وزير الخارجية يتناول مع وزير المؤسسات الصغرى والمتوسطة الكامروني عددا من المسائل المتعلقة بالاستثمار وتعزيز التعاون الثنائي    غدا: هذه المناطق بهاتين الولايتين دون تيار كهربائي..    رئيس الاتحاد المحلي للفلاحة ببوعرقوب يوجه نداء عاجل بسبب الحشرة القرمزية..    خط تمويل ب10 مليون دينار من البنك التونسي للتضامن لديوان الأعلاف    وزيرة الاقتصاد والتخطيط تترأس الوفد التونسي في الاجتماعات السنوية لمجموعة البنك الإسلامي للتنمية    عاجل/ عالم الزلازل الهولندي يحذر من نشاط زلزالي خلال يومين القادمين..    صادم/ العثور على جثة كهل متحللة باحدى الضيعات الفلاحية..وهذه التفاصيل..    ملامحها "الفاتنة" أثارت الشكوك.. ستينيّة تفوز بلقب ملكة جمال    استقرار نسبة الفائدة الرئيسية في تركيا في حدود 50%    بي هاش بنك: ارتفاع الناتج البنكي الصافي إلى 166 مليون دينار نهاية الربع الأول من العام الحالي    وزيرة التربية تطلع خلال زيارة بمعهد المكفوفين ببئر القصعة على ظروف إقامة التلاميذ    فرنسا تعتزم المشاركة في مشروع مغربي للطاقة في الصحراء    الرابطة الأولى: تشكيلة النادي البنزرتي في مواجهة نجم المتلوي    دورة اتحاد شمال افريقيا لمنتخبات مواليد 2007-2008- المنتخب المصري يتوج بالبطولة    القصرين: مشاريع مبرمجة ببلدية الرخمات من معتمدية سبيطلة بما يقارب 4.5 ملايين دينار (معتمد سبيطلة)    القطب المالي ينظر في اكبر ملف تحيل على البنوك وهذه التفاصيل ..    سيدي حسين : قدم له يد المساعدة فاستل سكينا وسلبه !!    توقيع اتفاق بين الحكومة التونسية ونظيرتها البحرينية بشأن تبادل قطعتيْ أرض مُعدّتيْن لبناء مقرّين جديدين لسفارتيهما    سيدي بوزيد: انطلاق فعاليات الاحتفال بالدورة 33 لشهر التراث بفقرات ومعارض متنوعة    صفاقس : "الفن-الفعل" ... شعار الدورة التأسيسية الأولى لمهرجان الفن المعاصر من 28 إلى 30 أفريل الجاري بالمركز الثقافي برج القلال    تطاوين: بعد غياب خمس سنوات المهرجان الوطني للطفولة بغمراسن ينظم دورته 32 من 26 الى 28 افريل2024    الرابطة الأولى: تشكيلة الإتحاد المنستيري في مواجهة الملعب التونسي    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم السبت 27 أفريل    الناطق باسم محكمة تونس يوضح أسباب فتح تحقيق ضد الصحفية خلود مبروك    بنزرت: الافراج عن 23 شخصا محتفظ بهم في قضيّة الفولاذ    خبير تركي يتوقع زلازل مدمرة في إسطنبول    عاجل/ نحو إقرار تجريم كراء المنازل للأجانب..    عاجل/ الحوثيون يطلقون صواريخ على سفينتين في البحر الأحمر..    طقس السبت: ضباب محلي ودواوير رملية بهذه المناطق    كيف نتعامل مع الضغوطات النفسية التي تظهر في فترة الامتحانات؟    مع الشروق .. «طوفان الأقصى» أسقط كل الأقنعة.. كشف كل العورات    "حماس" تعلن تسلمها رد الاحتلال حول مقترحاتها لصفقة تبادل الأسرى ووقف النار بغزة    فضاءات أغلقت أبوابها وأخرى هجرها روادها .. من يعيد الحياة الى المكتبات العمومية؟    تنديد بمحتوى ''سين وجيم الجنسانية''    مانشستر سيتي الانقليزي يهنّئ الترجي والأهلي    ابتكرتها د. إيمان التركي المهري .. تقنية تونسية جديدة لعلاج الذقن المزدوجة    الكاف..جرحى في حادث مرور..    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    طقس الليلة    تسجيل مقدّمة ابن خلدون على لائحة 'ذاكرة العالم' لدى اليونسكو: آخر الاستعدادات    عاجل/ ايقاف مباراة الترجي وصانداونز    تألق تونسي جديد في مجال البحث العلمي في اختصاص أمراض وجراحة الأذن والحنجرة والرّقبة    أكثر من 20 ألف طالب تونسي يتابعون دراساتهم في الخارج    وزارة التجارة تتخذ اجراءات في قطاع الأعلاف منها التخفيض في أسعار فيتورة الصوجا المنتجة محليا    مدير عام وكالة النهوض بالبحث العلمي: الزراعات المائية حلّ لمجابهة التغيرات المناخية    الرابطة 1 ( تفادي النزول - الجولة الثامنة): مواجهات صعبة للنادي البنزرتي واتحاد تطاوين    بطولة الرابطة 1 (مرحلة التتويج): حكام الجولة الخامسة    نابل: الاحتفاظ بشخص محكوم بالسجن من أجل "الانتماء إلى تنظيم إرهابي" (الحرس الوطني)    تقلص العجز التجاري الشهري    أخصائي في أمراض الشيخوخة: النساء أكثر عُرضة للإصابة بالزهايمر    تُحذير من خطورة تفشي هذا المرض في تونس..    عاجل : القبض على منحرف خطير محل 8 مناشير تفتيش في أريانة    دورة مدريد : أنس جابر تنتصر على السلوفاكية أنا كارولينا شميدلوفا    أمين قارة: إنتظروني في هذا الموعد...سأكشف كلّ شيء    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رسالة من وراء القضبان:دفاعا عن المساجين السّياسيّين في تونس: عبد الكريم الهاروني
نشر في الفجر نيوز يوم 26 - 12 - 2007

بسم الله الرّحمان الرّحيم و الصّلاة و السّلام على النّبيّ الصّادق الأمين
رسالة من وراء القضبان
دفاعا عن المساجين السّياسيّين في تونس

قال الله تعالى:" فليؤدّ الّذي اؤتمن أمانته و ليتّق الله ربّه و لا تكتموا الشّهادة و من يكتمها فإنّه آثم قلبه و الله بما تعملون عليم" صدق الله العظيم

تونس في 10 ديسمبر 2007
لم أنتظر لحظة الخروج من السّجن - و الّتي قد لا تأتي – لممارسة حقّي و أداء واجبي في الرّدّ على الموقف المعلن الّذي انفرد به "الحزب الحاكم" دون غيره و المتمثّل في إنكاره لوجود مساجين رأي و مساجين سياسيّين في تونس. تمّ ذلك عبر رسالة إلى رئاسة الدّولة في 15 أوت 2000عن طريق إدارة سجن الهوارب بالقيروان، ثمّ بالاحتجاج أثناء الإضراب عن الطّعام في 15 نوفمبر 2005 بسجن صفاقس، ثمّ عبر رسالة إلى عائلتي عن طريق اإدارة سجن "9 أفريل" بتونس في 6 جوان 2006.
إثر خروجي من السّجن يوم 7 نوفمبر 2007 ليلا و دون سابق إعلان عن "عفو رئاسي". وقع تسليمي من وزارة العدل إلى وزارة الدّاخليّة في إطار "سراح شرطيّ" حيث لم أعد سجينا و لم أصبح مواطنا. و حرصا منّي على مشاركة أحرار تونس في الدّاخل و الخارج و أحرار العالم في الشّرق و الغرب في الاحتفال بذكرى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، رأيت من المفيد أن أطلع الرّأي العام الوطني و العالمي على محتوى الرّسالتين المذكورتين : دفاعا عن المساجين السّياسيّين في تونس و مساهمة في كشف الحقيقة على طريق المصالحة الوطنيّة الشّاملة و العادلة و الإصلاح الحقيقي، إبتداء من رفع المظالم و إعادة الحقوق إلى أهلها وصولا إلى تحصين الأسرة والمجتمع و الدّولة في ظلّ مناخ من الحرّيّات الحقيقيّة و القوانين العادلة و المؤسّسات الممثّلة واحترام الهويّة العربيّة و الإسلاميّة حتّى تصبح تونس بحقّ لكلّ التّونسيّين و التّونسيّات و تعود منارة على طريق نهضة الأمّة العربيّة الإسلاميّة و تقدّم الحضارة الإنسانيّة.
لنواصل معا النّضال من أجل إطلاق سراح كلّ المساجين السّياسيّين في تونس و عودة كلّ المغتربين واسترداد الحقوق المدنيّة و السّياسيّة و الإجتماعيّة :"جميع الحقوق للجميع".
أخوكم و صديقكم عبد الكريم الهاروني السّجين السّياسي السّابق في قضيّة حركة النّهضة ، الأمين العام الأسبق للإتّحاد العام التّونسي للطّلبة، الصّحفي، و المهندس أوّل في الهندسة المدنيّة ، أخو هند الهاروني.
الرّسالة الأولى:
الموضوع : رسالة توضيح حول صفتي كسجين.
إنّي الممضي أسفله كريم بن عمر بن خالد الهاروني رقم 11777 المقيم بالسّجن المضيّق بالهوارب منذ 13 فيفري 1998 و في العزلة منذ إيقافي في يوم 30 أكتوبر 1991 و المحكوم بالسّجن مدى الحياة في قضيّة حركة النّهضة المعروضة على"المحكمة العسكريّة الخاصّة" في ثكنة بوشوشة تحت رقم 33-91 في صائفة 1992 و يالسّجن لمدّة تسع سنوات و نصف في قضايا "إنتماء إلى جمعيّة غير مرخّص فيها" فوجئت بما ورد في خطابكم الّذي ألقيتموه في إطار حزبكم يوم 28 جويلية 2000 من كلام يعنيني مباشرة ماضيا و حاضرا و مستقبلا و يعني كلّ المهتمّين بالمستقبل السّياسي للبلاد حيث جاء فيه بشأن سجناء الرّأي "الّذين لا وجود لهم ببلادنا فلا سجناء إلا من ارتكبوا جرائم الحقّ العام الّتي يعاقب عليها القانون وأدانتهم العدالة في ظلّ استقلاليّة القضاء و احترام حقوق الدّفاع و المتقاضين" و خاصّة أنّه جاء في الوقت الّذي تتواتر فيه الدّعوات من أصوات تونسيّة في الدّاخل و الخارج و من مواقع و انتماءات مختلفة إلى مصالحة وطنيّة حقيقيّة و تعدّديّة فعليّة و احترام حقوق الإنسان و المطالبة بالعفو التّشريعيّ العام كما جاء موقف حزبكم في ظرف يتزايد فيه الاهتمام بما يحدث في تونس من قبل الحكومات و المنظّمات ووسائل الإعلام بما يؤثّر على مصالح البلاد و العباد و كذلك لجوء المواطن التّونسي أكثر فأكثر إلى وسائل الإعلام في الخارج و خاصّة منها القنوات الفضائيّة و شبكة الانترنت لمعرفة حقيقة ما يجري في البلاد أمام واقع الإعلام والأحزاب و المنظّمات و الجمعيّات المعترف بها في تونس.
في هذا الإطار و من موقعي كمواطن مسلوب الحرّيّة و الحقوق المدنيّة و السّياسيّة و حتّى من أهمّ حقوقي كسجين رأيت من حقّي بل من واجبي الدّفاع عن نفسي و عمّا أراه حقّا أحقّ أن يتّبع و ما يحقّق مصلحة بلادي. فقد جاء في تصريحكم أمام عدد من رجال الإعلام يوم 5 ماي 2000 "حتّى المحكوم عليه بالإعدام له حقّ الدّفاع عن نفسه فحقّ الدّفاع مضمون فاتركوا لنا فرصة الدّفاع عن أنفسنا" و إيمانا منّي بحقّ الإختلاف في الرّأي اخترت أن أتوجّه إليكم بهذه الرّسالة في هذا الظّرف الدّقيق الّذي تمرّ به البلاد بصفتكم المسؤول الأوّل أمام القانون عن وضعيّتي كسجبن قصد توضيح أمور هامّة حول صفتي و ظروف إقامتي كسجين بين القرار السّياسيّ و القانون و الإدارة و الواقع فقد جاء في نفس التّصريح قولكم "الإعلام الحقيقي هو الرّأي و الرّأي المخالف قل ما تشاء و أنا أجيبك و إذا ثبت أنّ الحقّ معك تقنعني أو أقنعك و لكن لنتحاور أمّا أن تقول لي اسمع و اسكت فذلك مرفوض".
فمنذ إيقافي يوم 6 نوفمبر 1987 في إطار قضيّة حركة الإتّجاه الإسلامي المعروضة على محكمة أمن الدّولة ثمّ يوم 19 أكتوبر 1990 في قضيّة توزيع مناشير تدعو إلى مقاطعة الانتخابات البلديّة في جوان 1990 و أخيرا يوم 30 أكتوبر 1991 في قضيّة حركة النّهضة المعروضة على المحكمة العسكريّة الخاصّة و طيلة ما يقارب عشر سنوات ونصف سجنا لم أطّلع على وثيقة أو مقال أو تصريح و لم أسمع كلاما و لم أر شخصا يصفني بأنّي "سجين حقّ عام" سواء في جهاز الشّرطة أو القضاء أو السّجون أو الوزارات المعنيّة أو رجال الفكر والسّياسة و الإعلام و الثّقافة و القانون أو ممثّلي الأحزاب و المنظّمات و الجمعيّات أو مناضلي حقوق الإنسان أوعامّة المواطنين و حتّى المساجين أنفسهم بمختلف قضاياهم .لذلك يجوز لي أن أستغرب ما جاء في خطابكم الّذي ينفرد به حزبكم لا فقط بعدم الاعتراف بأنّي سجين رأي أو سجين سياسي بل بوصفي بأنّي"سجين حقّ عام"رغم اعترافه بوجود هذا النّوع من المساجين و لكن في غير بلادنا. فخطورة الأمر تكمن في أنّه ليس مجرّد خلاف حول المصطلحات و التّسميات أو حول حقيقة مادّيّة : هل يوجد هؤلاء ببلادنا أم لا ؟ فليس الخلاف لغويّا أو واقعيّا بل الخلاف يتعلّق بطبيعة القانون و كيفيّة فهمه و طريقة تطبيقه لفرض واقع سياسيّ معيّن و مدى علاقة ذلك بمصلحة البلاد.
ليس جديدا أن لا يعترف الحزب الحاكم في تونس بوجود محاكمات سياسيّة أو مساجين سياسيّين و من الثّابت تاريخيّا أنّ إنكاره ليس دليلا على عدم وجود ذلك في البلاد سواء بالنّسبة للرّأي العام الوطني أو العالمي. فلم يخل عقد من العقود الأربعة الماضية من هذا الصّنف من المحاكمات و قد شملت فآت كثيرة و مختلفة من طلبة و نقابيّين و سياسيّين ومناضلين من أجل حقوق الإنسان و مثقّفين و طالت التّلاميذ أيضا بل و لم ينج منها حتّى أفراد من داخل الحزب الحاكم نفسه. فهو كحزب في السّلطة يرى في الإقرار بوجود مساجين سياسيّين اعترافا بأنّ له مسؤوليّة كطرف في القضايا السّياسيّة في فشل إدارة الخلاف الفكري و السّياسي و الاجتماعي بين مكوّنات المجتمع ففي ظلّ مناخ من الحرّيّات الحقيقيّة و القوانبن العادلة والمؤسّسات الممثّلة أي معالجة القضايا السّياسيّة بوسائل سياسيّة لا بوسائل أمنيّة تحت شعار"فرض احترام القانون" لأنّه بقدر ما يكون هناك استعداد للحوار و التّنافس مع المخالفين و بقدر ما يكون القانون مواكبا لتطوّر المجتمع وواضحا و رحيما لا يبقى لأحد عذر في البقاء خارج القانون مثلما هو الشّأن في البلاد المتقدّمة في بناء الدّيمقراطيّة و دولة القانون. فلا غرابة عندئذ أن يجد كثير من الأفراد و الأطراف أنفسهم "خارج الوفاق" و "خارج القانون" في نظر الحزب الحاكم و توزّع عليهم النّعوت بين "متحامل" و "حاقد" و "متطرّف" و "خائن للوطن" و "متستّر بالدّين" و أخيرا "بمجرم حقّ عام". فقد جاء في خطابكم "أنّ للحرّيّة و الدّيمقراطيّة أعداء يتربّصون بها و في مقدّمة هؤلاء دعاة التّطرّف و الإرهاب" ثمّ قولكم"وقد أشرتم في حواركم مع أعضاء الدّيوان السّياسي إلى ما لفت أنظاركم من تقارب في المدّة الأخيرة في الخطاب و في الممارسة بين فلول التّطرّف اليساري الّتي خلّفتها إيديولوجيّات ولّى زمانها و إنهدّ بنيانها و بين بعض ذيول التّطرّف المتستّر بالدّين". فهل أنّ نعوتا مثل أعداء الحرّيّة و الدّيمقراطيّة أو التّطرّف اليساري أو المتستّر بالدّين أو الإرهاب تطلق على مجرمي الحقّ العام أم أنّها تهم إيديولوجيّة و سياسيّة لا توجّه إلا لمعارض في الفكر والرّأي و السّياسة و كيف ينشغل حزب سياسيّ في الحكم من القاعدة إلى القيادة بنشاط هذه"الفيول" و"الذّيول" على مستوى " الخطاب" و "الممارسة لو كان هؤلاء مجرّد عصابات من مجرميّ الحقّ العام و الحال أنّ الخطاب الرّسمي يقلّل دائما من تفاقم ظاهرة الإجرام في مجتمعنا مثل السّرقات و المخدّرات والقضايا الأخلاقيّة و الرّشوة و العنف ... أو ليس المقصود بالتّقارب هو التّقارب في الخطاب السّياسيّ و الممارسة السّياسيّة ؟ أو ليس انشغال الحزب الحاكم يدلّ على أنّ المسألة سياسيّة و تهمّ تطوّر الوضع العام بالبلاد ؟ أو لم يكن للمحاكمات و السّجون دور في هذا التّقارب بين الّذين وجدوا أنفسهم غير معترف بهم داخل دائرة الحرّيّة و داخل حدود القانون ؟ أم أنّ الأمر يتعلّق بخطاب تعبويّ لتجاوز مظاهر الشّكّ و الوهن أمام التّطوّر الهائل لوسائل التّعبير و الاتّصال و التّأثير الإعلامي و السّياسي و الثّقافي في هذا العصر ؟ أم أنّه دليل على وجود تخوّف لدى البعض من دخول البلاد مرحلة مصالحة و طنيّة حقيقيّة و شاملة تعيد الحقوق إلى أصحابها و قيام تعدّديّة فعليّة بعيدا عن تصنيفات تجاوزها التّاريخ مثل : يمين و يسار، تطرّف واعتدال، وفاق و صراع، تديّن و تستّر بالدّين، تقدّميّة و رجعيّة، وطنيّة و خيانة... لتبقى حرّيّة التّفكير و التّعبير و التّنظّم و التّنقّل في ظلّ قوانين عادلة و مؤسّسات ممثّلة تعبّر عن إرادة الشّعب الحرّة و طموحاته المشروعة فلا يتعارض عندئذ التّداول على السّلطة مع الاستقرار و لا التّنافس السّياسي مع الأمن و لا الاختلاف في الرّأي مع الوحدة الوطنيّة و لا مصلحة البلاد و العباد مع القانون ؟.
وبما أنّ في التّاريخ القريب شاهدا و عبرة و في الواقع حجّة، فانّي أقدّم بعض الأمثلة على التّباين الواضح بين الموقف السّياسي الرّسمي و بين الواقع و الممارسة منطلقا ممّا عشته في الفترة الأخيرة في سجني إذ أعلمتني عائلتي عند الزّيارة يوم 27 جوان 2000 بأنّ شخصين من وزارة الدّاخليّة قدما إلى بيتنا و تحادثا مع والدي حول ظروف إقامتي بالسّجن و هل أنّي سأواصل نشاطي اثر خروجي من السّجن ؟ و طلبا من والدي الحديث معي في الموضوع لمعرفة رأيي كما طلبا منه رقم الهاتف ووعداه بالعودة لمعرفة ردّي. فهل يمكن أن يحصل هذا مع "سجين حقّ عام" و في هذا الظّرف بالذّات ؟.
في خريف 1987 وابتداء من يوم 23 نوفمبر حوكمت في قضيّة حركة الاتّجاه الإسلامي أمام محكمة "أمن الدّولة" في آخردورة لها بتهم تتراوح بين "الانتماء إلى جمعيّة غير مرخّص فيها" و "توزيع مناشير و التّظاهر بالطّريق العام" إلى "التّآمر على أمن الدّولة الدّاخلي" و قد كنت آنذاك أمينا عامّا للاتّحاد العام التّونسي للطّلبة "غير المعترف به" في ظلّ حملة إعلاميّة وصفتني "بالتّطرّف" و "التّستّر بالدّين" و "الخروج على مذهب السّنّة" و "العمل على قلب النّظام" و" التّعامل مع دولة أجنبيّة"... فلم تعترف السّلطة آنذاك بأنّ المحاكمة سياسيّة و أنّ محكمة "أمن الدّولة" محكمة استثنائيّة غير دستوريّة وأنّي سجين سياسي ثمّ و بعد فترة وجيزة ألغيت محكمة "أمن الدّولة" مع الإبقاء على فرقة "أمن الدّولة" و ألغي الحكم بالأشغال الشّاقّة و أطلق سراح المساجين في القضيّة، عندئذ تغيّر خطاب السّلطة لتعترف بأنّ محكمة "أمن الدّولة" استثنائيّة و غير دستوريّة و أنّ المساجين كانوا مساجين رأي و مساجين سياسيّين و اعتبرت هذه الخطوات مكاسب في إطار تحقيق المصالحة الوطنيّة و دعم الحرّيّات و احترام حقوق الإنسان. و قد زارني زعيم حركة الاتّجاه الإسلامي عشيّة اليوم الّذي أطلق فيه سراحي اثر مقابلة معكم في القصر صباح ذلك اليوم 6 نوفمبر 1988 فعبّر لي بأنّه خرج بانطباع ايجابيّ من المقابلة كما زارني في الوفد معه ممثّل الحركة في الإمضاء على "الميثاق الوطني" الّذي وقّعت عليه الأحزاب والمنظّمات و أنا لازلت في السّجن كما زارني مدير صحيفة "الفجر" لاحقا.فاستأنفت نشاطي في قيادة اتّحاد الطّلبة الّذي أصبح معترفا به بعد أكثر من ثلاث سنوات على تأسيسه وقد أشرفت على مؤتمره الثّالث حيث انتخبت قيادة جديدة في إطار التّداول على المسؤوليّة ثمّ توجّهت للنّشاط في هيئة تحرير صحيفة "الفجر" في القسم الاجتماعي و النّقابي. فهل يمكن وصفي عندما كنت سجينا بأنّي "سجين حقّ عام" قبل أن تعترف السّلطة لاحقا واثر خروجي من السّجن بأنّي سجين رأي ؟ فضلا عن سنّ "العفو التّشريعي العام" الّذي ألغى الأحكام في حين تمتّع مساجين الحقّ العام بالعفو الرّئاسي فقط ؟.
يوم 22 ماي 1991 عقد وزير الدّاخليّة ندوة صحفيّة "للكشف عن مؤامرة لقلب نظام الحكم و إقامة دولة إسلاميّة في تونس" تقف وراءها حركة النّهضة و قد تمّت هذه النّدوة دون إذن "التّحقيق العسكري" و لم تحترم مبدأ سرّيّة البحث بما يجعل الإنسان الموقوف بريئا حتّى تثبت إدانته أمام محكمة علنيّة و قضاء مستقلّ يضمن له حقّ الدّفاع عن نفسه. و قد اعتبر أنّ الدّليل الرّئيسي على صحّة الاتّهام تنظيم اجتماع حظره ضبّاط من الجيش بجهة "برّاكة السّاحل" فتبيّن أثناء المحاكمة في صائفة 1992 أنّه اجتماع وهمي لا وجود له كما لم تثبت "المحكمة العسكريّة الخاصّة" أدلّة على التّهم الرّئيسيّة الأخرى. فحكم عليّ بالسّجن مدى الحياة في حين حكم على الضّبّاط المذكورين أعلاه بالسّجن لمدّة لا تتجاوز الثّلاث سنوات. هذه المحاكمة الّتي أجري فيها البحث الابتدائي اثر إنابة من القضاء العسكري إلى فرقة "أمن الدّولة" و ليس فرقة "مقاومة الإجرام" المختصّة في البحث مع عصابات مجرمي الحقّ العام. و الّتي تضمّ هيئتها ضبّاطا في الجيش لا يتمتّعون باستقلاليّة القرار بحكم خضوعهم لطبيعة المؤسّسة العسكريّة. و قد رفضت فيها الاستنطاق في البداية لعدم تمكيني من حقّي في الاطّلاع على محضر البحث لدى حاكم التّحقيق العسكري ومقابلة المحامي. كما انسحب منها المحامون في بداية المرافعات لعدم تمكينهم من الوقت اللازم و الكافي لدراسة أوراق الملفّ رغم المطالبة به قبل المحاكمة. و الّتي تشكّلت فيها لجنة طبّيّة مختصّة لفحص عدد من المتّهمين بطلب منهم و من الدّفاع. والّتي أذنتم خلال أيّام انعقادها بتكوين لجنة تحقيق في "المعلومات المتعلّقة بممارسة التّعذيب و موت أشخاص في ظروف غامضة". و الّتي لم تصدر فيها أحكام بالإعدام رغم طلب النّيابة العسكريّة و خطورة التّهم مثل التّهمة الموجّهة ضدّي بالعمل على تغيير هيئة الدّولة، لا حضوريّا، و لا غيابيّا مثل محاكمة 1987.و الّتي انعقدت على امتداد 51 يوما تحت إجراءات أمنيّة مشدّدة و متابعة إعلاميّة كبيرة داخل البلاد و خارجها. و الّتي رفض القاضي طلب نقلها كاملة عبر الإذاعة و التّلفزة لاطلاع المواطنين على الحقيقة بعد ما حصل من تشويه. وقع فيها المطالبة بحلّ "البوليس السّياسي" و توفير حرّيّات حقيقيّة في البلاد مع تنظيم إضراب جماعي عن الطّعام احتجاجا على ظروف الإقامة و المعاملة في السّجن و المطالبة بتحسينها وفق ما جاء في القانون. فقد كانت أكبر محاكمة في تونس في القرن العشرين و أذكر أنّ آخر كلام قلته عند الإعذار قبل صدور الحكم:"هناك ثلاث حقائق أؤكّدها أمام المحكمة وأمام العالم و أمام التّاريخ: المؤامرة ضدّ حركة النّهضة و هذه المحاكمة "للتّجمّع الدّستوري" و الحلّ في توفير حرّيّات حقيقيّة في البلاد، و عمليّا بتنظيم انتخابات حرّة و نزيهة يشارك فيها الجميع في ظلّ قوانين عادلة لإفراز مؤسّسات ممثّلة. و قد زادتني هذه المحاكمة يقينا بأنّ مستقبل تونس في الحرّيّة و الإسلام. و موعدنا الصّبح أليس الصّبح بقريب ؟". فهل يمكن أن تكون هذه المحاكمة لمتّهمين في جرائم الحقّ العام ؟ و هل توفّرت فيها حقّا شروط الاستقلاليّة و حقّ الدّفاع فضلا عن ثبوت الإدانة ؟. يوم 28 أوت 1992 و في نفس القاعة الّتي تمّت فيها محاكمة صائفة 1987 "بثكنة بوشوشة" صدرت الأحكام دون الإعدام فتنفّس الرّأي العام الصّعداء بعد طول انتظار و خوف من دخول البلاد في المجهول.
يوم 15 أوت 1995 أقيل المدير العام للسّجون اثر تكوين لجنة تحقيق في ما يجري داخل السّجون من ممارسات خطيرة لا علاقة لها بالقانون والأخلاق وخاصّة ضدّ المساجين في قضيّة حركة النّهضة و ذلك بعد كثرة الشّكايات وتزايد الأخبار داخل البلاد وخارجها عن انتهاكات لحقوق الإنسان في السّجون و قد كان الخطاب الرّسمي "للحزب الحاكم" و طيلة ما يقارب خمس سنوات ينفي وجود هذه الانتهاكات و يباهي باحترام حقوق الإنسان في السّجون. منذ ذلك التّاريخ حصل تحسّن محدود و لكن الوضع لا يزال بعيدا عمّا جاء في نصّ قانون "النّظام الدّاخلي للسّجون" المؤرّخ في 4 نوفمبر 1988 خاصّة على مستوى احترام حقوق السّجين و المساواة في المعاملة بين المساجين أمام القانون و الإدارة. فبالنّسبة لي مثلا أقيم في العزلة ب "السّجن المضيّق" المخصّص للعقوبة و ليس للإقامة منذ تاريخ إيقافي أي ما يقارب تسع سنوات محروما من متابعة برامج التّلفزة و من مطالعة الصّحف والمجلات المحلّيّة و الأجنبيّة الإخباريّة و العلميّة و الثّقافيّة المرخّص فيها بالبلاد إلا القليل الّذي تحدّده الإدارة العامّة و الّذي يصلني بصفة متقطّعة بسبب نوع من الأخبار السّياسيّة مع السّماح فقط بدخول صحف " الحزب الحاكم" و منع صحف الأحزاب "المعترف بها" و تمنع عنّي الإدارة حقّي في جلب الكتب المرخّص فيها في البلاد عن طريق عائلتي في مختلف مجالات العلم و المعرفة وفي مقدّمتها كتاب تفسير القرآن الكريم "التّحرير و التّنوير" للشّيخ محمّد الطّاهر بن عاشور رحمه الله خاصّة أمام فقر مكتبات السّجون كمّا وكيفا إضافة إلى سحب عدد من الكتب الّتي كانت فيها لأنّها ذات صبغة دينيّة أو سياسيّة. وصل الأمر إلى حدّ إفتكاك المصحف منّي يوم 31 ماي 1995 كما منعتني من حقّ مواصلة التّعليم لإعداد أطروحة الدّكتوراه في الاختصاص بعد شهادة مهندس أوّل في الهندسة المدنيّة، و أيضا للدّراسة في اختصاصات أخرى في العلوم الشّرعيّة و القانونيّة و الإنسانيّة رغم تدخّلكم لفائدة عدد من المساجين في السّنوات الأخيرة من الطّلبة التّابعين إلى تنظيم سياسي "غير معترف به". كلّ ذلك إضافة إلى الإقامة في سجون بعيدة عن مقرّ سكنى عائلتي بالمرسى ممّا يحرمني من الزّيارة أسبوعيّا و "القفّة" ثلاثة أيّام في الأسبوع كما يسمح به قانون السّجون و يسبّب مشقّة لأهلي و ضررا مادّيّا و معنويّا. ظروف إقامتي هذه لا علاقة لها بقانون السّجن و كلّما طالبت بتطبيق القانون تجيبني الإدارة بأنّها"تنفّذ التّعليمات" فهل هذه ظروف إقامة "لسجين حقّ عام كبقيّة المساجين في قضايا الحقّ العام ؟ و هل يجوز اعتبارها مجرّد تجاوزات من العاملين في قطاع السّجون بمختلف مستوياتهم الإداريّة أم هو قرار سياسيّ من سلطة الإشراف تجاه سجين في قضيّة سياسيّة ؟ فهي سياسة تقوم على الجانب الأمني بالأساس حوّلت السّجن إلى مؤسّسة أمنيّة أكثر منها مؤسّسة مدنيّة اجتماعيّة. و لم تشهد ظروف إقامتي بالسّجن تحسّنا يذكر حتّى بعد تعيين قاض على رأس "الإدارة العامّة للسّجون" و حتّى بعد إطلاق سراح عدد من المساجين في نفس القضيّة في نوفمبر الأخير. فاضطررت بعد استنفاذ مرحلة المطالبة عبر الطّرق الإداريّة من مراسلات و مقابلات مع ممثّلي إدارة السّجن و الإدارة العامّة ومراسلة وزارة الدّاخليّة و حتّى مراسلة عائلتي للرّئاسة بتاريخ 27 ماي 1999 فتوجّهت برسالة إلى وزارة الدّاخليّة بتاريخ 25 نوفمبر 1999 للإعلام بقراري الدّخول في إضراب عن الطّعام و رفع دعوة قضائيّة لدى المحكمة الإداريّة ضدّ الإدارة العامّة للسّجون لأنّها عطّلت تطبيق القانون و حرمتني من حقّي في جلب الكتب عن طريق عائلتي و تمّ تنفيذ ذلك يوم 10 ديسمبر 1999 الموافق لليوم العالمي لحقوق الإنسان عبر رسالة إلى السّيّد وكيل الجمهوريّة بالقيروان ثمّ تبيّن لي بعد أكثر من ثلاثة أشهر أنّ الرّسالة لم تصل فطلبت مقابلته عبر مطلب بتاريخ 28 مارس 2000 كما اتّصلت عائلتي عبر المراسلة لإعلامه بأنّي أطلب مقابلته فلم يستدعني إلى اليوم أي أنّ الإدارة العامّة حرمتني من حقوقي الّتي يضمنها لي القانون أوّلا و حرمتني من حقّ التّقاضي ثانيا و لم يستجب القضاء لطلبي في الاتّصال ثالثا. أمّا الآن وبعد إنشاء مؤسّسة "قاضي تنفيذ العقوبات" فانّي لست متفائلا رغم أهمّيّة هذه الخطوة في مراقبة ما يجري داخل السّجون من خارجها لأنّ صلوحيّاته محدودة فهو أقرب إلى المتفقّد منه إلى القاضي لأنّه يطلب و لا يقرّر و لا يفصل في النّوازل و لا يلزم إدارة السّجن بشئ كما أنّ وزارة العدل لا تستطيع أن تلزم وزارة الدّاخليّة بشئ يدخل في صلوحياّتها. هذا في انتظار أن تصبح السّجون يوما تحت إشراف القضاء ووزارة العدل فتصبح مؤسّسة مدنيّة بإدارة مدنيّة. فكيف يمكنني أن أنتظر تدخّلا من وزارة العدل لدى وزارة الدّاخليّة لتسوية وضعيّة إقامتي لتصبح موافقة للقانون و الحال أنّ الأمر يتعلّق بسياسة الحكومة عموما و بقرار سياسيّ غير معلن ؟.
هذه إذا بعض الأمثلة على الفروق الهامّة بين ما يعترف به الخطاب الرّسمي و ما هو واقع فعلا. فما موقع القانون من كلّ هذا خاصّة و أنّه جاء في خطابكم أيضا : "إنّ من قيم الدّيمقراطيّة احترام القانون لأنّه ضامن للحقوق و الحرّيّات و الفيصل الّذي يجري تطبيق أحكامه على أيّ كان. نطوّره إن لزم الأمر و نفرض احترامه ما دام قائما ذلك هو البعد الجوهري لدولة القانون و المؤسّسات و المقوّم الأساسي للسّلوك الواعي و المسؤول الّذي لا نرضى و لن نرض عنه بديلا".
حسب قانون النّظام الدّاخلي للسّجون فانّه يتحدّث عن مساجين يضبط حقوقهم و واجباتهم دون تمييز بينهم إلا من حيث الوضع الجزائيّ:"موقوفون و محكومون" و ينصّ على تصنيفهم حسب نوعيّة قضاياهم و حسب وضعهم الجزائي و حسب السّنّ عند توزيعهم على الغرف و يصنّف السّجون إلى ثلاثة أصناف : سجون شبه مفتوحة للعمل و سجون جهويّة لمن حكمه لا يتجاوز خمس سنوات و سجون رئيسيّة لمن حكمه أكثر من خمس سنوات كما ينصّ على أنّ الإقامة تكون في غرف جماعيّة و يضبط الحالات الّتي يوضع فيها السّجين في غرفة انفراديّة و هي : قرار من حاكم التّحقيق العسكري أو المدني لمتطلّبات البحث، حالة مرضيّة تستوجب العزل أو حفظ الإدارة لسجين مهدّد في أمنه. أمّا العقوبة بالسّجن الانفرادي فلا تتجاوز عشرة أيّام و في غرفة تتوفّر فيها الشّروط الضّروريّة و الصّحيّة و يؤكّد القانون على عدم معاملة السّجين معاملة قاسية أو مهينة أو غير إنسانيّة. فالقاعدة القانونيّة لنظام السّجن هي: المساواة بين المساجين في المعاملة و تصنيفهم حسب القضايا في الإقامة و احترام كرامتهم و حرمتهم الجسديّة مع الاجتهاد في إصلاحهم لتيسير إعادة إدماجهم إذا قانون السّجن عامّ و لا يخصّص فصولا للحديث عن سجين الرّأي أو السّجين السّياسي رغم إمكانيّة وجوده في الواقع واعتراف السّلطة نظريّا على الأقلّ بإمكانيّة وجود مثل هذا النّوع من المساجين و وجوده فعلا في بلدان أخرى إلى جانب مساجين الحقّ العام فيبقى مجال توضيح هذه المسألة بالنّسبة للقانون الحالي عند تصنيف المساجين حسب قضاياهم و هو في نظري نقص في القانون الحالي. إنّ القانون من ناحية أخرى لا يصنّف المساجين بمختلف قضاياهم بأنّهم مساجين حقّ عام فالتّسمية تبقى مرتبطة بنوع القضيّة و هذا شأن القضاء بدرجة أولى قبل إدارة السّجن، و القضاء عندنا يصنّف القضايا إلى قضايا تجاريّة و مدنيّة و عقاريّة و جزائيّة و عرف فلا يتحدّث عن قضايا الرّأي أو قضايا سياسيّة أو قضايا أمنيّة و يصنّف المحاكم إلى محكمة مدنيّة و محكمة إداريّة و محكمة عسكريّة و محكمة عقاريّة ... مع توجّه إلى الاختصاص في القضاء نضرا لتزايد النّزاعات كمّا و كيفا و تعقيدا. أمام هذا الوضع و عندما لجأت السّلطة السّياسيّة إلى المحاكمات في 1987 و 1990 و نضرا لضخامة القضيّة و عدد الموقوفين يتمّ البحث الابتدائي على بد فرقة "أمن الدّولة" ثمّ تحتفظ محكمة "أمن الدّولة" أو المحكمة العسكريّة بعدد محدّد منهم و تتخلّى عن البقيّة إلى المحاكم المدنيّة العاديّة الّتي تنظر في الأصل في قضايا الحقّ العام مثلما تقرّر أخيرا أن تصبح النّزاعات الجنائيّة من أنظار محاكم الحقّ العام و هكذا حتّى بعد إلغاء محكمة أمن الدّولة و تخلّي المحكمة العسكريّة على عدد من القضايا إلى القضاء المدني و الاختصاص بالقضايا الّتي تهمّ المؤسّسة العسكريّة مباشرة، يتولّى القضاء المدني العادي مواصلة مسلسل المحاكمات حيث لم تتوقّف هذه المحاكمات طيلة عشر سنوات و في مختلف الجهات في ظلّ تعتيم إعلاميّ كامل. أمام هذا النّقص في وضوح القانون و هيكلة القضاء يأتي فقه القضاء لتحديد طبيعة القضيّة و الملابسات المحيطة بها فتجد الدّفاع يجتهد في الدّوافع و الغايات السّياسيّة من الأقوال و الأفعال المنسوبة إلى المتّهم و علاقتها بوضعيّة السّلطة السّياسيّة و واقع الحياة السّياسيّة بالبلاد و مسألة الحرّيّات و مدى تطابق القوانين المعتمدة لإدانة المتّهم مع الدّستور و مع مبادئ الحرّيّة و العدل و المساواة وتطوّر المجتمع ... مقابل تمسّك القاضي بتطبيق القانون الموجود و تجنّب الخوف في طبيعة القانون من حيث دستوريّته أو دستوريّة المحكمة و مدى احترام الحرّيّات أوالبحث في الملابسات الّتي تحيط بالقضيّة مع الإشارة إلى أنّ القاضي في المحاكم العاديّة يترك النّظر في هذه القضايا إلى آخر الحصّة من الجلسة بعد استكمال النّظر في قضايا الحقّ العام بعد الفصل بين ملفّات القضايا من النّوعين أمامه. نتج عن هذا الفراغ القانوني و عن فقه القضاء و عن القياس مع تجارب سابقة في مجتمعنا و مجتمعات أخرى عرف سائد يتمثّل في تصنيف أو تقسيم المساجين إلى قسمين كبيرين قسم يسمّى مساجين الحقّ العام نسبة إلى محاكم الحقّ العام الّتي تصدر حكمها دفاعا عن الحقّ العام أي حقّ المجتمع المتضرّر من وقوع الجريمة و إن سقط الحقّ الشّخصي و هؤلاء هم المساجين العاديّون و في الظّروف العاديّة في القضايا الجزائيّة في مختلف المجتمعات، و قسم يسمّى بمساجين الرّأي و المساجين السّياسيّين لتعلّق قضاياهم بالنّزاع مع الدّولة لأسباب سياسيّة و خاصّة مع السّلطة السّياسيّة أو بالنّشاط السّياسي و الإعلامي و الثّقافي و الاجتماعي في علاقته بالسّلطة و بالقوانين المنظّمة لهذه المجالات و منهم الحقوق و الحرّيّات و المصالح ... و هم مساجين يمثّلون استثناء في حياة السّجون و يوجدون خاصّة في ظرف استثنائي تعرفه البلاد من حين لآخر و معلوم أنّ العرف فرع من القانون فتجد إدارة السّجن تعتمد عمليّا هذا التّقسيم و تميّز بين الصّنفين في نظام الإقامة و المعاملة فتحرص غالبا على فصلهم عن مساجين الحقّ العام و تراعي نسبيّا مستواهم الثّقافي وأحيانا الاجتماعي و اهتمام الرّأي العام بوضعيّتهم و ظروف إقامتهم داخل السّجن و مصير قضيّتهم و تسمّيهم انطلاقا من اسم التّنظيم الّذي ينتمون إليه مثلا أو الأحداث الّتي شاركوا فيها أو التّهم المنسوبة إليهم عند المحاكمة أو التسّمية الّتي تتبنّاها السّلطة السّياسيّة ضدّهم أمّا في التّسعينات و في القضايا المتعلّقة بحركة النّهضة و دخول الآلاف إلى السّجون و حسب العرف المعمول به قسّمت الإدارة العامّة للسّجون المساجين إلى قسمين: مساجين الحقّ العام و مساجين تعتبرهم غير "حقّ عام" دون أن تصفهم صراحة بأنّهم مساجين رأي أو مساجين سياسيّين و لكنّ هذا التقسيم و ما نتج عنه من تمييز في المعاملة و اعتراف ضمني بالصّبغة السّياسيّة لهؤلاء المساجين أمّا مساجين الحقّ العام أنفسهم و من خلال معايشتهم اليوميّة لهؤلاء المساجين تبنّوا تسمية تنطلق من طبيعة قضيّتهم فأطلقوا عليهم تسمية "سجين انتماء" لما لاحظوه من اشتراكهم في تهمة "الانتماء إلى حزب غير مرخّص فيه" و البعض يسمّيهم "جماعة النّهضة" و بالنّسبة لمساجين الحقّ العام يتميّز "سجين الانتماء" بالتسيّس و التديّن و التضامن و لاحظوا تأثير ذلك على معاملة الإدارة لهم و تأثيرها على وضعيّتهم أيضا فالإدارة العامّة سعت إلى عزل بعض العناصر القياديّة في غرف تتوفّر فيها بالأساس شروط أمنيّة و لو على حساب الشّروط الصّحيّة و النّفسيّة و توزيع البقيّة على غرف الإقامة الجماعيّة مع بقيّة المساجين مع الحرص على منع الاندماج بينهم و التّعامل بين الصّنفين أي نوع من العزلة عن مساجين الحقّ العام و لكن في الغرف العاديّة و هي وضعيّة مخالفة للقانون مرّتين لغياب التّصنيف في الإقامة و المساواة في المعاملة فهي معاملة خاصّة لمساجين من نوع خاصّ تضرّر من جرّائها النّوعان من المساجين. و عند دخول مجموعة من الطّلبة من أتباع حزب العمّال الشّيوعي التّونسي إلى السّجن في أواخر التّسعينات استغرب عامّة المساجين من الحقّ العام أن يوجد "سجين انتماء" و لا يصلّي و أن تسمح له الإدارة بمواصلة الدّراسة و إجراء الامتحانات في حين ازداد بعضهم وعيا بأنّ "السّجين انتماء" سجين في قضايا سياسيّة و إن اختلفت. كلّ ذلك لما رأوه طيلة سنوات من إجراءات الإدارة تجاه "مساجين الانتماء" خاصّة قبل صائفة 1995 من منع لصلاة الجمعة و صلاة الجماعة و صلاة الصّبح في وقتها و حتّى إفتكاك المصاحف و منع دخولها عبر الزّيارة و سحب الكتب الدّينيّة من مكتبة السّجن و منع دخول الكتب عن طريق العائلة بما في ذلك الكتب الدّينيّة و في مقدّمتها تفسير القرآن الكريم إضافة إلى غياب الإرشاد الدّيني للمساجين إلى جانب ضعف الإرشاد الاجتماعي و الخلط بين رغبة السّجين حقّ عام في التّوبة والقيام بالواجبات الدّينيّة و بين المساندة "لمساجين الإنتماء" و أفكارهم و مواقفهم و أعمالهم .بسبب هذا الخلط بين التّديّن و التّسيّس و بين الالتزام الدّيني و الانتماء السّياسي و في غياب برنامج لدى الإدارة للتّوعية الدّينيّة و التّشجيع على القيام بالواجبات الدّينيّة لحق بعض المساجين"حقّ عام" أذى عند الإقبال على الصّلاة و القرآن ... فضعفت قدرة الإدارة على الإصلاح لأنّه لا يخفى على أحد تأثير الدّين و دوره في إصلاح الفكر و السّلوك كلّ هذا إلى جانب إجراءات من نوع آخر مثل منع دخول صحف بصفة مستمرّة أو متقطّعة بسبب أخبار سياسيّة تهمّ خاصّة الوضع في الجزائر و الوضع الدّاخلي بالبلاد. ومنع بعض البرامج من القناة الفرنسيّة الثّانية قبل منعها نهائيّا و تشديد المراقبة عند الزّيارة و المراسلة و حتّى أثناء الفسحة و التّشدّد أيضا في الإخراج للعلاج في المستشفى مع الإقامة في سجن بعيد عن مقرّ سكن العائلة على حساب الزّيارة و "القفّة" و راحة العائلة المادّيّة و المعنويّة و تحديد سقف للاستهلاك الشّهري من القنوة ب 15 د. ثمّ 25 د. والضّغط على العائلات، كلّ ذلك في مناخ من العنف و الإهانة و التّجويع و تحريض مساجين الحقّ العام ضدّ "مساجين الانتماء" فضلا أن تسمح لهم الإدارة بمواصلة التّعليم و إجراء الامتحانات و الزّيارة المباشرة للعائلة. و هي إجراءات ذات خلفيّة إيديولوجيّة و سياسيّة و أمنيّة واضحة تأكّد الطّبيعة الفكريّة و السّياسيّة لقضيّتهم في نظر مساجين الحقّ العام و حرّاس السّجون و الأهالي. أمام تفاقم الضّرر و كثرة المتضرّرين و تواتر الشّكايات و انتشار الأخبار في الدّاخل و الخارج عن هذه الانتهاكات و تتالي واتّساع الإضرابات عن الطّعام فرديّة و جماعيّة شهدت معاملة الإدارة"لمساجين الانتماء" تحسّنا نسبيّا باتّجاه منع استعمال العنف داخل السّجون و التّخفيف من التّمييز في الحقوق بينهم و بين مساجين الحقّ العام و تقريب بعضهم نسبيّا إلى مقرّ عائلاتهم و تمكينهم من ممارسة الرّياضة و لكن دون التّخلّي عن منع دخول الكتب و منع مواصلة التّعليم أو مطالعة الصّحف بانتظام أو التّقريب مع تواصل عدم التّصنيف في الغرف و العزل لبعضهم.وقد مثّل إطلاق سراح عدد منهم في نوفمبر 1999 تحوّلا في نظرة الإدارة و بقيّة المساجين إلى ملفّ هؤلاء المساجين و تعامل السّلطة مع قضيّتهم و ينتظر الجميع إطلاق سراحهم في أجل قريب. هكذا إذا وجدت الإدارة نفسها تحت ضغط القرار السّياسي من جهة و الضّغط الواقع من جهة ثانية تمارس سياسة المكيالين في التّعامل مع المساجين و ازدواجيّة في الخطاب بين تطبيق القانون و "تنفيذ التّعليمات" خاصّة في ظلّ وجود وضع هيكلي غير منسجم يتمثّل في إدارة عسكريّة على مؤسّسة مدنيّة حوّلتها إلى مؤسّسة أمنيّة بالأساس فإلى أيّ مدى يمكن حقّا اعتماد مصطلح"السّجن المدني" ؟ إنّ ما حصل في الأخير هو تحوّل السّجن إلى ساحة إضافيّة للمواجهة الفكريّة و السّياسيّة بين حركة النّهضة و "الحزب الحاكم" و انعكاساتها على الحياة العامّة في غياب مرجعيّة القانون و حياد الإدارة و أجهزة الدّولة.
و ممّا زاد هذا الوضع خطورة و تعقيدا ضعف المراقبة النّاجعة للسّجون من قبل أجهزة الدّولة و مؤسّسات المجتمع فلا البرلمان و لا القضاء و لا الولاة و لا الجمعيّات المعنيّة و لا الإعلام و لا المنظّمات الدّوليّة تشارك في مراقبة الحياة داخل السّجن فهو بالنّسبة للكثير عالم مغلق و مجهول إضافة إلى مشكل الإعلام و الشّفافيّة مثل أن تعدّ الإدارة العامّة للسّجون تقريرا دوريّا – سنويّا مثلا- حول الوضع داخل السّجون يقدّمه المدير العام للسّجون في ندوة صحفيّة و يطّلع عليه الرّأي العام و يتدارسه المهتمّون و المختصّون في إطار احترام حقّ المجتمع في متابعة ما يجري داخل المؤسّسة الّتي وضعت لمعاقبة المرتكبين لجرائم في حقّه و حقّ أفراده و كفاءتها في إصلاحهم لإعادة إدماجهم في الحياة الاجتماعيّة، و مدى توافق ذلك مع القانون و الأخلاق واحترام حقوق الإنسان. فالمعاملة داخل السّجون مقياس لتحضّر الشّعوب، واحترام حقوق السّجين امتحان حقيقيّ لكلّ دولة في العالم ترفع شعار حقوق الإنسان فقد جاء في تصريحكم المذكور آنفا:" حيث انتابت الشّكوك حتّى المواطن التّونسي الّذي أصبح يبحث عن الخبر و يتنقّل بين القنوات التّلفزيّة و يذكر ما جاء فيها و هنا فانّ اللّوم يقع دون شكّ على الصّحافة التّونسيّة الّتي كان بمقدورها أن تورد الموضوع و لو في أربعة أو خمسة أسطر فما هو المانع أن تعلن أنّ مواطنا قام بإضراب جوع ... و على أيّة حال فلو كانت الصّحافة التّونسيّة قد كتبت حول الموضوع ما كان الأمر ليصل إلى حدّ الّذي وصله" فالأمر إذا يتعلّق أيضا بمستوى الإعلام في بلادنا و بمدى حرّيّته في قول الحقيقة و لا شئ غير الحقيقة .فالسّجن في بلادنا ما زال عالما مغلقا مّن يعيش بداخله أو بخارجه على حدّ سواء. فهل بإمكان الصّحافة في تونس أن تكتب عن ظروف إقامتي كسجين ثمّ ترخّص وزارة الدّاخليّة في نشرها ليطّلع المواطن على الواقع ثمّ تسمح لي الإدارة العامّة للسّجون بمطالعتها ؟ و الخلاصة أنّي أجد نفسي ضحيّة موقف إيديولوجي و سياسي غير موضوعي و قضاء غير مستقلّ و إدارة غير محايدة و قانون غير محترم و إعلام غير حرّ.
بناء على ما تقدّم فانّ نعتي بأنّي "سجين حقّ عام" موقف انفرد به "الحزب الحاكم" و هو في نظري موقف سياسيّ يقوم على تأويل بعيد للقانون و رفض للاعتراف بالواقع وإقصاء لرأي مخالف و تكمن خطورته في خلفيّته الإيديولوجيّة و السّياسيّة و الأمنيّة الّتي تعني غياب الاستعداد للتّعامل مع قضيّة سياسيّة بمنطق سياسي ووسائل سياسيّة مثلما يحصل في مجتمعات أخرى، الأمر الّذي يحمّله مسؤوليّة كبيرة في مزيد ضياع الوقت و الجهد و المصالح و تفويت الفرص على البلاد، كيف لا و هو حزب لا يزال يقدّم نفسه على أنّه "كان منذ تأسيسه حزب كلّ التّونسيّين و التّونسيّات بمختلف فئاتهم و جهاتهم فهو الّذي جمعهم حول تونس ... و هو اليوم ... يجسّم أمل الشّعب بأسره في المستقبل لذلك نريده أن يكون أكثر من أيّ وقت مضى الحزب الجامع لكلّ القوى الحيّة بالبلاد لرفع التّحدّيات و كسب الرّهانات " فهل بقي من معنى للتّعدّديّة الفكريّة و السّياسيّة و التّنظيميّة و للقبول بالرّأي المخالف حقّا في تونس ؟ فضلا عن الإقرار بأنّي سجين سياسي ؟ أمّا موقف الإدارة الرّسمي فيعتبر أنّي "لست سجين حقّ عام" و هو موقف متباين صراحة مع موقف "الحزب الحاكم" كما أنّه أقرب إلى القانون و الواقع و التّاريخ. فهو موقف يمكن فهمه لأنّ الإدارة لا تستطيع أن تصفني صراحة بأنّي سجين"صبغة سياسيّة "مثلا في ظلّ سلطة سياسيّة لا تعترف بوجود مساجين سياسيّين لا في المطلق و لكن في واقعنا. (تعتمد الإدارة العامّة للسّجون تسمية رسميّة:سجين "صبغة خاصّة") الأمر الّذي يؤكّد وجود ازدواجيّة بين الخطاب و الممارسة و بين الموقف العالمي و السّلوك العملي تحت ضغط الواقع و القانون.
أمّا بالنّسبة لي فليس لديّ شكّ في أنّي سجين سياسي في قضيّة سياسيّة تعود جذورها إلى ما يقارب عشرين سنة و بالتّحديد منذ الإعلان عن تأسيس حركة الاتّجاه الإسلامي يوم 6 جوان 1981و قد أثبت التّاريخ أنّ اللّجوء إلى المحاكمات و السّجون و الإعدامات في صائفة كلّ من سنة 1981 و 1987 و 1992 و ما بينها إلى اليوم لم ينه هذه القضيّة و لا مثّل حلا صحيحا و عادلا لها و لم يخدم مصلحة البلاد في الدّاخل و الخارج. و رغم كلّ المظاهر السّلبيّة الّتي أشرت إليها في هذه الرّسالة فانّي أبقى مقتنعا بإمكانيّة الحلّ السّياسي العادل و ضرورته. و بصفتي سجينا سياسيّا فإلى جانب التّمسّك بحقوقي القانونيّة فيما يتعلّق بظروف الإقامة في السّجن و في مقدّمتها حقّ إدخال الكتب و مطالعة الصّحف و التّقريب إلى مقرّ العائلة فانّي متمسّك أيضا بحقوقي السّياسيّة المشروعة و في مقدّمتها الحقّ في تكوين حزب سياسيّ علني و قانوني يؤمن بالتّعدّديّة الفكريّة و السّياسيّة و التّنظيميّة و يحترم إرادة الشّعب الحرّة في الاختيار عبر صناديق الاقتراع على أساس برامج لخدمة البلاد و تقدّمها لا مجرّد قوالب و شعارات و حسابات و ذلك في ظلّ قوانين عادلة وواضحة و مواكبة لتطوّر المجتمع و متجّذرة في هويّته العربيّة الإسلاميّة و مستفيدة من مكاسب العصر و انجازات الحضارة الإنسانيّة. هذا موقفي الّذي أتحمّل مسؤوليّته كاملة و أراه ينسجم مع القانون عموما و النّظام الدّاخلي للسّجون خصوصا و يصدّقه الواقع و تقتضيه مصلحة البلاد و العباد في عصر تتقدّم فيه الحرّيّة و تتطوّر وسائل ممارستها و الدّفاع عنها و تتمسّك فيه الحضارات و الثّقافات و الدّول و الأحزاب و الأفراد بحقّ الاختلاف و التّميّز و التّنوّع في إطار التّنافس الحرّ لتحقيق إنسانيّة الإنسان والإصلاح في الأرض الّتي استخلفه الله فيها.
ختاما أرجو أن تصلكم رسالتي هذه و أن تجد لديكم الاهتمام الّذي تستحقّ فقد حرصت من خلالها أن أكون واضحا و صريحا و مقنعا ما استطعت خدمة للحقيقة و سعيا لأن يكون القانون فوق الجميع و الضّامن للحقوق و الحرّيّات.
و السّلام
السّجين كريم بن عمر بن خالد الهاروني –رقم 11777
المقيم في العزلة بالسّجن المضيّق بالهوارب
السّجن المدني بالهوارب: 15 جمادى الأولى 1421-15 أوت 2000
الرّسالة الثّانية:
بسم الله الرّحمان الرّحيم و الصّلاة و السّلام على النّبيّ الصّادق الأمين
أبي الحبيب، أمّي الحبيبة،إخوتي الأعزّاء، أهلي الكرام
السّلام عليكم و رحمة الله و بركاته
قال الله تبارك و تعالى :"لا إكراه في الدّين قد تبيّن الرّشد من الغيّ" صدق الله العظيم.
أهلي الكرام يشرّفني و يسعدني أن أتوجّه إليكم بهذه الرّسالة في ذكرى حدث بارز من تاريخ بلادنا المعاصر و فرصة تاريخيّة لتعيش تونس تجربة فكريّة وسياسيّة تعدّديّة متطوّرة لا إقصاء فيها و لا استبداد و يتمتّع الإسلاميّين فيها بحقّ المشاركة في الحياة العامّة و بواجب خدمة البلاد في ظلّ مناخ من الحرّيّات الحقيقيّة و القوانين العادلة و المؤسّسات الممثّلة و في إطار التّنافس النّزيه و التّداول السّلمي على الحكم فلا احتكار للسّلطة و لا حكم مدى الحياة.
ذكرى الإعلان عن تأسيس حركة الاتّجاه الإسلامي في السّادس من جوان 1981 الّذي لقي ترحيبا واسعا في المجتمع و ردّا عنيفا من السّلطة: اعتقالات و محاكمات و تزييف انتخابات ليتكرّر نفس المشهد ثانية في 87 و ثالثة في 91 فأخاطبكم اليوم بعد ربع قرن و أنا سجين فكانت أوّل ليلة قضّيتها رهن الاعتقال في زنزانة بمنطقة الشّرطة بجوار القصر الرّئاسي و إحدى اللّيالي العشر الأواخر من شهر رمضان المعظّم إثر خروجي من الجامع إثر صلاة العشاء و التّراويح و التّهجّد بالمرسى.
و اليوم أجد نفسي حريصا على مخاطبتكم مباشرة في هذه المرحلة الدّقيقة الّتي تمرّ بها البلاد و ذلك إثر التّصريحات الأخيرة الّتي أعنبرها تمسّ من كرامتي كمواطن و كسجين و تتجاهل الواقع و تتعارض مع مصلحة البلاد. تصريحات تنكر و جود مساجين سياسيّين في تونس و تؤكّد أنّ المساجين يتمتّعون بكلّ حقوقهم !!! تصريحات تزامنت مع انعقاد قمة المعلومات في نوفمبر 2005 و ما سبقها من تحرّكات 18 أكتوبر من أجل الحرّيّات ثمّ مع الإفراج عن دفعة من المساجين في قضيّة حركة النّهضة في فيفري 2006. تصريحات صدرت عن وزير العدل بصفته وزيرا حينا و باسم حزبه أحيانا، تصريحات تعبّر عن موقف سياسي انفرد به "التّجمّع" دون غيره داخل البلاد و خارجها. هذا الموقف ليس جديدا و لا غريبا فقد سبق أن أعلنه رئيس"التّجمّع" في اجتماع حزبي بتاريخ 28 جويلية 2000 اثر إطلاق سراح دفعة أولى من المساجين في نفس القضيّة، قضيّة حركة النّهضة في نوفمبر 1999 المتزامن مع تنامي الدّعوات في الدّاخل و الخارج إلى إطلاق سراح كلّ المساجين السّياسيّين و سنّ "عفو تشريعي العامّ" فلم أتردّد في الرّدّ على هذا الموقف دفاعا عن نفسي و عمّا أراه حقّا أحقّ أن يتّبع و عن مصلحة بلادي و ذلك عبر رسالة إلى رئاسة الدّولة مؤرّخة في 15 أوت 2000 عن طريق مدير سجن الهوارب. لذلك ليس الغرض من رسالتي إليكم الرّدّ على هذه التّصريحات و إثبات أنّي سجين سياسي في قضيّة سياسيّة تعود جذورها إلى ربع قرن و بالتّحديد منذ الإعلان عن تأسيس حركة الاتّجاه الإسلامي يوم 6 جوان 1981. و لا قصدي الاحتجاج على محتوى التّصريحات لأنّي قمت بذلك فورا عن طريق مدير سجن صفاقس يوم 15 نوفمبر 2005. إنّما الهدف من هذه الرّسالة فقط التّعبير عن موقفي في مسألة يتوقّف على التّعامل معها مستقبل البلاد.
في هذا الإطار و انطلاقا من أنّ القانون في تونس لا يحدّد تعريفا للجريمة السّياسيّة في ظلّ سلطة لم تعترف على مدى خمسين سنة بتنظيم محاكمة سياسيّة واحدة فانّ تعريف الوزير للجريمة السّياسيّة يبقى مجرّد وجهة نظر لا يجوز فرضها باسم القانون أو باسم الشّعب فضلا عن اعتماده حجّة الجزم بأنّ الجرائم المنسوبة إليّ هي جرائم حقّ عام. كيف ذلك و التّهم الموجّهة ضدّي و هي الاعتداء المقصود به تبديل هيئة الدّولة و الانتماء إلى جمعيّة غير مرخّص فيها و المعني بها حركة النّهضة. لا خلاف في أنّها تهم ذات صبغة سياسيّة واضحة و السّلطة طرف مباشر و رئيسي في هذه القضايا و ليست جرائم ضدّ مواطنين أو موظّفين كما جاء في تصريحات ممثّلي "التّجمّع" لمحاولة إقناع قواعده فضلا عن الرّأي العامّ.
وانطلاقا من أنّ القانون المنظّم للسّجون لا يتضمّن تعريفا للسّجين السّياسي و حقوقه و يكتفي بالنّصّ على وجوب تصنيف المساجين حسب نوعيّة قضاياهم و رغم الفراغ القانوني المقصود في ظلّ سلطة لم تعترف يوما بوجود مساجين سياسيّين فانّه لا يمكن القول بأنّ كلّ المساجين في تونس هم مساجين حقّ عام نظرا للاختلاف النّوعي في طبيعة القضايا و ما ينتج عن هذا التّصنيف من اختلاف كبير في معاملة إدارة السّجن لهم و يشهد الواقع طيلة 15 سنة أنّ الإدارة العامّة للسّجون تقسّم المساجين إلى صنفين كبيرين: مساجين الحقّ العام و مساجين "الصّبغة الخاصّة" و ما يعنيه ذلك بداهة من وجود مساجين غير مساجين الحقّ العام و الّذين لا يمكن أن يكونوا حسب التّقسيم المتعارف عليه عالميّا إلا مساجين سياسيّين. حتّى أنّ مساجين الحقّ العام في تونس صنّفوهم بصفة موضوعيّة تحت اسم "مساجين الانتماء" لما لاحظوه من أنّ القاسم المشترك بين قضاياهم هو الانتماء إلى جمعيّة غير مرخّص فيها و بالتّحديد الانتماء إلى حركة سياسيّة إسلاميّة محظورة و قد كانت سياسة الإدارة تقوم على التّمييز بين المساجين من الصّنفين و الحرص على منع المخالطة بينهما. فلم يكن ليحصل هذا لو كانت السّلطة مقتنعة بأنّ الجميع مساجين حقّ عام كما تقول و لكنّها الإزدواجيّة في الخطاب.
وانطلاقا من أنّ استجابة السّلطة أخيرا و بعد رفض طويل لزيارة المنظّمات الدّوليّة غير الحكوميّة للسّجون في تونس هو قرار سياسي تحت ضغط خارجي و إلى اليوم لم يشمل إلا لجنة الصّليب الأحمر الدّولي في حين يتواصل رفض السّلطة للتّرخيص لمنظّمات أخرى في زيارة السّجون و الاتّصال بمساجين "الصّبغة الخاصّة" مثل منظّمة العفو الدّوليّة إلى جانب منع الرّابطة التّونسيّة للدّفاع عن حقوق الإنسان. رفض لا يمكن تفسيره إلا بأسباب سياسيّة: كما أنّ حرص لجنة الصّليب الأحمر الدّولي على مقابلة كلّ المساجين "الصّبغة الخاصّة" فردا فردا من الأدلّة على وجود مساجين سياسيّين في تونس لأنّ هذه المنظّمة الدّوليّة الإنسانيّة تتدخّل في حالة وجود نزاع مسلّح أو سياسي و ما يخلّفه من وجود أسرى حرب أو معتقلين في ظلّ الاحتلال أو مساجين سياسيّين في خلاف مع السّلطة و ما يصاحب ذلك عادة من انتهاكات لحقوق الإنسان و القانون الدّولي الإنساني و خاصّة اتّفاقيّات جنيف الأربعة الموقّعة في 12 أوت 1949 و البروتوكول الإضافي الأوّل المؤرّخ في 8 جوان 1977 و اتّفاقيّة الأمم المتّحدة في 10 ديسمبر 1984 الخاصّة بمناهضة التّعذيب و غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانيّة أو المهينة و معلوم أنّ المادّة الثّانية من هذه الاتّفاقيّة نصّت على أنّه "لا يجوز التّذرّع بأيّة ظروف استثنائيّة أيّا ما كانت سواء أكانت هذه الظّروف حالة حرب أو تهديد بالحرب أو عدم استقرار سياسي داخلي أو أيّة حالة من حالات الطّوارئ العامّة الأخرى كمبرّر للتّعذيب و أنّه لا يجوز التّذرّع بالأوامر الصّادرة عن موظّفين أعلى رتبة أو عن سلطة عامّة كمبرّر للتّعذيب". فلم أستغرب حين علمت أنّ بعض أعضاء اللّجنة قد زار "سجن أبو غريب" و على حدّ علمي لم يطّلع الرّأي العام على نتائج هذه الزّيارات للسّجون في تونس و الّتي تحرص منظّمة الصّليب الأحمر على استمرارها في المستقبل لاقتناعها بحاجة السّجون للخضوع إلى مراقبة دوليّة طويلة المدى لا لمجرّد زيارات محدودة الأثر.
بناء على ما تقدّم فانّ إنكار "التّجمّع" لوجود مساجين سياسيّين هو فقط موقف سياسي لحزب يرفض أن يعترف بمسؤوليّته الجسيمة فيما آلت إليه الأوضاع السّياسيّة في البلاد منذ انتخابات 2 أفريل 1989 حيث استغلّ وجوده في السّلطة للعمل على استئصال أكبر حركة سياسيّة معارضة و فرض خياراته على الجميع. و اليوم و بعد 15 سنة بل 25 سنة من الاعتقالات و المحاكمات و حتّى الإعدامات و الّتي شملت آلاف التّونسيّين و التّونسيّات في قضيّة حركة النّهضة و ما صاحبها من انتهاكات للقانون و لحقوق الإنسان فانّ الاستمرار على هذا الموقف ورفض الحوار الجدّي و المراهنة على الحلّ الأمني الّذي ثبت فشله، كلّ ذلك يحمّل "التّجمّع" مسؤوليّة الوقوف عقبة أمام تقدّم البلاد على طريق الإصلاح السّياسي الحقيقي و توفير الفرصة لقوى أجنبيّة لتبنّي شعار"الإصلاح" كلّ حسب إيديولوجيّته و مصلحته كما أنّ تكرارهم لهذا الإنكار لوجود مساجين سياسيّين في مناسبات مختلفة وخاصّة في اجتماعات حزبهم دليل على ضعف الاقتناع بخطابهم لدى الرّأي العام في الدّاخل و في الخارج من ناحية و على تنامي حركة المطالبين بإطلاق سراح المساجين السّياسيّين و سنّ "العفو التّشريعيّ العام" كمدخل لإصلاحات حقيقيّة و شاملة في البلاد من ناحية أخرى.
لكن الجديد في موقف وزير العدل هو إقراره في ندوة صحفيّة بأنّ هؤلاء المساجين الّذين يعتبرهم "مساجين حقّ عام" لهم خلفيّات فكريّة و سياسيّة و هي خطوة في الاتّجاه الصّحيح لأنّ دخول الآلاف من التّونسيّين و التّونسيّات إلى السّجن من نفس الإنتماء الفكري و السّياسي على مدى 15 سنة من الزّمن في قضايا "الحقّ العام" أمر مستحيل. وقد حصل أن دخل أفراد السّجن فلم يعتبرهم أحد مساجين سياسيّين أو طالب بإطلاق سراحهم أو أن يشملهم "عفو تشريعيّ عام" .
إنّ الضّرر المادّي و المعنوي النّاتج عن الصّورة الّتي تقدّمها تصريحات الوزير و أمثالها عنّي لدى الرّأي العام من جهة و طبيعة المعاملة الّتي تعرّضت لها طوال 15 سنة في السّجن الّتي يمكن تلخيصها في السّجن مع العزل مع النّفي مع التّجهيل مع التّجويع مع التّرويع من جهة ثانية يجعل اللّجوء إلى القضاء أمرا مشروعا لعلّه ينصفني لكن تجربتي أثبتت أنّ هذه الطّريق مسدودة وحتّى حقّ التّقاضي الّذي ينصّ عليه الدّستور غير مضمون فقد سبق لي أن رفعت دعوى ضدّ الإدارة العامّة للسّجون بتاريخ 10 ديسمبر 1999 ممثّلة في مديرها العام من سجن الهوارب بعد حرماني من حقّي القانوني في إدخال كتب المطالعة عن طريق عائلتي نظرا لفقر مكتبة السّجن كمّا و كيفا فلم تصل رسالتي لرفع الشّكوى إلى السّيّد وكيل الجمهوريّة بالقيروان . ثمّ وفي 18 جوان 2005 رفعت دعوى ضدّ المدير العام السّابق للسّجون بسبب تجاوزه للقانون بوضعي في "العزلة الانفراديّة" دون مبرّر معلن و مقنع و لمدّة سنتين كاملتين و ما سبّبه لي ذلك من ضرر ولكن دون جدوى رغم مراسلة عائلتي لوزارة العدل مرّة أولى في 3 جانفي و ثانية في 6 فيفري 2006 في الغرض فلا جواب ! كما طالبت بحقّي في مقابلة محام لاستشارته في مسائل قانونيّة تهمّ وضعيّتي وظروف إقامتي كسجين ومتابعة القضايا العدليّة الّتي رفعتها ضدّ الإدارة العامّة و ذلك منذ 24 جانفي 2005 ثمّ جدّدت الطّلب في 28 أفريل 2006 فلا جواب . فما جدوى رفع دعوى جديدة في غياب علويّة القانون و سعي الإدارة لتعطيل سير القضاء ؟ على يد من يرفعون شعار"دولة القانون و المؤسّسات".
إذن و بعد القيام بواجب الرّدّ فالإحتاج فالتّوضيح في غياب الحوار واستحالة الإحتكام إلى القانون لم يبق لي يا أهلي الكرام إلا أن أعبّر عن استيائي الشّديد من موقف الوزير الّذي ينكر صفتي كسجين سياسي في قضيّة سياسيّة تستوجب حلا سياسيّا عادلا يرفع المظالم و يعيد الحقوق إلى أهلها في إطار إصلاح شامل لا يحتمل التّأخير و التّأجيل. في نفس الوقت لم يزدني موقفهم هذا إلا اقتناعا و ثقة و تمسّكا بمبادئي و حقوقي و مطالبي المشروعة و الملحّة من أجل مستقبل أفضل لشعبي ووطني وأمّتي و الإنسانيّة و من أهمّها:
1- وضع حدّ لخمسين سنة من المحاكمات السّياسيّة و لتوظيف القانون و القضاء لإقصاء الرّأي المخالف و الحدّ من الحرّيّات و خاصّة حرّيّة التّديّن و التّفكير و التّعبير و التّنقّل و التّنظّم و المشاركة في الحياة العامّة.
2- إخلاء السّجون من كلّ المساجين السّياسيّين بدون استثناء و تمكين المتضرّرين من حقوقهم المدنيّة و السّياسيّة و الإجتماعيّة و التّعويض عن الأضرار المادّيّة و المعنويّة الّتي لحقتهم نتيجة الإعتقال.
3- حلّ "البوليس السّياسي" واحترام حقّ المواطن في حضور محام عند الإيقاف لدى الشّرطة و في كامل مراحل البحث و تحريم و تجريم التّعذيب و محاسبة ممارسيه مهما كانت صفتهم.
4- مراجعة جدّيّة للقوانين المنظّمة للحياة السّياسيّة و فتح باب المشاركة السّياسيّة للجميع دون إقصاء و الإعتراف بحركة النّهضة في مناخ من الحرّيّات الحقيقيّة و في ظلّ قوانين عادلة لبناء مؤسّسات ممثّلة تعبّر عن إرادة الشّعب الحرّة و طموحاته المشروعة في إطار إحترام مبدأ التّداول السّلمي على السّلطة.
5- بناء مجتمع مدني حقيقي يحقّق التّوازن في الحياة الوطنيّة ويقطع مع نظام الحزب الواحد و الرّأي الواحد باحترام حرّيّة واستقلاليّة القرار لمختلف مكوّناته الدّينيّة و السّياسيّة و النّقابيّة و الإعلاميّة و الحقوقيّة و المهنيّة و الثّقافيّة و العلميّة و القطاعيّة.
6- إعادة الإعتبار لمكانة الإسلام في البلاد حتّى يكون المرجع في حياة الفرد و المجتمع و الّدولة و بناء نهضة علميّة معاصرة تقوم على الإجتهاد في حسن فهم الإسلام و حسن تطبيقه بما يحصّن مجتمعنا و يميّز حداثتنا و يقدّم الصّورة الّتي تليق بالإسلام قولا وعملا لأهل الثّقافات و الحضارات الأخرى.
7- العمل على استقلال القرار الوطني السّياسي و الإقتصادي و الثّقافي في إطار التّفتّح على العالم و المساهمة الفاعلة في تقدّم الإنسانيّة باتّجاه الحرّيّات و العدل و السّلام و حسم القضايا المصيريّة بالعودة إلى الشّعب عبر الحوار الوطني و الإستفتاء الحرّ من ذلك العلاقة بالكيان الصّهيوني و الإجتهاد في مناصرة القضايا العربيّة و الإسلاميّة و الإنسانيّة العادلة و في مقدّمتها مقاومة الإحتلال في فلسطين و العراق وأفغانستان و سوريا و لبنان و الشّيشان و دعم إيران و السّودان.

ختاما يا أهلي الكرام، إخترت أن أعبّر لكم عن موقفي هذا اليوم بالذّات الموافق للذّكرى 25 للإعلان عن تأسيس حركة الإتّجاه الإسلامي أملا في أن تعيش بلادنا تجربة تعدّديّة حقيقيّة و متطوّرة تعكس التّنوّع و النّضج الحاصل داخل المجتمع و تحقيق نهضة شاملة للبلاد فتعود تونس منارة مضيئة في كلّ الإتّجاهات شرقا و غربا و جنوبا و شمالا كما كانت. و من السّجن المدني بتونس قبل أيّام من إغلاقه بعد حوالي قرن من الزّمن مثّلت فيه هذه المؤسّسة رمزا لسلب الحرّيّة و الحقوق و حتّى الحياة لقافلة طويلة من المناضلين و المناضلات الوطنيّين من كلّ الأجيال و مختلف الإتّجاهات ليبقى "شارع 9 أفريل" رمزا لنضال التّونسيّين و التّونسيّات دفاعا عن حرّيّة الشّعب و استقلال قراره و هويّته العربيّة الإسلاميّة المتجذّرة و كرامة الإنسان. فلا يفوتني يا أهلي الكرام أن أحيّيكم على صبركم الجميل و ثقتكم و مساندتكم و نضالكم فلا خوف على تونس بوجودكم و الله أسأل أن أكون دائما عند حسن ظنّكم و موعدنا الصّبح أليس الصّبح بقريب ؟
قال الله تعالى :"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت و ما توفيقي إلا بالله عليه توكّلت و إليه أنيب"
صدق الله العظيم

و كلّ عام و أنتم بخير وكلّ عام و تونس بخير. مع سلامي الحارّ للجميع.
تونس في 10 جمادى الأولى 1427-6 جوان 2006.
إبنكم الوفيّ : كريم
بسم الله الرّحمان الرّحيم و الصّلاة و السّلام على النّبيّ الصّادق الأمينأبي الحبيب، أمّي الحبيبة،إخوتي الأعزّاء، أهلي الكرامالسّلام عليكم و رحمة الله و بركاته أهلي الكرام يشرّفني و يسعدني أن أتوجّه إليكم بهذه الرّسالة في ذكرى حدث بارز من تاريخ بلادنا المعاصر و فرصة تاريخيّة لتعيش تونس تجربة فكريّة وسياسيّة تعدّديّة متطوّرة لا إقصاء فيها و لا استبداد و يتمتّع الإسلاميّين فيها بحقّ المشاركة في الحياة العامّة و بواجب خدمة البلاد في ظلّ مناخ من الحرّيّات الحقيقيّة و القوانين العادلة و المؤسّسات الممثّلة و في إطار التّنافس النّزيه و التّداول السّلمي على الحكم فلا احتكار للسّلطة و لا حكم مدى الحياة.ذكرى الإعلان عن تأسيس حركة الاتّجاه الإسلامي في السّادس من جوان 1981 الّذي لقي ترحيبا واسعا في المجتمع و ردّا عنيفا من السّلطة: اعتقالات و محاكمات و تزييف انتخابات ليتكرّر نفس المشهد ثانية في 87 و ثالثة في 91 فأخاطبكم اليوم بعد ربع قرن و أنا سجين فكانت أوّل ليلة قضّيتها رهن الاعتقال في زنزانة بمنطقة الشّرطة بجوار القصر الرّئاسي و إحدى اللّيالي العشر الأواخر من شهر رمضان المعظّم إثر خروجي من الجامع إثر صلاة العشاء و التّراويح و التّهجّد بالمرسى.و اليوم أجد نفسي حريصا على مخاطبتكم مباشرة في هذه المرحلة الدّقيقة الّتي تمرّ بها البلاد و ذلك إثر التّصريحات الأخيرة الّتي أعنبرها تمسّ من كرامتي كمواطن و كسجين و تتجاهل الواقع و تتعارض مع مصلحة البلاد. تصريحات تنكر و جود مساجين سياسيّين في تونس و تؤكّد أنّ المساجين يتمتّعون بكلّ حقوقهم !!! تصريحات تزامنت مع انعقاد قمة المعلومات في نوفمبر 2005 و ما سبقها من تحرّكات 18 أكتوبر من أجل الحرّيّات ثمّ مع الإفراج عن دفعة من المساجين في قضيّة حركة النّهضة في فيفري 2006. تصريحات صدرت عن وزير العدل بصفته وزيرا حينا و باسم حزبه أحيانا، تصريحات تعبّر عن موقف سياسي انفرد به "التّجمّع" دون غيره داخل البلاد و خارجها. هذا الموقف ليس جديدا و لا غريبا فقد سبق أن أعلنه رئيس"التّجمّع" في اجتماع حزبي بتاريخ 28 جويلية 2000 اثر إطلاق سراح دفعة أولى من المساجين في نفس القضيّة، قضيّة حركة النّهضة في نوفمبر 1999 المتزامن مع تنامي الدّعوات في الدّاخل و الخارج إلى إطلاق سراح كلّ المساجين السّياسيّين و سنّ "عفو تشريعي العامّ" فلم أتردّد في الرّدّ على هذا الموقف دفاعا عن نفسي و عمّا أراه حقّا أحقّ أن يتّبع و عن مصلحة بلادي و ذلك عبر رسالة إلى رئاسة الدّولة مؤرّخة في 15 أوت 2000 عن طريق مدير سجن الهوارب. لذلك ليس الغرض من رسالتي إليكم الرّدّ على هذه التّصريحات و إثبات أنّي سجين سياسي في قضيّة سياسيّة تعود جذورها إلى ربع قرن و بالتّحديد منذ الإعلان عن تأسيس حركة الاتّجاه الإسلامي يوم 6 جوان 1981. و لا قصدي الاحتجاج على محتوى التّصريحات لأنّي قمت بذلك فورا عن طريق مدير سجن صفاقس يوم 15 نوفمبر 2005. إنّما الهدف من هذه الرّسالة فقط التّعبير عن موقفي في مسألة يتوقّف على التّعامل معها مستقبل البلاد.في هذا الإطار و انطلاقا من أنّ القانون في تونس لا يحدّد تعريفا للجريمة السّياسيّة في ظلّ سلطة لم تعترف على مدى خمسين سنة بتنظيم محاكمة سياسيّة واحدة فانّ تعريف الوزير للجريمة السّياسيّة يبقى مجرّد وجهة نظر لا يجوز فرضها باسم القانون أو باسم الشّعب فضلا عن اعتماده حجّة الجزم بأنّ الجرائم المنسوبة إليّ هي جرائم حقّ عام. كيف ذلك و التّهم الموجّهة ضدّي و هي الاعتداء المقصود به تبديل هيئة الدّولة و الانتماء إلى جمعيّة غير مرخّص فيها و المعني بها حركة النّهضة. لا خلاف في أنّها تهم ذات صبغة سياسيّة واضحة و السّلطة طرف مباشر و رئيسي في هذه القضايا و ليست جرائم ضدّ مواطنين أو موظّفين كما جاء في تصريحات ممثّلي "التّجمّع" لمحاولة إقناع قواعده فضلا عن الرّأي العامّ.وانطلاقا من أنّ القانون المنظّم للسّجون لا يتضمّن تعريفا للسّجين السّياسي و حقوقه و يكتفي بالنّصّ على وجوب تصنيف المساجين حسب نوعيّة قضاياهم و رغم الفراغ القانوني المقصود في ظلّ سلطة لم تعترف يوما بوجود مساجين سياسيّين فانّه لا يمكن القول بأنّ كلّ المساجين في تونس هم مساجين حقّ عام نظرا للاختلاف النّوعي في طبيعة القضايا و ما ينتج عن هذا التّصنيف من اختلاف كبير في معاملة إدارة السّجن لهم و يشهد الواقع طيلة 15 سنة أنّ الإدارة العامّة للسّجون تقسّم المساجين إلى صنفين كبيرين: مساجين الحقّ العام و مساجين "الصّبغة الخاصّة" و ما يعنيه ذلك بداهة من وجود مساجين غير مساجين الحقّ العام و الّذين لا يمكن أن يكونوا حسب التّقسيم المتعارف عليه عالميّا إلا مساجين سياسيّين. حتّى أنّ مساجين الحقّ العام في تونس صنّفوهم بصفة موضوعيّة تحت اسم "مساجين الانتماء" لما لاحظوه من أنّ القاسم المشترك بين قضاياهم هو الانتماء إلى جمعيّة غير مرخّص فيها و بالتّحديد الانتماء إلى حركة سياسيّة إسلاميّة محظورة و قد كانت سياسة الإدارة تقوم على التّمييز بين المساجين من الصّنفين و الحرص على منع المخالطة بينهما. فلم يكن ليحصل هذا لو كانت السّلطة مقتنعة بأنّ الجميع مساجين حقّ عام كما تقول و لكنّها الإزدواجيّة في الخطاب.وانطلاقا من أنّ استجابة السّلطة أخيرا و بعد رفض طويل لزيارة المنظّمات الدّوليّة غير الحكوميّة للسّجون في تونس هو قرار سياسي تحت ضغط خارجي و إلى اليوم لم يشمل إلا لجنة الصّليب الأحمر الدّولي في حين يتواصل رفض السّلطة للتّرخيص لمنظّمات أخرى في زيارة السّجون و الاتّصال بمساجين "الصّبغة الخاصّة" مثل منظّمة العفو الدّوليّة إلى جانب منع الرّابطة التّونسيّة للدّفاع عن حقوق الإنسان. رفض لا يمكن تفسيره إلا بأسباب سياسيّة: كما أنّ حرص لجنة الصّليب الأحمر الدّولي على مقابلة كلّ المساجين "الصّبغة الخاصّة" فردا فردا من الأدلّة على وجود مساجين سياسيّين في تونس لأنّ هذه المنظّمة الدّوليّة الإنسانيّة تتدخّل في حالة وجود نزاع مسلّح أو سياسي و ما يخلّفه من وجود أسرى حرب أو معتقلين في ظلّ الاحتلال أو مساجين سياسيّين في خلاف مع السّلطة و ما يصاحب ذلك عادة من انتهاكات لحقوق الإنسان و القانون الدّولي الإنساني و خاصّة اتّفاقيّات جنيف الأربعة الموقّعة في 12 أوت 1949 و البروتوكول الإضافي الأوّل المؤرّخ في 8 جوان 1977 و اتّفاقيّة الأمم المتّحدة في 10 ديسمبر 1984 الخاصّة بمناهضة التّعذيب و غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانيّة أو المهينة و معلوم أنّ المادّة الثّانية من هذه الاتّفاقيّة نصّت على أنّه "لا يجوز التّذرّع بأيّة ظروف استثنائيّة أيّا ما كانت سواء أكانت هذه الظّروف حالة حرب أو تهديد بالحرب أو عدم استقرار سياسي داخلي أو أيّة حالة من حالات الطّوارئ العامّة الأخرى كمبرّر للتّعذيب و أنّه لا يجوز التّذرّع بالأوامر الصّادرة عن موظّفين أعلى رتبة أو عن سلطة عامّة كمبرّر للتّعذيب". فلم أستغرب حين علمت أنّ بعض أعضاء اللّجنة قد زار "سجن أبو غريب" و على حدّ علمي لم يطّلع الرّأي العام على نتائج هذه الزّيارات للسّجون في تونس و الّتي تحرص منظّمة الصّليب الأحمر على استمرارها في المستقبل لاقتناعها بحاجة السّجون للخضوع إلى مراقبة دوليّة طويلة المدى لا لمجرّد زيارات محدودة الأثر.بناء على ما تقدّم فانّ إنكار "التّجمّع" لوجود مساجين سياسيّين هو فقط موقف سياسي لحزب يرفض أن يعترف بمسؤوليّته الجسيمة فيما آلت إليه الأوضاع السّياسيّة في البلاد منذ انتخابات 2 أفريل 1989 حيث استغلّ وجوده في السّلطة للعمل على استئصال أكبر حركة سياسيّة معارضة و فرض خياراته على الجميع. و اليوم و بعد 15 سنة بل 25 سنة من الاعتقالات و المحاكمات و حتّى الإعدامات و الّتي شملت آلاف التّونسيّين و التّونسيّات في قضيّة حركة النّهضة و ما صاحبها من انتهاكات للقانون و لحقوق الإنسان فانّ الاستمرار على هذا الموقف ورفض الحوار الجدّي و المراهنة على الحلّ الأمني الّذي ثبت فشله، كلّ ذلك يحمّل "التّجمّع" مسؤوليّة الوقوف عقبة أمام تقدّم البلاد على طريق الإصلاح السّياسي الحقيقي و توفير الفرصة لقوى أجنبيّة لتبنّي شعار"الإصلاح" كلّ حسب إيديولوجيّته و مصلحته كما أنّ تكرارهم لهذا الإنكار لوجود مساجين سياسيّين في مناسبات مختلفة وخاصّة في اجتماعات حزبهم دليل على ضعف الاقتناع بخطابهم لدى الرّأي العام في الدّاخل و في الخارج من ناحية و على تنامي حركة المطالبين بإطلاق سراح المساجين السّياسيّين و سنّ "العفو التّشريعيّ العام" كمدخل لإصلاحات حقيقيّة و شاملة في البلاد من ناحية أخرى.لكن الجديد في موقف وزير العدل هو إقراره في ندوة صحفيّة بأنّ هؤلاء المساجين الّذين يعتبرهم "مساجين حقّ عام" لهم خلفيّات فكريّة و سياسيّة و هي خطوة في الاتّجاه الصّحيح لأنّ دخول الآلاف من التّونسيّين و التّونسيّات إلى السّجن من نفس الإنتماء الفكري و السّياسي على مدى 15 سنة من الزّمن في قضايا "الحقّ العام" أمر مستحيل. وقد حصل أن دخل أفراد السّجن فلم يعتبرهم أحد مساجين سياسيّين أو طالب بإطلاق سراحهم أو أن يشملهم "عفو تشريعيّ عام" .إنّ الضّرر المادّي و المعنوي النّاتج عن الصّورة الّتي تقدّمها تصريحات الوزير و أمثالها عنّي لدى الرّأي العام من جهة و طبيعة المعاملة الّتي تعرّضت لها طوال 15 سنة في السّجن الّتي يمكن تلخيصها في السّجن مع العزل مع النّفي مع التّجهيل مع التّجويع مع التّرويع من جهة ثانية يجعل اللّجوء إلى القضاء أمرا مشروعا لعلّه ينصفني لكن تجربتي أثبتت أنّ هذه الطّريق مسدودة وحتّى حقّ التّقاضي الّذي ينصّ عليه الدّستور غير مضمون فقد سبق لي أن رفعت دعوى ضدّ الإدارة العامّة للسّجون بتاريخ 10 ديسمبر 1999 ممثّلة في مديرها العام من سجن الهوارب بعد حرماني من حقّي القانوني في إدخال كتب المطالعة عن طريق عائلتي نظرا لفقر مكتبة السّجن كمّا و كيفا فلم تصل رسالتي لرفع الشّكوى إلى السّيّد وكيل الجمهوريّة بالقيروان . ثمّ وفي 18 جوان 2005 رفعت دعوى ضدّ المدير العام السّابق للسّجون بسبب تجاوزه للقانون بوضعي في "العزلة الانفراديّة" دون مبرّر معلن و مقنع و لمدّة سنتين كاملتين و ما سبّبه لي ذلك من ضرر ولكن دون جدوى رغم مراسلة عائلتي لوزارة العدل مرّة أولى في 3 جانفي و ثانية في 6 فيفري 2006 في الغرض فلا جواب ! كما طالبت بحقّي في مقابلة محام لاستشارته في مسائل قانونيّة تهمّ وضعيّتي وظروف إقامتي كسجين ومتابعة القضايا العدليّة الّتي رفعتها ضدّ الإدارة العامّة و ذلك منذ 24 جانفي 2005 ثمّ جدّدت الطّلب في 28 أفريل 2006 فلا جواب . فما جدوى رفع دعوى جديدة في غياب علويّة القانون و سعي الإدارة لتعطيل سير القضاء ؟ على يد من يرفعون شعار"دولة القانون و المؤسّسات".إذن و بعد القيام بواجب الرّدّ فالإحتاج فالتّوضيح في غياب الحوار واستحالة الإحتكام إلى القانون لم يبق لي يا أهلي الكرام إلا أن أعبّر عن استيائي الشّديد من موقف الوزير الّذي ينكر صفتي كسجين سياسي في قضيّة سياسيّة تستوجب حلا سياسيّا عادلا يرفع المظالم و يعيد الحقوق إلى أهلها في إطار إصلاح شامل لا يحتمل التّأخير و التّأجيل. في نفس الوقت لم يزدني موقفهم هذا إلا اقتناعا و ثقة و تمسّكا بمبادئي و حقوقي و مطالبي المشروعة و الملحّة من أجل مستقبل أفضل لشعبي ووطني وأمّتي و الإنسانيّة و من أهمّها: 1- وضع حدّ لخمسين سنة من المحاكمات السّياسيّة و لتوظيف القانون و القضاء لإقصاء الرّأي المخالف و الحدّ من الحرّيّات و خاصّة حرّيّة التّديّن و التّفكير و التّعبير و التّنقّل و التّنظّم و المشاركة في الحياة العامّة.2- إخلاء السّجون من كلّ المساجين السّياسيّين بدون استثناء و تمكين المتضرّرين من حقوقهم المدنيّة و السّياسيّة و الإجتماعيّة و التّعويض عن الأضرار المادّيّة و المعنويّة الّتي لحقتهم نتيجة الإعتقال.3- حلّ "البوليس السّياسي" واحترام حقّ المواطن في حضور محام عند الإيقاف لدى الشّرطة و في كامل مراحل البحث و تحريم و تجريم التّعذيب و محاسبة ممارسيه مهما كانت صفتهم.4- مراجعة جدّيّة للقوانين المنظّمة للحياة السّياسيّة و فتح باب المشاركة السّياسيّة للجميع دون إقصاء
و الإعتراف بحركة النّهضة في مناخ من الحرّيّات الحقيقيّة و في ظلّ قوانين عادلة لبناء مؤسّسات ممثّلة تعبّر عن إرادة الشّعب الحرّة و طموحاته المشروعة في إطار إحترام مبدأ التّداول السّلمي على السّلطة.5- بناء مجتمع مدني حقيقي يحقّق التّوازن في الحياة الوطنيّة ويقطع مع نظام الحزب الواحد و الرّأي الواحد باحترام حرّيّة واستقلاليّة القرار لمختلف مكوّناته الدّينيّة و السّياسيّة و النّقابيّة و الإعلاميّة و الحقوقيّة و المهنيّة و الثّقافيّة و العلميّة و القطاعيّة.6- إعادة الإعتبار لمكانة الإسلام في البلاد حتّى يكون المرجع في حياة الفرد و المجتمع و الّدولة و بناء نهضة علميّة معاصرة تقوم على الإجتهاد في حسن فهم الإسلام و حسن تطبيقه بما يحصّن مجتمعنا و يميّز حداثتنا و يقدّم الصّورة الّتي تليق بالإسلام قولا وعملا لأهل الثّقافات و الحضارات الأخرى.7- العمل على استقلال القرار الوطني السّياسي و الإقتصادي و الثّقافي في إطار التّفتّح على العالم و المساهمة الفاعلة في تقدّم الإنسانيّة باتّجاه الحرّيّات و العدل و السّلام و حسم القضايا المصيريّة بالعودة إلى الشّعب عبر الحوار الوطني و الإستفتاء الحرّ من ذلك العلاقة بالكيان الصّهيوني و الإجتهاد في مناصرة القضايا العربيّة و الإسلاميّة و الإنسانيّة العادلة و في مقدّمتها مقاومة الإحتلال في فلسطين و العراق وأفغانستان و سوريا و لبنان و الشّيشان و دعم إيران و السّودان. ختاما يا أهلي الكرام، إخترت أن أعبّر لكم عن موقفي هذا اليوم بالذّات الموافق للذّكرى 25 للإعلان عن تأسيس حركة الإتّجاه الإسلامي أملا في أن تعيش بلادنا تجربة تعدّديّة حقيقيّة و متطوّرة تعكس التّنوّع و النّضج الحاصل داخل المجتمع و تحقيق نهضة شاملة للبلاد فتعود تونس منارة مضيئة في كلّ الإتّجاهات شرقا و غربا و جنوبا و شمالا كما كانت. و من السّجن المدني بتونس قبل أيّام من إغلاقه بعد حوالي قرن من الزّمن مثّلت فيه هذه المؤسّسة رمزا لسلب الحرّيّة و الحقوق و حتّى الحياة لقافلة طويلة من المناضلين و المناضلات الوطنيّين من كلّ الأجيال و مختلف الإتّجاهات ليبقى "شارع 9 أفريل" رمزا لنضال التّونسيّين و التّونسيّات دفاعا عن حرّيّة الشّعب و استقلال قراره و هويّته العربيّة الإسلاميّة المتجذّرة و كرامة الإنسان. فلا يفوتني يا أهلي الكرام أن أحيّيكم على صبركم الجميل و ثقتكم و مساندتكم و نضالكم فلا خوف على تونس بوجودكم و الله أسأل أن أكون دائما عند حسن ظنّكم و موعدنا الصّبح أليس الصّبح بقريب ؟ :""
المصدر : بريد الفجر نيوز [email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.