العقوبة تصل إلى 5 سنوات ...إيداع برهان بسيّس ومراد الزغيدي .. السجن    مجلس العمداء يدعو رئيس الجمهورية إلى فتح باب الحوار    يوميات المقاومة .. تحت نيران المقاومة ..الصهاينة يهربون من حيّ الزيتون    الكاف: اصابة 10 اشخاص في حادث مرور    منوبة .. ينتحل صفة موظف بالداخلية ويقوم بجمع التبرعات    مواصلة تنفيذ برنامج التمكين الاقتصادي    بعد تعرضه لمحاولة اغتيال.. حالة رئيس وزراء سلوفاكيا خطيرة    عقارب: أجواء احتفالية كبرى بمناسبة صعود كوكب عقارب إلى الرابطة المحترفة الثانية.    غدا..وزير الخارجية يترأس الوفد التونسي في القمة العربية بالبحرين    متابعة سير النشاط السياحي والإعداد لذروة الموسم الصيفي محور جلسة عمل وزارية    الكشف عن شبكة لترويج المخدرات بتونس الكبرى والقبض على 8 أشخاص..    الطقس يوم الخميس16 ماي 2024    القرض الرقاعي الوطني 2024: تعبئة 1،444 مليار دينار من اكتتاب القسط الثاني    البنك الاوروبي لإعادة الإعمار والتنمية يتوقّع انتعاش النمو في تونس    سليانة: إلقاء القبض على سجين بعد فراره من أمام المحكمة    صفاقس: اشتباكات بين المهاجرين غير النظاميين فيما بينهم    أمراض القلب والجلطات الدماغية من ابرز أسباب الوفاة في تونس سنة 2021    الديوانة تطلق خدمة التصريح بالدخول الخاص بالإبحار الترفيهي    مندوبية التربية بقفصة تحصد 3 جوائز في الملتقى الوطني للمسرح بالمدارس الاعدادية والمعاهد الثانوية    عاجل : هزة أرضية في قفصة    في ذكرى النكبة: تونس تجدّد دعمها اللامشروط للشعب الفلسطيني    عاجل : أحارب المرض الخبيث...كلمات توجهها نجمة'' أراب أيدول'' لمحبيها    أغنية صابر الرباعي الجديدة تحصد الملايين    بمناسبة عيد الأمهات..البريد التونسي يصدر طابعا جديدا    الإعلان عن تركيبة الإدارة الوطنية للتحكيم    يشكّل تهديدا للنمّو.. الصين تسجّل فائضا قياسيّا بملايين المساكن    حاحب العيون: انطلاق فعاليات المهرجان الدولي للمشمش    الفلاحون المنتجون للطماطم يطالبون بتدخل السلطات    بسبب لقطة غير لائقة من الجمهور في مباراة الترجي والنجم: التلفزة التونسية تفتح تحقيق..    ميشيل مدرب جيرونا: إنهاء الموسم في المركز الثاني مهمة صعبة جدا    قطر تستضيف النسخ الثلاث من بطولة كأس العرب لسنوات 2025 و2029 و2033    وزير الفلاحة يعرب عن إعجابه بصالون الفلاحة والصناعات الغذائية بصفاقس    على هامش الدورة 14 لصالون للفلاحة والصناعات الغذائية صفاقس تختار أفضل خباز    وزير الشؤون الدينية يؤكد الحرص على إنجاح موسم الحج    القلعة الخصبة: انطلاق فعاليات الدورة 25 لشهر التراث    الدورة ال3 لمهرجان جربة تونس للسينما العربية من 20 إلى 25 جوان 2024    وفاة عسكريين في حادث سقوط طائرة عسكرية في موريتانيا..#خبر_عاجل    أكثر من 3 آلاف رخصة لترويج الأدوية الجنيسة في تونس    علاجات من الأمراض ...إليك ما يفعله حليب البقر    من بينهم طفلان: قوات الاحتلال الصهيوني تعتقل 20 فلسطينيا من الضفة الغربية..#خبر_عاجل    وزارة المالية تكشف عن قائمة الحلويات الشعبية المستثناة من دفع اتاوة الدعم    وزير الرياضة في زيارة تفقديّة للملعب البلدي بالمرناقية    صورة/ أثار ضجة كبيرة: "زوكربيرغ" يرتدي قميصًا كُتب عليه "يجب تدمير قرطاج"..    ما حقيقة سرقة سيارة من مستشفى القصرين داخلها جثة..؟    عاجل - مطار قرطاج : العثور على سلاح ناري لدى مسافر    أصحاب المخابز يُطالبون بصرف مستحقّاتهم لدى الدولة    أنشيلوتي يتوقع أن يقدم ريال مدريد أفضل مستوياته في نهائي رابطة أبطال أوروبا    اخر مستجدات قضية سنية الدهماني    الأهلي يصل اليوم الى تونس .. «ويكلو» في التدريبات.. حظر اعلامي وكولر يحفّز اللاعبين    اليوم إياب نصف نهائي بطولة النخبة ..الإفريقي والترجي لتأكيد أسبقية الذهاب وبلوغ النهائي    ارتفاع عدد قتلى جنود الإحتلال إلى 621    أول أميركية تقاضي أسترازينيكا: لقاحها جعلني معاقة    قابس : اختتام الدورة الثانية لمهرجان ريم الحمروني    مفتي الجمهورية... «الأضحية هي شعيرة يجب احترامها، لكنّها مرتبطة بشرط الاستطاعة»    أولا وأخيرا: نطق بلسان الحذاء    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د.الحبيب الجنحاني:سقطت الأحلام لأن الدولة الوطنية تحولت إلي القمع والاستبداد
نشر في الفجر نيوز يوم 17 - 05 - 2008

د. الحبيب الجنحاني الباحث وأستاذ التاريخ الاقتصادي والاجتماعي : سقطت الأحلام لأن الدولة الوطنية تحولت إلي القمع والاستبداد
تونس حاوره :إشراف بن مراد
ما زلنا نناضل من أجل المواطنة لأن المفهوم السائد في الدول العربية هو مفهوم الرعايا
التيار التنويري اليوم بين مطرقة النظم الاستبدادية وسندان الحركات المتطرفة
كيف نصل إلي الديمقراطية بينما الحريات العامة مقموعة؟!
العرب فشلوا في التصدي للمشروع الصهيوني بسبب تخلفهم وتردي أوضاعهم
وجود النظم الاستبدادية بالمنطقة العربية جعل الديمقراطية الإسرائيلية تبدو براقة
لا يمكن أن نتحدث عن فصل الدين عن الدولة لكني أدعو لفصل الدين عن السياسة

الدكتور الحبيب الجنحاني باحث وأستاذ التاريخ الاقتصادي والاجتماعي في الجامعة التونسية، نشر عددا من الكتب في تونس والرباط والقاهرة وبيروت ودمشق والكويت وعمان.. وهو خبير غير متفرغ بالمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم سابقا.
من بين مؤلفاته نذكر المجتمع العربي الإسلامي: الأسس الاقتصادية والاجتماعية ، المجتمع المدني والتحوّل الديمقراطي في الوطن العربي ، العولمة والفكر العربي المعاصر ، دراسات في الفكر العربي الحديث ..
وأنتم المختصون في التاريخ الاقتصادي والاجتماعي في العالم الإسلامي. هل تعتقدون أنّ إعادة قراءة التاريخ يمكن أن تفيد الحاضر؟
- أعتقد أنّ إعادة قراءة التاريخ تفيد الماضي والحاضر والمستقبل لكن بشرط أن تعاد هذه القراءة حسب مناهج البحث الجديدة التي تطورت تطورا كثيرا وخاصة خلال الثلاثين سنة الماضية في المجتمعات المتطورة بالخصوص. ولذا من الطبيعي جدّا سواء بالنسبة إلي التاريخ الاقتصادي والسياسي (وهو اختصاصي الأكاديمي) أو بالنسبة إلي أي نصوص أخري، من المهم جدا ومن المفيد أن تعاد قراءة هذه النصوص وأن تستنطق من جديد حسب هذه المناهج. وذلك ليكون تاريخنا في الماضي أقرب إلي الموضوعية والحقيقة التاريخية التي وقعت في القرون الماضية لأننا أحيانا نتحدث عن حقائق تاريخية ولكن تقدم البحث والمناهج يثبت أن هذه الحقائق لم تكن دقيقة وواضحة والنظرة إليها لم تكن سليمة بل كانت متأثرة بظروف معينة. ومن ثمّة فإنّ إعادة النظر فيها حسب هذه المناهج يجعلنا نصل إلي أقرب ما يكون إلي الحقيقة التاريخية هذا بالنسبة إلي الماضي.
كما أنّ معرفة حقائق الماضي معرفة دقيقة تفيد الحاضر لأنّنا مثلا نقرأ بعض النصوص التي تسعي إلي تفسير مظاهر معينة في حاضرنا العربي والإسلامي بالعودة إلي الماضي ولكن التثبت يؤكد أنّ الماضي الذي يستشهد به هو في الحقيقة ليس دقيقا وليس صحيحا في بعض الأحيان. فكيف يمكن أن نفسر مظاهر في حاضرنا بناء علي مقولات مبتورة أو مشكوك فيها في الماضي. ولذا فإنّ إعادة قراءة هذه النصوص تفيد أيضا الحاضر لكن بشرط أن تكون وفق منهجية نقدية جديدة تستفيد مما وصلت إليه المناهج الحديثة في البحث.
أطلق العالم الأزهري الشيخ حسن العطار في مطلع القرن التاسع عشر صيحة فزع قائلا إنّ بلادنا لابدّ أن تتغير أحوالها ويتجدد بها من المعارف ما ليس فيها . لماذا لم يتحقق الحلم؟ ولم لم تنجح حركات التنوير العربية في إرساء أسس الدولة المدنية؟
- في الحقيقة، هذا سؤال كبير جدير بالدراسة والبحث، لكن يمكن أن نوجز الحديث فيه فالشيخ الأزهري قال هذا الكلام في مطلع القرن ال 19 وهو أستاذ رفاعة رافع الطهطاوي والذي شجعه وساعده علي السفر إلي باريس وكتب نصوصا تنويرية خاصة وأنها صادرة من علماء دين في ذلك الوقت وهم علماء أزهريون وأهم نص كتبه هو رحلته في باريس الابريز في تلخيص باريز لأنه أراد أن يطلع الرأي العام العربي والإسلامي في ذلك الوقت علي مظاهر التقدم في أوروبا لأنّ مظاهر التقدم لم يكن يعرفها إلا قلة خاصة أولئك الذين رحلوا إلي أوروبا. وقد قلت في إحدي الدراسات إنّ الهدف الأساسي للكثير من المثقفين العرب الذين كتبوا ووصفوا رحلاتهم إلي أوروبا ومنهم الشيخ الطهطاوي وخير الدين باشا التونسي وفارس الشدياق... هو تقديم صورة مشرقة للغرب لأنّ الشعوب العربية والإسلامية عرفت الوجه السلبي للغرب عبر الحملات الاستعمارية. لذلك فإنّ النخبة القليلة التي زارت أوروبا أرادت أن تطلع العالم العربي الإسلامي علي الوجه المشرق للغرب المتمثل في احترام المواطنة والحقوق في المؤسسات الدستورية ووجود برلمانات تراقب عمل الدولة والحكومة حيث إن الكتابة كانت هادفة ثم تواصلت حلقات التنوير وكان الحلم الأكبر ربما ليس بناء الدولة المدنية بالمعني اليومي الحديث لكن الحلم ببناء الدولة الحديثة التي تقوم علي المؤسسات الدستورية. ثم تلت ذلك مرحلة أخري وهي مرحلة حركات التحرر الوطني فظهرت هنا الأحزاب السياسية من أجل العمل علي استقلال البلدان العربية وتحريرها لأنّ الاستقلال هو الخطوة الأساسية لبناء الدولة الوطنية ولذا فإنّ النخب والأحزاب ركزت جهودها بالأساس علي حركات التحرر الوطني من التبعية للأجنبي. طبعا التيارات الفكرية الحداثية موجودة ولكنها امتزجت وانصهرت في حركة التحرر الوطني لأنّ تحقيق حلم الدولة الحديثة لا يمكن أن يتم في ظلّ التبعية والاستعمار.
ثم جاءت بعد ذلك مرحلة بناء الدولة الوطنية غداة الاستقلال في المغرب العربي أو في المشرق وأقطار الخليج علي أساس ما ناضلت من أجله الأجيال السابقة. وهنا تشعر من خلال كتابات رواد الفكر أنّ الاستقلال السياسي لم يكن هدفا في حدّ ذاته بل هو الخطوة الضرورية الأساسية لتحقيق الحلم الذي بدأ منذ مقولة حسن العطار والداعي إلي تجديد المجتمع.
لكن مع الأسف خاب الظنّ وسقطت الأحلام لأنّ الدولة الوطنية الحديثة التي أسست غداة الاستقلال تحوّلت في جلّ الأحوال إلي دولة قامعة ومستبدة ولذا لم تتحقق أحلام التنويريين العرب. ومن المؤسف أن نقول هذا بعد مرور قرن ونصف القرن ونحن في بداية الألفية الثالثة مازال الكثير من القضايا مطروحاً، علي سبيل المثال تأثر هؤلاء الرواد بالغرب وتحدثوا عن فكرة المواطنة ونحن الآن مازلنا نناضل من أجل المواطنة لأن المفهوم السائد في الدول العربية مفهوم الرعايا. رغم أننا نستعمل مصطلح المواطنة في خطاباتنا الرسمية لكن هذا المفهوم أفرغ من محتواه لأنّ القضية ليست مرتبطة بالتعبير فنحن عندما نقول مواطن فإننا نتحدث عن حقوقه وعن احترامه واحترام الرأي المخالف.
لقد أدّي فشل الدولة إلي انحسار وتقلص الفكر التنويري الحداثي لتظهر تيارات أخري مغالية ومتطرفة لم تكن موجودة وضعيفة أثناء بروز الحركات التحررية. لكن خيبة الأمل والوسائل القمعية التي استعملتها أنشأت هذه التيارات لسببين سبب داخلي تحول الدولة الوطنية إلي دولة قامعة وسبب خارجي هو أنّ هذا الغرب مازال يعامل هذه البلدان معاملة التبعية والسيطرة بل رجع الغزو العسكري المباشر كما نعيشه اليوم في العراق وفي بلدان أخري..
مع الأسف، نستطيع أن نقول أصبح التيار التنويري الحداثي العقلاني اليوم في الفضاء العربي الإسلامي بين المطرقة والسندان مطرقة النظم الاستبدادية في جلّ الأحوال وسندان الحركات المتطرفة التي تكفر وترفض الآخر جملة وتفصيلا لأنه لو نعود إلي البداية نلاحظ أنّ الرواد التنويريين فرقوا وميزوا تمييزا واضحا بين وجهي الغرب الغرب المستعمر الذي قاوموه في الداخل و الغرب المتقدم والمتمدن الذي حاولوا أن يقلدوه وأن يستفيدوا منه ، بينما الآن نجد تيارات متطرفة ترفض الغرب جملة وتفصيلا. وهذا لا يصح..
كيف ترون دور المثقف ضمن هذه المنظومة وعلاقته بالسلطة؟
- أحيانا نحمل المثقف أكثر مما يستطيع، وهذا ليس تبريرا ولكن لا ننسي أنّ المثقف هو ابن بيئته ويعيش في ظروف معقدة في مجتمعه فهو لا يعيش في برج عاجي بل إنّه خاضع للضغوطات السياسية والاجتماعية.. ومع ذلك هذا لا يعفيه من مسؤوليته باعتباره يمثل الرأي المستنير ويستطيع أن يدرس الأحداث ويتنبّأ بالمستقبل انطلاقا من الحاضر ولكن لا بدّ أن نقول إنّ هذا الدور ازداد تعقيدا في السنوات الأخيرة وأبرز أسباب هذا التعقيد هو حرمانه من مناخ الحريات العامة.. فالمثقف قد أدي دوره في المجتمعات المتقدمة لأنّ له منابر متعددة في الصحافة ويتكلم بحرية ويحترم. لكن في جلّ الحالات في الأقطار العربية هو مقموع ولا تسمع كلمته بل إن دوره في كثير من الأحيان خصّص لتزيين المحافل أي مجرد ديكور وكل مثقف يحترم نفسه لا يقبل أن يكون ديكورا.
طبعا، لقد أصبح دوره هنا معقدا جدا إلي جانب كونه بين المطرقة والسندان مطرقة النظم السياسية وسندان الحركات المتطرفة التي تكفره لأنه عقلاني وحداثي وتتهمه بأنه ارتمي في أحضان الغرب. وليس من الصدفة أنّ العلاقة بين المثقف والسلطة السياسية في المجتمع العربي الإسلامي هي علاقة متوترة في جلّ الأحيان علي الرغم من أنها كانت من المفروض أن تكون علاقة تعاون وتكامل فصاحب القرار السياسي يستفيد من آراء النخبة والنخب تسهم بالتعاون معه في تحقيق خطوات نحو التقدم والحداثة ونحن أحوج ما نكون إلي هذه الخطوات.. ولكن في كثير من الأحيان يطلب منه أن يكون مبررا لسياسة ليس له فيها ناقة ولا جمل، إذ يطلب منه أن يكون بوقا لتمرير سياسة ولو كانت خاطئة.
وهنا كل مثقف يحترم نفسه لا يقبل هذا الدور وسيحاول حسب إمكانياته المتواضعة أن يسهم في تطور مجتمعه أو ينعزل ويصبح مهمّشا وفي هذا خسارة كبري للمجتمع ككل..
يعد مفهوم الحرية من أكثر المفاهيم التي لها دلالات متعددة. فإلي أي حدّ يتأثر هذا المفهوم بطبيعة الفكر الإسلامي وبالمذاهب الدينية؟
- لقد كان لي شرف الإسهام في تقرير الأمم المتحدة للتنمية الذي صدر سنة 2004 عن موضوع الحرية في الوطن العربي. وقد أسهمت بدراسة عن مفهوم الحرية في التاريخ العربي الإسلامي لأنّ المفهوم الحديث للحرية التي تحدث عنها المفكرون الغربيون دخل في الفكر العربي الإسلامي حديثا أي مع نهاية القرن 18 ومطلع القرن 19. . لكن في التراث العربي الإسلامي كان هنالك ما يوازيه الإنسان حر وبذلك هو مخير و ليس مسيرا وبالتالي هو مسؤول عن أفعاله.. ثم ظهر مفهوم الحرية إضافة إلي مفاهيم أخري كالوطن وهي مفاهيم برزت في نصوص رواد الحركات الإصلاحية ابتداء من القرن 19 والقرن 20 بصفة خاصة.. لكن من حسن الحظّ أنّ مفهوم الحرية التي انتشرت في الغرب كان هو الأساس الذي انطلقت منه حركات التحرر الوطني في الوطن العربي. ومع ذلك مازلنا في الفضاء العربي الإسلامي بعيدين عن مفهوم الحرية كما هو متداول في الغرب رغم تفطن بعض الاصلاحيين إلي هذه النقطة فقد تفطن خير الدين باشا مثلا إلي ذلك من خلال كتابه أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك لأنّ خير الدين تميز بأمرين فقد كان مصلحا مفكرا كما أنه باشر السلطة السياسية فقد وصل إلي منصب الوزير الأكبر في تونس ثم الصدر الأعظم في اسطنبول وهو ما ساعده لأن يتفطن إلي أنه لا يمكن أن يتقدم المجتمع دون الحريات العامة لذلك تحدث عن هذه الحريات كحرية التعبير، النشر، القول.. أما اليوم فنحن مازلنا في هذه المرحلة إذ لم نصل إلي مفهوم الحرية الذي وصل إليه الغرب. من هذا المنطلق، بعد أن كنت أكتب عن حقوق الإنسان والديمقراطية. أصبحت أركّز علي الحريات العامة إذ كيف نستطيع أن نصل إلي الديمقراطية والحريات العامة مقموعة.
يقولون إنّ إسرائيل ديمقراطية فكيف يمكن أن نفهم الديمقراطية الإسرائيلية؟ ولما فشل العرب إلي الآن في التصدي للمشروع الصهيوني؟
- منذ تأسيس دولة إسرائيل (وهي تحتفل هذه السنة بمرور 60 سنة من تأسيسها) فشل العرب في التصدي للمشروع الصهيوني. ويعود هذا الفشل إلي الوضع المتردي والمتخلف للبلدان العربية وهي حقيقة لا يمكن إنكارها. ثم إنّنا لما نتحدث علي المشروع الصهيوني لا ننسي أنّه مشروع غربي فالمشروع الصهيوني نشأ في الغرب في ظروف تاريخية معينة. فقد أراد الغرب بعد الحرب العالمية الثانية التكفير عن الذنوب النازية والفاشية التي ارتكبها بالتضامن مع هذا المشروع علي حساب الأمة العربية لذلك فإن ّ كل من يتكلم اليوم عن هذا المشروع يقمع ويحاكم ويمنع.. وهو ما يؤكد أنّ هذا المشروع ليس خاصا بالإسرائيليين أو اليهود بل هو مشروع مرتبط بالفكرة الرأسمالية الإمبريالية للغرب. فقد نجحت الصهيونية في الالتحام بأهداف الإمبريالية التوسعية العالمية وما تحالفها مع المحافظين الجدد في الولايات المتحدة الأمريكية في السنوات الأخيرة إلاّ علامة من علامات هذا التحالف الذي بدأ مع نهاية القرن 19. وبما أنّ الأقطار العربية لم تتحرر من التبعية نحو الخارج فإنها لا تستطيع أن تقف في وجه هذا المشروع.
وهنا أصل إلي الشق الثاني من السؤال المتعلق بالديمقراطية الإسرائيلية فمن ملامح المشروع الصهيوني هو هذا الوجه الديمقراطي الذي تظهر به إسرائيل نحو الخارج ولذا هي أنشئت في قلب الوطن العربي باعتبارها تمثل نموذج الغرب الديمقراطي. ولكن في الحقيقة كشفت الأحداث أنّ هذه الديمقراطية هي ديمقراطية مزيفة وشكلية لأنها ديمقراطية خاصة بالإسرائيليين في بلدهم وهي ديمقراطية مرفوضة وعرجاء ذات طابع عنصري والدليل علي ذلك أنّ عرب 48 وهم الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية يقمعون ويعاملون كدرجة ثانية وهم خارج الديمقراطية لانها مقتصرة علي اليهود ولأنّ إسرائيل هي دولة دينية.
كما أنّه لا يمكن أن تؤسس الديمقراطية بمفهومها الحديث علي أسس دينية أسطورية توراتية قديمة وهذه نقطة الضعف القاتلة في النظام الإسرائيلي والذي زاد الطين بلة في الأيام الأخيرة هو الإعلان عن أنّ إسرائيل دولة اليهود إذن التأكيد علي طابعها العنصري.. ولكن الغرب يسكت عن كل هذا.
ومع الأسف أنّ ما جعل هذه الديمقراطية الإسرائيلية تشع وتبرق هو وجود النظم الاستبدادية في المنطقة العربية. ولكن هذه الديمقراطية المزيفة انكشف أمرها حتي في الغرب نفسه إذ أصبح العديد من المفكرين الأوروبيين من أصل يهودي ينددون بهذه السياسة وبهذه الديمقراطية المزيفة.
من بين كتبك نذكر العولمة من منظور عربي ، كيف تنظرون إلي هذه الظاهرة وأين يتموقع العرب في عصر العولمة؟
- لقد كتبت هذا الكتاب وظاهرة العولمة مازالت في بدايتها إذ نشر في القاهرة سنة 2000. لكن خلال السنوات الأخيرة ظهرت قضايا أخري في تفسير العولمة. لقد حاولت في هذا الكتاب أن أناقش كيف فهم بعض المفكرين العرب ظاهرة العولمة من خلال نماذج مختلفة وتبيّنت أنّ جلهم مع الأسف فهمها فهما خاطئا أو فهمها فهما بعيدا عن العمق وعن الظاهرة نفسها. لكن الأمور تغيرت بعد ذلك وأنا أعتّز أني تنبهت إلي أنّ الظاهرة في حدّ ذاتها ايجابية لأنها تمثل مرحلة جديدة بلغها المجتمع البشري. فمن أبرز مظاهرها أنها أسقطت الحدود بين البلدان وقلّصت المسافات ومن مزاياها أيضا التقدم العلمي.
لكن ألا يمكن أن نقول: إنها أصبحت تهدد الخصوصية والسيادة الوطنية؟
- هذا اللّب الايجابي لا يمنع من وجود بعض المظاهر السلبية وهنا نعود إلي مكر وذكاء الليبرالية المتطرفة الجديدة التي استغلت الظاهرة لفائدتها من أجل تراكم رأس المال. وهنا ظهرت الجوانب السلبية للعولمة.. وهو ما يفسر دعوة عديد التيارات إلي عولمة بديلة للحدّ من هذه الظواهر السلبية. لكن هناك تيارات في بلداننا العربية الإسلامية ترفض العولمة جملة وتفصيلا وهذا لا يصحّ.
هل يمكن أن نعتبر صدام الحضارات من إفرازات العولمة؟
- يعتبر صدام الحضارات من الإفرازات السلبية للعولمة المقترن بهيمنة الشمال علي الجنوب ترافقت مع بروز ايديولوجية جديدة فبعد انتصار الغرب الرأسمالي علي المعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفيتي وانتهاء الحرب الباردة حاول أن يخلق عدوا جديدا لأنّه معروف عن الرأسمالية أنّها لا بد لها أن تخلق عدوا ولو كان وهميا.. ومن هنا بدأ التنظير إلي أن هذا العدو الجديد أطّل برأسه من الجنوب أي أساسا من العالم الإسلامي وجاءت أحداث 11 سبتمبر 2001 لتعطي الأرضية لظهور هذه الإيديولوجية الجديدة التي تبناها المحافظون الجدد في الولايات المتحدة الأمريكية وصادف أن وصل المحافظون الجدد مع الرئيس الأمريكي جورج بوش إلي مركز صنع القرار في البيت الأبيض.
كيف يمكن أن نتمسك بثقافة الحوار أمام ما نعيشه من هيمنة القطب الواحد من جهة والتشتت داخل منطقتنا العربية من جهة أخري؟
- في الحقيقة، ليس هناك بديل عن الحوار فنحن لابدّ أن نؤمن بالحوار لأنّ الصدام لا يخدم بلداننا ومجتمعاتنا خاصة وأننا في حالة ضعف.. وهنا لا بدّ أن نحدّد استراتيجية للحوار أي كيف نتحاور ومع من نتحاور لأنّ الحوار أصبح بمثابة الموضة الجديدة فالكل يعقد ندوات حول الحوار إلي حدّ أنّ الأمر انقلب إلي مهرجانات جوفاء. فكالعادة ليس هناك استراتيجية موحدة فنحن مشتتون إذ تعقد الحوارات هنا وهناك وتصرف عليها أموال طائلة ولكنّ النتائج ضعيفة جدا.. وهنا أذكر بالمناسبة قبل أكثر من ربع قرن موضة أخري هي الحوار العربي الإسلامي الذي وصل إلي زقاق مسدود لأنّه لم تكن هناك استراتيجية.
قام بعض المفكرين والمثقفين في تونس مؤخرا بالدعوة إلي إنشاء جمعية للدفاع عن اللائكية. فهل يمكن للدولة أن تستغني حقا عن الدين؟
- أعتقد أنّ هذه القضية هامشية في مجتمعنا العربي الإسلامي، إذ لا يمكن أن نتحدث عن فصل الدين عن الدولة في مجتمعنا بل إني أدعو إلي فصل الدين عن السياسة والفرق بينهما شاسع. لأنّي أري أنّ من مهمة الدولة أن تشرف علي المساجد والمؤسسات الدينية وأن وتنفق عليها.. إذ لا يمكن للدولة أن تستقيل من هذه المهام.. لكن المهم هو فصل الدين عن السياسة أي أن لا يستغل الدين السياسة وكذلك لا تستغل السياسة والسلطة الحاكمة الدين لفائدتها.
يقول الدكتور محمد صالح الهرماسي لا مستقبل للعرب خارج الثقافة العربية الإسلامية . فأين ترون مستقبل العرب؟
- طبعا لا يمكن لمستقبل العرب أن يكون خارج الثقافة العربية الإسلامية إذ لا يمكن بناء المستقبل خارج المنظومة التي نعيشها. ومن ثمة فإن تطوير هذه الثقافة وغربلتها أصبح أمرا حتميا لأنه لا يمكن أن نقوم بقطيعة معرفية مع الثقافة العربية الاسلامية..
إننّي من أنصار توظيف الجوانب المشرقة في الثقافة العربية الإسلامية لخدمة الحاضر والمستقبل.. فنحن نحترم هذه الثقافة بجميع جوانبها. لكن هناك جوانب علينا أن نحتفظ بها كتراث وجوانب اخري مضيئة نحاول أن نحييها وأن نستفيد منها في معركتنا من أجل الحاضر للتقدم في المستقبل.
ماذا تقولون للقاريء العربي، خاصة بعد الخلافات العربية العربية بخصوص عدد من القضايا المهمة؟
- الخلافات أمر يحدث وحدث في الماضي فقط أقول لقاريء لالراية، التي لي معها علاقات قديمة منذ نشأتها الأولي، أن يكون متفائلا مهما كانت الظروف سيئة ورديئة فلا بدّ من التفاؤل حتي يتمكّن الجيل الحالي من تجاوز جميع الأخطاء التي ارتكبها النظم السياسية العربية خلال نصف القرن الماضي.. المهم هو أن نؤمن أنّ الأمة العربية رغم مشاكلها هي أمة تتحدي وتعرف كيف تتغلب علي الصعوبات لأنّ التاريخ العربي القديم والحديث يبرهن علي أنّ العرب قد يخسرون بعض المعارك ولكنّهم لا يقبلون الهزيمة.


السبت17/5/2008


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.