بينما مسلمو فرنسا وأوروبا في ضاحية لوبورجي (شمال باريس) في لقاء سنوي ينظمه هذه الأيام اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا، يجري سباق محموم بين مختلف الهيئات التمثيلية لمسلمي فرنسا تحضيرا للانتخابات المرتقبة في 8 حزيران/يونيو المقبل لاختيار الرئيس الجديد للمجلس الفرنسي للديانة الإسلامية. وجاء اعلان الدكتور دليل بوبكر عميد مسجد باريس ورئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية في بداية الشهر الجاري عدم ترشحه للاستحقاق الانتخابي المقبل ليزيد في شحذ المنافسة والطموحات. ما يضفي علي الانتخابات المرتقبة أهمية خاصة في ظل سباق، شرس أحيانا، بين الجزائروالرباط علي مراقبة الإسلام الفرنسي واستخدامه كورقة سياسية. لذلك فإن الاستحقاق القادم لن يكون أقل أهمية من سابقيه في 2003 و2005، بل يتوقع له أن يكون حاسما نظرا لرهاناته السياسية الكبيرة، خصوصا وأن التمثيل الجزائري للإسلام في فرنسا الذي يدوم منذ بناء الجامع الكبير في باريس في مطلع العشرينيات من القرن الماضي تحت إشراف الجزائري سي قدور بن غبريط يجد نفسه للمرة الأولي مهددا من طرف المغرب. تأسس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية سنة 2003، وبقي عاجزا عن أداء مهامه بفعالية ليس لأسباب عقائدية مذهبية، وإنما لأسباب سياسية تدور حول الصراع علي النفوذ بين الجزائريين والمغاربة لما توفره مراقبة نحو 4 ملايين مسلم في فرنسا من ريوع سياسية قادرة، علي الأقل، علي التأثير في الانتخابات الفرنسية وفي توجهات الجالية المسلمة في هذا البلد بشكل عام وعلي العلاقات مع فرنسا. ويُمثل النفوذ الجزائري علي الإسلام الفرنسي من خلال الفيدرالية الوطنية لجامع باريس الكبير ، فيما يعكس تجمع مسلمي فرنسا اللوبي المغربي وطموحات الرباط في انتزاع تمثيل الإسلام الفرنسي من أيدي الجزائر. وعقد تجمع مسلمي فرنسا بداية العام الجاري ملتقي كبيرا في مدينة مراكش بالمغرب شارك فيه أكثر من 250 مندوبا عن مختلف مناطق فرنسا. ولم يعد سرا أن كلا من التنظيمين يتحرك بالتنسيق والتعاون مع سلطات بلده الأصلي. في حين ما يهم السلطات الفرنسية أكثر هو وجود هيئة تمثيلية لمسلمي فرنسا يمكن التعامل معها ومخاطبة المسلمين بواسطتها وإدارة التوازنات بداخلها تفاديا لعودة الفوضي التي سادت وسط الجالية المسلمة في فرنسا خلال الثمانينيات واختراقها من طرف المصالح السياسية العربية والإسلامية، من المغرب والجزائر إلي ليبيا والمملكة السعودية وجمهورية إيران الإسلامية، ومختلف التنظيمات المحسوبة علي الإسلام السياسي بما فيها اتحاد المنظمات الفرنسية في فرنسا المعروفة بقربها من تيار الإخوان المسلمين والتي لا تتوفر علي حظوظ كبيرة للفوز بتمثيل مسلمي فرنسا في الاستحقاق المقبل. وفي حال فشل الجزائريين في البقاء علي رأس الهيئة التمثيلية للإسلام في فرنسا، فإن ذلك سيكون بمثابة ثورة في تقاليد إدارة الإسلام في هذا البلد وفي علاقة باريس بالجالية المسلمة علي أراضيها وأيضا في الدور الجزائري. في حين يطرح المتتبعون لهذا الملف تساؤلات حول مدي استعداد باريس لقبول انحسار النفوذ الجزائري في هذا المجال والانعكاسات المحتملة لذلك علي العلاقات الجزائرية الفرنسية، علما أن الدكتور دليل بوبكر الرئيس الحالي للمجلس الفرنسي للديانة الإسلامية وعميد مسجد باريس لم يتمكن من الصمود في موقعه علي رأس الهيئة منذ انشائها بقرار وتشجيع وزير الداخلية الأسبق نيكولا ساركوزي إلا بدعم قوي من باريس. وإذا كانت باريس تريد تحقيق الإجماع علي مشروعها المتوسطي وتوازن علاقاتها بالمنطقة المغاربية فمن مصلحتها إدارة ملف تمثيل الإسلام في فرنسا بدقة كبيرة وبصورة متوازنة. ولا شك أن امتناع الدكتور بوبكر عن الترشح لضعف حظوظه في الفوز هي بشكل أو بآخر دعوة للسلطات الفرنسية للتدخل والإلقاء بثقلها في استحقاق حزيران/يونيو المقبل، ما يفتح الأبواب علي مصراعيها للتفاوض والصفقات في الكواليس التي قد تبقي علي النفوذ الجزائري علي الإسلام في فرنسا. كما قد تمنح الأتراك، من خلال الهيئة التمثيلية للمسلمين من أصل تركي في فرنسا، دورا يضمن عدم ترجيح الكفة لأيِّ طرف من الطرفين الجزائري والمغربي. تجدر الإشارة إلي أن المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية بقي شبه مشلول منذ تأسيسه، واعترف رئيسه دليل بوبكر بفشل ما لا يقل عن 80 بالمئة من مجالسه الإقليمية في أداء المهام التي أُنشئت من أجلها. يذكر ان الدكتور دليل بوبكر هو الممثل الخامس للإسلام في فرنسا منذ تأسيس جامع باريس الكبير في العشرينيات من القرن العشرين علي يد مدير تشريفات قصر ملك المغرب آنذاك سي قدور بن غبريط الجزائري التلمساني. وبعد وفاة بن غبريط خلفه جزائري آخر هو سي حمزة بوبكر، وهو والد دليل بوبكر، علي رأس الجامع إلي غاية السبعينيات، قبل أن يحل محله الشيخ عباس، أحد الأعضاء السابقين في جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، ثم تلاهما الدكتور الجرّاح التيجاني هدام في بداية التسعينيات الذي شغل أيضا منصب عضو المجلس الأعلي للدولة (رئاسة جماعية) بعد إلغاء الانتخابات في الجزائر سنة 1992. وبعد أخذ ورد وحتي بعض التوتر بين باريس والجزائر وقع اختيار الدكتور دليل بوبكر علي رأس جامع باريس الكبير قبل أن يصبح منذ 2003 رئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية.