موريتانيا 2007: تقدمٌ سياسي وتراجعٌ اقتصادي img class="image-frame" title="مواطنون في أحد شوارع العاصمة الموريتانية نواكشوط يرحبون ب "العهد الجديد" إثر فوز الرئيس الجديد سيدي محمد ولد الشيخ في أبريل 2007" height="165" alt="مواطنون في أحد شوارع العاصمة الموريتانية نواكشوط يرحبون ب "العهد الجديد" إثر فوز الرئيس الجديد سيدي محمد ولد الشيخ في أبريل 2007" src="http://www.swissinfo.org/xobix_media/images/afp/2007/afp20071221_8556929_0.jpg" width="230" / شرح الصورة: مواطنون في أحد شوارع العاصمة الموريتانية نواكشوط يرحبون ب "العهد الجديد" إثر فوز الرئيس الجديد سيدي محمد ولد الشيخ في أبريل 2007 (AFP) مواضيع متعلقة * a title=""سياسة العصا والجزرة" في مواجهة "ثورة الجياع" (21.11.2007)" href="http://www.swissinfo.org/ara/front/detail.html?siteSect=105&sid=8433472&cKey=1195654986000&ty=st""سياسة العصا والجزرة" في مواجهة "ثورة الجياع" * a title="مساعي تأسيس "حزب السلطة" في موريتانيا تثير الريبة والإنتقاد (28.09.2007)" href="http://www.swissinfo.org/ara/front/detail.html?siteSect=105&sid=8253046&cKey=1190971159000&ty=st"مساعي تأسيس "حزب السلطة" في موريتانيا تثير الريبة والإنتقاد * a title="النفط الموريتاني: "كان صرحا من خيال فهوى" (10.08.2007)" href="http://www.swissinfo.org/ara/front/detail.html?siteSect=105&sid=8080565&cKey=1186747802000&ty=st"النفط الموريتاني: "كان صرحا من خيال فهوى" * الإسلاميون الموريتانيون: ترخيص جديد لحزب قديم * العبودية في موريتانيا: دراسة وقانون مثيران للجدل * اللاجئون الموريتانيون: هل حانت نهاية مأساة 18 عاما؟ * فضيحة تهريب المخدرات التي هزت موريتانيا "مسار سياسي فريد من نوعه في العالم العربي، وحالة ديمقراطية غير مسبوقة في المنطقة، واكبها تأخّر وتقهقُر في مسار التنمية والتطور الاقتصادي، شكّل أكبر تحدٍّ لهذه التجربة الناشئة الفريدة في المنطقة العربية". بهذا التعليق، اختصر أحد المحلِّلين السياسيين الحالة العامة في موريتانيا خلال عام 2007. هذه الحالة شكّلت مُنعرجا تاريخيا في حياة الموريتانيين؛ فلأوّل مرّة شهِد هذا العام توجّه الموريتانيين إلى صناديق الاقتراع لاختيار رئيس للبلاد، لم تُحدد هويته سلفا. هذا الرئيس الذي وصل إلى السلطة واعترفت المعارضة بشرعية انتخابه، رغم اتِّهامها للمجلس العسكري الحاكم سابقا بالانحياز له خلال الحملة الانتخابية. ثلاث خطوات هامة للرئيس الجديد وفور تسلمه مقاليد الحكم، سارع الاقتصادي والسياسي المُخضرم سيدي محمد ولد الشيخ، إلى إطلاق العِنان للحريات العامة وأقدم على فتح ملفات سياسية وحقوقية. وكان الحكّام العسكريون الانتقاليون يشاطرون سلفهم الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع في رفض الخوض فيها، فسارع ولد الشيخ عبد الله فور دخوله قصر الرّمادي بنواكشوط، إلى ترخيص عدد من الأحزاب السياسية التي كانت ممنُوعة من الشرعية، وفي مقدمتها حزب "التجمع الوطني للإصلاح والتنمية"، وهو حزب أسّسه الإسلاميون الموريتانيون. وقد وصف العقيد اعل ولد محمد فال، رئيس المجلس العسكري الحاكم سابقا في البلاد، الترخيص لهذا الحزب بأنه خرق سافِر للدستور، وتعهّد أيام كان حاكِما عسكريا للبلاد، بأن لا يتِم الترخيص له أبدا ومهما كلّف الثمن. أما الخطوة الثانية التي أقدَم عليها ولد الشيخ عبد الله، رغم معارضة سلفه لها، فهي قراره الاعتراف بالتصفِيات العِرقية التي شهدتها البلاد أواخر الثمانينيات وبداية التسعينيات من القرن الماضي، واعتذاره باسم الدولة الموريتانية لضحايا تلك الأحداث، وتعهُّدِه بإعادة اللاجئين من الزّنوج الموريتانيين في السِّنغال ومَالي والذين هُجِّروا جرّاء تلك الأحداث، وهي أحداث ظل ولد الطايع ينفي ارتكابها وسارع لسدّ الباب أمام أي محاولة لنبشها، من خلال إصدار قانون عفوٍ عن كل المتورّطين فيها. كما رفض العقيد اعل ولد محمد فال التّعاطي مع هذا الملف بإيجابية، وأصرّ على أن حكومته الانتقالية لن تُعيد أحدا إلى البلاد، وأن مَن لديه أدِلّة تُثبت هويّته الموريتانية، فما عليه إلا أن يتقدّم إلى شرطة الحدود ليعود إلى البلاد، دون الحديث عن تعويض، فضلا عن الاعتذار عمّا حصل أو الاعتراف به. أما الخطوة الثالثة التي اتخذها نظام الرئيس الجديد وشكّلت مَزيدا من كسر الجمود الذي كان يلف بعض القضايا الحقوقية الحساسة في البلاد، والتي ظلّت عالقة خلال السنوات الماضية، فهي إصدار قانون يجرّم العبودية ويعاقب مُمارسيها، فقد ظل نظام ولد الطايع ينفي في السابق وجود العبودية في موريتانيا ويتهم مناهضيها بالمتاجرة بأعراض الشعب وسُمعة البلاد ومِصداقيته، وزجّ بهم في السّجون وقدّمهم للمحاكمات، ثم جاء خلفه العقيد ولد محمد فال ليؤكّد هو الآخر عدم وجود عبودية في موريتانيا ويُجدّد الاتهامات السابقة لمناهضيها. لكن سيدي ولد الشيخ عبد الله سارع فَور وصولِه إلى الحكم إلى تحطيم ذلك التّابُو، وقدّم للبرلمان مشروع قانون يُجرِّم العبودية ويُعاقب ممارسيها، وهو القانون الذي سارعت منظمات مناهضة للرِقّ إلى المطالبة بإجراء تعديلات عليه قبل إقراره، وقد كان لها ما أرادت، فضلا عن خلو المعتقلات والسجون الموريتانية من سجناء الرأي والفكر، وهو أمر قد يقول قائل، إنه بدأ منذ سقوط نظام ولد الطايع، لكن الجميع لا زال يتذكّر الاعتقالات التي طالت بعض أقارب ولد الطايع من عسكريين ومدنيين في يونيو 2006، واتهام رئيس المجلس العسكري لهم بالتخطيط لمحاولة انقلابية ضدّه، لتُبين لاحقا أن الأمر كان مجرّد ملاحقة أمنية استهدفت خصوما سياسيين وانتهت بعفو رئاسي عن المعتقلين، دون الكشف عن حقيقة التُّهم التي نُسبت إليهم. كما استمر المجلس العسكري في اعتقال عدد من السجناء الإسلاميين بتُهم الإرهاب ورفض تقديمهم إلى المحاكمة، قبل أن يقوم ولد الشيخ عبد الله بذلك. وقد اكتشفت المحكمة التي زاولت عمَلها - دون تدخّل من السلطات، كما يقول المحامون – أن أغلبهم كانوا سجناء رأي، وبرّأت ساحة العشرات منهم. إخفاقات على هامش المسيرة لكن هذا المسار السياسي الذي قطع خطوات إلى الأمام، لم يكُن ليَخلُو من منغّصات، اعتبرها المراقبون إشكالات قد لا تساهم في ترسيخ روح الديمقراطية وثقافتها في البلد، واعتبرتها المعارضة خطرا مُحدقا بالعملية الديمقراطية، وكان من أبرز تلك الأمور المثيرة للجدل، الإعلان عن بدء مشاورات لتأسيس حزب جديد، يضُمُّ أغلبية المستقلِّين الدّاعمين للرئيس الحالي سيدي ولد الشيخ عبد الله، ورئيس الوزراء الزين ولد زيدان، وهو الحزب الذي يُتوقّع أن يُصبح الحزب الحاكم في حال تأسيسه، وقد رأى فيه المراقبون "عودة بالبلاد إلى المربّع الأول" من خلال تأسيس حزب حاكم سيكون بمثابة "حزب السلطة"، أي أنه سيكون الحزب المتحكّم في كل مفاصِل الدولة والمتدخّل في كل شاردة وواردة، يحاسب الجميع على أساس ولائهم له وتفانيهم في خدمته، ويعاقَبون بقدر رفضهم السّير في فلكه. ويرى أحمد ولد داداه، زعيم المعارضة الموريتانية، أن الحزب الجديد سيكون بمثابة عودة بالبلاد إلى ما قبل "العهد الديمقراطي" ووأد للحُلم الذي تشوّق له الموريتانيون كثيرا وحلموا به، مؤكِّدا أن الحزب الذي يجري الإعداد له، سيكون بمثابة إعادة لتوطيد أركان نظام المجموعات السياسية التي كانت تحكم البلاد خلال فترة ولد الطايع. كما اعتبره صالح ولد حنّنا، زعيم حزب "حاتم" المعارض، إعادة تأسيس لهياكل "الحزب الجمهوري"، الذي أسسه ولد الطايع وحكَم البلاد باسمه، مُضيفا أنه لا فَرق بين الحزب الجديد والحزب الجمهوري الحاكم سابقا، إلا غِياب ولد الطايع عن قيادته. لكن رئيس الجمهورية سيدي ولد الشيخ عبد الله، اعتبر أن مخاوِف المعارضة مُبالَغ فيها، نافِيا أن تكون له علاقة عُضوية بالحزب الجديد، مُضيفا أنه سعيد جدّا أن يرى القِوى السياسية الداعمة له، وهي تتكتّل في حزب سياسي واحد، "وهذا أمر سيُسهل لا محالة من عمل الحكومة وانسيابِية القرارات، لكن الدستور الموريتاني يمنعُني كرئيس للجمهورية، من أن أشغل أيّ منصب قِيادي في أي حزب سياسي، وأنا شخصيا لا أجد في نفسي الرّغبة للانتماء إلى الأحزاب السياسية". هذا فضلا عن أن أحزاب المعارضة وبعض قوى الأغلبية، لا تزال تُصر على وجود بقية نفوذ لبعض أعضاء المجلس العسكري في السلطة. ويقول صالح ولد حننا، وهو ضابط سابق في الجيش الموريتاني وزعيم سياسي معارض "إن بقاء بعض أعضاء المجلس العسكري متحكّمين في السلطة، هو أمر مُؤسف وخطير للغاية، فليس من المعقول أن يستمِر بعض أعضاء المجلس العسكري في التدخّل في الحياة السياسية". واتّهم ولد حنّنا بعض الضباط بتشكيل مجموعات سياسية تابِعة لهم، ويضيف "لقد أتِيحت للموريتانيين فُرصة مكّنتهم – رغم ما عليها من ملاحظات – من اختيار من يحكُمهم، ويجب احترام إرادة الشعب ووضع حدٍّ للممارسات الأخرى المنافية لها". أزمة اقتصادية متفاقمة هذه الرّزمة من التحوّلات السياسية، دفعت المعارضة – فضلا عن الأغلبية - إلى الإقرار بأن المسار السياسي الديمقراطي للبلد شهد تقدّما ملحوظا، رغم بعض التحفّظات، لكن هذا التقدّم على المسار السياسي، رافقه تقهقُر على المسار التنموي والاقتصادي. فقد شهِدت الأسعار موجَة ارتفاعات حادّة عجز أغلب المواطنين عن مُواكبتها. ولأول مرة، خرجت المظاهرات في مناطق عُرِفت بانخفاض منسوب ولم تعرف منذ استقلال البلاد أي تظاهرات احتجاجية مهما كانت طبيعتها، بل أن أعنف هذه المظاهرات كانت في مناطق اعتبرت هي الخزّان الانتخابي الذي أنقذ ولد الشيخ عبد الله من السّقوط في الشوط الثاني من الانتخابات الرئاسية في مارس الماضي أمام منافسه زعيم المعارضة أحمد ولد داداه، مما دفع رئيس الجمهورية إلى تفهّم الأسباب التي دفعت بالمتظاهرين إلى الخروج إلى الشارع والاعتداء على رموز الدولة ومقار الإدارة والحكومة، وذلك حين قال "قراءتي لِما حدث، أن المواطنين فاجأهم ارتفاع مُذهل للأسعار فاق قُدراتهم الشرائية، ولم يلاحظوا أيّ تحسّن في مستوياتهم المعيشية، ووصل الأمر بالنسبة لهم حدّا لا يُطاق، فخرجوا إلى الشوارع للتعبير عن غضبهم". وأضاف ولد الشيخ عبد الله "إنني أدرِك جيِّدا أن الجوع والفقر هما أكبر عدُو للديمقراطية، لذلك أعتقِد أن معركتنا القادمة يجب أن تكون معركة تنمية وبناء". ورغم أن رئيس الوزراء الزين ولد زيدان نفى وجود أزمة اقتصادية تمُر بها موريتانيا، إلا أن الحكومة سارعت إلى الاعتراف عمَليا بوجود تلك الأزمة، وأعلنت عن سلسة إجراءات عاجلة للحدّ من تفاقُم الوضع والتخفيف من وطْأة تأثيره على المواطنين. وقد وصفت المعارضة الأوضاع الاقتصادية، بأنها "كارثية وتهدّد كِيان الدولة ومستقبلها بالانهيار والفوضى". وقد تزامنت هذه الأزمة الاقتصادية مع الإعلان عن تراجُع كبير في عائِدات النفط، الذي كان متوقّعا أن تصِل كمِية الإنتاج اليومي منه إلى 75 ألف برميل على أن تتضاعف لاحقا، بينما انخفض الإنتاج واقعيا ليصل إلى حدود 15 ألف برميل يوميا حاليا. وقد كان الإعلان عن ذلك بمثابة صدمة أحبَطت آمال الكثير من المواطنين، الذين طالَما حلموا ببلد نفطي يعيش سكّانه حياةً مُترفة، على غِرار سكان دول الخليج العربي. تحدّيات أخرى.. أما المسيرة الديمقراطية الموريتانية فقد واجهت تحدّيات أخرى، كان من أبرزها الاكتشافات المتلاحقة لعمليات تهريب المخدّرات وبكميات ضخمة وغير مسبوقة، تهدّد أمن الدولة وتدفع إلى الخشية من أن يكون لأباطِرة المخدرات نُفوذ قوي في الأجهزة الأمنية والسياسية في البلد. وقد تمّت مصادرة حوالي ثلاثة أطنان، أغلبها من الكوكايين، في ظرف لا يتعدّى خمسة أشهر، واعتُقل العشرات من المتّهمين والمشتبه فيهم. وقد أعلنت الحكومة أن عمليات تهريب المخدّرات على الأراضي الموريتانية ليست بالأمر الجديد، وإنما الجديد هو ملاحقتها ومصادرة الكميات المهرّبة وتوقيف المتورّطين فيها. واتّهمت الحكومة ضِمنيا الأنظمة السابقة لها بالتغاضي عن تجّار المخدرات، وقال أحد الوزراء الموريتانيين إن مِن أهم أسباب الأزمة الاقتصادية الحالية في البلاد، هو اختفاء الأموال التي كانت تدرّها تجارة المخدّرات وتهريبها عبر الأراضي الموريتانية إلى أوروبا بعد محاصرتها وتضييق الخِناق عليها، ممّا أثّر على حركة السيولة المالية في البلد. كما لا تزال الحكومة تُواجه تحدّيات أخرى، من أهمها تطبيق بعض القرارات الكُبرى التي اتّخذتها من قبيل إعادة اللاجئين وتوطينهم والتّعويض لهم وتصفية ملف الإرث الإنساني بصورةٍ تُجنّب البلاد العودَة إلى الاحتقان العِرقي مجدّدا، وهو أمر لا يزال مَحل شكّ ورَيبة لدى الكثير من المراقبين. ويُعتبر تطبيق قانون حظر العبودية ومعاقبتها تحدّيا هو الآخر، إذ يواجه هذا القانون تبِعات إرث اجتماعي تجَذّر عبر مِئات السّنين، وليست صعوبة إقناع الأسياد أو إرغامهم على التخلّي عن العبودية، بأصعب من إقناع العبيد أنفسهم بأنهم أحرار ولا سلطان لأحد عليهم، مع ضرورة تخصِيص مشاريع تنمَوية وتعليمية، خاصة لشريحة العبيد السابقين الذين يُعانون من انتشار مُذهل للأمِية والفقر في صفوفهم. كما أن مواصلة الحرب على عصابات المخدّرات، تُعتبر هي الأخرى تحدِّيا كبيرا، ستكون السلطات مُضطرة لبذْل جُهود جبّارة للتوفيق فيه، إلا أنه لا يمكن الحديث عن حصيلة السنة وإغفال آخِر خطوة أنهت بها الحكومة عام 2007، وهي نجاحها في عقد مؤتمر للمانِحين في باريس أوائل شهر ديسمبر، وهو المؤتمر الذي خرج بالمُصادقة على منح الحكومة تمويلات تفُوق مليارين ومائة وثمانين مليون دولار أمريكي، يرى الكثير من المراقبين أنها، إذا نجت من غائلة الفساد المالي وسوء التّسيير، قد تشكِّل لبنة أساسية على طريق تجاوُز المصاعب الاقتصادية والتنموية على المدَييْن، القريب والمتوسط. محمد محمود أبو المعالي – نواكشوط