس المراسلة بالبريد العادي أو حتى السريع؟ يمكن تفسير ذلك بكل بساطة في أن المراسلة بالفاكس والانترنات تلغي عاملي الوزن والحجم للشيء المرسل. وهذا يعني أن هذا النوع من المراسلة يحرر الشيء المرسل من معطياته المادية (الوزن والحجم) فيعيده إلى طبيعته الأولى والمتمثلة أصلا في غياب الوزن والحجم من منظومة الرموز الثقافية. وبالغياب المطلق أصلا لهذين العنصرين تتأهل الرموز الثقافية بكل مشروعية للتنقل بسرعة فائقة وعجيبة وهذا ما يفسر أيضا مدى شدة سرعة تنقل الكلمة عبر الصوت البسيط. فأصبحت مضربا للأمثال. فتطير طائرة الكونكورد بسرعة كبيرة تقترب من سرعة الصوت. وترجع هذه السرعة الخاطفة لكون أن الكلمة المنقولة عبر السوط في النداء البسيط على مسافة قريبة بين الأفراد أو أثناء تهاتفهم على مسافات بعيدة بالهواتف الجوالة / المحمولة أو القارة / المنزلية هي كلمة ليس لها في الأصل لا وزن ولا حجم. وبالتالي فهي طليقة سريعة بطبيعتها لا يعرقل تنقلها السريع الوزن والحجم. يساعد أيضا غياب عاملي الوزن والحجم من الرموز الثقافية على فهم وتفسير القدرة الضخمة الحاوية لدى العلب الإلكترونية الحديثة Flash Disks . فرغم صغر حجمها المادي تستطيع تلك العلب أن تحوي عشرات ومئات الكيلو من المطبوعات المكتوبة في جرائد ومجلات وكتب ووثائق. يعود ذلك تبعا لنظريتنا إلى كون أن الطبيعة الأصلية لكلمات اللغات هي طبيعة لا وزن لها ولاحجم. وهي بذلك كأنها لاتحتاج إلى فضاء مادي لإحتوائها مهما كانت ضخامة حجمها. وهكذا يتحسن فهمنا وتفسيرنا لعجائب الثورة الالكترونية بواسطة نظريتنا للرموز الثقافية المؤكدة على خلوها التام من عاملي الوزن والحجم.
وهكذا يتجلى أن لقناة الجزيرة ثلاثة عوامل رئيسية تعمل لصالح التأثير الكبير على مشاهديها ألا وهي استعمال الرموز الثقافية والتواصل الحيني مع المشاهدين بسبب خلوالرموزالثقافية من عاملي الوزن والحجم ثم نوعية البرامج العالية التثقيف التى لاتكاد تماثلها فيها القنوات الفضائية الأخرى في الشرق والغرب وفي الشمال والجنوب.كل تلك المعطيات تعطي،من ناحية، فرصة ذهبية لقطر البلد العربي الخليجي الصغيرجدا لكي يعرف بنفسه على الخريطة العالمية الكبيرة وترفع، من ناحية ثانية، سمعة قطرعالية بين الشعوب والأمم القريبة والبعيدة منه. وبالتأكيد ماكان لقطر أن يكسب رهان كل تلك المعالم الإيجابية لصالحه بدون السلاح الرمزي لقناة الجزيرة كما شرحنا ذلك عبر نظريتنا للرموز الثقافية. إن اختيار تأسيس قناة الجزيرة منذ أكثرمن عقد للتعريف بقطر هو اختيار استراتيجي حكيم بلا حدود. فليس هناك، إذن، للدول الصغيرة أفضل من عامل السلاح الثقافي كعنصر قوة يمكنها من تبوؤ مكانة مرموقة بين الأمم صغيرها ومتوسطها وكبيرها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.