ماذا عساني أن أقول في مثل هذا الموقف الحزين ؟ ماذا عساني أن اكتب في هذه المناسبة الأليمة ؟ إن الإنسان لا يمكنه إلا أن يقف عاجزا أمام مصيبة الموت الرهيبة . لقد فوجعت العائلة النقابية والأسرة التربوية والساحة الديمقراطية في تونس بفقدان المناضل النقابي والديمقراطي : الأستاذ محمد الراجحي رحم الله وهو لا يزال يضحي في سبيل البلاد والعباد بالرغم من تقاعده عن العمل . انه اختار بكل وعي رحمه الله أن ينحاز لشعبه في النضال من اجل قيم الحرية والمساواة والعدل . ولئن تقاعد عن العمل الوظيفي إلا انه لم يتقاعد عن النضال النقابي والسياسي فهو الذي دعا إلى تكوين نقابة المتقاعدين وانخرط فيها عضوا ناشطا وهو الذي لا يترك مناسبة فيها إعلاء لصوت الشغالين والمظلومين إلا وكان حاضرا حضورا فعالا يقدم بعض الحلول والمقترحات المتاحة لإزاحة الظلم عن المظلومين ولزرع بذور الأمل في حركة النضال الاجتماعي والسياسي مقدما بعضا من دروس الماضي لتجاوز كل العراقيل والحواجز والخلافات التي حالت دون تحقيق الحد الأدنى من طموحات شعبنا في العيش بحرية وكرامة تليق بما وصل إليه من نضج و وعي و ما قدمه من تضحيات جسام .لقد عرفته نقابيا في بن عروس يتألم لوضع المؤسسة التربوية وما آلت إليه من تدهور في التحصيل العلمي والمعرفي ومن انهيار للقيم التربوية . كان غيورا على الحركة النقابية المناضلة ومدافعا عن استقلالية الاتحاد العام التونسي للشغل . كما إنني عرفته غيورا عن الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان ومدافعا شرسا عن استقلاليتها .كان يساند كفاح الشعب العربي في فلسطين ضد العدو الصهيوني والامبريالية العالمية وعلى رأسها أمريكا وكان يدافع عن الشعب في العراق ضد الاحتلال والغزو الأمريكي وكان يقف إلى جانب لبنان ضد كل الاعتداآت الصهيونية وبكلمة كان يساند كل حركات التحرر في العالم . إني لا زلت اذكر كلماته كلما قرأ لي نصا في جريدة الشعب أو جريدة الموقف إلا و يشجعني ويحرضني على الكتابة . وها هو يرحل عنا تاركا لنا ارثه النقابي والسياسي المشع على أبناء شعبه . وها هو يرحل عنا مخلدا رأسماله الرمزي في الدفاع عن الشعب . وهاهو يرحل عنا وفي القلب لوعة وحسرة . إنني لم احضر موكب دفنك ولكن حضرت . إنني لم أشيعك بالدموع ولكن شيعتك بالشموع وببعض الكلمات والمعاني من قلم مقموع انحني لروحك الطاهرة بكل احترام وخشوع رحلت عنا وما رحلت . أيها الرجل الوفي كم زرعت من شجرة خضراء في هذا الوطن وكم زرعت من حبة قمح وكم زرعت من قصيدة كم تمنيت للأزهار أن تتفتح وللقلوب أن تعشق ولكنها المكيدة تؤتيك المنية فجأة فتغادر بالى مسقط راسك وتظل الأحلام بعيدة